يشهد العالم تقدمًا سريعًا في توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واستخدامها، غير أن هذا التقدم لا يحدث بشكل متساوٍ بين الجنسين، فبحسب تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا” عام 2019, لا تزال معدلات ولوج الذكور لخدمات الإنترنت واستخدامه أعلى من الإناث، حيث بلغت 58% عام 2019 مقابل 42% للإناث. وفي عام 2020 صرح الاتحاد الدولي للاتصالات بوصول الفجوة الرقمية بين الجنسين إلى 17%. ورغم تقلص الفجوة في السنوات الأخيرة، إلا أنها لا تزال قائمة، خاصة في البلدان النامية، وذلك نتيجة الأمية الرقمية والعادات والتقاليد.
تظهر فجوة مماثلة في استخدام الهواتف النقالة، فقد ذكر تقرير للبنك الدولي صادر عام 2020، بعنوان “توفير التكنولوجيات الرقمية على نحو منصف“، بأن النساء في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل اللاتي يمتلكن هواتف محمولة أقل بنسبة 8% من الرجال، ويقل عدد النساء اللاتي يستخدمن خدمة الإنترنت من خلال الهاتف المحمول عن الرجال بواقع 300 مليون، مما يمثل فجوة بين الجنسين تبلغ 20%. وحتى إن امتلكت النساء الهواتف النقالة فنسبة استخدامهن لهذه الهواتف للاستفادة من الخدمات، خاصة المالية، منخفضة جدًّا مقارنة بالذكور.
وتمثل الفجوة الرقمية فرصًا اقتصادية وتمكينية ضائعة, فعدم تمكين المرأة من الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يحرمها من فرص تأسيس شركات، والنفاذ إلى الأسواق، أو العثور على فرص وظيفية أفضل، أو حتى مجرد الوصول إلى الخدمات التعليمية والصحية والمالية.
المساواة الرقمية والمواثيق الدولية
برزت فكرة تعزيز المساواة الرقمية بين الجنسين، في الخطط الإنمائية العالمية بداية مع منهاج العمل الذي تبناه المؤتمر العالمي الرابع للمرأة الذي انعقد في بكين عام 1995، والذي يقضي بأن حقوق المرأة الإنسانية لا يمكن فصلها عن حقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك تحقيق المساواة بين الجنسين“. وكان من أهم أهداف منهاج بكين الاستراتيجية؛ توفير الخدمات التي تتيح للمرأة استخدام الإنترنت والوصول إلى تكنولوجيا المعلومات حتى يتسنى لها فرص التدريب وتطوير الذات وفتح أسواق جديدة تخدم المرأة بصفة عامة، والمرأة منخفضة الدخل بصفة خاصة، وفي القمة العالمية لمجتمع المعلومات “WSIS 2003” تم التأكيد على أن تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يوفر فرصًا هائلة للنساء، كجزء لا يتجزأ من مجتمع المعلومات.
توالى الحديث عن المساواة الرقمية بين الجنسين من أجل مجتمع معلومات شامل قائم على المساواة، حتى تم إدماج منظور النوع الاجتماعي في جميع الأهداف الـسبعة عشر الخاصة بخطة التنمية المستدامة 2030، والتي دشنتها الأمم المتحدة عام 2015, كما أضيف للخطة هدف مخصص لتحقيق المساواة الرقمية بين الجنسين في الوصول إلى خدمات الإنترنت والاتصالات، فهل تحققت المساواة الرقمية فعلًا؟
النساء في قطاع تكنولوجيا المعلومات
الفجوة الرقمية بين الجنسين حقيقة مؤكدة، ولكن هذه الفجوة تضيق تدريجيًا، بسبب زيادة التحاق النساء بالدراسة والعمل في مجالات ذات صلة بتكنولوجيات المعلومات، حيث تتزايد نسب النساء الملتحقات بالدراسة في مجالات علوم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على الصعيد العالمي والعربي تدريجيًا، فبحسب البنك الدولي لعام 2016 شكلت النساء 59% من المسجلين للدراسة في اختصاص علوم الكمبيوتر في العالم العربي.
وعلى النطاق المحلي وفي المجالات الخاصة بدراسة تكنولوجيا المعلومات في الجامعات المصرية، فقد لاقت هي الأخرى إقبالًا مرتفعًا نسبيًا للنساء، حيث تراوحت نسب النساء الملتحقات بكليات الحاسبات وتكنولوجيا المعلومات ما بين 45% عام 2015 و40% لعام 2017، ويمكن ملاحظة تراجع نسبة النساء على الرغم من تزايد أعداد الملتحقات بالدراسة كل عام، إلا أنه لا يزال ضعيفًا مقارنة بأعداد الذكور التي تتضاعف عامًا تلو آخر.
أعداد الخريجين من كليات الحاسب الآلي الحكومية والخاصة لعام 2017
المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ورغم ارتفاع أعداد النساء الملتحقات بدراسة مجالات التكنولوجيا إلا أن نسب تمثيل المرأة في وظائف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإدارة العليا والمهن الأكاديمية في القطاع التكنولوجي لا تزال ضئيلة جدًا، حيث أشار الاتحاد الدولي للاتصالات في عام 2016 إلى وجود 21 مديرة تنفيذية فقط في أكبر 500 شركة تكنولوجية في العالم، ومع انضمام 29 شركة جديدة في نفس العام كانت هناك شركة واحدة فقط تترأسها سيدة، وهو الوضع الذي استمر في 2017, فكان هناك ثلاث نساء فقط يدرن ثلاث شركات تكنولوجيا بين أكبر 500 شركة حسب تصنيف مجلة فورتشن الدولية.
وفي عام 2019 لفت أمين عام الأمم المتحدة الانتباه إلى أن تمثيل المرأة في وظائف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لا يزال ضعيفًا جدًا، مشيرًا إلى أن 90% من الشركات الناشئة التي تسعى للفوز برأس المال الاستثماري أسسها رجال.
وأرجع صندوق النقد الدولي تلك النسب المنخفضة إلى ميل النساء لممارسة الأعمال الروتينية، مما يقلل من احتمالات وصولهن إلى مناصب المديرين والمهنيين المتخصصين بنسبة 15% عن الاحتمالات المتوقعة للرجال، بينما تزيد احتمالات توليهن وظائف مكتبية وأعمالًا خدمية بنسبة 19% عن الاحتمالات المتوقعة للرجال، وهي الأعمال التي يؤدين فيها مهامًا أكثر روتينية، مما يجعلهن أكثر عرضة لمخاطر التسريح بسبب التغير التكنولوجي.
إدماج المرأة رقميًّا يُعزز التنمية
تعزز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من مشاركة المرأة في الاقتصاد والسياسة والمجتمع. فعلى الصعيد الاجتماعي، تلعب شبكات التواصل دورًا مهمًا في تمكين المرأة وإعطائها مساحة أكبر للتعبير، تقوم من خلالها بالتصدي للقوانين والأعراف المقيدة لها، وجذب اهتمام الرأي العام لمشاكلها، وظهر هذا بوضوح في حملة #لها_حق_القيادة التي أطلقتها النساء في المملكة العربية السعودية، ليحصلن بعد الحملة على هذا الحق. كما استخدمت النساء تكنولوجيا المعلومات لتعقب ورصد الممارسات الضارة بهن والحد منها كالعنف المنزلي والتحرش والعنف في أماكن العمل مثل حركة #ME TOO التي دشنتها النساء وكان هدفها الأول هو إدخال تغييرات على القوانين والسياسات الخاصة بالتحرش. كما تساعد التكنولوجيا في التوعية والإبلاغ عن حالات العنف والتحرش وتسهيل التواصل بين الضحايا والمنظمات غير الحكومية المتخصصة مثل تطبيق “خريطة التحرش” Harassmap وStreetpal في مصر.
ويُتيح التقدم التكنولوجي تنامي الاقتصاد الرقمي للسيدات، وإنشاء أسواق جديدة وأشكال مختلفة من العمل، ويقدم لهن فرصًا مهمة للانخراط في أنشطة مدرة للدخل تزيد من فرصها في الحصول على موارد مالية ومعلومات لتحسين إنتاجيتها. كما تسهم التكنولوجيا في إتاحة الخدمات المالية كالتحويلات والمدفوعات الرقمية والأموال المتنقلة، الأمر الذي يزيد من قدرة المرأة على التحكم في أموالها والحفاظ على استقلاليتها.
وتستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تحقيق مكاسب سياسية والوصول إلى مواقع قيادية، حيث استخدمتها النساء المرشحات للانتخابات في الأردن عام 2013، في الوصول إلى الناخبين إلكترونيًّا من خلال الرسائل النصية، وأسفر استخدامهن لتلك التقنية عن ارتفاع نسبة الفائزات منهن إلى 36% بعد أن كانت 28% في الانتخابات السابقة.
في هذا السياق، فإنه من الضروري مساعدة المرأة في الانخراط بالاقتصاد الرقمي وتقليص الفجوة الرقمية بين الجنسين لكونه أكثر مرونة ويناسب طبيعة الأدوار المتعددة التي تقوم بها المرأة، وذلك من خلال:
- الاستثمار المبكر في النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والحفاظ على مواهبهن باتخاذ تدابير تضمن المساواة في الحقوق (المساواة في الأجر والحصول على التدريب الفني، وغيرها من الحقوق).
- جمع بيانات مصنفة حسب نوع الجنس عن العاملات في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للاسترشاد بها في رسم السياسات ورصد التقدم.
- إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في السياسات والاستراتيجيات والخطط الوطنية لتمكين المرأة.
- اعتماد التشريعات والعمليات التنظيمية اللازمة لتنظيم العمل المرن والأعمال الرقمية, لحماية المرأة من عمليات النصب والابتزاز.
- تسليح النساء بالمهارات الملائمة من خلال إتاحة التدريب في مجالات التسويق عبر الإنترنت والإعلانات وأسس البيع أونلاين، وتعريفها بطرق الدفع المختلفة على الإنترنت لحمايتها من أعمال النصب والخسارة.
- إطلاق المجتمع المدني لمبادرات تدعم تشغيل المرأة إلكترونيًّا مثل مبادرة “Yummy” في ليبيا “وهو تطبيق لتوصيل وجبات غذائية تعدها النساء في المنزل”, ومبادرة “Woman Weavers online” في المغرب لتمكين العاملات في الحياكة بالأرياف من بيع مصوغاتهن اليدوية على الإنترنت.
- تقديم الدعم إلى رائدات الأعمال وتعزيز مشاركتهن في الابتكار.
أخيرًا، يمكن القول إن تقليص الفجوة الرقمية سوف ينعكس بالضرورة على تقليص الفجوة الفعلية بين الجنسين، حيث تعتبر مساهمة النساء اقتصاديًّا أحد المجالات الهامة في تقليص الفجوة الفعلية، ويمكن تحقيقها بسهوله رقميًا عن طريق الوصول إلى المعلومات واكتساب المهارات التي تؤهلها لفتح أسواق جديدة لها، والحصول على الإدماج المالي والراتب دون الحاجة إلى الحضور والإثبات في القوى العاملة.