“تسعى الدولة المصرية لتنويع سلة مصادر الطاقة خلال السنوات الأخيرة، لا سيما المتجددة والنظيفة منها. وهو ما وضع مصر في مركز متقدم في قطاع الطاقة المتجددة بالمنطقة. وتحاول الدولة حاليًا فتح باب جديد للاستثمارات في الهيدروجين الأخضر، والذي يعتبر مجالًا واعدًا في حالة تخطي التحديات المختلفة”، وقد وقّعت الحكومة المصرية مذكرة تفاهم مع شركة الطاقة الهندية “رينيو باور” Renew Power، وذلك بغرض بناء منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقيمة 8 مليارات دولار بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس. تبلغ قيمة المرحلة الأولى من خطة التطوير للمنشأة 710 ملايين دولار أمريكي وتغطي 600 ألف متر مربع. وتستهدف الصفقة سوق التصدير وكمية صغيرة من السوق الداخلية، حيث تخطط الدولة المصرية لإنتاج 20 ألف طن من الهيدروجين الأخضر و100 ألف طن من الأمونيا الخضراء بحلول عام 2025، وذلك لخدمة قطاعات مختلفة يمكن تطويع مصدر الطاقة المستحدث بها، مثل قطاع النقل. كما صرحت الحكومة عقب توقيع مذكرة التفاهم، بأن الهدف النهائي هو إنتاج 220 ألف طن من الهيدروجين الأخضر و1.1 مليار طن من الأمونيا الخضراء.
ماهية الهيدروجين الأخضر
الهيدروجين الأخضر هو نوع مستحدث من الطاقة المتجددة منخفضة الكربون، إذ يحتوي الهيدروجين الأخضر على انبعاثات كربون أقل بكثير من الهيدروجين الرمادي، والذي ينتج عن طريق إعادة تشكيل الغاز الطبيعي بالبخار. تم اشتقاق 99% من الهيدروجين المنتج عالميًا في عام 2020 من مصادر الوقود الأحفوري من مصادر قائمة على الكربون، ولكن ليس الهيدروجين الأخضر، الذي مثل 1% فقط من سوق الهيدروجين. فالهيدروجين الأخضر ناتج عن التحليل الكهربائي للماء، وله فوائد بيئية واضحة في تقليل حجم الانبعاثات الكربونية من القطاعات ذات الانبعاثات الضخمة، مثل إنتاج الصلب والأسمنت، وبالتالي المساعدة في الحد من التغيرات المناخية.
لا يحتاج هذا المورد، نظريًا، إلى تطوير ضخم أو مكلف في البنية التحتية. إذ تستخدم خطوط أنابيب الغاز الطبيعي أحيانًا لنقل الهيدروجين. لكنها لا تخلو من التحديات، حيث تحتاج العديد من خطوط الأنابيب إلى التحديث من أجل نقل الهيدروجين. وقام برنامج تجريبي في فرنسا بخلط الهيدروجين في شبكة الغاز في 100 منزل. إذ يمكن تحويل محطات الطاقة التي تعمل بالغاز الطبيعي إلى حرق الهيدروجين لتوفير طاقة احتياطية خلال فترات ارتفاع الطلب.
الاستخدامات المختلفة
يتم استخدام الهيدروجين الأخضر في النقل والتدفئة وصناعة الغاز الطبيعي، كما يمكن استخدامه لإنتاج الأمونيا الخضراء. ففي قطاع النقل، يمكن استخدام الهيدروجين كوقود لمحركات الاحتراق الداخلي. حيث لا تقتصر مركبات الهيدروجين على السيارات، بل يتم تصميم الشاحنات أيضًا للعمل به. كذلك يتم بالفعل تصميم الطائرات التي تعمل بالهيدروجين من قبل شركة إيرباص، مع إطلاق مخطط لأول طائرة تجارية بحلول عام 2035. إلا أنه لن يستخدم على نطاق واسع في الطائرات قبل عام 2050.
يمكن استخدام الهيدروجين للطبخ والتدفئة داخل المنازل أيضًا، حيث تم اقتراح تسخين الهيدروجين كبديل لتزويد معظم منازل المملكة المتحدة بالطاقة بحلول عام 2050. تعتزم الحكومة البريطانية إطلاق مشاريع تجريبية لإظهار كيف يمكن للوقود أن يمد المناطق التي تحتوي على مئات المنازل بالطاقة.
بالإضافة لما سبق، يستخدم الهيدروجين الأخضر لإنتاج الأمونيا الخضراء، المكون الرئيسي لإنتاج الأسمدة. وكان قد صرح مجلس الهيدروجين في عام 2021 أن تكلفة الأمونيا الخضراء ستكون تنافسية مع الأمونيا المنتجة بشكل تقليدي بحلول عام 2030.
اقتصاديات الهيدروجين الأخضر
لكن تكمن المشكلة الرئيسية بالهيدروجين الأخضر في التكلفة العالية للإنتاج، إذ إنها العامل الرئيسي وراء انخفاض استخدامه. إلا أنه من المتوقع أن ينمو سوق الهيدروجين، حيث من المتوقع أن تنخفض تكلفة إنتاجه من 6 دولارات / كجم في عام 2015 إلى حوالي 2 دولار / كجم بحلول عام 2025. ويعتبر هذا السعر المتوقع نقطة تحول محتملة تجعل الهيدروجين الأخضر منافسًا لمصادر الوقود الأخرى. ويُجري البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية مناقشات مع اتحادات المطورين بشأن تمويل مشاريع الهيدروجين الأخضر. حيث يجب حشد التمويل والمنح الميسرة، على الأقل في المرحلة الأولية، حتى يصبح الهيدروجين قابل للتطبيق تجاريًا.
وبالفعل قامت شركة سيمنز بتطوير توربينات الرياح البحرية والتي تم تجهيزها لمزيج الهيدروجين، وبالتالي تساعد في زيادة إنتاج الهيدروجين الأخضر. كما أعلنت الشركات الأوروبية الكبرى عن خطط لتحويل أساطيل شاحناتها إلى طاقة الهيدروجين، في عام 2020، واعتبارًا من نفس العام، بلغت قيمة سوق الهيدروجين العالمي 900 مليون دولار. ومن المتوقع أن يقفز سوق الهيدروجين العالمي إلى 10٪ بحلول عام 2030، قبل أن يصل إلى 300 مليار دولار بحلول عام 2050. ظهرت فرص الاستثمار وزاد عددها تباعًا حتى وصلت إلى 121 جيجاوات عبر 136 مشروعًا في عام 2021.
مشروع مصري للهيدروجين الأخضر
تأتي الاتفاقية الموقعة بين الحكومة المصرية وشركة رينيو باور بمثابة خطوة جديدة من خطوات عدة قامت بها مصر لتنويع سلة مصادر الطاقة المتجددة المنتجة. ReNEW Power هي شركة منتجة للطاقة المتجددة مقرها في جورجاون، الهند. توصلت الشركة لاتفاق مع الشركة المصرية لنقل الكهرباء (EETC)، بالإضافة إلى الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس (SCzone)، وصندوق الثروة السيادي في مصر (TSFE)، وكذلك هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة (NREA).
وفقًا لهذه الاتفاقية الأخيرة، ستقوم ReNEW ببناء وحدات قادرة على تحويل الكهرباء إلى هيدروجين بالإضافة إلى مشتقاته. تقع المنشأة في مدينة العين السخنة الساحلية بمحافظة السويس، ومن المتوقع أن تبلغ طاقتها الإنتاجية 1.32 مليون طن سنويًا. وهو ما سيجعلها أحد أكبر مصانع الهيدروجين الأخضر في مصر حتى الآن. كما ستصبح شركة ReNEW Power ثامن مولد للطاقة النظيفة ينتج الهيدروجين الأخضر في خليج السويس في مصر.
سيتم إنشاء مصنع الهيدروجين الأخضر في السخنة على عدة مراحل. تشمل المرحلة الأولى من المشروع بناء منشأة يمكنها إنتاج 100 ألف طن من الأمونيا الخضراء سنويًا. بالإضافة إلى ذلك، ستكون المنشأة قادرة على إنتاج 20 ألف طن من الهيدروجين الأخضر بين عامي 2023 و2025. ومن ناحية أخرى، من المتوقع تنفيذ المرحلة الثانية بين عامي 2025 و2029. وتهدف تلك المرحلة إلى الحصول على طاقة إنتاجية سنوية تبلغ 200 ألف طن من الهيدروجين الأخضر. كما أنه من المتوقع أن تنتج مليون طن من الأمونيا الخضراء سنويًا بتكلفة تقديرية تبلغ 7.147 مليار دولار أمريكي.
فرص مصرية لريادة المنطقة
تحاول مصر أن تقطع خطوات واسعة نحو ريادة المنطقة في الهيدروجين الأخضر مثلما سعت من قبل لريادتها في قطاع الطاقة المتجددة، وذلك وسط منافسة مع دولتي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة واستثمارات عالمية بأكثر من 10 مليارات دولار من الاتفاقيات الأولية للمشاريع الموقعة مع شركاء دوليين، وإعلانات أخرى متوقعة في COP27 لهذا العام، واستراتيجية وطنية للهيدروجين الأخضر قيد التنفيذ.
تعتبر مصر متقاربة بشكل فعال مع الدول الأخرى من حيث الاستعداد لإطلاق مشاريع الهيدروجين الخضراء. كما تتمتع مصر بالعديد من المزايا في هذا القطاع بسبب مصادرها المتجددة الرخيصة. إذ أن الدولة ليست لديها حالة من العجز من الشبكة القائمة بالفعل في القوت الحالي. ولذلك وجهت الحكومة شركات الطاقة المتجددة التابعة للقطاع الخاص بأن يتم تغذية كل الطاقة التي تولدها مباشرة في مشاريع الهيدروجين وتحلية المياه الخضراء، وهو ما يعطي ميزة تنافسية فعالة.
وضعت الدولة عدة قوانين وإجراءات خلال الأعوام الثمانية الأخيرة ساعدت في إيجاد حوافز جديدة معروضة للقطاع الخاص مصممة لتحفيز إنتاج الطاقة المتجددة. فعلى سبيل المثال، قامت الحكومة مؤخرًا بتوسيع نطاق قانون الاستثمار لعام 2017 بحيث يمكن للشركات العاملة في إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء وتخزينها وتصديرها خصم 30 إلى 50٪ من تكاليف الاستثمار من فواتيرها الضريبية، ودفع معدل جمركي ثابت بنسبة 2٪ على الآلات المستوردة، والاستفادة من إعفاء لمدة خمس سنوات من رسوم الدمغة والتوثيق على بعض النفقات.
كما يمكن للدولة أن تستفيد من كونها مورد عالمي كبير للأسمدة، عن طريق تحويل عملائها الحاليين إلى الأمونيا المصنوعة من الهيدروجين الأخضر، وهو ما يتسق مع أهداف العديد من الدول، كالاتحاد الأوروبي، في تخفيض الانبعاثات والوفاء بالاتفاقيات الدولية.
يبقى لمصر أن تطور إجراءات تضمن حلولًا تشاركية أسهل للقطاع العام والخاص في هذه المشاريع، وكيفية تخصيص الأراضي لها، وذلك بهدف تحسين فرص التسعير التنافسي للكهرباء المولدة من مشاريع الهيدروجين الأخضر. كما يمكن لها الاستفادة من قمة المناخ القادمة، والمقامة بمدينة شرم الشيخ في نوفمبر، لإزالة عوائق التصدير والمطالبة بتيسير اعتماد المنتجات الخضراء من الاتحاد الأوروبي وفتح مسارات أكبر للتصدير إليه.