شهدت مقاطعة كوازولو-ناتال والكيب الشرقية بجنوب إفريقيا فيضانات كارثية في الثامن من إبريل 2022، ويأتي ذلك بعد أن تعرضت الدول المجاورة لجنوب إفريقيا (موزمبيق، وملاوي، ومدغشقر، وزيمبابوي) لعواصف استوائية مُتتالية (آنا، وباتسيراي، وإمناتي، وجومبي) على مدار ثلاثة أشهر فقط من يناير إلى مارس 2022. وتُواجه دول الجنوب الإفريقي تحديات التعافي من الكوارث المناخية، حيث جذب إعصارا إيداي وكينيث عام 2019 انتباه العالم لمخاطر التغير المناخي، ولا يمكن تجنب حقيقة أن هذه المنطقة تمر بحالة طوارئ مناخية ممتدة، حيث لا يزال الكثيرون يعتقدون أن التغير المناخي ظاهرة بعيدة، ربما يرجع ذلك جزئيًا إلى أن توقعات تغير المناخ حول ارتفاع درجات الحرارة وظواهر الطقس المتطرفة مرتبطة بالتواريخ المستقبلية 2030 أو 2050 أو 2100، لكن على مدى القرن الماضي زادت درجات الحرارة العالمية الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري.
تداعيات خطرة
يؤثر التغير المناخي على سُبل عيش المجتمعات المحلية في جنوب إفريقيا، ويُفاقم الفجوات القائمة من الديون والفقر، وتم تصنيف موجة الفيضانات الأخيرة باعتبارها كارثة وطنية لتعزيز التزام الإدارات الحكومية الوطنية بالاضطلاع بدورها في تقديم الإغاثة وإعادة تأهيل المجتمعات المتضررة، وتجنب عمليات النهب والاستيلاء على مساعدات الوكالات الإغاثية. كما يُشكل التغير المناخي تهديدًا كبيرًا لموارد المياه والأمن الغذائي والصحة والبنية التحتية، فضلًا عن تدمير خدمات النظام الإيكولوجي والتنوع البيولوجي. وتُمثل تكلفة التعامل مع أضرار الفيضانات حصة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي الوطني، مما يقيد الاستثمار في أهداف التنمية الوطنية الأخرى في جنوب إفريقيا، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
• تدمير البِنَى التحية وتفاقم عمليات النزوح: أثرت الفيضانات على البنية التحية للطرق والمستشفيات، وميناء ديربان، باعتباره من أكبر محطات الشحن في القارة الإفريقية، وتعطيل السكك الحديدية، والبنية التحية للاتصالات، وإمدادات الوقود والغذاء وتداعيات ذلك على بنية الاقتصاد؛ إذ تسببت في فقدان الموارد مع ارتفاع تكاليف السلع والخدمات، وتأخير برامج التنمية وإعاقة النمو الاقتصادي. وكذا، نجم عن الفيضانات نزوح أكثر من 40 ألف شخص، ومقتل أكثر من 440 شخصًا، وتُقدر الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والمنازل والشركات، بما لا يقل عن 248 مدرسة بتكلفة أكثر من 757 مليون راند.
• انتشار الأوبئة وتردي الخدمات الصحية: انهارت المرافق الصحية، وتعطلت الخدمات، مع الافتقار إلى الوصول لخدمات الرعاية الصحية بالمناطق المتضررة، وتدهور الحالة الصحية بسبب الأمراض المنقولة بالمياه، في ظل تحذير منظمة الصحة العالمية من مخاطر الفيضانات على صحة الإنسان، وقد تجلى ذلك في تفشي أمراض الكوليرا والملاريا، في ظل التأثير المركب للفيضانات، حيث يرتبط التعرض للفيضانات بتزايد حالات الطوارئ الصحية المتعلقة بالمناخ، وتتبع منظمة الصحة نهج “الصحة الواحدة” في أحداث الصحة العامة المتعلقة بالمناخ، ويعتمد هذا النهج على فرضية أن صحة الإنسان والحيوان والنظام البيئي مُتشابكة، وتتطلب نهجًا منسقًا لمعالجة هذه التحديات.
• فقدان سُبل العيش: شهدت جنوب إفريقيا عدم انتظام هطول الأمطار، حيث أثرت موجة الفيضانات على أعمال المياه والزراعة والطاقة، وتدمير الثروة الحيوانية القائمة، وانخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية، وتفاقم أزمات انعدام الأمن الغذائي، وتوقف الأنشطة الاقتصادية، مما يؤدي إلى خلل في الحياة الطبيعية لفترة تتجاوز مدة الفيضان. فضلًا عن انخفاض القوة الشرائية والإنتاجية، نتيجة فقدان سُبل العيش وفقدان قيمة الأراضي، وتفاقم نقاط الضعف لدى المجتمعات المحلية، مما ينتج عن ذلك هجرة جماعية ونزوح للسكان.
استجابة محدودة
عملت جنوب إفريقيا على الاستجابة بشكل استباقي للتغير المناخي من خلال إطلاق قوانين مناخية، تشمل سياسات التكيف واستثمارات الطاقة الخضراء والانتقال العادل الذي يحمي الأرواح وسُبل العيش، حيث تم التوقيع على قانون ضريبة الكربون عام 2019 الذي يفرض رسومًا محددة على انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن احتراق الوقود والأنشطة الصناعية. علاوةً على ذلك، تقر خطة التنمية الوطنية بجنوب إفريقيا (NDP) بأهمية التخطيط للتغير المناخي، وتحديدًا للمجتمعات الفقيرة من خلال مُعالجة التحديات التنموية بطريقة تضمن الاستدامة البيئية وتتبنى المرونة المناخية. بالإضافة إلى التوقيع على مشروع قانون التغير المناخي الذي يفرض التزامًا قانونيًا على جميع الحكومات المحلية والإقليمية لإجراء تقييمات لاحتياجات التغير المناخي، تليها خطط تنفيذ الاستجابة للتغير المناخي، ثم دمج خطط الاستجابة في جميع خطط التنمية الاجتماعية القائمة.
وقد فعلت الحكومة الجنوب إفريقية آلية حماية الروابط العائلية في مقاطعة كوازولو-ناتال، لمساعدة النازحين بسبب الفيضانات في العثور على بعضهم بعضًا، فضلًا عن المساعدة المباشرة في توفير المأوى والغذاء والدعم النفسي للنازحين، ولكن لا توجد خطة عمل مُشتركة بشأن المعلومات والمناطق المُعرضة للمخاطر المناخية. فضلًا عن زيادة الدعم لخدمات الطوارئ، وتدابير إعادة الإعمار بعد الكوارث المناخية، حيث منح قانون إدارة الكوارث لعام 2002 سلطات وواجبات مختلفة للمركز الوطني لإدارة الكوارث، ويسمح القانون للسلطة التنفيذية الوطنية بمساعدة وحماية المواطنين والممتلكات وتوفير الإغاثة من خلال توجيه وتنسيق أنشطة جميع الوكالات الحكومية، وكذلك تخصيص الموارد الحكومية حسب الضرورة للاستجابة للكوارث. كما يُقر الكتاب الأبيض الخاص بالتغير المناخي بأهمية دور الحكومات المحلية باعتبارها جهات فاعلة أساسية في الاستجابة للتغير المناخي.
كما أعلن رئيس جنوب إفريقيا “سيريل رامافوزا” حالة الكارثة الوطنية على فيضانات إبريل 2022، وخصص 67 مليون دولار لمساعدة المتضررين، ونشر جيش جنوب إفريقيا عشرة آلاف جندي للمساعدة في جهود البحث والإنقاذ، وتوصيل الخدمات الأساسية لضحايا الفيضانات. وأعلنت حكومة جنوب إفريقيا أنها ستمول جزئيًا جهود إعادة الإعمار بالاستفادة من الأموال المخصصة للصندوق الوطني بشأن مُكافحة جائحة كوفيد-19. وأطلقت الإدارة المحلية في مدينة كيب تاون مُبادرة الوقاية من الفيضانات التي تشمل فك أنظمة تصريف مياه الأمطار استعدادًا لموسم الطقس القادم، ومن خلال تخصيص 48 مليون راند للمبادرة.
وإلحاقًا بالسابق، أقرت حكومة جنوب إفريقيا ثلاثة مشروعات لقوانين لتوفير استجابة أكثر استدامة، كان أبرزها مشروع قانون إنشاء لجنة التنسيق الرئاسية المستقبلية لتغير المناخ (PCCCC)، كجزء من سياسة المناخ الجديدة التي تشمل ثلاث ركائز، بما في ذلك تنفيذ المساهمات المحددة وطنيًا (NDCs) واستراتيجيات التنمية منخفضة الانبعاثات (LEDS) وتحسين إدارة النفايات.
ومن المفارقات أن مدينة ديربان كانت أول مدينة في جنوب إفريقيا وضعت خطة للتغير المناخي عام 2014، مما يدل على ضعف القدرة في مُواجهة التغير المناخي، ومخاطر عدم الاستجابة السريعة، وهناك ضرورة تعزيز خطط العمل المناخية على جميع المستويات، بما في ذلك إصلاح البنية التحتية المتعثرة في البلاد، وقدمت مجموعة من منظمات تغير المناخ شكاوى جنائية ضد رئيس جنوب إفريقيا “سيريل رامافوزا” وعدد من الوزراء لإهمالهم في عدم اتخاذ إجراءات عملية لمعالجة أزمة المناخ. وتلوم حركة ميثاق العدالة المناخية (CJCM) الحكومة بشأن مسئوليتها عن حماية المستضعفين في المستوطنات العشوائية والمناطق الريفية من مخاطر الفيضانات، وضعف المواءمة وتماسك السياسات ومحدودية الموارد البشرية والمالية ونقص المهارات.
آليات مُنتظرة
انطلاقًا من مبدأ الاستدامة البيئية، والوعي المناخي بمخاطر الأزمات والكوارث الناجمة عن التغير المناخي، وآلية الإنذار المُبكر بالفيضانات والأعاصير والجفاف، وارتفاع مستوى سطح البحر، لتجنب حدوث الأضرار والمخاطر المُرتبطة بالكوارث المناخية، في ظل ضرورة التزام الدول المتقدمة بالوفاء بالتزاماتها بتخفيض الانبعاثات الكربونية وفقًا لاتفاقية باريس للمناخ عام 2015، والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، والحاجة إلى تعزيز الوعي المناخي ودمج سياسات الاستجابة للتغير المناخي في الخطط التنموية والقطاعات المختلفة، والاستثمار في البنية التحية الخضراء، ووضع النظم الغذائية على مسار إنمائي منخفض الكربون، وعملت جنوب إفريقيا في هذا الصدد على عددٍ من الأهداف والآليات من خلال الآتي:
• وضع مستهدفات طموحة بشأن الحفاظ على البيئة: أصدرت ديربان، أكبر مدينة في مقاطعة كوازولو-ناتال، خطة العمل المناخي الخاصة بها في عام 2020 والتي تُحدد استراتيجيات لتخضير طاقتها وتحسين إدارة النفايات والحفاظ على المياه، بهدف أن تصبح خالية من الكربون بحلول عام 2050، وتعزيز مفاهيم البنية التحتية الخضراء والبيئية من خلال تسليط الضوء على دور البنية التحتية الطبيعية في التخفيف من مخاطر المناخ، وتشمل المساحات الخضراء المفتوحة والمسطحات المائية والأسطح والجدران الخضراء.
• تعزيز العدالة المناخية: من المرجّح أن تظهر مُعضلة التقاضي المناخي أمام هيئات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية، في ظل تصاعد القضايا المناخية المحلية والمعايير الرسمية التي تُعالج العلاقة بين تغير المناخ وحقوق الإنسان، لإثبات المسئولية التاريخية للدول المسئولة عن إحداث التغير المناخي وتطبيق مبدأ “الملوث يدفع” من خلال تعويض الدول النامية وتحديدًا الدول الإفريقية بتمويل سياسات التكيف مع الآثار السلبية للتغير المناخي، وكذا الرقابة على الأنشطة المُسببة لانبعاثات الكربون، ويظهر ذلك في تجمع المئات من نشطاء المناخ من جميع أنحاء جنوب إفريقيا خارج البرلمان في 9 نوفمبر 2021 للمطالبة بتنفيذ ميثاق العدالة المناخية، والاحتجاج على الاستخدام المفرط للوقود الأحفوري ودعم الحكومة للمحطات الصناعية التي تعمل بالفحم، وضرورة الالتزام بالاعتماد على مصادر الطاقة المُتجددة والنظيفة في إطار التحول للاقتصاد الأخضر.
• تفعيل سياسة الحياد الكربوني: استجابةً للتهديد المتزايد للتغير المناخي، تعمل البلدان في جميع أنحاء العالم على اكتشاف كيفية إزالة الكربون من اقتصاداتها، للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، حيث وضعت جنوب إفريقيا خطة استثمار في قطاع الطاقة ضمن خطة الموارد المتكاملة عام 2019، واستراتيجية النقل الأخضر، وبرامج كفاءة الطاقة، وتنفيذ ضريبة الكربون، وتطمح إلى أن تكون مُحايدة للكربون بحلول عام 2050 من خلال استراتيجية التنمية منخفضة الانبعاثات (LEDS)، وتركز الاستراتيجية على إجراءات التخفيف عبر أربعة قطاعات رئيسية من الاقتصاد: الطاقة، والصناعة، والزراعة، واستخدامات الأراضي، ويكون انتقال الطاقة إلى صافي الانبعاثات مدفوعًا بثلاثة أبعاد: إزالة الكربون، واللا مركزية، والرقمنة.
• دعم سياسات التخفيف والتكيف: فشلت الدول المتقدمة في تقديم 100 مليار دولار سنويًا خلال الفترة من 2020 إلى 2025 لمساعدة البلدان منخفضة الدخل للتكيف مع الآثار السلبية للتغيُر المناخي، ويقطع هذا التمويل شوطًا طويلًا في جنوب إفريقيا؛ إذ يتم إنفاق متوسط 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي على التكيف مع التغير المناخي، مما يُفاقم معدلات الفقر، وتضفي فيضانات 2019 و2022 أهمية تعزيز خطط العمل المناخية في جميع المدن الحضرية في جنوب إفريقيا، مع آليات مُتسارعة للتكيف وتدابير التخفيف لمنع مزيد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وسد الفجوات بين السياسات القائمة وآليات تنفيذها، وضرورة تطوير استجابة وطنية شاملة تدمج التغير المناخي في عمليات صنع القرار في كافة القطاعات.
وختامًا، تُدرك حكومة جنوب إفريقيا أن التغير المناخي يُمثل تحديًا كبيرًا أمام تنميتها، حيث تُواجه آثاره التي دمرت سُبل العيش والاقتصادات والزراعة وأنظمة المياه والغذاء واستثمارات البنية التحتية والصحة العامة والتنوع البيولوجي والنظم البيئية. لذلك، يتطلب التغير المناخي مسئولية عاجلة مُشتركة، وستكون آثاره بمثابة تهديد مُضاعف للمخاطر والتهديدات الناشئة، وتفاقم المنافسة على الموارد الشحيحة، وتأزم التصدعات المجتمعية القائمة، وتصاعد الفوضى المناخية وتحدي العدالة المناخية، وعلى الرغم من أن التغير المناخي ظاهرة عالمية؛ إلا أن آثاره ملموسة على المستويين الإقليمي والمحلي، ويتوجب مُراعاة الشواغل الإفريقية بتنفيذ أولويات احتياجات المجتمعات المحلية فيما يتعلق بتمويل التكيف مع المناخ، وضرورة تحويل المدن الساحلية الإفريقية إلى مدن ذكية ومرنة ومُستدامة للتصدي لآثار ومخاطر التغير المناخي.