تشهد العلاقات المصرية-السودانية حراكًا إيجابيًا، واتضح ذلك من خلال التحركات المصرية السودانية المكثفة على عدة مستويات. فقد جاءت زيارة “مريم الصادق المهدي”، وزيرة الخارجية السودانية لمصر في الثاني من مارس 2021، ولقاؤها الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” واجتماعها مع “سامح شكري” وزير الخارجية المصري؛ للتأكيد على أن هناك حرصًا على تعزيز العلاقات بين البلدين في عدد من الملفات والقضايا، فضلًا عن استمرار المشاورات والتنسيق لتوحيد الرؤى والمواقف السياسية بين البلدين. كما تمّ في اليوم ذاته مباحثات بين الجيشين السوداني والمصري في العاصمة السودانية الخرطوم، أسفرت عن توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين البلدين، تشمل التدريب والأمن القومي والتعاون العسكري في مختلف المجالات.
وتُوّجت هذه التفاعلات بزيارة الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” للخرطوم في السادس من مارس 2021، كأول زيارة له للسودان عقب الإطاحة بنظام “عمر البشير” في 2019، وهي الزيارة التي شهدت لقاءات مهمة جمعته برئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول “عبدالفتاح البرهان”، ونائبه الفريق أول “محمد حمدان دقلو”، ورئيس مجلس الوزراء السوداني “عبدالله حمدوك” لتعكس عمق العلاقات المصرية السودانية، والعمل على تعزيز القدرات المُشتركة لمواجهة التحديات المُشتركة لضمان أمن واستقرار البلدين.
ويحاول هذا التقرير الوقوف على السياق العام المُصاحب للتقارب المصري السوداني، فضلًا عن أبعاد التعاون بين البلدين.
السياقات الحاكمة للتقارب المصري السوداني
يرتبط التقارب المُتزايد في العلاقات المصرية-السودانية بسياق إقليمي وعدد من القضايا الثنائية محل الاهتمام المُشترك. وفي هذا الصدد يمكننا الإشارة إلى ما يلي:
- ملف سد النهضة: فقد شهد هذا الملف تقاربًا في المواقف المصرية والسودانية على خلفية التعثُّر بالمسار التفاوضي، وإعلان إثيوبيا المضيّ قدمًا في تنفيذ الملء للعام الثاني البالغ 13.5 مليار متر مكعب من المياه في شهر يوليو القادم دون إخطار مسبق ودون توقيع اتفاق مع مصر والسودان. وقد دفعت التصرفات الإثيوبية الأحادية دولتي المصب (مصر والسودان) لتنسيق المواقف إزاء هذا الملف؛ إذ يؤكد البلدان أهمية التوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة بما يُحقق مصالح الدول الثلاث ويحفظ الحقوق المائية لمصر والسودان. كما طالبتا إثيوبيا بإبداء حسن النية والانخراط في عملية تفاوضية فعّالة يرعاها الاتحاد الإفريقي من خلال تشكيل رباعية دولية تقودها وتسيّرها جمهورية الكونجو الديمقراطية بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، وتشمل كلًا من الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة للتوسط في المفاوضات للتوصل لاتفاق ملزم.
- التوتر الحدودي بين السودان وإثيوبيا: اتسمت التفاعلات المتعلقة بالتوتر الحدودي بين السودان وإثيوبيا بالتصعيد؛ حيث شهدت الحدود السودانية الإثيوبية توترات، واندلعت اشتباكات بين القوات الإثيوبية والسودانية أواخر العام الماضي. وقد أعلنت الخرطوم في 31 ديسمبر2020 سيطرة الجيش على كامل أراضيها في منطقة الفشقة الحدودية مع إثيوبيا، ويؤكد السودان تمسكه بأراضيه على الحدود التي أعاد فيها الانتشار بعد أن استوطنتها إثيوبيا لمدة تزيد على ربع قرن. كما وجّهت الخارجية الإثيوبية اتهامات للجيش السوداني بانتهاك حدودها. وعلى الرغم من اتفاق البلدين على حل الأزمة الحدودية عبر اللجان الفنية، نجد أن السودان يوجه اتهامات لإثيوبيا بالمماطلة في تنفيذ توصيات اللجنة العليا للحدود، وقيام إثيوبيا بحشد المزيد من جنودها على الحدود.
- المشهد الراهن في الداخل السوداني: تواجه الحكومة السودانية الجديدة التي تم تشكيلها في فبراير 2021، على خلفية استحقاق باتفاق السلام الموقع بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية في جوبا في أكتوبر عام 2020، عددًا من التحديات ذات طبيعة أمنية واقتصادية؛ إذ يعاني السودان من تدهور الأوضاع الاقتصادية، وهو ما يتطلب الدعم من الدولة المصرية، وهو ما أكد عليه الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي”، خلال استقباله الدكتورة “مريم الصادق المهدي”، وزيرة خارجية السودان بالقاهرة.
أبعاد الشراكة المصرية السودانية
- التعاون العسكري: هناك تعاون بين مصر والسودان في المجال العسكري، ويتضح ذلك من خلال إجراء تدريبات عسكرية مشتركة، فقد تم إجراء تدريبات جوية مشتركة “نسور النيل-1” بين البلدين في نوفمبر 2020. ويأتي ذلك في إطار تعزيز علاقات التعاون العسكري المشترك بين القوات المسلحة لكلا البلدين، كما يتم تكثيف التعاون بين البلدين في مجالات التأهيل والتدريب وتبادل الخبرات وتأمين الحدود ومكافحة الإرهاب والتأمين الفني والصناعات العسكرية. كما أبرمت مصر والسودان في الثاني من مارس 2020 اتفاقية عسكرية في الخرطوم، بحضور قائدي جيشي البلدين، وهو ما يعكس حرصًا مصريًا سودانيًا على مواجهة التحديات والمخاطر المُشتركة.
- تعظيم المشاريع التنموية: نجم عن التقارب المصري السوداني تعزيز التعاون في المعاملات التجارية والاستثمارية بين البلدين، وكذلك في كافة مجالات التعاون الاستراتيجي بين البلدينـ، ونجد أن هناك تعاونًا في مجال النقل، وخاصة من خلال مشروع ربط السكك الحديدية بين البلدين، ومشروع الربط الكهربائي بين البلدين، وكذلك التعاون في مجالات النقل الجوي والبري والنهري والبحري.
- المساعدات الإنسانية: تأتي المساعدات الإنسانية تأكيدًا على عمق الروابط والعلاقات التاريخية الراسخة التي تجمع مصر والسودان، فقد قامت مصر بإرسال شحنة مساعدات طبية للسودان في مايو 2019. والمساعدات المقدمة عبارة عن ٢٥ طنًا من الأدوية والمستلزمات الطبية للمساهمة في تخفيف العبء عن كاهل الشعب السوداني، وقد تم إعداد وتجهيز شحنات المساعدات ونقلها عبر طائرات عسكرية إلى مطار الخرطوم بالسودان. كما قامت القوات المسلحة المصرية بتجهيز وإرسال عدد من خطوط إنتاج الخبز نصف آلي الميداني في أكتوبر 2020، حيث أقلعت ثلاث طائرات عسكرية مصرية متجهة إلى مطار الخرطوم الدولي محملة بخطوط إنتاج الخبز والفنيين القائمين بتركيب وتشغيل الخطوط.
- مواجهة خطر انتشار فيروس “كورونا”: تم إرسال شحنة عاجلة من المستلزمات الطبية والأدوية إلى السودان في مايو 2020. وقد قامت القيادة العامة للقوات المسلحة بإعداد وتجهيز أربع طائرات عسكرية محملة بكمية كبيرة من المستلزمات الطبية العاجلة والأدوية.
- مواجهة السيول: في إطار تضامن مصر مع شعب السودان المتضرر من السيول التي اجتاحته في سبتمبر 2020، تم إعداد وتجهيز كميات كبيرة من المساعدات العاجلة لمتضرري السيول من الأشقاء بدولة السودان.
التعاون في مجال الصحة:
- تم الاتفاق على التعاون في مجال مكافحة الأمراض ومراجعة إطار عمل إرسال القوافل الطبية المصرية المتخصصة، ودعم بناء القدرات في السودان، وتعزيز استفادة السودان من مبادرة الرئيس “عبدالفتاح السيسي” لعلاج مليون إفريقي من فيروس سي.
- إتاحة ١٠ منح دراسية سنويًا للأطباء السودانيين ضمن برنامج الزمالة المصرية.
- إتاحة بروتوكولات علاج فيروس “سي” للجانب السوداني للاستفادة منها.
- تفعيل نظم الترصد والتحكم للأوبئة بين البلدين.
الخلاصة أن التقارب بين مصر والسودان يخدم مصلحة البلدين، وأصبح هناك قدر من التنسيق والمواقف المشتركة حيال عدد من القضايا محل الاهتمام المُشترك، خاصة ملف سد النهضة. وتعتبر اللقاءات بين المسئولين المصريين والسودانيين بمثابة رسالة مباشرة لإثيوبيا؛ إذ سيحول التقارب المصري السوداني دون تحرك إثيوبيا منفردة نحو الملء الثاني للسد دون التوصل لاتفاق مع الجانبين.