تلعب البتروكيماويات دورًا بالغ الأهمية على المستوى العالمي، نظرًا لاستخداماتها المتعددة والتي تدخل في العديد من المنتجات الضرورية للحياة اليومية. وتعتمد هذه الصناعة على استخدام الموارد النفطية والغازية المتاحة في البلاد لإنتاج مجموعة متنوعة من المنتجات الكيماوية التي تستخدم في العديد من القطاعات الاقتصادية تعد صناعة البتروكيماويات من القطاعات الحيوية في مصر، وتولي مصر أهمية لصناعة البتروكيماويات على وجه الخصوص. لأنها تشكل المستقبل لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعات المكملة.
الوضع العالمي لصناعة البتروكيماويات
سجلت الطاقة الإنتاجية للبتروكيماويات عالميًّا ما يقرب من 2.3 مليار طن متري في عام 2021 ومن المتوقع أن تنمو بشكل أكبر بحلول عام 2030 نتيجة الطلب المتزايد على المنتجات البتروكيماوية إلى جانب انخفاض استهلاك الوقود السائل المشتق من الوقود الأحفوري في قطاع النقل، تمتلك صناعة البتروكيماويات القدرة على ان تصبح محركًا رئيسيًا للطلب على النفط في المستقبل القريب. وذلك يرجع إلى الزيادة المتوقعة في الاستهلاك العالمي للمنتجات البتروكيماوية، مثل البلاستيك والأسمدة والمواد الكيميائية الأخرى. يعود ذلك إلى النمو السكاني المستمر وتزايد الطلب على المنتجات الاستهلاكية في الدول النامية. وتشير البيانات إلى أن الصين والهند وإيران تخطط لإضافة طاقة بتروكيماوية إضافية كبيرة في المستقبل القريب. على سبيل المثال، تخطط الصين لإضافة سعة تبلغ 134 مليون طن متري سنويًا، مما سيجعلها تهيمن على السوق على المدى المتوسط.
وفقًا لتقرير وكالة الطاقة الدولية (IEA)، يتوقع أن تكون صناعة البتروكيماويات محركًا رئيسيًا للطلب على النفط في المستقبل. وتشير التوقعات إلى أنها ستسهم بأكثر من ثلث النمو في الطلب على النفط بحلول عام 2030، وتقريبًا نصف النمو بحلول عام 2050. وتعمل البتروكيماويات أيضًا كحلقة وصل مهمة بين صناعة النفط والغاز وعمليات التوزيع والتصنيع والصناعات اللوجستية. ويتوقع الاستخدام المتزايد للمواد الأولية المشتقة من النفط في صناعة البتروكيماويات، حيث ستسهم بأكبر حصة في نمو الطلب على النفط خلال الفترة من عام 2022 إلى 2028. ومن المتوقع أن تشكل المواد الأولية الكيميائية حوالي 40٪ من إجمالي نمو الطلب على النفط في هذه الفترة. وهذا يشكل تحديًا كبيرًا للانتقال إلى مستقبل أخضر، حيث يُعتبر إنتاج واستخدام البتروكيماويات مصدرًا رئيسيًا لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتلوث البيئة.
نسب مساهمة قطاع البتروكيماويات من إجمالي الطلب على النفط خلال الفترة) 2018 – 2028)
كما بلغ حجم سوق البتروكيماويات العالمية (584.5 مليار دولار أمريكي) في عام 2022، بزيادة قدرها 5% مقارنة بالعام السابق، وتشير التوقعات إلى زيادة في سوق البتروكيماويات في السنوات المقبلة، حيث من المتوقع أن يرتفع إلى أكثر من تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة تبلغ 7% من عام 2023 إلى عام 2030. نتيجة الطلب على المنتجات من مختلف الصناعات ذات الاستخدام النهائي مثل البناء والمستحضرات الصيدلانية والسيارات، وهو عامل رئيسي يدفع إلى النمو.
صناعة البتروكيماويات في مصر
أولًا: مراحل تطور صناعة البتروكيماويات المصرية
تعد صناعة البتروكيماويات من الصناعات الفريدة منذ عقود، حيث يمكن تتبعها بشكل واضح، منذ منتصف الأربعينات من القرن الماضي؛ تم تأسيس عدد من الكيانات الإنتاجية المتخصصة في إنتاج منتج أو أكثر من المنتجات البتروكيماوية، فعلى سبيل المثال، عام 1945 تم تأسيس الشركة الأهلية للبلاستيك ، وفي عام 1946 تم تأسيس شركة سيماديكو لإنتاج الأسمدة النيتروجينية، وفي عام 1955 تم إنشاء واحدة من أقدم وحدات إنتاج النايلون على مستوى العالم في كفر الدوار، كما تم إنشاء مصنعين لأسمدة اليوريا في محافظتي الدقهلية (مدينة طلخا) والإسكندرية وذلك في عام 1975.
وكانت الانطلاقة الواضحة للبتروكيمياويات خلال فترة الثمانينات من القرن الماضي؛ حيث تم تدشين شركة البتروكيماويات المصرية والتي تعد أول شركة بتروكيماويات مصرية لإنتاج مادة البولي فينيل كلوريد حيث بدأ الإنتاج الفعلي للشركة في
عام 1987.وبشكل واضح تم تشكيل كيان أشمل لتلك الصناعة الواعدة؛ حيث تم إنشاء الشركة المصرية القابضة للبتروكيماويات (ECHEM) في عام 2002 لتنفيذ الخطة الرئيسة للبتروكيماويات لمدة 20 عامًا في مصر؛ بهدف تحسين القيمة المضافة للموارد الطبيعية. وفى الوقت الحالي تعد صناعة البتروكيماويات هي مرحلة لتطويع الصناعة المحلية للاستجابة للتغيرات العالمية المناخية، والاتجاه العالمي نحو تقليل الانبعاثات الكربونية المتولدة من احتراق الوقود الأحفوري والعمل على تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 فيما يُسمي بالبتروكيماويات الخضراء.
ثانيًا: نظرة على الوضع الحالي لصناعة البتروكيماويات المصرية
أعطت الطفرة التي حدثت في مجال استكشاف وإنتاج البترول والغاز الطبيعي، التي شهدتها مصر في السنوات الماضية دفعة جيدة لصناعة البتروكيماويات حيث ارتفعت الطاقة الإنتاجية المحلية للبتروكيماويات لتسجل نحو 4.3 ملايين طن سنويًا لعام 2022/2021 مقارنة بـ 2.1 مليون طن سنويًا عام
2015 /2016 بعد استثمارات بلغت نحو 4 مليارات دولار أمريكي. ويُعد قطاع البتروكيماويات في مصر من القطاعات الاقتصادية المهمة حيث يمثل القطاع نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي و12% من القطاع الصناعي.
كما توقعت وكالة “فيتش” أن تقود مصر النمو في قطاع البتروكيماويات في إفريقيا على المدى المتوسط مع تطوير مجمعات جديدة تستخدم موارد الغاز الطبيعي الكبيرة في البلاد، مشيرة إلى أن القطاع سيكون حاسمًا في معالجة سلاسل التوريد الضعيفة في قطاع التصنيع، والذي شهد ارتفاعًا سريعًا في واردات السلع الوسيطة. بالإضافة إلى أن شركة (TCI Sanmar Chemicals)، وهي شركة تابعة بنسبة 100٪ لمجموعة (India’s Sanmar Group)، تخطط لاستثمار 15 مليون دولار بمصر عام 2023، من خلال تنفيذ 4 خطوط إنتاج جديدة بطاقة إجمالية تبلغ 225 ألف طن سنويًا. كما أنتجت مصر نحو 552 ألف برميل في اليوم من المنتجات البترولية المكررة في عام 2022، وسترتفع تدريجيًا إلى 659 ألف برميل في اليوم بحلول عام 2032، كما بلغت طاقة التكرير في مصر نحو 816.6 ألف برميل في اليوم.
ثالثًا: أبرز المشروعات الاستراتيجية للنهوض بصناعة البتروكيماويات
نفذ قطاع البترول حاليا عدة مشروعات استراتيجية مهمة في مجالي التكرير والبتروكيماويات تهدف إلى زيادة الطاقة الإنتاجية من المنتجات البترولية والتوسع في صناعات القيمة المضافة وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من ثروات مصر الطبيعية بالتوازي مع العمل على خفض انبعاثات الكربون في أنشطة القطاع المختلفة كما جارٍ تنفيذ11مشروعًا جديدًا لإنتاج البتروكيماويات بتكلفة استثمارية إجمالية تقدر بنحو 19 مليار دولار خلال الفترة 2020- 2035، في إطار دعم الدولة للقطاع الخاص ومشروعات البتروكيماويات.
تم تنفيذ مشروع مجمع البحر الأحمر للبتروكيماويات أحد المشروعات الضخمة بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، يهدف إلى التحول من إنتاج المواد البتروكيماوية التقليدية إلى إنتاج مواد بتروكيماوية متخصصة لتلبية احتياجات السوق المحلي وتصدير الفائض ومن المتوقع أن ينتج المشروع 3.5 مليون طن سنويا من المنتجات البتروكيماوية والبترولية باستثمارات 11.7 مليار دولار لكافة مراحله. مجمع العلمين يهدف المشروع لإنتاج 3 ملايين طن سنوياً من المنتجات البتروكيماوية المتخصصة و535 ألف طن سنوياً من المنتجات البترولية وبتكلفة استثمارية تقديرية 7.6 مليار دولار للمرحلة الأولى. مشروع إنتاج الألواح الخشبية ويهدف المشروع لإنتاج 205 آلاف متر مكعب سنوياً اعتماداً على 250 ألف طن سنويا من قش الأرز وتبلغ استثمارات المشروع 284 مليون يورو، ويساهم في تلبية جزء من احتياجات السوق المحلي مشروع إنتاج الإيثانول وتبلغ استثمارات المشروع 112 مليون دولار. مشروع إنشاء مجمع السيليكون المعدني ومشتقاته، وهو يمثل أحد أبرز مشروعات قطاع البتروكيماويات بتكلفة استثمارية 700 مليون دولار. مجمع التكرير والبتروكيماويات بمدينة العلمين الجديدة أكبر مجمع بمصر باستثمارات تقدر بنحو حوالي 8.7 مليار دولار، حيث يهدف إلى إنتاج حوالي 3.2مليون طن سنويًا من المنتجات البتروكيماوية المتخصصة، بالإضافة إلى حوالي 1.6 ألف طن سنويًا من المنتجات البترولية. ونتيجة لتلك الجهود بلغت صادرات المنتجات البتروكيماوية 8.6 مليار دولار مقارنة بـــ 6.7 عام 2021 بزيادة قدرها 28.4%.
إجمالاً، تُولي الدولة المصرية أهمية خاصة لصناعة البتروكيماويات، فقد حققت صناعة البتروكيماويات تقدماً كبيراً في السنوات الأخيرة، وتواصل العمل الجاد للتأكد من أنها أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات التنموية في تحول الطاقة العالمية والحد من انبعاثات الكربون. والتوجه الحالي هو تنفيذ عدد من المشاريع البتروكيماوية التي تراعي التغيرات المناخية وتهدف إلى الاعتماد بشكل أكبر على مواد الطاقة النظيفة والمتجددة.