تُعد الطاقة من أحد أهم المفاتيح المشتركة بين الاقتصاد والسياسة، وذلك باعتبارها مدخلًا أساسيًا لفهم العلاقة بين التنمية وتوفر معادلة طاقة حقيقية ومتزنة. وعليه، تمضي الدولة المصرية قدمًا نحو بناء جمهوريتها الجديدة، وتولي اهتمامًا بالغًا وكبيرًا بقطاع الطاقة؛ إيمانًا منها وإدراكًا لدوره الحيوي والفعّال كمحرك أساسي ومؤشر للنمو الاقتصادي، واضعة أمامها أن تطبيق استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة إحدى أهم ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. حيث تؤكد أزمة الطاقة التي يشهدها العالم حاليًا صحة رؤية مصر واستراتيجيتها بشأن الطاقة وتنويع مصادرها، وأن لديها قدرة على استقراء مستقبل الطاقة في العالم بما يعزز مكانتها عالميًا ونفوذها على المستويين الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى سعي مصر الحثيث للمشاركة في معالجة مشكلات التغيرات المناخية.
على النقيض من الحكومات المصرية السابقة، والتي لم يكن سعيها نحو تعزيز مفهوم أمن الطاقة في الدولة المصرية كافيًا، تبنت إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي استراتيجية طموحة متعددة الأوجه للوصول إلى معادلة طاقة متزنة والسعي نحو تحقيق التوازن بين الإنتاج ومعدلات الطلب الداخلي، وانعكاس ذلك على تعزيز النمو الاقتصادي.
مدخل:
تستعد مصر غدًا الإثنين لإطلاق النسخة السابعة من مؤتمر ومعرض مصر الدولي للبترول (إيجبس) تحت شعار تحفيز الطاقة (تأمين الإمدادات والانتقال الطاقي وخفض الانبعاثات) والتي تستهدف مناقشة آليات التحول في مجال الطاقة، وأمن الطاقة، مع التطرق لملف العمل المناخي وكيفية تعزيز الجهود المشتركة، وهو ما يُسهم في إعادة تشكيل الأسواق العالمية. حيث تأتي النسخة السابعة في وقت يبحث فيه العالم عن إمدادات آمنة من الطاقة، وضرورة العمل على توفير سبل وطرق مختلفة لتنويع مصادر الطاقة. حيث يُشكل عام 2024، عامًا حاسمًا بالنسبة لقطاع الطاقة العالمي بشكل كامل، وذلك لأن الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير من عام 2022 أحدثت إرباكًا وتغييرات هيكلية في الاستثمارات النفطية وقطاع الطاقة بشكل كامل، وجاءت الحرب على غزة لتُساهم في تعقيد المشهد العالمي للطاقة.
إشكالية ملف الطاقة في الاقتصاد المصري
بشكل عام، يُعد محور الطاقة من أهم ركائز التنمية في مصر، وبالنظر إلى ملف الغاز الطبيعي فإنه يُعد من أهم المدخلات المهمة في البنية التحتية لتوليد الطاقة في مصر، إذ كان يمُثل في عام 2013 نسبة حوالي 51% من مجموع الطاقة الأولية التي يتم إنتاجها في مصر، وكان يُستخدَم في إنتاج حوالي 77% من التيار الكهربائي الذي يتم توليده. ولكن بحلول عام 2013، كان إنتاج الغاز المحلي قد تراجع بنسبة حوالي 22% ليصبح حوالي 4.17 مليارات قدم مكعب في اليوم، كما يوضح الشكل التالي استهلاك الطاقة في مصر.

وبشكل عام، يُعتبر النقص الحاد في الغاز الطبيعي من الأزمات الأكثر إلحاحًا التي واجهها الاقتصاد المصري في تلك الفترة الحرجة (من عام 2011 إلى 2014). وفي المقابل، دفع النمو السكاني المتزايد والسريع في مصر، والمصحوب بتهافت شديد على استخدام الكهرباء، بالاستهلاك إلى بلوغ الذروة مع حوالي 5.1 مليارات قدم مكعب في اليوم في عام 2012. وتزامن ذلك مع التباطؤ الشديد في إنتاج الغاز الطبيعي وتوقف الحكومة عن إبرام عقود جديدة للتنقيب عن الغاز في فترة أحداث يناير عام 2011 وحتى نهاية عام 2013 مما ترتب على ذلك انتهاء الفائض من الغاز الطبيعي المصري، مما انعكس على خسارة مصر لمكانتها كمصدرة للطاقة. حيث يوضح الشكل التالي إشكالية ملف الغاز.

واستكمالًا لما سبق، سعت مصر بعد عام 2014 إلى التوسع في عمليات البحث والاستكشاف والتنقيب عن الغاز الطبيعي، فكانت أولى الخطوات هي توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص (البحر الأبيض المتوسط) في سبتمبر عام 2014، فيما تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية في أبريل عام 2016، لتسمح ببدء مزاولة نشاط البحث عن البترول والغاز لأول مرة في هذه المنطقة البكر الواعدة (البحر الأحمر)، بينما تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية (البحر المتوسط) مع اليونان في أغسطس من عام 2020. مما نتج عن ذلك زيادة وتشجيع الاستثمارات التي نتج عنها تنفيذ مشروعات في مجال البحث والاستكشاف، مما أدى إلى تحقيق مصر عددًا كبيرًا من الاكتشافات التجارية العملاقة من الغاز الطبيعي في مياه البحر المتوسط سواء في المياه الضحلة أو العميقة، مثل حقول الإسكندرية وحقول آتول ويأتي اكتشاف حقل (ظهر) والذي يعد قصة نجاح متميزة (تم وضعه على خريطة الإنتاج بعد 28 شهرًا فقط منذ الاكتشاف وحتى بداية الإنتاج التجريبي) في تاريخ صناعة البترول والغاز المصرية ويحظى بفخر واهتمام المصريين جميعًا، حيث أعلنت شركة إيني الإيطالية في أغسطس من عام 2015 عن توصلها لأهم كشف للغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، والذي ساهم في وصول مصر إلى الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي.
القفزة الكبرى في تاريخ مصر في قطاع الغاز، جاءت بعد اكتشاف حقل ظُهر على بعد 190 كيلومترًا قبالة الساحل الشمالي المصري، وهو أحد أكبر الحقول في المنطقة من حيث الاحتياطيات المؤكدة. حيث قدرت احتياطات الحقل بحوالي 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، جعلته الأكبر في منطقة البحر المتوسط، بما يُعادل حوالي 135% من احتياطيات مصر من الزيت الخام، أي ما يعادل حوالي 5.4 مليارات برميل من البترول المكافئ، كما هو موضح في الشكل التالي.

وأمام ما تقدم، استطاعت مصر تحقيق تلك الطفرة الكبيرة وذلك للعديد من العوامل والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- مستويات الإنتاج المحلي المرتفعة، وذلك بعد تطوير وتنمية العديد من حقول الغاز في منطقة شرق المتوسط.
- زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية في قطاع البحث والاستكشاف عن الغاز الطبيعي وطرح العديد من المزايدات العالمية. وذلك لأن ترسيم الحدود خلق حالة من الاستقرار في المنطقة ومزيدًا من التعاون الإقليمي بين دول المنطقة.
- معاودة تشغيل محطة الإسالة في دمياط مطلع العام الماضي، والتي باتت تؤدي دورًا مهمًا في تصدير عدة شحنات من الغاز الطبيعي المسال إلى الأسواق الأوروبية. وقد شكلت تلك المحطات في دمياط والبحيرة نقطة تحول رئيس في تحول قطاع الغاز الطبيعي المصري إلى قوة إقليمية وعالمية في المنطقة. وبمثابة نقطتا ارتكاز وسبق قوية في مشروع تحويل مصر لمركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز والبترول في البحر المتوسط، مما فتح آفاقًا جديدة نحو تعظيم دور مصر في تجارة وتخزين وتداول الغاز الطبيعي، وضرورة تحقيق عائدات لصالح الاقتصاد المصري، وتأمين إمدادات الطاقة للسوق المحلي ومشروعات التنمية.
والشكل التالي يوضح أهمية محطات الإسالة المصرية في صناعة الغاز الطبيعي.

واستكمالًا لما سبق، وبالنظر إلى ترسيم الحدود البحرية المصرية الذي خلق حالة من الاستقرار وفتح آفاقًا جديدة للتعاون الإقليمي وهو ما أسفر عن نشأة منتدى غاز شرق المتوسط. حيث بادرت الدولة المصرية بطرح فكرة إنشائه خلال القمة الثلاثية والتي أقيمت في جزيرة كريت في أكتوبر من عام 2018 بين زعماء مصر وقبرص واليونان. وفي أقل من 20 شهرًا، تم الانتهاء من التوقيع الرسمي لميثاق المنتدى من قبل الدول السبع المؤسسة في سبتمبر من عام 2020 ودخول الميثاق حيز النفاذ في مارس 2021، والذي بمقتضاه أصبح المنتدى منظمة دولية حكومية في منطقة شرق المتوسط، مقرها القاهرة.
وعليه، سعت الدولة المصرية من خلال المنظمة إلى تحقيق أهدافها، والعمل على دعم تشكيل سوق غاز إقليمية تفيد الأعضاء، وذلك من خلال تأمين عمليات العرض والطلب، وتحسين وتطوير الموارد، وتحسين البنية التحتية، والتسعير التنافسي، وتحسين العلاقات التجارية، واحترام حقوق البلاد الأعضاء بالمنتدى فيما يخص مواردهم من الغاز الطبيعي، وضرورة التعاون على إدارة عملية تطوير مستدامة وفعالة وواعية بيئيًا، والحفاظ على موارد الغاز الطبيعي لمصلحة شعوبهم.
واستكمالًا لما سبق، في ملف النفط، قفزت مستويات الإنتاج إلى أعلى مستوياتها خلال العام الماضي، وذلك في ظل اتساق معدلات الحفر الاستكشافي مع الخطط الإنتاجية الطموحة، حيث بلغ إجمالي إنتاج قطاع النفط المصري خلال العام الماضي 2023، حوالي 74 مليون طن، وذلك بواقع حوالي 525 مليون برميل من النفط المكافئ (حوالي 28 مليون طن) حوالي 200 مليون برميل نفط خام ومتكثفات، ونحو حوالي 45 مليون طن غاز طبيعي، ومليون طن بوتاجاز (غاز النفط المسال)، بالإضافة إلى البوتاجاز المنتج من مصافي التكرير.
وبشكل عام، وصل معدل إنتاج النفط في مصر إلى حوالي 582 ألفًا و700 برميل يوميًا، مسجلًا أعلى مستوياته خلال العام الماضي. فقد أسهمت الصحراء الغربية -منطقة رئيسة بالنسبة لإنتاج النفط الخام- بنحو حوالي 289 ألفًا و300 برميل يوميًا (نسبة مساهمة حوالي 55%، كما هو موضح في الشكل التالي.

ومن هنا نستطيع أن نستخلص أن زيادة إنتاج الغاز الطبيعي والنفط الخام، كانت لها انعكاسات إيجابية وتأثيرات علي:
- زيادة الناتج المحلي.
- الوصول إلى معادلة طاقة متزنة.
- زيادة الصادرات المصرية.
- المساهمة في تعظيم العائدات الدولارية.
- التأثير الإيجابي في الاقتصاد المصري.
- الحد من تأثير الارتفاع الحالي في أسعار النفط العالمية في قيمة فاتورة استيراد النفط الخام والمنتجات النفطية.
وفي ملف الطاقة المتجددة، سارت الدولة المصرية بخطوات قوية وسريعة نحو الاستثمار في الطاقة المتجددة، والذي يُعد خطوة مهمة في تنفيذ استراتيجيتها الطموحة لتحقيق التنمية المستدامة والتخفيف من أثر تغير المناخ، وذلك باعتبار الطاقة المتجددة والنظيفة من أهم محاور استراتيجية التنمية المستدامة.
ووفقًا لما سبق، تتضمن استراتيجية الحكومة المصرية لتحقيق الاستدامة البيئية وتنمية الطاقة المتجددة تشجيع الاستثمار في مجالات مثل الطاقة الشمسية والرياح والطاقة الحرارية الكهربائية، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة للمستثمرين في هذه المجالات، حيث تهدف مصر إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة المحلي إلى حوالي 42%.
حيث تشمل المشاريع الحالية في مصر الاستثمار في مجالات مثل بناء محطات توليد الطاقة الشمسية والرياح، وتشجيع استخدام الطاقة الشمسية، وتطوير تكنولوجيا تحويل المخلفات إلى طاقة وقود، وتطوير تكنولوجيا البناء الخضراء وزيادة حجم الاستثمارات في مجال الهيدروجين الأخضر وتوسيع حجم الشراكات الدولية في الوقود الأخضر. حيث يمكن أن تساهم تلك الاستثمارات في تعزيز الاكتفاء الذاتي للطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، كما يمكن أن تحسن الأمن الطاقوي وتوفير فرص العمل وتحسين مستوى الحياة للمواطنين.
وعليه يمكن القول، إن زيادة حجم الاستثمارات في الطاقة المتجددة في مصر، سوف يُساهم في إتاحة فرص هائلة للتعاون الدولي في هذا المجال، حيث إن هناك شركاء دوليين مهتمون بالاستثمار في مصر وتقديم التكنولوجيا والخبرات في مجال الطاقة المتجددة.
وفي ضوء هذه الاستراتيجية المتكاملة للطاقة، حيث تهدف الدولة المصرية للتوسع في الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتهدف استراتيجية الطاقة المستدامة لعام 2035، إلى زيادة مساهمة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الكهربائية، حيث من المقرر أن يصل إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة إلى 42% من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة عام 2035، مقارنة بحوالي 20% عام 2022، وإدخال الطاقة النووية بنسبة حوالي 3%، كما هو موضح في الشكل التالي.

ولكي تستطيع مصر عرض تجربتها الفريدة في ملف الطاقة، جاءت فكرة مؤتمر مصر الدولي (إيجبس) السنوي والذي أصبح من قوى مصر الناعمة، حيث أصبح مؤتمر ومعرض إيجبس بعد 6 نسخ متتالية ناجحة، بمثابة منصة إقليمية ودولية مهمة تجمع ممثلي الحكومات وصُناع القرار ورؤساء شركات البترول العالمية والمستثمرين والممولين، بهدف مناقشة الفرص الاستثمارية المتاحة في أسواق الطاقة العالمية، حيث سيعقد لأول مرة تحت مسماه الجديد، وهو مؤتمر ومعرض مصر الدولي للطاقة كمنصة أكثر شمولًا تتبنى كافة الموضوعات الخاصة بصناعة الطاقة. حيث سيتم تسليط الضوء على قضايا التحول الطاقي وخفض الانبعاثات وصناعة الهيدروجين الأخضر، بما يتواكب مع المتغيرات العالمية المتسارعة في قطاع الطاقة.
أهمية مؤتمر إيجبس على المستوى الدولي
منذ عام 2017 (عام الانطلاق)، ومؤتمر ومعرض مصر الدولي للبترول (إيجبس) يشهد منحنى نمو تصاعديًا ومستمرًا منذ انطلاقه، وذلك ما مكنه ليكون معرض ومؤتمر البترول والغاز الرائد في مصر وإقليم شمال أفريقيا وحوض البحر المتوسط، إذ إن النمو الملحوظ كان نتيجة اتباع الاستراتيجية الطموحة التي طبقتها الدولة المصرية لإطلاق مجموعة من الإمكانيات بهدف تحقيق أعلى قيمة لقطاع الطاقة المصري، وهو ما يُعد دافعًا ومحركًا للتنمية المستدامة في الدولة المصرية.
ولذلك، تشهد النسخة السابعة إقبالًا كبيرًا بالمشاركة الكبيرة من العديد من الشراكات العالمية المعنية بملف الطاقة بمساراتها المختلفة وتحدياتها وحلولها، حيث أدى تحول المؤتمر لمنصة للطاقة إلى زيادة وتحفيز كبرى الشركات في العالم إلى المشاركة الفعلية والمؤثرة. وبالنظر إلى حجم المشاركة المتوقعة في النسخة السابعة سنجد زيادة نسبة المشاركة الدولية للشركات، بالإضافة إلى زيادة عدد المؤتمرات المصاحبة والمساحة المخصصة للمعرض وعدد المشاركين، حيث من المتوقع وصول إجمالي الحضور إلى حوالي 35 ألف مشارك من مختلف دول العالم، كما هو موضح في الشكل التالي.

وعليه يمكن القول، تأتي النسخة السابعة في وقت تكافح فيه كبرى شركات الطاقة العالمية من أجل البقاء، وذلك كنتيجة لزعزعة الاقتصاد العالمي والحرب الروسية الأوكرانية وحرب العقوبات بين الأطراف المتنازعة فيما يتعلق بملف الطاقة العالمي، والتي أدت إلى حدوث خلخلة كبيرة في أمن الطاقة العالمي، وذلك منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير من عام 2022، ومع اقتراب الأزمة الروسية الأوكرانية من عامها الثاني، بالإضافة إلى الحرب على غزة وتداعيات تلك الحرب وتوسع رقعتها والتهديدات المستمرة بالمسارات والممرات المهمة في حركة براميل النفط.
ولذلك، تحوّل ملف الطاقة إلى أولوية جميع حكومات العالم، وأصبح من أهم أدوات التصعيد والمساومة السياسية في الفترة الراهنة، ومرّ العديد من دول العالم -ولا تزال- بظروف صعبة وقاسية بسبب الارتفاع الحاد في مستويات أسعار الطاقة. حيث تُعد أزمة الطاقة التي تجتاح العالم، أخطر وأشد أزمة مرت وتمر على العالم منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن.
وبالنظر إلى التحديات التي تواجه ملف الطاقة العالمي (كيفية تأمين إمدادات من النفط الخام)، نجد أن أحد أوجه الخلل الهيكلي لقطاع الطاقة هو المخزون الاستراتيجي من النفطي الأمريكي، والذي ثبت عند حوالي 372 مليون برميل من النفط الخام، أي فقد أكثر من ثلثي موجوداته ولاستعادة المخزون بكامل طاقته عند حوالي 722 مليون برميل. وبالتالي سوق الطاقة أصبح أمام أزمة حقيقية (أزمة إمدادات مستقبلية)، حيث تحتاج واشنطن إلى كميات ضخمة من النفط الخام لسنوات وذلك مع عدم نمو النفط الصخري الأمريكي بالشكل الذي تبحث عنه الإدارة الأمريكية أو الشكل المتوقع، وذلك نتيجة عدم جدية المستثمرين بالصخر الزيتي في الاتجاه الحكومي الأمريكي، وبالأخص بعد قانون خفض التضخم الذي وجه حوالي 385 مليار دولار من الاستثمارات إلى الطاقة النظيفة والمتجددة بالإضافة للإجراءات الأخرى للولايات المتحدة الأمريكية في خفض الاستثمارات في الأراضي الفيدرالية.
واستكمالًا لما سبق، تكتسب النسخة السابعة أهمية خاصة في ظل الديناميكيات الإقليمية المتغيرة التي دفعت الدولة المصرية إلى تعزيز دورها كمركز للطاقة، وذلك من خلال الاكتشافات الغازية التجارية في المياه المصرية وباحتياطيات مؤكدة اقتصادية كبيرة وواعدة، والتي ساهمت في لعب دور رئيس في وصول مصر لمرحلة الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى تعزيز دور مصر كنقطة عبور استراتيجية للغاز في المنطقة، وذلك لتمتع الدولة المصرية بمقومات ضخمة وبنى تحتية في صناعة الغاز المسال.
وأمام ما تقدم، تُقدم النسخة السابعة من مؤتمر إيجبس في ثوبه الجديد فرصة واعدة للدولة المصرية وذلك من أجل عرض الجهود المصرية كمركز إقليمي لتجارة الطاقة، حيث تأتي في توقيت حيوي لمناقشة التحديات والفرص الاستراتيجية التي تواجه قطاع الطاقة العالمي بعد انعقاد مؤتمر اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في دولة الإمارات العربية المتحدة في نهاية العام الماضي. بالإضافة إلى مناقشة تأثيرات التحول في السياسات والتغيرات في ديناميكيات الطلب على الطاقة، والتطور في إمكانات وتكنولوجيا خفض انبعاثات الكربون، وذلك من خلال استخدام تقنيات مثل التقاط وتخزين الكربون وإنتاج الهيدروجين، بالإضافة إلى ضرورة مناقشة العديد من الموضوعات الأساسية في ملف الطاقة العالمي وكيفية تعزيز مفهوم أمن الطاقة، ومنها:
- تأمين إمدادات الطاقة والحفاظ على أمن مساراتها وممرات الطاقة الحيوية في العالم.
- مناقشة التحديات التي تواجه أسواق الطاقة العالمية وحلولها الممكنة.
- تشجيع الاستثمارات ومناقشة سبل التمويل والاستثمار.
- المساواة في الطاقة، واستدامة موارد الطاقة.
وذلك في مواجهة التحديات العالمية الراهنة التي تؤثر على خريطة الطاقة العالمية، وذلك مع ضرورة الاهتمام بإبراز دور القارة الأفريقية في تأمين موارد الطاقة للعالم، وبالأخص الغاز الطبيعي وفي وقت تكافح فيه دول العالم وبالأخص دول الاتحاد الأوروبي من أجل توفير إمدادات آمنة من الغاز الطبيعي. وعليه، للوصول إلى إمدادات طاقة عالمية مستدامة في المستقبل، فإن الاستثمار في التكنولوجيا الجديدة والنظيفة أمر حيوي، حيث تعمل الرقمنة بالفعل على تسريع انتقال الطاقة من خلال تبسيط العمليات على جميع مستويات نظام الطاقة لتعزيز كفاءة الطاقة.
كيف ساهمت مصر في تقديم حلول لتحديات سوق الطاقة العالمي؟:
تأتي النسخة السابعة من مؤتمر ومعرض مصر الدولي لتأكيد لدور مصر الريادي في ملف الطاقة العالمي، بالإضافة إلى أنها تُشكل نقطة انطلاق حقيقية لحوار استراتيجي فعال؛ بهدف رسم خارطة طريق لقطاع الطاقة العالمي من أجل تحقيق مستقبل مستدام وآمن، وفرصة واعدة لخبراء قطاع الطاقة على مستوى العالم لتبادل الأفكار والرؤى لتحقيق نظام بيئي أكثر شمولية بما يراعي المعايير الاجتماعية واﻟﺒﻴﺌﻴﺔ الحالية.
ذلك بالإضافة إلى أن نجاح تنظيم هذا الحدث العالمي في النسخ السابقة وذلك منذ عام 2017، أعطى زخمًا كبيرًا وأهمية للنسخة الجديدة، وذلك من خلال جذب المزيد من المشاركات الدولية لتحقيق أقصى استفادة لصناعة البترول والغاز في مصر والتي تطمح لجذب المزيد من الاستثمارات العالمية والمحلية في هذا القطاع الحيوي وفي ظل النجاحات الكبيرة للدولة المصرية بعد عام 2014.
وعلاوةً على ذلك، تأتي النسخة السابعة في وقت تشهد فيه الدولة المصرية العديد من الاكتشافات التجارية العملاقة في مياه شرق المتوسط، حيث حققت الدولة في قطاع الطاقة العديد من النجاحات على كافة الأصعدة خلال الفترة ما بين عامي 2014-2024، وذلك من خلال الاستفادة من الموقع الاستراتيجي والأصول والبنية التحتية، وبفضل استراتيجية الدولة المصرية وقطاع الطاقة المصري، وليصبح من أكثر القطاعات التي شهدت نهضة لا مثيل لها محليًا وعالميًا. حيث أصبحت القاهرة جزءًا من حل أزمة الطاقة في العالم، وذلك ما أكدته نتائج الإنجازات التي تمت على أرض الواقع خلال السنوات الماضية، فقد نجحت الدولة المصرية على مدار السنوات الماضية في التحول بخطى متسارعة إلى مركز إقليمي للطاقة، حيث لعبت العديد من العوامل دورًا كبيرًا في تعزيز دور مصر بسوق الغاز العالمية، ومن بينها تعديل التشريعات، وتعيين وترسيم الحدود، وسداد المتأخرات والمستحقات للشركات الأجنبية، والاستفادة من الموارد الغنية التي لم تكتشف بعد، مثل ثروات البحر الأحمر.
أهم ما يميز هذا الحدث العالمي هو أنه يضم عددًا كبيرًا من المؤتمرات الرئيسية التي تهدف إلى مناقشة جميع الجوانب المتعلقة بملف الطاقة العالمي، مثل الجانب التقني والاستراتيجي والاستثماري ومبدأ الاستدامة، كما إنه يسلط الضوء على أهمية دور المرأة وتنمية قدرات الشباب في قطاع الطاقة العالمي.
وبشكل عام، من المقرر أن تشمل أجندة النسخة السابعة من المؤتمر والذي سوف يُقام بمركز مصر للمعارض الدولية، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، وبدعم من وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، جدول أعمال موسعًا يغطي بشكل مركّز المحاور الاستراتيجية، والفنية، والتمويل والاستثمار، والمساواة بين الجنسين، والاستدامة في الطاقة والمؤتمر التقني والتمويل والاستثمار في مجال الطاقة، بالإضافة إلى مؤتمر الحوار الأفريقي حيث تستضيف النسخة الافتتاحية من مؤتمر حوار أفريقيا بهدف مناقشة التحديات الأكثر إلحاحًا فيما يتعلق بالسياسات والتشريعات وتطوير البنية التحتية للغاز الطبيعي ومناقشة كيفية استغلال موارد القارة الضخمة في قطاع الطاقة، وذلك بهدف دفع القارة الأفريقية نحو مستقبل طاقة أكثر ازدهارًا واستدامة. وذلك مع اكتساب التحول في مجال الطاقة زخمًا كبيرًا، لذلك كان من الضروري أن تبرز الشركات الناشئة كمحفزات محورية، حيث تقدم الإبداعات التكنولوجية التي تحمل المفتاح والحلول إلى تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفري وتسهيل الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، ولذلك تشهد النسخة السابعة تدشين الملتقى الأول في تحديات المناخ.
وعليه القول، تُعد النسخة السابعة من مؤتمر إيجبس نسخة استثنائية في تاريخ صناعة الطاقة العالمية ونقطة انطلاق حقيقية لفترة حرجة تمر بها الأسواق العالمية للطاقة وعام مليء بالنقاشات الاستراتيجية والتي سترسم معالم مستقبل الطاقة في السنوات المقبلة. وعليه يمكن القول، إن معرض ومؤتمر مصر الدولي للبترول (إيجبس) في ثوبه الجديد يعكس رؤية الدولة المصرية نحو الاهتمام بكافة مصادر الطاقة وتأمين إمدادتها ومساراتها المختلفة.
مجمل القول، سعت مصر إلى تنمية واستغلال ما لديها من ثروات طبيعية، والتحول من بلد يكافح لتدبير نفقات استيراد الغاز إلى بلد مصدر بل وربما إلى لاعب أساسي مؤثر في معادلة الطاقة العالمية. حيث تمضي الدولة المصرية قدمًا نحو بناء جمهوريتها الجديدة، وتولي اهتمامًا بالغًا وكبيرًا بقطاع الطاقة، إيمانًا منها وإدراكًا لدوره الحيوي والفعال كمحرك أساسي ومؤشر للنمو الاقتصادي، واضعة أمامها أن تطبيق استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة أحد أهم ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفي الأخير، إن تنظيم مصر لتلك النوعية من المؤتمرات العالمية والمتخصصة، تعكس رؤية القيادة السياسية وحالة الاستقرار التي تنعم بها الدولة في ظل حضور سنوي للرئيس عبد الفتاح السيسي في الافتتاح الرسمي لمؤتمر إيجبس، بالإضافة إلى الحضور القوي لكبرى الشركات العالمية والعديد من الخبراء وكبار صانعي القرار العالميين فيما يتعلق بملف الطاقة العالمي.