خلال الورشة التي أقامتها المنظمة الدولية للهجرة مع دول الساحل، في 21 مارس 2022، وبمشاركة أممية، أشار رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة بوبكر صايبو إلى أن ظاهرة الإرهاب والتطرف العنيف أصبحت تتسع حتى وصلت إلى خارج حدود دول منطقة الساحل الإفريقي، وضربت بقوة العديد من البلدان. وطالب صايبو بالعمل معًا للحد من تغلغل الجماعات الإرهابية في المنطقة. وقد أثارت تصريحاته العديد من التساؤلات حول مدى جدية الفواعل الغربية التي تعمل في غرب إفريقيا، في مواجهة ظاهرة الإرهاب، ولا سيما في اتساع نطاق التطرف حتى أصبح خارج نطاق سيطرة دول الساحل، وأصبح مهدِّدًا لأمن العديد من الدول في غرب إفريقيا. وتفيد المؤشرات بالفشل في التعامل معه، وضعف الإجراءات والاستراتيجيات التي اتّبعتها دول الساحل وشركاؤهم الغربيون في مواجهة تمدد الجماعات المتطرفة في غرب إفريقيا، حتى بات بعضها يستخدم الطائرات بدون طيار في مهاجمة القوات الدولية الحكومية في تطورات نوعية تُفيد بأن الظاهرة باتت خطرًا كبيرًا على الأمن والاستقرار في المنطقة، وربما يمتد تأثيره ويتسع إلى تخوم جغرافية أخرى.
آليات المواجهة واستراتيجية إنفاذ القانون
تضم مجموعة الساحل الإفريقي (تشاد، النيجر، مالي، موريتانيا بوركينافاسو)، وهو تجمع إقليمي للتنسيق والتعاون ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، من خلال جذب واستقطاب الاستثمارات الأجنبية لتحقيق التنمية، وخلق فرص عمل في المناطق النائية، وإقامة البنية التحتية للأزمة للنهوض بشعوب تلك المنطقة.
على المستوى الجماعي، تعمل المنظمة الدولية للهجرة من خلال استراتيجية وورش تم تصميمها خصيصًا من أجل تعزيز رؤية مشتركة واستراتيجية لمكافحة الإرهاب في دول الساحل، للتصدي للتهديدات الأمنية عبر الحدود من خلال حوار مستمر على أعلى مستوى مع هذه الدول والشركاء الدوليين والفواعل والمجتمع الدولي من هدف نطاق أوسع تعزيز الحوار حول الأمن والتنمية وسيادة القانون وتعزيز القدرات الأمنية في منطقة الساحل.
كما تعمل المنظمة الدولية مع دول الساحل في عملية إنفاذ القانون، ومكافحة التهديدات الإرهابية والجريمة المنظمة، ومحاربة ومنع التطرف الراديكالي، ومعالجة الآثار السلبية في داخل المجتمعات المحلية بمنطقة الساحل بشكل أكثر كفاءة وتخصصًا وربطها بالإجراءات القانونية، بغرض تعزيز قدرة المجتمع على الصمود في مواجهة الإرهاب والتطرف، من خلال توفير الخدمات الأساسية والاقتصادية للفئات الاجتماعية المهشمة، فضلًا عن تحديد الفئات الأكثر تأثيرًا مثل الشباب الأكثر عرضة للتطرف، وتطوير الأنشطة الملموسة لكل مسار عمل بشكل أكبر من خلال دعم المنظمات والجهات الفاعلة غير الحكومية في تصميم وتنفيذ الاستراتيجيات والأنشطة التي تهدف لمواجهة ظاهرة الإرهاب في منطقة الساحل.
وعلى مستوى الدول، وضعت دولة مالي سياسة وطنية لمكافحة انعدام الأمن والإرهاب، فيما لجأت موريتانيا إلى تنفيذ استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب، وفقًا للمكونات العقائدية والدينية، وثقافية وأكاديمية، كما اعتمدت على إطار قانوني شامل لمحاربة والقضاء على الإرهاب والتطرف بشكل عام. فيما نفذت النيجر استراتيجية محددة لمكافحة انعدام الأمن والإرهاب، من خلال إصلاح النظام العدلي، مع إنشاء غرفة مخصصة للتعامل مع الإرهاب والعائدين منه، بعد إنشاء أول محكمة عليا في البلاد لمكافحة الإرهاب. ومن جهةٍ أخرى، حققت بوركينافاسو نجاحًا نسبيًا من خلال اعتمادها على التنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر، للحد من عملية استقطاب الجماعات المتطرفة للشباب في البلاد.
تحديات مواجهة الإرهاب والتطرف في دول الساحل
أصبحت ظاهرة الإرهاب والتطرف في منطقة الساحل سمة من سمات الأقاليم الأكثر اضطرابًا في القارة الإفريقية، كما بدأ يأخذ أبعادًا وتهديدات تتطلب خطة سريعة تراعي الآثار الناتجة عن هذا التحدي الذي أصبح يستهدف المواطنين العزل في هذه المناطق. وعلى الرغم من المساعي الحثيثة للفواعل الدولية في المنطقة من أجل مكافحة هذه الظاهرة؛ إلا أن جميعها باءت بالفشل خاصة بعد انسحاب فرنسا وحلفائها الأوروبيين من دولة مالي، فمنذ عام 2012، تنفذ التنظيمات الإرهابية والمتطرفة هجمات تستهدف بها الأجانب بدول الساحل، بالإضافة إلى الثكنات العسكرية للقوات الأجنبية العاملة في مكافحة الإرهاب بغرب إفريقيا.
وتواجه دول الساحل في الوقت الراهن العديد من التحديات، أبرزها التعاون والتنسيق الكبير بين الجماعات الإرهابية، الأمر الذي أسهم في اتساع رقعة انتشار الجماعات المتطرفة التي وجدت بيئة خصبة للانتشار، مستفيدة من التعاون الكبير الذي تجده من سكان القرى النائية والبعيدة، لهذا على الرغم من المحاولات الكبيرة التي تبذلها دول الساحل لمحاربة ظاهرة الإرهاب والتطرف داخل المجتمعات المحلية؛ إلا أن تلك الجهود حتى الآن لم تصل إلى مبتغاها نتيجة لأمل السكان المحليين في التنظيمات الإرهابية، وأيضًا بفضل التنسيق والتعاون الكبير بين المجتمعات المحلية مع الجماعات الإرهابية، وكذلك بفضل الهشاشة في البنية الأمنية لدى الغالبية العظمى من دول الساحل، وعدم اتخاذ حكومات تلك الدول تدابير للأزمة لتجنب توسع الجماعات المتطرفة في غرب إفريقيا.
وقد لعب نظام اللا مركزية المتبع في معظم دول الساحل دورًا كبيرًا في عملية تزايد استقطاب الجماعات الإرهابية للسكان المحليين، بالإضافة إلى التقاسم غير المنصف للاقتصاديات في تلك الدول، مما حرم الكثيرين من فرص التعليم وتوظيف الشباب، وأصبح تجنيدهم من قبل التنظيمات الإرهابية أسهل، وهو ما خلق مزيدًا من التوترات. فضلًا عن أن الارتفاع الملحوظ في الصراعات الداخلية وحالات التمرد المتكررة بالمناطق المتضررة من انعدام الأمن، جعل بلدان الساحل وسكانها عرضة للخطر، وسهل اختراقها من قبل شبكات الجريمة المنظمة والتنظيمات المتطرفة. كما أن الفساد يعيق أيضًا الفاعلية في محاربة التنظيمات الإرهابية، خاصة على المستوى السياسي والاقتصادي.
تعدد الفاعلين ومشكلة غياب التنسيق
أدى العمل أحادي الجانب من العديد من الفواعل الغربية بمناطق الساحل، وكثرة المبادرات والعمل غير المنسق بشكل جيد بين دول الساحل والمجتمع الدولي (بما في ذلك فرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية)، إلى ضعف فاعلية ومصداقية هذه الجهود، وانحصارها في الجوانب السياسية والأمنية لتلك الدول، وبُعدها عن التنمية الاقتصادية.
كما أن دول الساحل لم تستفد من العمليات الاستراتيجية للفواعل الغربية بالمنطقة، خاصة على مستوى الشرطة والعدالة وإنفاذ القانون والقضاء، وإدارة الحدود والنقاط الجمركية، للسيطرة على الأراضي لضمان الأمن البشري، وأيضًا لمنع التهديدات الأمنية المختلفة للجماعات الإرهابية والمتطرفة، ولا سيما أن الفواعل الغربية تستخدم استراتيجية ازدواجية بين دول الساحل، فلم تزود جميع دول الساحل بالتقنيات الحديثة وطرق جمع ونقل وتبادل المعلومات وكذلك المعدات. ومن جانب آخر، يمثل الفقر، والإقصاء الاجتماعي، والاحتياجات الاقتصادية، وكذا الوعظ الراديكالي المتشدد بالمناطق النائية؛ يحملان خطر التطور السريع للتطرف والإرهاب في منطقة الساحل.
إجمالًا، في ظل عدم وجود تنسيق بين كافة القوى الفاعلة في مواجهة الإرهاب والتطرف، وفي ظل وجود بيئة حاضنة وداعمة لانتشار التطرف والإرهاب، فضلًا عن ضعف الحكومات المحلية وآليات العمل الجماعي؛ فإن ظاهرة الإرهاب بمنطقة الساحل قد تُهدد استقرار دول المنطقة، لا سيما أن أنظمة هذه الدول تعمل بشكل منعزل وبعيد عن المجتمع المحلي الذي يشكل عاملًا أساسيًا في عملية الاستقطاب من قبل الجماعات الإرهابية، بحيث باتت شبه معزولة شعبيًا ولا تتمتع بشرعية كافية خصوصًا بعد الأزمات الطاحنة التي تضرب هذه البلدان في ظل التطورات التي لحقت بها عقب جائحة كورونا، والأزمات التي تتابعت على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.