عقد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية يوم الإثنين 17 أكتوبر 2022 حلقة نقاشية بعنوان “المتغيرات الإقليمية وانعكاساتها على الأمن والاستقرار في السودان.. نحو صياغة رؤية مصرية – سودانية مشتركة”، أدارها كلٍ من الدكتور خالد عكاشة مدير عام المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، واللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام، وبحضور الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس الهيئة الاستشارية، والدكتور صبحي عسيلة رئيس تحرير الموقع الإليكتروني، والدكتورة دلال محمود رئيس برنامج الأمن والدفاع، والأستاذ أحمد عليبة رئيس وحدة التسلح والدكتور أحمد أمل رئيس وحدة الدراسات الإفريقية، إلى جانب عدد من شباب الباحثين بالمركز.
وشارك في الوفد الممثل عن حزب الأمة القومي، رئيس الحزب المكلف اللواء فضل الله برمة ناصر، والفريق صديق محمد إسماعيل نائب رئيس الحزب، والدكتور مريم الصادق المهدي نائبة رئيس الحزب، وأمين عام الحزب السيد الواثق البرير، والدكتور محمد المهدي حسن رئيس المكتب السياسي، ومحمد الأمين عبد النبي رئيس دائرة الإعلام بالحزب، والأمين العام لهيئة شؤون الأنصار الدكتور عبد المحمود أبو.
واستهدف اللقاء التباحث بشأن مجموعة من المتغيرات الدولية والإقليمية فضلًا عن التحولات الداخلية التي تمر بها السودان، في محاولة لقياس أثر تلك التحولات على قضايا الأمن القومي المشترك للبلدين، وركز النقاش على التحديات الأمنية التي تشهدها منطقة الساحل الإفريقي وانعكاساتها على حالة الأمن والاستقرار. وكذلك الأوضاع التي يمر بها القرن الإفريقي وانعكاسها على الاستقرار في السودان، علاوة على التحولات السياسية التي يمرّ بها السودان والقضايا التي ترتبط بالمركز والهامش وانعكاساتها على مستقبل الدولة السودانية.
وبدأ النقاش بالتطرق إلى الروابط التاريخية المصرية السودانية، إذ يفرض الارتباط التاريخي والامتداد الجغرافي على البلدين ضرورة العمل المشترك طيلة الوقت، بهدف تحديد وصيانة المصالح الإقليمية للبلدين، في إطار من التوافق والتفاهم المشترك.
وفيما يتعلق بالحديث عن تحديات الساحل، أشار الحضور إلى الارتباط السوداني بمنطقة الساحل بواقع الامتداد الجغرافي والقبلي، بما يجعل من الحديث عن التحديات والتداعيات الأمنية أمرًا بالغ الأهمية في ذلك التوقيت الدقيق لمجمل الأوضاع التي يمر بها الساحل، الأمر الذي يؤثر على السودان من جهة إقليم دارفور.
وبالحديث عن منطقة الساحل، أثيرت قضايا الحدود والهجرة واللجوء، ففي السودان على سبيل المثال، تستضيف ولاية النيل الأزرق بعض القبائل الوافدة، على نحوٍ يضفي المزيد من التعقيدات المجتمعية، لما يثيره الصراع على الموارد والسلطة من توترات عنيفة، ولا يمكن إغفال تنامي وتمدد الإرهاب العابر الحدود في المنطقة، مع توافر البيئة الحاضنة والعوامل المغذية له.
وفيما يتعلق بمنطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا، أجمع الحضور على أهمية النظر في التحولات التي تشهدها المنطقة، والتي تعمل على إعادة صياغة التوازنات الإقليمية، بما يمثل ضرورة عدم الإغفال عنها والانشغال بالتحولات الداخلية، إذ تتشارك كلٍ من مصر والسودان المصالح الاستراتيجية في ذلك الإقليم الاستراتيجي الهام، بما في ذلك أمن البحر والتهديدات الأمنية والتحولات السياسية التي تشهدها بعض دول الإقليم.
وبالحديث عن شرق إفريقيا، ورد الحديث عن شرق السودان والقضايا والتحديات التي يشهدها هذا الإقليم، والتي تعرقل عملية التحول السياسي، نظرًا للمشكلات الحدودية التي يشهدها الإقليم، وقضايا الهجرة واللجوء، فضلًا عن الانقسامات القبلية، والتي وصلت إلى حد إغلاق الموانئ والطرق القومية بهدف الضغط على الدولة.
وتطرق الحديث إلى التنافس الدولي الذي تتضح تجلياته بشدة على الساحة الإقليمية للقرن الإفريقي بما في ذلك السودان. وبالحديث عن التنافس الدولي، تأكدت أهمية أخذ التداعيات السلبية للصراع الدولي على محمل الجد، نظرًا لما تشهده دول الإقليم من تداعيات سلبية على أوضاع الأمن الغذائي والطاقة والوقود. ولم يغفل الحضور بالنظر في السياق الدولي، قضية التغيرات المناخية وأهمية القمة القادمة التي تستضيفها مصر للتعبير عن التطلعات والأولويات الإفريقية، وفي هذا الصدد، شدد الحضور على أهمية أن يخرج المؤتمر القادم بآليات واضحة للوفاء بالتعهدات الدولية، بما في ذلك مبلغ 100 مليون دولار، التي لم يتم الوفاء بها حتى الآن؛ إذ أن الوعود والالتزامات الدولية فيما يتعلق بقضايا التمويل تسير بوتيرة بطيئة، بما يترك الدول النامية في وجه الأزمة بمفردها.
وأخذت التحولات السياسية التي تمر بها السودان مساحة من النقاش، لما لحزب الأمة من أدوار واضحة في المشهد السياسي في السودان، باعتبارها أحد الأحزاب الفاعلة في المشهد. ومن هذا المنطلق، تم التطرق إلى مجمل القضايا المطروحة على الساحة السياسية السودانية.
وفي هذا الإطار، أشار الحضور للتحديات التي تشهدها المرحلة الانتقالية في السودان، نضرًا للعراقيل التي يحاول أنصار النظام السابق وضعها أمام عملية الانتقال، خاصة في ضوء عملية التمكين السياسي والاقتصادي التي طالت الكثير من المؤسسات والقطاعات في السودان، وأجمع الحضور على أهمية تماسك المؤسسة العسكرية السودانية، باعتبارها المؤسسة الأكثر تماسكًا والقائمة على حماية الأمن القومي السوداني، وهذا أمر محل إجماع لا يختلف عليه أحد، لكن الانقسامات التي يشهدها الحوار السوداني، تتعلق بالأدوار والمساحات المنوط بها كل طرف.
وتحدث الحضور عن قرب الاتفاق على تسوية سياسية سودانية، مع نضج المواقف مؤخرًا، بعد انحسار حالة الغضب التي غلفت مواقف كافة الأطراف في البداية، مع تعثر مسار التحول الديمقراطي. لكن مع سيادة حالة من الهدوء، بدأت الأطراف السياسية السودانية تنظر بروية للقضايا والتحديات التي تعوق الجميع.
وارتباطًا بتحولات الداخل، تطرق الحديث إلى قضايا المركز والهامش في السودان، باعتبارها من التحديات الهيكلية والجوهرية التي تعاني منها البلاد، والتي تقف عائقاً في وجه تحقيق السلام وإنفاذ ترتيبات اتفاق جوبا للسلام، وفي ذلك الصدد، تطرق الحديث إلى الهوية والقبلية، إذ أن سيادة الهويات دون الوطنية تعوق تطور المشروع الوطني وعملية بناء الدولة. وانعكست التحديات المرتبطة بالهوية في اتفاق جوبا للسلام، على نحوٍ أعاق من عملية تنفيذ الاتفاق؛ مع تنامي المطالب والأولويات الفرعية على حساب استقرار وتماسك الدولة.
وارتباطًا بذلك، تطرق الحديث لحالة الديمقراطية وعملية بناء الدولة، وما يرتبط بشكل نظام الحكم، وعلية التنمية الاقتصادية والتوزيع العادل للثروة والسلطة، وهي القضايا التي تعبر عن المشروع الوطني للدولة السودانية، والتي يحمل إزاءها كل طرف تصور مختلف مما يعيق عملية التحول والانتقال السياسي، وأجمع الحضور على ضرورة ترتيب الأولويات فيما يتعلق بمراحل الانتقال السياسي، إذ من الصعب حسم كافة القضايا العالقة في المراحل الانتقالية التي تمر بها الدول، لذا يعد استكمال المرحلة الانتقالية وإجراء العملية الانتخابية هدفَا ملحًا، لوضع الأسس للمؤسسات والهياكل التي يمكنها المضيّ قدمًا في وضع الخطط والقضايا موضع التنفيذ.
واختُتم اللقاء بتأكيد الحضور على أهمية استكمال المرحلة الانتقالية بقدرٍ كبير من التوافق بين كافة الأطراف، لما لتعطل العملية السياسية من تداعيات سلبية على أوضاع الاقتصادية والمعيشية للسودانيين. كذلك تم التأكيد على أهمية حسم قضايا الداخل، لما للتحولات الإقليمية والدولية من تأثيرات تتطلب ضرورة الحضور ضمن أية ترتيبات إقليمية.