في أول رد حكومي على الهزائم التي لحقت بالجيش الإثيوبي، من قبل قوات دفاع تيجراي، أعلن آبي أحمد في الثامن من أغسطس إطلاق الحرب الثانية على إقليم تيجراي، والتي ناشد فيها جميع الإثيوبيين التطوع وحمل السلاح لمواجهة جبهة تحرير تيجراي الإرهابية، على حد قوله. كما طالب الجيش الإثيوبي والقوات الخاصة الأمهرية والمليشيات بالتصدي لقوات دفاع تيجراي. وفي الوقت نفسه، أثنى على دور القوات الخاصة والمليشيات لمواجهة ما سماه بأذرع القوى الأجنبية في محاربة الشعب الإثيوبي.
بإعلانه التعبئة والجولة الثانية من الحرب ضد شعبه، فإن “آبي أحمد” يعترف بفشله في حل الأزمة، حيث يعيش أكثر من خمسة ملايين نسمة في ظروف شبيهة بالمجاعة، ليس فقط في إقليم تيجراي، ولكن بأقاليم أخرى لحقته مثل: أمهرا، العفر، الصومال، بني شنقول، أوروميا، وهذه الأرقام ربما ترتفع في شهر سبتمبر القادم باعتباره موسم الحصاد بعد أن فشل الموسم الزراعي برمته بسبب الحرب.
الانسحاب التكتيكي لقوات تيجراي في بداية الحرب
منذ وصولهم للسلطة في عام 1991، عملت النخبة السياسية والعسكرية لدى قومية تيجراي على تطبيق استراتيجية عسكرية للجيش الإثيوبي تمنح القوات التابعة لهم، والتي شكلت القوام الرئيسي للقوات المسلحة الإثيوبية، الحقّ في الاستفادة من نحو ثلث الدخل القومي الإثيوبي على مدار حكمهم الذي استمر قرابة ثلاثة عقود، بحجة أنهم قدموا تضحيات فترة النضال المسلح لإسقاط حكم “منجستو هيلي ماريام”. تلك الاستراتيجية وضعت قوات دفاع تيجراي في المقدمة من حيث الإمكانيات والتسليح، والتي تسببت في انهيار الجيش الإثيوبي بعد انسحاب الفاعلين الإقليميين من الحرب.
لم يُدرك “آبي أحمد” في الجولة الأولى من الحرب أن انسحاب قوات دفاع تيجراي من المدن الرئيسية في نوفمبر الماضي كان تكتيكيًا، وتوهم أنه انتصر على قوات دفاع تيجراي. لم يقرأ “آبي أحمد” تكتيك قومية تيجراي من الانسحاب السريع، كذلك لم يدرك أن الانسحاب بهذه الطريقة لقوات دفاع تيجراي تجنبًا وخوفًا من وقوع ضحايا كثر من قواتهم. وقد أخطأ ثانية عندما فسر تقدمه السريع في الإقليم على أنه انتصار، وصوّره للرأي العام الإثيوبي والدولي بأن مهمة إنفاذ القانون قلّمت أظافر قومية تيجراي.
وقد وظّفت جبهة تحرير تيجراي بعد الانسحاب الأموال الضخمة التي سحبتها من البنوك في إقليمهم، والتي مكّنت الجبهة من الاحتفاظ بقدر كبير من التأثير على الاقتصاد الموازي، خاصة بعد أن ارتفع سعر الدولار من 50 بر إلى 71 بر. وعندما لجأت الحكومة الإثيوبية إلى تغيير العملة كانت نسبة كبيرة من الأموال دخلت في الاقتصاد الموازي، في الوقت الذي حشدت فيه قوات تيجراي جميع منتسبيها وحلفائها من العسكريين والأكاديميين على الرغم من الاختلافات التي استمرت سنوات بينهم، إلا أنهم تجاوزوا مرارات السنوات الماضية، خاصة الجنرال “تسادكان جبرتنساي”، من خلال الاستفادة منهم في حرب الأدغال، الأمر الذي أعطاهم التفوق الكبير ونجحوا في مخططهم.
إطلاق الجولة الثانية من الحرب
هذه الجولة تميزت بسرعة الأحداث، فعلى الأرض تشاهد صورًا لقوات تيجراي تتقدم ودباباتهم منقولة على حاملات، مما يعني أنها لا تقاتل، ولكنها تسير في طريق بدون مقاومة تذكر، والزيارة التي قام بها وزير الخارجية “ديميكي مكونن” إلى قوات الجيش في محيط العاصمة أديس أبابا تؤشر على أن خط الدفاع الأول الذي تتبناه الحكومة الإثيوبية أصبح على حدود العاصمة. وفي المقابل، يُخطط الجيش الإثيوبي لحشد قوات ضخمة لهجوم شامل على إقليم تيجراي من شمال شرق إثيوبيا من داخل الإقليم العفري.
وقد أثار التحالف بين قومية الأورومو والتيجراي استياء الحكومة الإثيوبية، حيث وصفت السكرتيرة الصحفية لمكتب رئيس الوزراء “بيليني سيوم” في مؤتمرها الصحفي، أن التحالف المعلن بين جيش تحرير أورومو – شيني وجبهة تحرير تيجراي ليس بالجديد للحكومة الإثيوبية. وأضافت أن قوات دفاع تيجراي تستخدم التنظيم الأورومي المسلح للقيام بمهمتهم داخل العاصمة، وأن تحالفهما هو زواج غير شرعي لمجموعتين إرهابيتين، على حد قولها. فقد اتفقت كل من قوات دفاع تيجراي، وجيش تحرير الأورومو، على التعاون العسكري وتبادل المعلومات في ساحة القتال، والقتال بالتوازي في مختلف الجبهات لإضعاف العدو المشترك والتنسيق معًا من أجل إسقاط حكومة القوميين الأمهرا. وقد قال “كومسا ديريبا”، الشهير باسم “جال مارو” وهو زعيم جيش تحرير أورومو –شيني: إن قواته تحالفت مع قوات تيجراي بهدف الضغط نحو المركز. وأضاف أن الحل الوحيد لإنهاء الأزمة في إثيوبيا هو إسقاط العدو، عن طريق الكفاح المسلح. وأشار إلى أنها اللغة الوحيدة التي تفتح آفاقًا جيدة للحوار.
وقد قام جيش تحرير الأورومو بتدمير جسر في 13 أغسطس 2021 على النيل الأزرق يربط بين إقليم أمهرا وأديس أبابا، ويفصل بين منطقتين مهمتين هما جوجام وشوا. كما أعلنت جبهة تحرير شعب بني شنقول عن تقدمها عبر مقطع فيديو مصور يظهر القائد العسكري لحركة قوات تحرير بني شنقول “عبدالله أبو عيون” يتحدث فيه عن تقدم قواته.
وفي المقابل، يرفض “آبي أحمد” شروط قوات دفاع تيجراي لكي تتجنب بلاده حروبًا أهلية قادمة لا محالة، في الوقت الذي تكتسب فيه قوات دفاع تيجراي تعاطفًا من القوميات الأخرى، وأصبحت تحقق التقدم من خلال العمليات العسكرية، فالتعبئة التي أطلقها “آبي أحمد” لم تنجح في تحقيق أهدافها، فالقوميات الإثيوبية بات لدى معظمها قناعة بأنهم يحاربون من أجل قومية الأمهرا. وفي ظل اتساع رقعة الصراع في إقليم أمهرا، وعزله جغرافيًا، فرضت السلطات حظر تجول في المدن الكبرى لأجل غير مسمى بدأ سريانه من 12 من أغسطس 2021، من أجل الحدّ من حركة السيارات والمركبات. وشمل مدن: بحر دار، دسي، دبري بيرهان، إنجيبارا وكومبولتشا. وأصبح إقليم أمهرا شبه محاصر من جميع الاتجاهات.
ختامًا، يمكن القول إن المشهد السياسي والعسكري في إثيوبيا يُظهر ضغوطات كبيرة على الحاضنة السياسية التي اتخذها رئيس الوزراء “آبي أحمد” من قومية الأمهرا. فبتلك الحاضنة يواجه “آبي أحمد” وحكومته مأزقًا حقيقيًا في إدارة شئون البلاد، حيث أصبحت حاضنته السياسية عاملًا أساسيًا في التوترات وعدم الاستقرار بالدولة الإثيوبية. كما تركت تلك الحاضنة حالة من الغبن والاحتقان العرقي والسياسي لدى القوميات الأخرى غير الراضية عن سيطرة قومية الأمهرا على السلطة، والخوض في حرب الهدف منها تمكينهم من مفاصل الدولة بالكامل.