أصبحت التكنولوجيا تُستَخدَم بشكل متزايد؛ لتوصيل المعارف والمعلومات بطرقٍ جديدةٍ ومبتكَرة، حيث جعلت التعلم ممكنًا في كل مكان وبكل الأوقات، لذا فقد تحول العالم من السؤال عما إذا كان ينبغي استخدام التكنولوجيا في التعليم إلى كيف يمكننا استغلال التكنولوجيا لتطوير التعليم؛ لذا فقد حرصت مصر على تخصيص المكون الرابع في مشروع إصلاح التعليم، الموقع مع البنك الدولي، للتوسع في استخدام التكنولوجيا في التعليم.
الخطة المصرية لاستخدام التكنولوجيا في التعليم
في 2017، أعلن وزير التربية والتعليم عن الملامح العامة لبرنامج إصلاح التعليم، حيث تضمنت استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالتعليم، وإنشاء البنية التحتية الرقمية، والتوسع في استخدام مصادر التعلم الإلكتروني المتاحة من خلال بنك المعرفة المصري، والتحول التدريجي بعيدًا عن الكتب المدرسية إلى مصادر التعلم الرقمية. وتضمنت وثيقة إصلاح التعليم مكوناً خاصاً باستخدام تكنولوجيا التعليم تحت مسمى “التوسع في تقديم الخدمات من خلال أنظمة التعليم القائمة على الربط الشبكي”، ويهدف إلى دعم برنامج الوزارة؛ لتطوير بيئة رقمية، ودعم استثمار الحكومة في البنية التحتية الرقمية الجديدة والخدمات الخاصة بتكنولوجيا التعليم، بالإضافة إلى دعم متخذي القرار من خلال تزويدهم بالبيانات اللازمة. ويتضمن هذا المكون أربع مكونات فرعية هي:
إنشاء منصة إلكترونية لتكنولوجيا التعليم:
ويهدف إلى إنشاء هيئة لتكنولوجيا التعليم بوضعية قانونية مستقلة وهيكل إداري خاص بها، وموازنة سنوية؛ بهدف تسهيل الإشراف على تعميم البنية التحتية الرقمية وصيانتها؛ ودعماً لممارسات التدريس والتعلم.
إنشاء لوحة بيانية لدعم القرار التعليمي:
،سيدعم المشروع تصميم وتطوير ولوحة بيانية لدعم القرار التعليمي؛ بهدف دعم متخذي القرار من خلال تقديم البيانات والأدلة لهم؛ لمساعدتهم في عملية اتخاذ القرار، حيث سيتم دمج البيانات التعليمية بها لتتضمن بيانات تدريب المعلمين، وتقييم الطلاب، واستخدام المحتوى الرقمي، ونظم إدارة المعلومات الخاصة بالتعليم (EMIS)، ومن المفترض أن تدعم هذه الخطوة مستوى الشفافية حيث ستجعل البيانات متاحة للجمهور العام، وكذلك لمتخذي القرار على جميع المستويات مما يسهم بالضرورة في تحسين مشاركة شركاء التنمية، وتعزيز المساءلة.
ولتحقيق التحول نحو ثقافة الاستخدام المستمر لتكنولوجيا المعلومات سيتم تدريب وبناء قدرات الموظفين بكافة المستويات بدءً من الوزارة حتى المدارس على استخدام لوحة البيانات، وسيتم حساب النسبة المئوية للموازنات التي يتم إعدادها على مستوى المديريات التعليمية باستخدام البيانات التي توفرها اللوحة البيانية كمؤشر على نجاح استخدامها.
مصادر التعلم الرقمية:
يهدف إلى ربط أهداف المناهج في كل المواد الدراسية الأساسية بمصادر التعلم الرقمية المتاحة ببنك المعرفة المصري (EKB) وبنظام إدارة التعلم (LMS)، وإتاحتها للالمعلمين في الصفوف الدراسية بدءً من رياض الأطفال وحتى الثالث الثانوي، علمًا بأن نظام إدارة التعلم هو منصة مخصصة للمحتوى الدراسي الإلكتروني الذي يتم توفيره للطلاب سواء كان الكتب المدرسية أو مصادر التعلم الإضافية، ويمكن الوصول إليه من خلال الرابط الخاص به(lms.ekb.eg) أو من خلال موقع بنك المعرفة المصري. .
وكمؤشر على استخدام تلك المصادر الرقمية سيتم حساب كل من النسبة المئوية للمدارس الحكومية بشكل عام والنسبة المئوية للمدارس بأفقر خمسة محافظات التي يمكنها الدخول على بنك المعرفة المصري أو نظام إدارة التعلم.
منصة إدارة التقييم باستخدام الحاسب الآلي:
سيتم من خلال هذا المكون الفرعي إنشاء منصة لإدارة تقييم الطلاب وتقديم الخدمات بمساعدة الحاسب الآلي، وذلك من خلال إعداد مجموعة من اختبارات تقييم الطلاب التي تعتمد على استخدام الحاسب الآلي يتم إجراؤها مرتين في العام للصف الأول والثاني والثالث الثانوي، كما وستُستخدم أيضًا لتقييم طلاب الصف الرابع الابتدائي والصف الثالث الاإعدادي على مستوى الدولة، بالإضافة إلى أنه سيتم توفير خدمة إتاحة الوصول للنتائج من خلال المنصة لكل من موظفي الإدارات التعليمية، ومديري المدارس، والمعلمين، والطلاب.
شكل (1): سلسلة النتائج المتوقعة للمكون الرابع بمشروع إصلاح التعليم

ماذا تحقق من أهداف المكون الرابع بالمشروع؟
طبقًا للتقرير الدوري الصادر عن البنك الدولي في يوليو 2020 فقد مكنت البنية التحتية التكنولوجية التي تم توفيرها الوزارة من الاستجابة السريعة لجائحة كورونا في 2020، حيث تم توفير مصادر التعلم الرقمية والفصول الافتراضية، والبث المباشر، بالإضافة إلى القنوات التليفزيونية التعليمية.
شكل (2) مصادر التعلم الرقمية والتليفزيونية المتاحة للطلاب

وقد شهد العام الدراسي 2018/2019 التوسع في استخدام التكنولوجيا في التدريس بالمدارس وبتطبيق الاختبارات للصف الأول والثاني الثانوي، حيث أصبح هناك (2632) مدرسة تعليم ثانوي متصلة بالإنترنت من خلال الألياف الضوئية وذلك بنسبة تقترب من (65%) من إجمالي المدارس الثانوية العامة البالغ عددها (4076) مدرسة، وتلقى (2) مليون طالب أجهزة لوحية (تابلت) بالمرحلة الثانوية.
علاوةً على ذلك، تم توفير دليل معلمين رقمي بدءً من رياض الأطفال وحتى الصف الثاني الابتدائي، وتم إنشاء منصة إدارة التقييمات وإجراء التقييم بالفعل لطلاب الصف الأول والثاني الثانوي في 2019/2020، كما تم تدريب أكثر من (25000) معلم وإداري بالمدارس على إنشاء بنوك للأسئلة، وإدارة منصة الاختبارات وتصحيحها، وإتاحة درجات الطلاب إلكترونيًا.
على صعيد آخر، لا يزال هناك أهداف غير محققة كالهدف الخاص بتطوير اللوحة البيانية لدعم القرار التعليمي، وكذلك الهدف المتعلق بإنشاء هيئة تكنولوجيا التعليم والتي تم صياغة الشروط المرجعية الخاصة بإنشائها فقط، في انتظار مراجعة السلطة التشريعية المختصة؛ لإقرار إنشائها وضمان استدامتها كجزء لا يتجزأ من الهيكل الإداري للوزارة.
تعديلات بخطة الإصلاح لتتلاءم مع الواقع
في عام 2021 تم تعديل وثيقة مشروع إصلاح التعليم؛ لدعم استجابة الوزارة لجائحة كورونا، وحذف الأهداف التي لم تعد ذات صلة بمشروع الإصلاح، أو الأهداف مفرطة الطموح وفقًا لتعبير البنك الدولي، وقد طرأ على المكون الرابع عدد من التعديلات، لعل أبرزها الآتي:
إضافة هدف يتعلق بتوفير بطاقة ذكية (Smart Card) كهوية رقمية مطورة للطالب، تحتوي على عدد من البيانات الخاصة به، وتشمل البيانات الصحية، والقياسات الحيوية (biometrics)، وما إذا كان من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبيانات الحضور والغياب، ومُعلميه، ودرجاته، وأدائه الأكاديمي، والكتب أو التابلت الموزعة عليه، بالإضافة إلى القابلية للتطور وفقًا للمرحلة التعليمية. وستكون هذه البطاقات الذكية هي الأساس لبطاقات مماثلة للمعلمين والمباني المدرسية.حذف كل من الهدف الخاص بتدريب العاملين على استخدام لوحة المعلومات، والهدف المتعلق بالنسبة المئوية لإعداد الموازنات؛ لأنه تم إدراك أنه من السابق لأوانه إشراك المديريات التعليمية في إعداد الميزانية.
استبدال التركيز على توفير المصادر الرقمية وإتاحتها من رياض الأطفال وحتى ثانوي لتصبح العمل على توفير مصادر تعلم تليفزيونية بجانب الرقمية بدءً من الصف الرابع الابتدائي وحتى الثالث الثانوي.
كما تم إعادة تعريف لكل من مؤشر القياس الخاص بنسب المدارس الموجودة بأفقر خمس محافظات ممن يستطيعون الوصول إلى بنك المعرفة أو نظام إدارة التعلم، ليصبح قياس نسب الطلاب وليس المدارس ممن يستطيعون الوصول إلى مصادر التعلم الرقمية أو القنوات التليفزيونية، وكذلك مؤشر نسب المدارس التي تستطيع الوصول إلى بنك المعرفة أو نظام إدارة التعلم بجميع الصفوف ليتم التركيز على تحقيق نسبة (40%) على الأقل من الطلاب والمعلمين بدءً من الصف الرابع الابتدائي وحتى الثالث الثانوي ممن يستخدمون مصادر التعلم الرقمية و/أو القنوات التليفزيونية.
قضايا مهمة لنجاح التجربة
رغم الجهود المبذولة من قبل الدولة ممثلة في الوزارة؛ لإصلاح التعليم والتوسع في استخدام التكنولوجيا به إلا أنه يوجد عدة قضايا يجب وضعها في الاعتبار أثناء التطبيق تشمل الآتي:
- تستطيع التكنولوجيا أن تدعم التعلّم بشكلٍ فعال، إلا إنها لا تستطيع الحلول محل المعلّم، لذا مازالت الحاجة قائمة لتوفير مزيد من الدعم للمعلم؛ ومساعدته على التكيف مع دوره الجديد من خلال توفير تدريبات حقيقية توضح له أدواره ومسئولياته، فعلى سبيل المثال أصبح من أدواره الجديدة إرشاد المتعلم لكيفية الوصول إلى المعلومات وتقييمها، وحتى لا يصبح المعلم في موقف الأقل كفاءة من طلابه في استخدام المهارات التكنولوجية فإنه يحتاج إلى التدريب على البرامج والأدوات التكنولوجية الحديثة المختلفة.
- من التحديات السلبية للتوسع في استخدام التكنولوجيا في تقييم الطلاب انتشار الغش الإلكتروني وتسهيله، مما يفرض ضرورة إعداد استراتيجية استباقية؛ لمواجهة هذا التحدي.
- تمت الإشارة بوثائق البنك الدولي إلى مسألة عدم المساواة في التعليم بين الطلاب، حتى إن وثيقة تعديل برنامج الإصلاح تضمنت دمج القنوات التليفزيونية بجانب مصادر التعلم الرقمية في محاولة لتحقيق المساواة بين الطلاب، ومن ثم فإن توجه مصر نحو الاعتماد بشكل كلي ودائم على التكنولوجيا في التعلم والتقييم يفرض ضرورة الاهتمام بقضية العدالة والمساواة في التعليم عند تطبيق أي إجراء قد يصبح عقبة أمام الطلاب من الأسر ذات الدخل المنخفض، إذ يجب ضمان الوصول المجاني لكافة مصادر التعلم الرقمية دون تحميل الطالب أية أعباء.
ختامًا؛ بذلت مصر جهود كبيرة؛ للتوسع في استخدام التكنولوجيا بالتعليم بدءً من توفير بنية تحتية تكنولوجية بالمدارس، مرورًا بتوزيع تابلت على طلاب المرحلة الثانوية، وتوفير مصادر تعلم رقمية وتليفزيونية للطلاب، وإنشاء منصة للتقييم باستخدام الحاسب الآلي، وهي خطوات تضعنا على طريق المستقبل إلا أننا مازلنا في حاجة لبذل المزيد من الجهد؛ لتحقيق الأهداف المؤجلة بالمشروع، ومراعاة قضايا هامة كالعدالة والمساواة، ومكافحة الغش، ودعم المعلمين وتدريبهم على أدوارهم الجديدة؛ لضمان تحقيق الإصلاح المنشود.