تؤكد سلسلة الهجمات الإرهابية الأخيرة لـ”حركة الشباب” في الصومال، على التهديد المتواصل لذلك التنظيم الإرهابي في داخل البلاد وخارجها، وكذلك عدم مصداقية ما يُقال حول تراجعه وضعفه، خاصة وأن تلك الهجمات عكست قدرته على الاستمرار في العمل عبر مساحات متنوعة من الأراضي، بما في ذلك داخل العاصمة مقديشيو نفسها، مع القدرة على مهاجمة بعثة الاتحاد الإفريقي وشركائها في الصومال.
وإضافة إلى ذلك، فقد أظهرت كيف تحول التنظيم باتجاه الاستخدام المتزايد للـمتفجرات والسيارات المفخخة، بالتزامن مع تغيير تكتيكاته عبر المزيد من الهجمات التي تستهدف الإضرار بالمنشآت العامة، في محاولة للتأثير على الرأي العام لصالحه.
طفرة في عدد الهجمات:
في الآونة الأخيرة، استعرض عناصر “حركة الشباب” قدراتهم العملياتية من خلال شن 7 هجمات ضد أهداف مختلفة في شهر أكتوبر ٢٠١٨، أسفرت عن مقتل 34 جنديًّا وإصابة عشرات آخرين من أفراد قوات بعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال، وكذلك مقتل نحو 29 من المدنيين (بينهم خمسة أفراد تم إعدامهم ميدانيًّا لاتهامهم من قبل التنظيم بالتجسس لحساب جهات أجنبية)، وإصابة أكثر من ثلاثين آخرين.
وقد تعددت تكتيكات تلك الهجمات، ما بين هجمات انتحارية، وأخرى باستخدام العبوات الناسفة، وثالثة باستخدام القذائف الصاروخية.. إلخ.
قبل ذلك وفي 21 سبتمبر 2018، هاجمت “حركة الشباب” القوات الأمريكية وشركاءها في منطقة جوبا جنوب الصومال، وتكرر الأمر في يونيو 2018 عندما قُتل جندي أمريكي وأصيب أربعة آخرون في كمين نصبه التنظيم.
وبين الهجومين كان التنظيم قد استهدف مبنى يقع على مسافة 3 كلم فقط من مقر حكومة البلاد، عندما فجر سيارة مفخخة في مقر مقاطعة هوولداغ في مقديشيو، في الثاني من سبتمبر، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص على الأقل وإصابة 10 آخرين بجروح.
الأكثر من ذلك، أن عمليات “حركة الشباب” انتقلت إلى مناطق أخرى في الصومال، مثل منطقة بونتلاند التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، حيث زعم التنظيم أنه قتل 61 جنديًّا في هجوم على قاعدة عسكرية في يونيو 2017.
ولم تكتف “حركة الشباب” بتنفيذ عمليات في الداخل فقط، بل هاجمت، في الثاني من أبريل 2018، أحد المعسكرات التابعة لقوات الاتحاد الإفريقي في أوغندا في منطقة بولومر، على بعد نحو 150 كلم خارج مقديشيو. وقد استخدم عناصرها الذين نفذوا الهجوم حافلة صغيرة محملة بالمتفجرات للوصول إلى المعسكر المحصن. وقد أشارت بعض التقارير الإخبارية إلى أن عدد الضحايا بلغ حوالي 59 جنديًّا. أما الهجوم الأكثر دموية من قبل حركة الشباب (منذ انطلاقها عام 2006) فقد وقع في أكتوبر 2017، حيث قُتل أكثر من 500 شخص في انفجار شاحنة مفخخة خارج فندق مزدحم عند تقاطع K5 في مقديشيو، وهو شارع مزدحم بالمكاتب الحكومية والمطاعم الشعبية.
كل تلك الهجمات وغيرها تعكس بوضوح استمرار قدرة “حركة الشباب” على العمل عبر مساحات متنوعة من الأراضي، وكذلك قدرتها على استهداف العاصمة مقديشيو بهجمات واسعة النطاق، رغم كل حملات مواجهة الإرهاب هناك.
صحيح أن قوات بعثة الاتحاد الإفريقي نجحت في تعطيل أنشطة حركة الشباب في العديد من المناطق التي كانت تسيطر عليها سابقًا، واستطاعت توجيه ضربات ناجحة ضد بعض قياداته، إذ نجحت قوات البعثة في تصفية “المراقب المالي الرئيسي” للتنظيم، والمسئول الأول عن جمع الضرائب في منطقة شابيل السفلى، وذلك في كمين تم نصبه لاجتماع لمقاتلي الجماعة في بلدة باريير جنوب الصومال، يوم 22 أكتوبر الماضي، لكن ذلك لا ينفي في المقابل أن الجماعة لا تزال لديها القدرة على شن هجمات إرهابية مفاجئة، بما في ذلك استهداف قوات بعثة الاتحاد الإفريقي نفسها، فضلًا عن المواقع العسكرية الصومالية.
ولا شك في أن تلك المعطيات تشكك في مدى ملاءمة خطة بعثة الاتحاد الإفريقي لتقليص تواجد قواتها تباعًا (وصولًا إلى الانسحاب الكامل خلال أقل من ثلاث سنوات) وذلك بالنظر إلى تداعيات ذلك الانسحاب على البيئة الأمنية هناك.
جدول يوضح الهجمات الإرهابية التي نفذتها حركة الشباب في الصومال خلال شهر (أكتوبر 2018) فقط

“
كل تلك الهجمات وغيرها تعكس بوضوح استمرار قدرة “حركة الشباب” على العمل عبر مساحات متنوعة من الأراضي، وكذلك قدرتها على استهداف العاصمة مقديشيو بهجمات واسعة النطاق، رغم كل حملات مواجهة الإرهاب هناك.
“
إدارة التنظيم لبعض المناطق:
الهدف الرئيسي لحركة الشباب هو الحكومة، حيث تقاتل الجماعة المسلحة للإطاحة بها واستبدالها بحكومتها الخاصة التي تحكمها الشريعة كما يزعمون. ويفسر هذا الهدف الشامل لماذا تهاجم الجماعة الجيش والمكاتب الحكومية والمسئولين. من ناحيةٍ أخرى، تسيطر “حركة الشباب” في الوقت الحالي، على مساحات شاسعة ومناطق ريفية تقع جنوب ووسط الصومال، حيث يطبق قادة الجماعة الشريعة بشكل قاسٍ بحسب تفسيرهم لها، وأحيانًا تمول الجماعة أنشطتها بفرض ضرائب على المناطق الخاضعة لسيطرتها، كما أنها تجمع الضرائب على الملايين من حقائب الفحم التي تشق طريقها للخروج من البلاد على الرغم من الحظر المفروض على الصادرات، وفقًا لآخر تقرير صادر عن مراقبي العقوبات التابعين للأمم المتحدة.
وفي الآونة الأخيرة، يبدو أن الجماعة ازدهرت في الأوقات العصيبة التي تمر بها البلاد، مثل حالات الجفاف والفيضانات الأخيرة، حيث قدمت للجماعة فرصة لبناء علاقة أفضل مع المجتمعات المحلية. وفي هذا السياق، قدمت “حركة الشباب” خدمات في مجال الصرف الصحي، ووزعت مواد الإغاثة في المناطق التي ضربها الجفاف.
والأكثر من ذلك، أن “مختار روبو”، الرجل الثاني في التنظيم سابقًا، رشح نفسه لرئاسة إقليم في الصومال، متحديًا بذلك الحكومة الصومالية التي تقول إنه غير مؤهل لأنه لا يزال خاضعًا للعقوبات الدولية. والمقصد هنا أن “روبو” كان موضوعًا لمكافأة أمريكية قدرها 5 ملايين دولار. وفي هذا السياق، تشير بعض التقارير إلى أن فرص “روبو” في الفوز بالانتخابات -في حال استمر في ترشحه- التي ستُجرى هذا الشهر، كبيرة للغاية. ولهذا تتخوف الحكومة من شعبيته، وتدعم مرشحها الخاص في مواجهته، بالمال والدعاية اللازمة.
“
يبدو أن الجماعة ازدهرت في الأوقات العصيبة التي تمر بها البلاد، مثل حالات الجفاف والفيضانات الأخيرة، حيث قدمت للجماعة فرصة لبناء علاقة أفضل مع المجتمعات المحلية
“
تمدد التنظيم داخل دول الجوار:
إلى جانب الصومال، لدى “حركة الشباب” تواجد في بلدان أخرى، منها كينيا وتنزانيا وأوغندا ومؤخرًا موزمبيق. وتشير التقارير إلى أنها تقوم بتكوين شراكات مع جماعات مسلحة أخرى في هذه الدول لتوسيع نطاق أنشطتها. على سبيل المثال، في كينيا ثمة تقارير تشير إلى أن “حركة الشباب” أقامت قواعد في بوني فورست في منطقة لامو الساحلية. ووجودها هذا هو موضوع عملية أمنية تُعرف باسم عملية “ليندا بوني”. وكذلك في موزمبيق، تشير بعض المعلومات إلى أن “حركة الشباب” لها صلات مع جماعة “أنصار السنة”، وهي جماعة مسلحة جديدة شنت مؤخرًا هجمات في مقاطعة “كابو دلغادو” الشمالية.
جدوى المقاربة الدولية:
على الرغم من الهجمات المتزايدة، من المقرر أن تنسحب قوات بعثة الاتحاد الإفريقي تدريجيًّا من البلد الذي مزقته الحرب في إطار عملية تدعمها الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. ففي يوليو 2018، وافق مجلس الأمن الدولي على مواصلة إقامة بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال حتى مايو 2019، على أن تبدأ عمليات تقليص حجم القوات بداية من شهر أكتوبر 2018، لكن المجلس أرجأ العملية. في الوقت نفسه، أعلنت هيئة الأمم المتحدة أن بداية التقليص لن تتأخر أكثر من شهر فبراير من عام 2019، على أن تتسلم المؤسسات الأمنية الصومالية السيطرة الكاملة من قوات بعثة الاتحاد الإفريقي بحلول عام 2021. وقد عبّر الرئيس “عبدالله محمد فارموجو” عن ثقته قائلًا: إن قواته قادرة على هزيمة حركة الشباب. ووعد الرئيس باستخدام نفس التكتيكات التي أجبرت الجماعة على الخروج من مقديشيو، بما في ذلك القوة العسكرية، وكذلك المفاوضات مع أولئك الذين قبلوا عرض العفو الذي قدمه.
لكن بالمقابل، يُثير الانسحاب المتوقع، بموجب الخطة الدولية، بعض المخاوف داخل الدوائر الأمنية في الصومال والبلدان المجاورة، حيث يخشى العديد من الخبراء من أن المؤسسات الأمنية الصومالية ليست على استعداد لتولي مهام قوات الاتحاد الإفريقي. وفي ظل عدم وجود تحدٍّ كبير، فإن حركة الشباب ستغتنم الفرصة لإعادة بناء قدراتها بهدف السيطرة على المزيد من الأراضي. وقد عززت موجة الهجمات الأخيرة التي شنتها الجماعة، على الرغم من وجود قوات بعثة الاتحاد الإفريقي، من مصداقية هذا الرأي. كما أنها كشفت استمرار ضعف المؤسسات الأمنية الحكومية، على الرغم من سنوات الاستثمار من قبل المجتمع الدولي.
والحاصل بالفعل أنه وعلى الرغم من الاستفادة من الجهات الفاعلة، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتركيا؛ فإن الجيش الصومالي لا يزال يفتقر إلى التدريب والتنسيق والانضباط والمعدات المناسبة.
“
أثبتت “نجاحات” حركة الشباب الأخيرة عدم مصداقية الآراء التي تُقال حول تراجع خطرها، وأنها على وشك الهزيمة
“
الخلاصة:
لقد أثبتت “نجاحات” حركة الشباب الأخيرة عدم مصداقية الآراء التي تُقال حول تراجع خطرها، وأنها على وشك الهزيمة. كما أكدت أنه وبالنظر إلى الحالة الراهنة للمؤسسات الأمنية الصومالية، لا يمكن تحقيق الأمن بدون وجود بعثة الاتحاد الإفريقي. وعليه فإن ثمة حاجة إلى استراتيجية بديلة لاحتواء الجماعة عندما تغادر قوات بعثة الاتحاد الإفريقي الصومال في نهاية المطاف، إذ من دون وجود استراتيجية جديدة فعّالة، سوف تظلّ هناك خطورة من استعادة “حركة الشباب” سيطرتها على البلاد.