برحيل المارشال إدريس ديبي أتنو، وتولي نجله محمد مقاليد السلطة، تتجه تشاد نحو تأسيس الجمهورية الثانية. وعلى الرغم من التحديات الداخلية والخارجية، تقف المؤسسة العسكرية التشادية، من خلال جنرالات الجيش التشادي، خلف القائد العسكري الشاب، حتى انتهاء الفترة الانتقالية التي حددها المجلس الانتقالي لمدة 18 شهرًا.
الإجماع الداخلي
يحظى محمد إدريس ديبي بمكانة مهمة في تشاد، وقد تدرج الجنرال في المناصب العسكرية مبكرًا، حيث التحق بالتجمع المشترك للمدارس العسكرية في تشاد، وتلقى تدريب ودورات عسكرية في المدرسة الفرنسية (إيكس إن بروفانس). وفور عودته التحق بالمدرسة الداخلية للضباط بتشاد، وبعد أن تخرج منها تم تعيينه في القوات الخاصة التشادية (SERS).
شارك محمد إدريس ديبي في قيادة القوات التشادية بالتحالف مع القوات الفرنسية في العديد من المعارك ضد الجماعات الإسلامية المتشددة في غرب إفريقيا وبحيرة تشاد، كجماعة الأنصار، وبوكو حرام، وتنظيم الدولة، والقاعدة. كما ساهم أيضًا في حل النزاعات والتسويات المختلفة بين مجموعة من المزارعين ومربي المواشي في أقاليم وداي وسيلا في الشرق. وهو يحظى بإجماع كبير من قبل المؤسسة العسكرية التشادية في قيادة الفترة الانتقالية، وتأسيس الجمهورية الثانية في تشاد، من خلال تكملة النهضة بالأمة التشادية التي قادها والده الجنرال ديبي.
مساعي تحقيق المصالحة الوطنية
في أولى خطواته لتأسيس الجمهورية الثانية في تشاد، دعا الجنرال محمد إدريس ديبي إلى تصفير المشاكل الداخلية، وأطلق العديد من المبادرات الوطنية التي تهدف إلى حوار بناء بين مختلف القوى السياسية والشخصيات التي كانت تتخذ من المهجر مكانًا لمعارضة خارجية. كما سارع الجنرال محمد إدريس ديبي مؤخرًا لتكثيف مبادرات الانفتاح على الجماعات المتمردة في شمال البلاد، ودعا الجميع إلى اغتنام الفرصة والمشاركة في حوار وطني شامل لأبناء الأمة التشادية لتشكيل دولة يسودها السلام والاستقرار. وفي هذا الصدد، سارع باتخاذ إجراءات ملموسة وحاسمة تتعلق بالعفو والإفراج غير المشروط عن جميع المعتقلين السياسيين، وأسرى الحرب، وإعادة الممتلكات التي صُودرت من قبل، ودمج الجماعات المسلحة في الجيش الوطني التشادي.
وعلى إثر مبادرته بإطلاق الحريات العامة والسماح تكوين الأحزاب السياسية في البلاد، شهدت الساحة السياسية التشادية، حراكًا واسعًا للقوى السياسية، وتم الإعلان عن تدشين كيان سياسي جديد تحت اسم (أمة واحدة للجميع)، ضم 7 أحزاب سياسية هي: حركة الصحوة والثورة الاجتماعية، حزب السلام من أجل الوطن، حزب الخضر من أجل التنمية، الحزب الجمهوري الوطني، الحزب الشعبي للعدالة والمساواة، اتحاد القوميين من أجل التغيير، وأخيرًا الاتحاد الوطني للتغيير في تشاد. أما تجمع أحزاب اليمين (RPD)، من خلال رئيسه الدكتور محمد يوسف النظيف، فقد أثنى على الجهود الحثيثة التي ترعاها الدولة للحوار والمصالحة الوطنية.
وتعهدت تلك الأحزاب بتقديم الدعم للمجلس العسكري الانتقالي حتى انتهاء مرحلة الانتقال. وأجمعت جميع القوى السياسية في تشاد، على النهج المتبع من قبل رئيس المجلس الانتقالي، في إشرافه على خارطة طريق وطنية، وتأسيس اللجنة العليا لتنظيم الحوار والمصالحة الوطنية، كما أثنت على مشروع قانون العفو العام للمعتقلين. وقد اعتمد البرلمان التشادي (لمجلس الوطني الانتقالي) في 24 من ديسمبر 2021، مشروع قانون العفو العام من داخل البرلمان بأغلبية كبيرة، كخطوة مهمة في عملية المصالحة الوطنية. ويسمح هذا القانون للنخبة العسكرية السياسية بالمشاركة بحرية تامة في عملية الحوار الوطني الشامل دون ممانعة من الجهات القضائية المختصة.
في إطار تلك الجهود، استقبلت سفارة تشاد بالمملكة العربية السعودية، جولة من المفاوضات بين الحكومة التشادية والقوى السياسية المعارضة، على مدار يومي 21 / 22 ديسمبر 2021، بفندق (هوليداي) في مدينة جدة السعودية، وناقشت هذه الجولة العديد من المحاور فيما يتعلق بالمشاركة السياسية، والعفو العام، وإتاحة الفرص الأكبر للشباب. وفي اليوم الختامي سلمت القوى السياسية المعارضة مسودة اتفاق تسلم إلى رئيس اللجنة العليا للحوار الوطني، عبد المجيد عبد الله، من خلال الوزيرين المكلفين بهذه المهمة، أحمد جدة ومحمد النظيف.
مكافحة الإرهاب
في ظل استمرار الجنرال محمد إدريس ديبي في السير على نهج والده الراحل ديبي، أعلنت تشاد في 26 من ديسمبر عن مقتل 30 مسلحًا في بحيرة تشاد من جماعات بوكو حرام والقاعدة، خلال عملية مشتركة بين مجموعة الساحل والجيش الأمريكي، تمثل القوة المشتركة والمتعددة الجنسيات (MNJTF)، وتضم عسكريين من نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد والولايات المتحدة ومجموعة الساحل من تنفيذ عملية ناجحة استمرت ثلاثة أيام في حدود دولة نيجيريا وبدعم من الشركاء الدوليين، وكبدت جماعة بوكو حرام وحلفائها في منطقة بحيرة تشاد خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، فضلًا عن إحباط القوة مواقع لمدفعية تصوب نحو مدينة (ديفا) بجنوب شرق النيجر.
إلى ذلك، أعلنت الحكومة التشادية أنها بصدد تخفيض عدد جنودها العاملين في إطار القوة المشتركة لمكافحة الإرهاب لمجموعة دول الساحل إلى النصف، خاصة في منطقة المثلث الحدودي بين كلٍّ من مالي والنيجر وبوركينافاسو، وتلك الخطوة اتخذتها تشاد بغرض أن تتموضع قواتها في إعادة الانتشار الاستراتيجي في المنطقة، وأن القضايا الوطنية والإقليمية للجيش الوطني التشادي يجب أن تكون مرحلية من أجل تغيير استراتيجيتها التي تتماشى مع الأجندة الوطنية.
وفي أغسطس 2021، أعلن الجنرال محمد إدريس ديبي إحياء الاتفاق الرباعي الداعم لمكافحة الجماعات الإرهابية، بين كل من السودان وليبيا والنيجر وتشاد، من خلال تشكيل قوة عسكرية مشتركة بين هذه الدول تبدأ أولى خطواتها بمراقبة الحدود التشادية الليبية، للحد من تسلل الجماعات الإسلامية الراديكالية المتشددة العابرة للحدود. ومن الجدير بالذكر أن الدول الأربع كانت قد وقّعت في عام 2018 برتوكول تعاون أمني فيما بينهم لتكوين قوة مشتركة لحماية الحدود.
التموضع الإقليمي
في 19 ديسمبر 2021، بمناسبة الاحتفال بيوم الساحل لمجوعة دول الساحل الخمس المعروفة اختصارًا G5، التي تم تأسيسها في عام 2017، ضمت كلا من: تشاد، النيجر، مالي، موريتانيا وبوركينافاسو، وأشاد الجنرال محمد إدريس ديبي الذي تقود بلاده رئاسة مجموعة الساحل للمرة الثانية منذ تأسيسها، بالدور الكبير الذي تقدمه بلاده للقوة المشتركة لمنطقة الساحل، وأثنى على الروح القتالية التي تقدم القوات المشتركة الوطنية في مكافحة الإرهاب، والجريمة العابرة للحدود والتطرف العنيف، في منطقة غرب إفريقيا بصفة خاصة، في ظل انتشار الإرهاب في عموم القارة الإفريقية. كما شدد على بقاء القوات المشتركة في جاهزية من أجل الحفاظ على الأمن والسلام الدوليين. وأكد التزام مجموعة الساحل بتجديد عهد آبائها المؤسسين على تحقيق التنمية والازدهار لصالح شعوب هذه المنطقة، من خلال ركيزتين أساسيتين هما: الأمن الذي تقوده القوة المشتركة، والتنمية كبرنامج اقتصادي واستثماري يحظى بأولوية كبيرة من جميع حكومات هذه الدول الخمس.
ونوه بأنه لا يجب أن تكون منطقة الساحل مسرحًا لتكالب القوى الدولية، ولا مجالات أهداف تلك القوى على شعوب المنطقة. وأشاد بدور ما يسمى بأصدقاء مجموعة دول الساحل في تقديم المساعدة لقوات المشتركة في حربها ضد الإرهاب بمنطقة بحيرة تشاد وغرب إفريقيا.
الخلاصة
لا شك في أن الرئيس الانتقالي لتشاد يلعب دورًا قياديًا نحو تحقيق الاستقرار الداخلي وإعادة التموضع الإقليمي، وقد حقق العديد من المكتسبات جراء المصالحة الوطنية التي يتبناها، فضلًا عن سياسة تصفير المشكلات الداخلية. ولا شك أن محمد إدريس ديبي يدرك مكانته في الإقليم، لهذا فإنه يضع على جدول أولوياته التنسيق الإقليمي لمواجهة الإرهاب، مع الأخذ في الاعتبار تقاطع مصالح القوى الإقليمية والدولية بالمنطقة، وهو يريد أن ينأى بتشاد عن التهديدات التي تواجه دول المنطقة، وربما مع نهاية المرحلة الانتقالية يكون قد نجح في الظهور كرئيس جدير بقيادة تشاد خلال المرحلة القادمة، لا سيما وأنه يحظى بدعم المؤسسات العسكرية والأمنية، كما أنه يحظى بدعم خارجي، ولا سيما من فرنسا والولايات المتحدة ومن دول جوار تشاد.