على الرغم من تفشي فيروس كورونا وإجراءات الإغلاق التي ثارت معها التكهنات بشأن إرجاء الانتخابات في أغلب الحالات الإفريقية، كخطوة للتحايل على مدة الرئاسة المحددة دستوريًا؛ عقدت أغلب الأنظمة القائمة انتخابات شهدت حالة جدل في أغلب الحالات. ففي الحالات التي لم تشهد تجاوزات دستورية، بتمديد مدد الرئاسة، عانت خلالها المعارضة من تضييق النظام الحاكم، بما يسمح بتمرير النتيجة لصالح الحزب الحاكم وللرؤساء الحاليين، بما أفقد العملية الانتخابية نزاهة الممارسة والإجراءات، بينما شهدت حالات أخرى تعديل المدد الرئاسية، بما يسمح بولاية ثالثة للرئيس، ناهيك عن السياق الأمني الضاغط الذي جرت خلاله أغلب الانتخابات، على نحوٍ أفقد قطاعًا عريضًا من الناخبين القدرة على الوصول إلى صندوق الاقتراع في ظل تصاعد التهديدات الأمنية لأغلب الدول الإفريقية.
فقد شهد عام 2020، عقد انتخابات رئاسية في حوالي سبع دول إفريقية: توجو: (22 فبراير)، فاز فيها الرئيس المنتهية ولايته “فور غناسينغبي” (54 عامًا) بنسبة 72,36%. بوروندي: حيث أُجريت الانتخابات في 20 مايو, وفاز مرشح الحزب الحاكم “إيفاريست ندايشيمي” (52 عاما) بنسبة 68.72%, وربما يعود ذلك إلى أن الرئيس المنتهية ولايته بيار نكورونزيزا قد وافته المنية قبل إجراء الاقتراع الانتخابي.
غينيا: أُجريت في 18 أكتوبر، وفاز فيها الرئيس المنتهية ولايته “ألفا كوندي” (82 عامًا)، بنسبة 59,49%.. تنزانيا: أُجريت في 28 أكتوبر، وفاز الرئيس المنتهية ولايته “جون ماجوفولي” (61 عامًا) بنسبة 84,39%. كوت ديفوار: أُجريت في 31 أكتوبر, وفاز فيها الرئيس المنتهية ولايته “حسن واتارا” (78 عامًا) بنسبة 94.27%. بوركينافاسو: أجريت في 22 نوفمبر, وفاز فيها الرئيس المنتهية ولايته “روش مارك كريستيان كابوري” (63 عامًا) بنسبة 57.87% من الأصوات.
ومثلت سيشل حالة استثنائية، حيث فاز فيها مرشح المعارضة “وافيل رامكالاوان” (59 عاما) بنسبة 54,9%، في انتخابات أُجريت في 23 أكتوبر.
غينيا
شهدت غينيا إجراء الانتخابات الرئاسية، في 18 أكتوبر الماضي، في ظل انسحاب المراقبين الدوليين، وارتفاع أعمال العنف، وتفشي فيروس كورونا، واتهامات بتزوير الدستور؛ مما دفع المعارضة ممثلة في الجبهة الوطنية للدفاع عن الدستور بمقاطعة الانتخابات، وفصل كل ترشح في الانتخابات من عضويتها.
رغم ذلك، عُقدت الانتخابات التي فاز فيها الرئيس “ألفا كوندي” بولاية ثالثة عن حزب تجمع الشعب الغيني بنسبة تصل إلى قرابة 59%، وهي النتيجة التي رفض الاعتراف بها منافسه “سيلو دالين ديالو”، وتقدم بشكوى للمحكمة الدستورية لإبطال نتيجة الانتخابات، التي اعترف بها لاحقًا. كما أقدمت الجبهة على تقديم شكوى للمحكمة الجنائية للمطالبة بالتحقيق في جرائم عنف وفساد في عهد “كوندي”. هذا إلى جانب ارتفاع معدلات الفساد ونهب المال العام، خاصة في قطاع التعدين، وضعف قدرة النظام على توفير بعض الخدمات الأساسية كالكهرباء ومياه الشرب والطرق، والقطاع الصحي، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وفشل الرئيس “كوندي” في علاج تلك المشكلات على مدار عشر سنوات من حكمه.
هذه الحالة من الاضطرابات صاحبت الانتخابات منذ الإقدام على تعديل دستور 2010، في مارس الماضي. إذ قادت الجبهة الوطنية للدفاع عن الدستور مظاهرات رافضة لترشح “كوندي” لولاية ثالثة، فضلًا عن رفض التعديلات التي وسّعت من صلاحيات الرئيس في إصدار القوانين، وألغت الأحكام الخاصة بمساءلة الرئيس عن جرائم الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان؛ الأمر الذي اعتبرته المعارضة “انقلابًا دستوريًا” وارتدادًا على مبدأ التداول السلمي للسلطة.
أدى ذلك الوضع إلى وقوع أحداث عنف واشتباكات بين إثنية المالينكي التي ينتمي إليها الرئيس وإثنية الفولاني؛ مما أثار تخوفات بشأن العنف الإثني المصاحب للانتخابات؛ مع كونهما أكبر عرقيتين في البلاد؛ تمثل الأولى 30% من السكان، بينما تحتل الثانية 40%، فيما تحتل جماعة السوسو المرتبة الثالثة بحوالي 20% من السكان، وتمثل بجانب المالينكي القطاع الأكبر من قيادات الدولة والجيش وعلى قطاع التعدين، مما دفع الجيش لدعم الرئيس للترشح لولاية ثالثة.
تنزانيا
جرت الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تنزانيا في 28 أكتوبر الماضي، في ظل هيمنة الحزب الحاكم على السلطة، وتقييده أفقَ المعارضة منذ استقلال البلاد في الستينيات. وكان أبرز مرشحي الرئاسة، الرئيس الحالي “جون ماجوفلي”، والمرشح لولاية ثانية عن الحزب الحاكم “تشاما تشا مابندوز” (CCM). ويُعد البرلماني المعارض “توندو ليسو” مرشح حزب “تشاديما”، أبرز منافسي الرئيس، والذي تعرض لمحاولات اغتيال عام 2017، بجانب وزير الخارجية السابق “برنارد ميمبي”، والذي طُرد من الحزب الحاكم، لينضم إلى حزب “التغيير من أجل التحالف والشفافية”.
وعلى الرغم من كثرة عدد المرشحين، لم تفلح جهود المعارضة في إنشاء هيئة انتخابية مستقلة، على الرغم من تعهد الرئيس بإجراء انتخابات حرة نزيهة. وسط مؤشرات كلها ترجح فوز الرئيس، وضمان الحزب الحاكم أغلبية برلمانية.
وعلى الرغم من جهود التنمية ومكافحة الفساد، التي أشرف عليها “ماجوفلي” في ولايته الأولى؛ إلا أن المعارضة ترى أنها جهود بهدف تأمين الفوز بولاية ثانية، في ظل عدم انعكاس تلك التنمية على الأوضاع الحقيقية للمواطنين.
كوت ديفوار
على الرغم من التحديات الاجتماعية والاقتصادية، جرت الانتخابات في 31 أكتوبر الماضي، مع مقاطعة الأحزاب الرئيسية المعارضة للانتخابات؛ رفضًا لترشح الرئيس المنتهية ولايته “حسن واتارا”، عن تجمع هوفيت من أجل الديمقراطية والسلام RHDP، على خلفية التعديلات الدستورية لعام 2016، التي أجازت الترشح لولايتين، تمتد كل منهما لخمسة أعوام. وفي هذه الانتخابات المختلف عليها، فاز “واتارا” بنسبة 94.27%، في مواجهة أبرز منافسيه، الرئيس الأسبق “هنري كونان بيديه” 1995، والرئيس “لوران غباغبو” 2000.
واستند “واتارا” إلى إنجازاته الاقتصادية التي حققها منذ توليه السلطة عام 2011؛ إذ عمل على تحقيق التنمية الاقتصادية، واستعادة الاستقرار السياسي في البلاد، وهي الأسباب التي دفعت “بواتارت” وحزبه للترشح مرة أخرى بعد وفاة مرشح الحزب “أمادو غون كوليبالي” في الأشهر الأخيرة قبل عقد الانتخابات؛ الأمر الذي يفسره المعارضة بأنه حالة فراغ سياسي وضعف القدرة على تشكيل كوادر قادرة على إدارة البلاد. فيما يرى “واتارا” وحزبه ضعف القوى السياسية الأخرى في استكمال مسيرة ما بدأه، فضلًا عن الرغبة في عدم انجرار البلاد مرة أخرى لفترات عدم الاستقرار السياسي التي سادت في الفترة ما بين 1994-2011.
وشهدت تلك الانتخابات تنامي ظاهرة العنف المرتبط بالانتخابات في حوالي 16 منطقة، إذ امتدّ التوتر إلى المناطق الوسطى وجنوب شرق البلاد، ليطال العاصمة “أبيدجان”؛ إذ كشفت الانتخابات عن الانقسامات بين الشمال والجنوب، مع التصريحات والعنف من قبل المعارضة على عرقية ديولا، الذين منعتهم المعارضة من التصويت في مواقع المعارضة، وتكرر الأمر من جانب “جماعة جورو” العرقية في مواجهة “جماعة المالينكي”.
كما اتجهت المعارضة الرافضة للتعديلات الدستورية ولعقد الانتخابات إلى تشكيل حكومة انتقالية برئاسة “بيديه”، مما دفع لاتخاذ إجراءات صارمة وشن حملة اعتقالات موسعة طالت رئيس الحزب الديمقراطي لكوت ديفوار، غير أن بعض رؤساء دول غرب إفريقيا عرضت التوسط، فضلًا عن وساطة سفراء الاتحاد الأوروبي وفرنسا والمملكة المتحدة.
ومع الضغوط لحلحلة هذا الأمر، قرر “واتارا” تأجيل الانتخابات التشريعية للنصف الأول من 2021، التي كانت مقررة في 21 ديسمبر. غير أنه لا يزال هناك فصيل ينظر إلى الولاية الثالثة لـ”واتارا” باعتبارها غير قانونية، مما يجعل الحوار المفتوح بين “واتارا” و”بيديه”، والذي أعلن عقد حوار مماثل مع “غباغبو”، حاسمًا بشكل كبير لمستقبل المرحلة المقبلة. وهو الأمر الهام لتعزيز الثقة والتداول السلمي للسلطة، وضرورة وجود خطة لنزع فتيل الأزمة لقطع الطريق على أية ارتدادات أو انقلابات مستقبلية، قياسًا على سوابق تاريخية.
بوركينافاسو
عُقدت الانتخابات الرئاسية في 22 نوفمبر، التي أعيد فيها انتخاب الرئيس “روك مارك كريستيان كابوري” لولاية ثانية بنسبة إجمالية 57.87%، عن حزب المؤتمر من أجل الديمقراطية والتقدم CDP، في مواجهة أبرز منافسيه “زفرين ديابري”، زعيم المعارضة عن حزب الاتحاد من أجل التقدم والتغيير UPC، الذي حصل على 12.46٪ من الأصوات، وبالمثل شهدت النتائج قدرًا من التشكيك، فيما اعترف لاحقًا بالنتيجة.
أُجريت تلك الانتخابات في سياق أمني شديد التوتر، دفع بإغلاق حوالي 1300 مركز اقتراع، بما يمثل حوالي 6% من الناخبين، مع تراجع قدرة السلطات على توفير بدائل انتخابية، للأشخاص المهجّرين داخليًا.
وفي هذا السياق الانتخابي، احتلت القضايا الأمنية صدارة المشهد على حساب القضايا التنموية؛ مما أحبط التوقعات باحتمالية أي تغيير في المشهد السياسي. خاصة مع كون تلك الدولة إحدى دول الساحل التي عانت من موجات الجفاف والتصحر، ما ترك قطاعًا عريضًا من السكان عرضةً للأزمات الغذائية وبحاجة للمساعدات. ومع تفاقم تداعيات جائحة كورونا، زاد العجز الغذائي بأكثر من 50% ما بين مارس وأغسطس، وفقًا لبرنامج الغذاء العالمي.
وساهم العنف وعدم الاستقرار الأمني في تردي الأوضاع الإنسانية والهجرة القسرية؛ فكانت المناطق الشمالية للبلاد ومناطق الحدود مع مالي أكثر المناطق تضررًا، والتي تمّ استثناء سكانها من الاقتراع؛ نظرًا لصعوبة تنظيم العملية الانتخابية، وهو الوضع الذي يفاقم من مشاعر التهميش والإقصاء التي يشعر بها غالبية السكان، مع استغلال الجماعات المسلحة لذلك الوضع.
وعليه؛ سيفرض هذا الموضوع الفترة المقبلة وإيلاء المتطلبات التنموية والإنسانية مزيدًا من الاهتمام، ومعالجة القضايا التي تهم حياة المواطنين، عوضًا عن الاهتمام المتنامي بالقضايا ذات الطابع الأمني. وربما يعد ميزة إيجابية نسبيًا، فوز الحزب الحاكم بأغلبية المقاعد البرلمانية في الانتخابات التشريعية التي تزامنت مع الانتخابات الرئاسية؛ إذ سيسهل ذلك من مهمة الرئيس وحكومته في تنفيذ أجندة تهتم بالقضايا محل اهتمام المواطنين، خاصة مع بقائها دولة فقيرة لا تزال تعاني من ضعف التنمية وتردي الحالة الأمنية على السواء.
غانا
في السياق نفسه، عقدت غانا انتخابات رئاسية في 7 ديسمبر، ترّشح فيها الرئيس الحالي “أكوفو-أدو” NPP والرئيس السابق “جون دراماني ماهاما” NDC، وتنافس 12 حزبًا في تلك الانتخابات؛ إلا أن المنافسة الحقيقية دارت بين حزبين رئيسيين؛ المؤتمر الوطني الديمقراطي NDC، والحزب الوطني الجديد NPP.
ويلاحظ في السياق ذاته أن الانقسام بين الحزبين لم يقتصر فقط على انقسام أيديولوجي، وإنما تطابق مع انقسامات إثنية وجغرافية، إذ يُمثل حزب المؤتمر الوطني NDC الديمقراطي الذي يمثل منطقة فولتا، الذي يُنظر إليه عادةً على أنه يمثل “يسار الوسط”، ويمثل الحزب الوطني الجديد NPP منطقة أشانتي، عادةً أكثر يمين الوسط.
واستند الرئيس إلى إنجازاته الاقتصادية في ترشحه بتلك الانتخابات، التي ركزت على المطالب الاجتماعية والاقتصادية في ظل جائحة كورونا. فوفقًا لتقرير التوقعات الاقتصادية لإفريقيا لعام 2020 الصادر عن بنك التنمية الإفريقية، تقع غانا ضمن أسرع عشرة اقتصادات في إفريقيا، إذ اقترن وصول أكوفو بتحقيق معدلات نمو اقتصادية مرتفعة منذ عام 2017 في البلاد، بعد حالة ركود مرتبطة جزئيًا بالانكماش العالمي 2008. وواصل التحسن حتى أزمة (كوفيد-19)، فوفقًا لصندوق النقد الدولي من المرجع أن تتراجع توقعات النمو للبلاد من 6.8% إلى حوالي 2.6.
وشهد السياق الانتخابي بعض التوترات السابقة على التفويضات السابقة لكلا المرشحين، غير أن انتقال السلطة في غانا بشكل عام لم يشهد توترًا منذ عام 2000. ولقد وقّع رئيس مؤتمر الحوار الوطني “ماهما” “ميثاق سلام الانتخابات الرئاسية” في 4 ديسمبر، وذلك بعد تنامي الخلاف بين “أكوفو” ومنافسه على قضايا الفساد، خاصة في قطاع التعدين، مما دفع بكبح أي احتمالية للعنف المصاحب للانتخابات. وهو الأمر الذي لم تشهده غانا على منذ فترات طويلة، وضمنت الانتقال السلمي في سبع مناسبات سابقة، وقبل الحزبان الرئيسيان بالنتائج الانتخابية. فيما رفض “ماهما” نتائج الانتخابات الحالية، وقدّم التماسًا للمحكمة العليا.
وبخلاف الحالات السابقة، احتلت القضايا الاقتصادية مساحة كبيرة من الانتخابات، وانشغل المواطنون بقضايا التوظيف والتعليم والصحة، في دولة يمثل الشباب فيها النسبة الأكبر من قطاعات السكان. فعلى الرغم من الخطوات التي تبنتها غانا على مدار العقدين الماضيين، لا يزال يعيش الكثير من السكان في فقر مدقع مع ندرة الحصول على المياه النظيفة أو الكهرباء.
وسيفرض هذا الوضع على الرئيس في ولايته الثانية الدفاع عن إنجازاته الاقتصادية وتحقيق وعوده التي وعد بها في فترته الأولى. فخطة “غانا ما بعد المعونة” التي أعلنها الرئيس ليستعيض بها عن صندوق النقد الدولي أدت إلى إغراق البلاد في أزمة الديون بدلًا من العكس، مما دفع بالانتقادات الموجهة لخطته الاقتصادية، على الرغم من خفض عجز الموازنة.
وبالتالي فإن السنوات الأربع المقبلة من حكم “أكوفو أدوا”، ستشكل اختبارًا حاسمًا لخطته الاقتصادية، وتتطلب المزيد من الإجراءات لتحسين بيئة الأعمال، وتعبئة الإيرادات المحلية وجذب الاستثمارات؛ هذا في ظلّ القيد المتمثل في فوز الحزب المعارض بغالبية مقاعد البرلمان في الانتخابات التشريعية التي صاحبت إجراء الانتخابات الرئاسية، بما يفرض مزيدًا من الضغوط على الرئيس لتمرير قراراته.
وعلى الرغم من إجراء الانتخابات في أجواء أكثر هدوءًا من حالات أخرى؛ إلا أن نتيجتها، التي تمّ إعلانها بعد إجراء الانتخابات بيومين، تمّ الطعن عليها من المرشح المعارض “ماهاما”، أمام المحكمة العليا، ولا تزال جلسات الاستماع جارية بشأن هذا الطعن حتى كتابة هذه السطور.
إفريقيا الوسطى
أجرت البلاد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، في 27 ديسمبر الماضي، وتنافس في خلالها ستة عشر مرشحًا على مقعد الرئاسة، فيما تنافس أكثر من 1500 متنافس على 140 مقعدًا للجمعية الوطنية.
وفي سياق أمني شديد التعقيد، تشهده البلاد منذ عام 2013، بعد إطاحة “تحالف سيليكا” بالرئيس السابق “فرانسوا بوزيزيه”، اندلعت بعدها مواجهات حادة بين السيليكا وأنتي بالاكا، بدأت تتراجع حدتها منذ 2018، ولم يفلح اتفاق السلام الموقّع في 2019، في تهدئة الأوضاع الأمنية في البلاد.
واتسمّ السياق الانتخابي بتصاعد حالة العنف الانتخابي، مع تصاعد الاشتباكات بين الجماعات المسلحة التي حاولت عرقلة ومنع الانتخابات. كما اندلع القتال والعنف المسلح في البلاد، قبل انعقاد الانتخابات، في واحدة من بلدان الساحل التي تعاني من تردي الأوضاع الأمنية والإنسانية، على نحوٍ عرقل نسبة لا يستهان بها من الناخبين في الوصول إلى صندوق الاقتراع.
في ضوء هذا المشهد، لم تعد العملية السياسية محل الاهتمام بقدر الحاجة إلى استعادة الأوضاع الأمنية في البلاد، على نحوٍ يمكن معه القول إن الديمقراطية لا يمكن ممارساتها في ظل انعدام الأمن. إذ يواجه الرئيس “تواديرا”، الذي أعلنت المحكمة الدستورية فوزه من الجولة الأولى، في 18 يناير، تحديًا أمنيًا، في ظل عدم إجراء الانتخابات دون مساعدة قوات روسية ورواندية بجانب قوات حفظ السلام المتواجدة في البلاد “مينوسما”.
النيجر
بالتزامن مع انتخابات إفريقيا الوسطى، شهدت النيجر عقد الانتخابات الرئاسية في 27 ديسمبر الماضي، التي لم يستطع فيها أي مرشح تحقيق أغلبية تحسم النتيجة من الجولة الأولى، فاتجهت البلاد إلى عقد الجولة الثانية من الانتخابات في 21 فبراير القادم. كما شهدت إجراء انتخابات الجمعية الوطنية في نفس اليوم، لانتخاب 171 نائبًا.
وتعد هذه الانتخابات استثنائية في النيجر، كونها تؤسس لأول انتقال سلمي للسلطة منذ استقلال النيجر عن فرنسا عام 1960. فمنذ ذلك الحين، شهدت النيجر أربعة انقلابات عسكرية، كان آخرها انقلاب فبراير 2010، الذي أطاح بمامادو تانجا، لينتخب بعدها محمد يوسوفو رئيسًا للبلاد، منذ 2011، الذي أعلن أنه لن يترشح هذا العام بعد أن أمضى فترتين رئاسيتين.
وبلغ إقبال الناخبين 69.67٪، مع 5.2 ملايين ناخب من أصل 7.4 ملايين ناخب مسجل من أصل 23 مليون نسمة.
وتصدر محمد بازوم، بحصوله على 39.33%، بحسب النتائج الأولية التي أعلنتها اللجنة الانتخابية، ويشغل بازوم رئاسة حزب PNDS-Tarayya الحاكم منذ 2011، وهو حليف مقرب من أوسوفو، شغل منصب وزير الداخلية والخارجية في عهده. فيما حصل محمد عثمان على 17% من الأصوات. وكان عثمان رابع رئيس للنيجر شغل هذا المنصب من عام 1993 حتى الانقلاب العسكري في عام 1996. وهو رئيس حزب المعارضة الرئيسي في النيجر CDS.
وبالمثل، جرت الانتخابات في سياق أمني مضطرب، وهجمات الجهاديين على مراكز الاقتراع، بما جعل قضايا الأمن تسيطر على الحملات الانتخابية. إذ تشهد البلاد هجمات الجهاديين في الجنوب الغربي على حدودها مع مالي، وفي الجنوب الشرقي على حدودها مع نيجريا. الأمر الذي أرجأ عقد الانتخابات المحلية والبلدية بسبب الوضع الأمني، إلى أن عقدت مؤخرًا في ديسمبر الماضي. حتى مع إعلان النتائج قتل أكثر من مائة شخص في هجمات جهادية على قريتين شمال العاصمة نيامي، بالقرب من الحدود مع مالي. بما يمثل تحديًا أمام الرئيس القادم لاستعادة الأمن للبلاد، في ظل نزوح 500 ألف لاجئ من ديارهم. إذ يعاني البلد الواقع في غرب إفريقيا من اضطراب أمني، في سياق تراجع الأمن في منطقة الساحل ككل، كما أنه يعاني من الفقر واحتلال مرتبة متدنية في مؤشر التنمية البشرية، في بلد يعتمد خمس سكانه على المساعدات الغذائية.
قواسم مشتركة
كشفت الانتخابات التي أجرتها الدول الإفريقية في عام 2020 عن عدد من القواسم المشتركة أبرزها:
أزمة العنف الانتخابي
اقترنت مظاهر ذلك العنف باستراتيجيات التظاهر والاحتجاج، ومن ثم مقاطعة الانتخابات، فضلًا عن رفض نتائجها، ورفع دعوات قضائية، وصلت في بعض الأحيان لرفع دعوات قضائية أمام جهات إقليمية ودولية. وساعد التوظيف السياسي للإثنية في قيام العنف على أساس إثني، الذي تطابق مع انقسامات أيديولوجية وجغرافية، مما جعل من حالة الانقسام المجتمع السمة الغالبة على السياق الانتخابي. وفي الوقت نفسه، توفر الانقسامات الإثنية أساسًا للنخب لتوظيف انقساماتها الأيديولوجية وتغليفها بطابع اثني. ويرتبط بأزمة العنف الانتخابي، السياق الأمني المضطرب، الذي جرت في إطاره أغلب الانتخابات، على نحوٍ هدّد أمن السكان المدنيين من جهة، ومن جهة أخرى عرقل الوصول إلى مراكز الاقتراع في معظم الحالات، بما يحرم السكان من ممارسة حقوقهم الدستورية، الذين حرموا أيضًا من هذا الحق، في بعض الحالات التي لم يستطع فيها النازحون من التصويت في مراكز اقتراع أخرى غير تلك التي ينتمون لدوائرها.
إشكالية تقاسم السلطة
ففي غينيا، تسيطر جماعة المالينكي على مقاليد الحكم والمناصب القيادية، في ظل عدم وصول جماعة الفولاني إلى سدة الرئاسة منذ استقلال البلاد عن فرنسا 1958. والأمر نفسه في كوت ديفوار، التي يعد الانقسام الأبرز فيها بين الشمال والجنوب، وغيرها من الحالات. فيما يرتبط بتلك الانقسامات، تحقيق السيطرة وتعزيز نفوذ عرقية على ما سواها أو تمييز إيجابي لمناطق جغرافية على أخرى، مما يجعل هناك قدرًا كبيرًا من تركز السلطة في أيدي عرقية أو منطقة جغرافية بعينها. وهو الأمر الذي يخلق شعورًا بالتهميش والإقصاء لدى بعض الجماعات والمناطق، مما يجعل الدعم السياسي للنخبة قائمًا على أساس امتيازات عرقية أو جغرافية لفئة أو جماعة على غيرها. وساهم تسييس النخب السياسية والعسكرية، وهيمنة عرقية أو طبقة سياسية تنتمي للحزب الحاكم، على استمرار الهيمنة لطبقة سياسية بعينها على مقاليد الحكم.
انعدام الثقة في المؤسسات
كان انعدام الثقة في المؤسسات السمة الغالبة، بسبب الشكوك في انحيازها للرئيس؛ سواء كانت تلك المؤسسات قضائية أو المؤسسة العسكرية، التي تتهم في بعض الحالات بانحيازها للرئيس، للحفاظ على ما حققته من مكاسب عرقية واقتصادية. وفي هذا الإطار، طال انعدام الثقة المؤسسات الإقليمية والدولية، ففي حالة غينيا، شككت المعارضة في نزاهة المؤسسات والأطراف الإقليمية والدولية، في التحقيق في الاتهامات الموجهة ضد “ألفا كوندي” للتورط في فساد وقضايا متعلقة بالتعدين؛ وذلك نظرًا للتحالفات الخارجية التي أقامها كوندي، خاصة في مجالات التعدين، أو لاعتبارات عرقية تمثلت في انتماء غالبية رؤساء جماعة الإيكواس لعرقية الفولاني، التي ينتمي إليها المعارض ألفا كوندي، بما فرض قيودًا عليهم في اتخاذ أي إجراء.
وختامًا، يقدم نجاح العديد من الدول الإفريقية في تنظيم الانتخابات خلال عام 2020 مؤشرًا إيجابيًا بشأن إمكانية تنظيم الانتخابات في دول إفريقية أخرى خلال عام 2021 على الرغم من استمرار تحدي مواجهة فيروس كورونا؛ إلا أن الأزمات الكبيرة التي شابت هذه الانتخابات تؤكد أن التحدي الأبرز الذي يواجه الانتخابات في الدول الإفريقية لا يتعلق بالتحديات الظرفية مثل فيروس كورونا بقدر ما يعلق بالعديد من المشكلات التي تتكرر في كل دورة انتخابية.