أصبحت المدارس هدفًا لعمليات الخطف الجماعي للطلاب من قبِل جماعات مُسلحة وشبكات إجرامية في شمال شرق وغرب نيجيريا وتحديدًا في ولاية زامفارا، حيث نفذت هذه الجماعات هجماتها من ملاذ الغابات المُمتدة من شمال غرب نيجيريا وصولًا إلى دولة النيجر، يحمل العديد منهم أسلحة ويركبون دراجات نارية، ويُطلق عليهم محليًا “قطاع الطرق”.
وفي هذا السياق، أثارت الهجمات الأخيرة مخاوف بشأن تصاعد أعمال العنف من قِبل العصابات المُسلحة والمتمردين، حيث تقوم جماعة “بوكو حرام” وكذلك فرع من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بعمليات الاختطاف. وتُعارض جماعة “بوكو حرام” التعليم الغربي، وتَعتبر الجماعة كل من لا يتبع أيديولوجيتها المتشددة كفارًا، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين، وتُطالب بتبني قانون الشريعة في كل نيجيريا، ويستهدف مقاتلوها المدارس، لكن الآن يتبنى هذا التكتيك جماعات أخرى في الشمال الغربي بأجندة غير واضحةٍ.
حوادث مُتكررة
شَهدت نيجيريا العديد من الهجمات وعمليات الخطف على مر السنين، ولا سيما الاختطاف الجماعي، وتَفاقم الأمر إلى تزايد وتيرة عمليات الاختطاف، فقد حدثت أربع عمليات اختطاف في أقل من ثلاثة أشهر، مما أثار ذكريات اختطاف مئات الفتيات عام 2014، ويُمكن رصد عمليات الاختطاف على النحو التالي:
- اختطاف شيبوك: كانت أكثر حوادث الاختطاف شهرةً في إبريل 2014 من قِبل جماعة “بوكو حرام” لـ276 فتاةً من المدرسة الثانوية في شيبوك بولاية بورنو، ولا يزال حوالي 100 منهم في أعداد المفقودين.
- اختطاف دابتشي: في التاسع عشر من فبراير 2018، اختطف تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (ISWAP)، 111 فتاةً من مدرستهن الداخلية في دابتشي بولاية يوبي على بعد حوالي 300 كم (186 ميلًا) من شيبوك.
- اختطاف كانكارا: في العشرين من ديسمبر 2020، أغار مُسلحون على مدرسة في كانكارا بولاية كاتسينا الشمالية الغربية، مسقط رأس الرئيس “بخاري”، واختطفوا ما يقرب من (300 – 350) صبيًا، تم إنقاذهم بعد ذلك من قِبل قوات الأمن.
- اختطاف كاجارا: بعد أقل من ثلاثة أشهر على عملية اختطاف كانكارا، في أحدث حلقة من عمليات الخطف الجماعية للمدارس، في السابع عشر من فبراير 2021، تم اختطاف 27 طالبًا وثلاثة موظفين و12 فردًا من عائلاتهم من قِبل جماعة مُسلحة اقتحمت مدرسة العلوم الحكومية الثانوية في منطقة كاجارا بولاية النيجر.
- اختطاف جانجبي: يفصل بين هذا الاختطاف وسابقه تسعة أيام فقط. في السابع والعشرين من فبراير 2021 هاجم قطاع الطرق المدرسة الحكومية الثانوية للبنات في جانجبي بولاية زامفارا، واختطفوا حوالي 300 فتاةً، وسرعان ما بدأت المفاوضات مع قطاع الطرق وتم إطلاق سراح جميع الفتيات في الأول من مارس 2021.
تداعيات خطيرة
أدى انعدام الأمن وعمليات الخطف الجماعي إلى تفاقم التحديات الاقتصادية في أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان وأكبر دولة مُصدرة للنفط، فضلًا عن التأثيرات الاجتماعية الخطيرة على النظام التعليمي ومخاطر الانضمام إلى جماعة “بوكو حرام”، والجماعات المُسلحة الأخرى، حيث تُكافح نيجيريا للتعامل مع انخفاض الإيرادات نتيجة تراجع أسعار النفط الخام. ويمكن رصد التداعيات الخطيرة لهذه الحوادث المتكررة في بعدين رئيسيين، أحدهما أمني والآخر تعليمي، وذلك على النحو التالي:
- التداعيات ذات الطبيعة الأمنية:
تشهد الفترة الأخيرة تناميًا في معدل العمليات التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية فهناك 142 حادثةً ارتكبتها جماعة “بوكو حرام” في شمال شرق نيجيريا بمعدل 13 حادثة شهريًا، حيث قُتل ما لا يقل عن 1606 أشخاص في 125 حادثًا مميتًا، مما يشير إلى أن نيجيريا ثالث أكثر الدول إرهابًا في العالم وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي الصادر في السابع والعشرين من نوفمبر 2020. وتتوقع شركة أمنية في لاغوس تحمل اسم (Halogen Group)، أنه سيكون هناك عدد من الهجمات المتفرقة على البنية التحتية والأماكن العامة والأسواق وتحديدًا في ولاية لاغوس، العاصمة التجارية لنيجيريا، وسيؤثر ذلك سلبًا على الاستثمار المباشر، حيث تُساهم لاغوس بحوالي 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي لنيجيريا وتستضيف أكثر من 50٪ من القدرة الصناعية غير النفطية لنيجيريا.
كما تثير حوادث الاختطاف المتكررة المزيد من المخاوف بشأن تحولها لمصدر جديد لتجنيد المقاتلين، بعد أن تم رصد حالات متعددة في نيجيريا أصبح فيها بعض المخطوفين متطرفين ورفضوا العودة، واستُخدم البعض الآخر في صناعة تفجيرات انتحارية في ظل تاريخ جماعة “بوكو حرام” في تحويل الأسرى إلى مُقاتلين، حيث تأججت انتفاضة الجماعة إلى حد كبير من خلال حملتها المنهجية لخطف الأطفال، وإجبار الآلاف من الفتيات والفتيان على الالتحاق بصفوفهم. فوفقًا لتقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) عام 2017، انضم فصيل من جماعة “بوكو حرام” إلى تنظيم “داعش” منذ عام 2015، وتم توظيف فتيات لا تتجاوز أعمارهن 11 عامًا كمُفجرات انتحاريات.
- التداعيات على النظام التعليمي:
قالت منظمة العفو الدولية إن المعلمين أُجبروا على الفرار إلى ولايات أخرى من أجل الحماية، واضطر العديد من الأطفال إلى التخلي عن تعليمهم وسط الهجمات العنيفة المُتكررة، وتم استهداف المعلمين، مما أدى إلى مقتل 600 معلمٍ وفرار 19000 معلمٍ خوفًا، وتعرض مدرسون آخرون للتهديد أو الإصابة أو حتى الاختطاف، وأصبح العثور على مدرسين مُستعدين للتدريس في نيجيريا صراعًا كبيرًا. كما تشهد العديد من الولايات النيجيرية تنامي ظاهرة تعليق الدراسة وإغلاق المدارس بسبب الإرهاب. ففي ولاية بورنو، تم إلغاء الدراسة لمدة عامين، وتم تدمير ما يقرب من 500 مدرسة، وأغلقت 800 مدرسة، وقُتل أكثر من 2000 معلمٍ. كما أمرت السلطات في ولايتي كانو ويوبي بإغلاق أكثر من 20 مدرسة، وأُغلقت أيضًا بعض المدارس في ولايتي زامفارا والنيجر ويوبي وأداماوا. وتُقدر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن أكثر من 1400 مدرسة قد دُمرت في الشمال الشرقي، وفقد أكثر من 600000 طفل إمكانية الوصول إلى التعليم. وفي هذا الصدد، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، هناك مُعدل حضور يبلغ 53٪ فقط في المدارس الابتدائية في شمال نيجيريا على الرغم من أن التعليم مجاني وإلزامي، وقالت إن مستويات الفتيات أقل من ذلك بسبب الأعراف والممارسات الاجتماعية والثقافية التي تثبط الحضور في التعليم الرسمي.
وبالإضافة إلى مُهاجمة التعليم بشكل عام، استهدفت جماعة “بوكو حرام” الطالبات، وغالبًا ما يختلف تأثير الهجمات على النساء والفتيات عن تأثيرها على الرجال والفتيان، ولهذه الأسباب اكتسبت جماعة “بوكو حرام” شهرة دولية عام 2014، باختطاف فتيات مدرسة شيبوك. ويُقدر التحالف العالمي لحماية الطفل ما يقرب من 600 امرأةً وفتاةً تم اختطافهن من مدارسهن. كما استخدمت جماعة “بوكو حرام” المدارس لأغراض عسكرية مُختلفة بما في ذلك احتجاز الأسرى وإعدامهم، وكثكنات للمتمردين، وساهم ذلك في زيادة مخاوف أولياء الأمور والطلاب بشأن سلامة إعادة أطفالهم وخاصةً بناتهم إلى المدرسة بعد رحيل المتمردين.
إجراءات المواجهة
يُواجه الرئيس “محمد بخاري”، الذي تَولى السلطة عام 2015، واعدًا بقمع تمرد جماعة “بوكو حرام” المستمر منذ عام 2009، انتقادات مُتزايدة خلال الأشهر الأخيرة بسبب الهجمات وعمليات الاختطاف، وانعدام الأمن، وأخذ الرهائن على نطاق واسع، حيث عثر الجيش على العديد أو أنقذهم، أو أطلق سراحهم في مفاوضات بين الحكومة وجماعة “بوكو حرام” مُقابل فدية كبيرة. وحيال عمليات الاختطاف الجماعي والهجمات تم اتخاذ هذه الإجراءات:
- تغيير القيادات العسكرية: استبدل “بخاري” قادة الجيش وسط تصاعد أعمال العنف، وأمر “بخاري” بشن عملية عسكرية واسعة النطاق بعد العودة الآمنة لما يقرب من 300 فتاةً تم اختطافهن، وهي الأحدث في سلسلة عمليات الاختطاف.
- إطلاق عمليات مُشتركة: قال “بخاري” إن الأولوية والهدف الأساسي للحكومة النيجيرية إعادة جميع رهائن المدارس أحياء وسالمين، ودعا حكومات الولايات إلى مُراجعة سياستها المُتمثلة في مُكافأة قطاع الطرق بالمال والمركبات، وبدأت قوات الشرطة والجيش عمليات مُشتركة لإنقاذ الفتيات، ووفقًا لتقرير صادر عن شركة استشارية SB Morgen بين عامي 2011 و2020، دفع النيجيريون ما لا يقل عن 18 مليون دولار لتحرير أنفسهم وأحبائهم.
- إطلاق حملة إعادة بناتنا التي حظيت بدعم كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك السيدة الأولى للولايات المتحدة آنذاك “ميشيل أوباما”، ودعت هذه الحملة إلى عودتهن بأمان: Bring Back Our Girls#.
- مُبادرة المدرسة الآمنة: تم إطلاق هذه المُبادرة بعد اختطاف فتيات شيبوك لتعزيز الأمن في المدارس بالمنطقة الشمالية الشرقية لنيجيريا من خلال بناء سياج حولهن. كما تم التَعهد بما لا يقل عن 14 مليون دولار أمريكي لمشروع مدته ثلاث سنوات بدعم من “جوردون براون”، مبعوث الأمم المتحدة الخاص بالتعليم العالمي، ورئيس الوزراء البريطاني السابق، بالإضافة إلى بناء العديد من المدارس الحاوية كمساحات تعلم مؤقتة كجزء من المخطط.
كما صادقت نيجيريا على الإعلان الدولي للمدارس الآمنة في مارس 2015، كالتزام بحماية التعليم في النزاعات المُسلحة. كما صدقّ “بخاري” على الإعلان عام 2019، وتَعهد بأن الحكومة ستُنفذ الإعلان بشكل قانوني، وبموجب الإعلان، تلتزم نيجيريا بضمان البرامج والسياسات لمنع الهجمات ضد المدارس والرد عليها ومُكافحة الإفلات من العقاب على هذه الهجمات. كما تُغطي الحكومة النيجيرية والجهات المانحة الخاصة تكاليف ست سنوات على الأقل من التعليم لكل طالبٍ.
وختامًا، يُمكن القول إن التحديات الأمنية مُستمرة في ظل المساحات غير المحكومة، واستمرار عمليات الخطف الجماعي في نيجيريا، ويَتعين على السلطات النيجيرية الوفاء بالتزاماتها ومُضاعفة جهودها لتوفير بيئة تعليمية آمنة للطلاب، وضمان العدالة للضحايا، واتخاذ خطوات استباقية لمُعالجة انعدام الأمن في المدارس في ظل أهمية التعليم كأداة حاسمة يُمكن استخدامها لمُكافحة الإرهاب والفقر والجريمة والتطرف العنيف.
باحث أول بوحدة الدراسات الأفريقية