مرت السنوات العشر الأخيرة ثقيلة على المنطقة العربية، حاملة معها تحولات جوهرية عصفت بمنظومة الأمن القومي العربي، وخلفت حالة من الفراغ الاستراتيجي الأمني والسياسي في المنطقة؛ إذ سقطت أنظمة كانت قائمة لسنوات طوال، ووقعت دول في براثن الفوضى، بحيث باتت بعضها في عداد الدول الفاشلة واستولت الجماعات الراديكالية على السلطة في بلدان أخرى مسقطة إياها في دائرة مفرغة من الأزمات، ونشط الفاعلين من غير الدول وفي مقدمتهم الجماعات الإرهابية التي سيطرت لفترات طويلة على مساحات واسعة من الأراضي العربية، وضرب التفكك والانقسامات أكبر جيوش المنطقة، ووجدت القوى الإقليمية صاحبة المشاريع التوسعية الفرصة سانحة لتلبية أطماعها على أنقاض المشهد العربي المفكك.
وقد أدرك الجيش المصري مبكرًا تبعات انهيار المنظومة الأمنية العربية التقليدية، وحجم التهديدات والمخاطر المحدقة بالدولة المصرية وأمنها القومي على كافة الاتجاهات الاستراتيجية الأربعة، وحجم العبء التاريخي والأخلاقي والأمني المنوط به لموازنة حالة الفراغ الاستراتيجي العربية الناجمة عن سقوط الجيشين العراقي والسوري. ومن هنا كان القرار بالاستعداد مبكرًا لمجابهة كافة التحديات والمخاطر التي تواجه مصر، عبر تحديث كافة أفرعها الرئيسية وتشكيلاتها القتالية ووحداتها ومنظوماتها، ومدها بمنظومات تسليح متطورة، وإنشاء قواعد عسكرية متكاملة، واستحداث تشكيلات جديدة في القوات المسلحة كقوات التدخل السريع المحمولة جوًا.
دوافع برنامج الصناعات الدفاعية المصرية
بدأت مصر مرحلة جديدة في صناعاتها الدفاعية لتلبية احتياجات القوات المسلحة من الأسلحة والذخائر والمعدات اللازمة للحفاظ على أمن واستقرار الدولة، تحقيقًا لعدة أهداف منها:
• التعاطي مع البيئة الأمنية غير المستقرة وحماية المقدرات الاقتصادية للدولة ومخططات التنمية الشاملة: وفي هذا الصدد يبرز ثلاثة تحديات رئيسية مباشرة؛ حالة عدم الاستقرار السياسي والاضطراب الأمني في ليبيا وما تمثله من تهديد بشأن إمكانية نفاذ العناصر الإرهابية والسلاح ونشاط عمليات التهريب على طول الحدود الغربية، والتصدي للعمليات الإرهابية التي تشنها العناصر التكفيرية في مناطق العريش ورفح والشيخ زويد وبئر العبد في شمال شرق سيناء، وتأمين عمليات البحث والتنقيب واستخراج الغاز الطبيعي من حقول شرق المتوسط وسط تصاعد الأنشطة التركية المزعزعة للاستقرار بالمنطقة.
• الاستجابة للمتغيرات الأمنية الداخلية المستجدة: إذ تتماشى الأسلحة المصنعة في مصر مع احتياجات الشرطة والجيش في عملياتهم ومهامهم القتالية، وتتناسب المدرعات المصرية مع الجغرافيا الصحراوية لمناطق العمليات في شبه جزيرة سيناء وتفي بمتطلبات القوات الأمنية التي قد لا تتوافر بأسلحة مستوردة. علاوة على تأمين كميات كافة من الذخيرة لأغراض التدريب كون نقص بعض الذخائر يمثل التحدي الأبرز أمام خطط التدريب، ولمواكبة متطلبات الحرب الحديثة التي تحتاج لاستهلاك كميات هائلة من الذخائر من مختلف الأنواع.
• التصدير للخارج: تسعى مصر لتحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض المعدات العسكرية لكن أيضًا تتضمن خطط التصنيع تصدير الأسلحة المصرية إلى السوقين الأفريقي والعربي، في ظل تصاعد التهديدات التي تواجههما، ودور مصر المحوري في مكافحة الإرهاب بالمنطقة، واحتدام المنافسة مع القوة الإقليمية التي تتخذ من صادرات صناعاتها الدفاعية أداة لفرض سيطرتها خاصة على القارة الأفريقية، وفي مقدمتها تركيا، ومساعيها للاستحواذ على هذا السوق الواسع عبر إنتاج أسلحة متطورة تتماشى مع الطبيعة الجغرافية لبلدانها.
وأفريقيًا، تتلاقى المصالح حيث تهتم القاهرة بترسيخ وجودها السياسي والعسكري في القارة، وبالمقابل تتطلع أفريقيا للحصول على السلاح المصري بالنظر لجودته العالية وسعره المنخفض وملائمته للجغرافيا الأفريقية، في ظل تحديات مواجهة الجماعات الإرهابية، والنقص الذي تعانيه القارة في السلاح بسبب ارتفاع أسعار الأسلحة المستوردة من الغرب. وفي هذا السياق، نظمت مصر معرض للأسلحة والمنتجات العسكرية على هامش استضافة اجتماعات اللجنة الفنية المتخصصة للدفاع والسلامة والأمن الأفريقية في ديسمبر 2019، بحضور شركات الصناعات العسكرية المصرية ومشاركة وزراء الدفاع ورؤساء الأركان والخبراء العسكريين الأفارقة. كما وقعت القاهرة اتفاق تعاون مع السنغال لتزويدها بالمعدات العسكرية والأسلحة والذخيرة.
أما عربيًا، هناك سوق واعد للصناعات الدفاعية المصرية بالنظر إلى أن الشرق الأوسط يستحوذ على نحو ثلث ورادات العالم من الأسلحة، وفقًا لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري” في 2018، في ظل البيئة الأمنية غير المستقرة في المنطقة. وبالفعل نجحت مصر في إبرام عقدًا مع الإمارات لتصدير ألف مدرعة من طراز “ST-100″، واجتاز الطراز الاختبارات العملية في السعودية تمهيدًا لطلب استيرادها أيضًا. وتتطلع القاهرة للمساهمة في تطوير الصناعة الدفاعية العراقية وإنشاء خطوط إنتاج كاملة في العراق، فضلًا عن تجديد المصانع الحربية العراقية، وبالمقابل تتطلع العراق للحصول على أسلحة مصرية الصنع، ضمن مساعي مصرية لتطوير علاقات الشراكة الاستراتيجية متعددة الجوانب مع العراق خاصة مع تطلع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى تنويع علاقات بلاده الخارجية والعودة للحضن العربي والابتعاد عن سياسة المحاور التي أضعفت الأمن القومي العربي.
• استقلال القرار السياسي وتعزيز المكانة الإقليمية: تشكل القدرة على الإنتاج العسكري أحد المحددات الأساسية لدرجة الاستقلالية السياسية للدولة ومقومًا لتخليصها من الضغوط الخارجية. وكان لقرار الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا تجميد بعض صفقات السلاح وعرقلة توريد قطع غيار بعض المعدات العسكرية، كمنظومة تكنولوجيا الإصلاح والصيانة للطائرات “إف-16” وعدد من طائرات “الأباتشي” عقب ثورة 30 يونيو 2013، محفزًا للإسراع في هذا البرنامج بهدف امتلاك تكنولوجيا صيانة المعدات العسكرية القادمة من الخارج، وتطوير الأسلحة الغربية لتتناسب مع المسرح العملياتي في مصر والشرق الأوسط فيما يتعلق بطبيعة التهديدات والعدائيات التي تشتبك معها، إلى جانب توطين صناعة الأسلحة والمعدات الخفيفة، والاكتفاء باستيراد الأسلحة المتطورة ذات التكنولوجيا المعقدة التي تضمن استمرار توازن القوى بالمنطقة.
• الارتقاء بالوضع الاقتصادي: يساهم التصنيع العسكري في زيادة الثقة بالصناعة المصرية، خاصةً وأن صناعات التسليح ترتبط بصناعات مكملة لها تحقق انتعاشه في السوق المصري وتوفر فرص عمل جديدة، كما أن تصدير الفائض يوفر الكثير من العملة الصعبة ويحقق مزيدًا من نمو الناتج القومي في ظل التنامي المستمر في أسواق التسليح العالمية، ويرفع مكانة مصر عسكريًا واقتصاديًا. فضلًا عن أن الصناعات الدفاعية تمثل قوة محركة لتطوير الابتكارات التي تخدم القطاعين المدني والعسكري في كافة فروع الاقتصاد والتكنولوجيا.
واقع الصناعات الدفاعية المصرية
شهد تاريخ التصنيع الحربي قفزتين؛ الأولى على يد محمد علي الكبير حيث أنشأ مصانع لتصنيع السلاح والبارود، والثانية عام 1949، عندما كُشف لأول مرة عن خطط لتطوير صناعة الطائرات والأسلحة الخاصة بها، وتوجت بافتتاح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مصنع 27 للإنتاج الحربي الذي أنتج أول طلقة يوم 23 أكتوبر 1954، كتنفيذ عملي لأحد المبادئ الأساسية لثورة 23 يوليو بإقامة جيش وطني قوي يعتمد على صناعة حربية وطنية. وبعد ذلك، توالت عمليات تطوير الصناعات الحربية خاصة بعدما كشفت حرب أكتوبر 1973 حتميتها، حيث أُنشأت الهيئة العربية للتصنيع عام 1975 شاركت فيها مصر بحصة عينية متمثلة في مصنع 36 لإنتاج الطائرات، ومصنع 72 لصناعة المركبات المدرعة، ومصنع 135 لإنتاج محركات الطائرات، ومصنع 333 لصناعة الصواريخ. وهكذا تطورت الصناعة لتشمل إنتاج الأسلحة الثقيلة والقاذفات المتطورة ومعدات الحرب الإلكترونية، لتكون بذلك مصر الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تمتلك صناعة أسلحة كبيرة. وفيما يلي نستعرض واقع الصناعات العسكرية المصرية على عدة مستويات:
• المنتجات العسكرية: تقوم مصانع الإنتاج الحربي والهيئة العربية للتصنيع، بعملية تصنيع محلي لعدد من الأسلحة والدبابات والطائرات سواء بمكون مصري خالص كالمدرعة “فهد 300″ و”سيناء 200” والمدفع المعدل “M-46” والمدرعة تمساح 3 وتمساح 1 المطورة و2 المطورة والمدرعة “ST-100” ونسختها الأصغر “ST-500″، أو بتصنيع مشترك مع الدول الصديقة بنسب تتراوح بين 60 و90%. وقد روعي خلال التصنيع أن تتلاءم المعدات مع احتياجات القوات المسلحة والشرطة وفقًا للمتغيرات الأمنية الجديدة والمهام المكلفين بها داخليًا وخارجيًا.
وتتسم الصناعات الدفاعية بالتنوع الأفقي بحيث تُغطي مختلف أفرع القوات المسلحة بين معدات جوية وبحرية وبرية واستطلاع ودفاع جوي؛ بما في ذلك الطائرات الهجومية الخفيفة (ألفا جيت) وطائرات التدريب (توكانو T-27) والمقاتلات الخفيفة (القاهرة-300 وجيان-6 وجيان-7( الطائرات بدون طيار (ASN-209 وWind Loong 1)، والمدرعات متعددة الطُرز والمهام (قادر وEIFV)، والمركبات العسكرية (جيب TJL وجيب J8 وبانثيرا T6)، ناقلات الجنود والمدرعات (المدرعتين فهد 240 و SIFV والناقلة 365NL)، والرادارات، إلى جانب مجموعة واسعة من الأسلحة والذخائر التي تتراوح بين خفيفة ومتوسطة وثقيلة سواء تستخدم بذاتها أو محملة على المعدات العسكرية. فضلًا على تصنيع أسلحة الحروب غير النمطية استجابة للتحديات الأمنية الجديدة كالإرهاب، والمعدات متعددة الأغراض ذات الاستخدامين العسكري والمدني؛ على سبيل المثال رادار المسح الجوي والإنذار المبكر المصري ثنائي الأبعاد ESR-32 الذي يُمكن استخدامه أيضًا لمراقبة وتوجيه حركة الملاحة الجوية المدنية.
• تطوير بنية الصناعات الحربية: يشمل ذلك مسارات أربعة يجري العمل عليها بالتوازي، هم؛ إضافة منشآت صناعية متخصصة جديدة، تطوير الشركات القائمة، التعاون مع الجهات البحثية بالقوات المسلحة لتطوير وإنتاج أنظمة جديدة من الأسلحة والذخائر والمعدات والعربات المدرعة، وتطوير منظومة الموارد البشرية بالتدريب الفني التخصصي وتغيير الثقافة وبناء القدرات وفق أحدث نظم الجودة والتدريب والبحوث والتسويق.
• تنظيم والمشاركة في مؤتمرات الصناعات الدفاعية: كان عام 2018 علامة فارقة في تاريخ الصناعات الدفاعية المصرية حيث أطلقت مصر نسختها الأولى من معرض الصناعات الدفاعية والعسكرية “أيدكس 2018” الذي شارك فيه 10 آلاف زائر من أكثر من 40 دولة و350 شركة متخصصة في مجال الصناعات الدفاعية، على أن يعقد دوريًا كل عامين –تم تأجيل نسخة 2020 بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد حيث ستعقد خلال الفترة بين 29 نوفمبر و2 ديسمبر 2021 بمشاركة 400 عارض من كبرى الشركات العالمية والمحلية العاملة في مجال الصناعات العسكرية- وهو ما يتيح فرصة لمصر للنفاذ إلى الأسواق الإقليمية والعالمية، والتعرف على تكنولوجيا التسليح، وإبرام اتفاقيات تعاون عسكري، وتبادل الخبرات والرؤى بشأن القضايا المثارة، وإظهار مدى قدرتها على تطوير المنتجات العسكرية بما يتلاءم مع طبيعة المهام المكلفة بها، إلى جانب التأكيد على حقيقة الدور الرائد لمصر في المنطقة. وعلى صعيد آخر، تشارك مصر في المعارض الدفاعية الدولية وأخرها معرضي أيدكس ونافدكس 2021 بالإمارات.
• التعاون الدولي لتطوير الصناعات الدفاعية: تبنت استراتيجية التصنيع العسكري المصرية منهجية التعاون مع الدول الأخرى والشركات العالمية المتخصصة بغرض فتح فرص للاستثمار في مصر بالشراكة مع الهيئة العربية للتصنيع باعتبارها أكبر كيانات التصنيع العسكري في المنطقة العربية وأفريقيا، ونقل التكنولوجيا الحديثة وتوطينها والاستفادة من الخبرات الأجنبية المتقدمة وإدخال أحدث أساليب التصنيع وتعزيز أنشطة التصنيع المشترك.
وفي هذا الإطار، تتعاون مصر مع الولايات المتحدة (في مجال تصنيع بعض المعدات كالدبابة M1A1)، وروسيا (في مجال أنظمة الدفاع الجوي)، والصين (في مجال الطائرات بدون طيار والمركبات الجوية كالطائرة “كي. 8 أي” والطائرة بدون طيار “UAV”،)، وألمانيا (في مجال التصنيع البحري والأسلحة الخفيفة)، وإيطاليا (عبر اتفاق بين شركة راينميتال وشركات وزارة الإنتاج الحربي)، وإسبانيا (حيث تم توقيع مذكرة تفاهم بين شركتي “IMUT” المصرية و”ESCRIBANO” الإسبانية للتعاون في مجال تصنيع الأسلحة والمعدات وأنظمة المراقبة)، وبريطانيا (في مجال التصنيع المشترك لمدفع الهاوترز D-30)، وفرنسا (في مجال تصنيع الفرقاطة جويند في مصر).
فضلًا عن السعي للتعاون مع بيلاروسيا في مجال نقل التكنولوجيا لستة أنظمة تسليحية يأتي على رأسها نظام المدفعية الصاروخي بعيد المدى Polonez الذي يبلغ مداه الهائل 300 كيلومتر، والبالون EM UAS وهو نظام جوي بدون طيار يعتمد على المنطاد بمدى طيران يصل إلى 50 كم ويتيح المراقبة التفصيلية بسرعة تصل إلى 40 كم/ساعة، ومحطة الأسلحة التي يتم التحكم فيها عن بعد “أدونوك” التي يمكن أن تحمل مدفع رشاش ثقيل 12.7 ملم وطائرات بدون طيار غير محددة ونظام إدارة نيران للمدفعية الصاروخية، ونظام الدفاع الجوي متوسط المدى Buk-MB3K بما يتيح لمصر بديلًا أرخص لمنظومة الدفاع الجوي الروسية متوسطة المدى BuK-M3 أو S-350، ويجعل ترخيص الإنتاج بأعداد كبيرة شبكة الدفاع الجوي المصرية أكثر كثافة وربما يسمح لها بالتخلص التدريجي من أنظمة عصر الحرب الباردة القديمة مثل MIM-23 الأمريكية وS-75 السوفيتية.
علاوة على ذلك تطلع مصر إلى التصنيع العسكري المشترك ونقل وتوطين التكنولوجيا العسكرية المتقدمة بالتعاون مع بلغاريا وكوريا الجنوبية، ويدور الحديث بشأن التعاون مع أهم شركات الصناعات الدفاعية الكورية كشركة هانوا تكوين وLIG Nex1 لا سيمَّا فيما يتعلق بمنظومة الدفاع الجوي متوسطة المدى طراز KM-SAM التي تعتبر سلاحًا رئيسيًا في أنظمة الدفاع الصاروخية الكورية. كذلك تطلع القاهرة للتعاون بين شركة هليوبوليس للصناعات الكيماوية “مصنع 81 الحربي” وهيئة الصناعات العسكرية الباكستانية POF للتصنيع المشترك ونقل تكنولوجيا تصنيع الألغام المضادة للدبابات، المفرقعات الصناعية بأنواعها، العبوات الابتدائية لبمب الهاون. وأيضًا تطلع مصر إلى بحث فرص التصنيع العسكري المشترك مع قبرص والبرازيل.
التحديات التي تواجه الصناعات الدفاعية المصرية
على الرغم من الخطوات الكبيرة المحرزة على طريق بناء صناعة حربية مصرية إلا أن بعض التحديات لا تزال تتطلب البحث عن حلول، ومنها:
• نقص التكنولوجيا: تمتلك مصر قاعدة علمية قوامها الحاصلين على درجتي الماجستير والدكتوراة في مصانع الهيئة القومية للإنتاج الحربي والهيئة العربية للتصنيع، إلى جانب مئات العاملين الذين يتم إرسالهم في بعثات تعليمية إلى الخارج، والأبحاث العلمية والمشروعات البحثية التي تنتجها الكلية الفنية العسكرية والمعهد الفني للقوات المسلحة والمدينة الأبحاث العلمية في القوات المسلحة سنويًا، وما يقدمه الضباط العاملون فى الخدمة من ابتكارات واختراعات، فضلًا عن معهدًا للتكنولوجيا المتقدمة ومركزين لتطوير القدرات في مجالات الإدارة والهندسة والتكنولوجيا وأنظمة المعلومات واللغات تبع الهيئة العربية للتصنيع.
ومع ذلك تفتقر مصر إلى التكنولوجيا المتقدمة التي تسمح بتطوير أنظمة مصرية مستقلة، فبينما تقوم بتجميع أنظمة عسكرية متطورة فإن الشركات الغربية تكتفي بإمداد الجانب المصري بأدوات التجميع مع الاحتفاظ بالتكنولوجيا المستخدمة. ونتيجة لذلك، كافحت الهيئة العربية للتصنيع ووزارة الإنتاج الحربي لرفع نسبة المحتوى المحلي في المنتجات التي تجمعها بموجب ترخيص أجنبي كوسيلة لاكتساب المعرفة التقنية والإنتاجية، لكن معدلات النمو في المحتوى المحلي كانت بطيئة، فعلى سبيل المثال استغرق الوقت ثلاثين عامًا منذ حصول مصر على ترخيص إنتاج المدرعة فهد الألمانية عام 1985 لتصل نسبة المكون المصري إلى 68% ارتفاعًا من 25%، كما تعتمد مصر على الولايات المتحدة في الحصول على محرك الدبابة M1A1.
• الاعتماد على المدخلات الأجنبية: ترتبط تلك النقطة إلى حد كبير بسابقتها حيث يترتب على نقص التكنولوجيا اللازمة لإقامة صناعة عسكرية مستقلة الاعتماد على استيرادها من الخارج، وهو ما يفسر تركز الصناعات الدفاعية المصرية بشكل كبير على المعدات ذات التكنولوجيا غير المعقدة والذخائر بجميع أنواعها. كما تعتمد المصانع الحربية البالغة 26 مصنعًا على واردات آلات الإنتاج والسلع الوسيطة.
• الصعوبات المالية: لا تزال الميزانيات المخصصة لقطاع الإنتاج الحربي منخفضة مقارنة بالمأمول، حيث بلغ دعم الإنتاج الحربي في موازنة العام المالي 2021/2022 نحو مليار و369 مليونًا، في حين قُدر احتياج القطاع من الاستثمارات الجديدة أواخر الثمانينيات ما بين أربعة وستة مليارات دولار، ونظريًا كان من المفترض أن يتضاعف هذا المبلغ مرات عديدة وصولًا إلى العام الحالي لكن هذا لم يحدث.
• العمالة غير المدربة: يقدر حجم القوى العاملة في المصانع الحربية بـ 40 ألف عامل وهو رقم كبير مقارنة بحجم الإنتاجية، فعلى سبيل المثال قدرن شركة جنرال موتورز الأمريكية حاجة مصنع 200 الحربي بـ 1200 عاملًا فقط بدلًا من 6000، وقد تم تخفيضهم في النهاية إلى 2500 عاملًا. وتتمثل نقطة ضعف العمالة الرئيسية في عدم قدرتها على التعامل مع التكنولوجيا المعقدة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وهو ما يتطلب مزيد من الموارد المالية المخصصة للتدريب.
• الاستجابة غير المتكافئة للتحديات الأمنية: ركز التصنيع الحربي المصري على تنمية القدرات التسليحية البرية والجوية والخاصة بالدفاع الجوي مقارنة بتنمية القدرات التسليحية البحرية؛ فرغم عملية التحديث الشاملة التي شهدتها القوات البحرية مؤخرًا استجابة للتحدي الناشئ في شرق المتوسط واحتلالها المركز السابع عالميًا بحسب تصنيف “جلوبال فاير باور”، إلا أن ذلك لم ينعكس بنفس المستوى على الصناعات الدفاعية، واعتمد التحديث بشكل كبير على شراء الأنظمة البحرية من غواصات وحاملات مروحيات وفرقاطات من فرنسا وألمانيا، أما التصنيع المحلي فاقتصر على برنامج بالتعاون مع فرنسا لبناء ثلاثة فرقاطات جوونيد في حوض بناء السفن بالإسكندرية، ليكونوا أول سلاح بحري يُصنع في مصر.
ختامًا، خلقت البيئة السياسية والأمنية غير المستقرة إقليميًا تحديات جديدة للأمن القومي المصري ورتبت أعباء إضافية على القوات المسلحة، تطلب معها إجراء عملية تحديث شاملة، ومن هنا كان التوجه نحو بناء قاعدة صناعية عسكرية تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض المعدات العسكرية، ومع ذلك تظل مصر تستورد جزءًا كبيرًا من احتياجاتها العسكرية نظرًا للتحديات التي تواجه صناعتها.