أصدرت رئاسة مجلس الوزراء وثيقة “أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري للفترة الرئاسية 2024-2030″، وجاء ذلك عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، وقد تضمنت الوثيقة ثمانية توجهات استراتيجية يندرج تحت كل توجه عدد من الموضوعات والمستهدفات، خُصصت بعض الموضوعات للتعليم بشكل مباشر، فتضمن التوجه الاستراتيجي الخامس المعنون بـ”حياة ترقى لطموحات المصريين” موضوعين عن التعليم قبل الجامعي والتعليم الجامعي، وعلى النحو غير المباشر جاء مستهدف “دعم دور البحث والتطوير في بناء نهضة الدولة المصرية” ضمن التوجه الاستراتيجي الرابع المعنون “اقتصاد تنافسي مستدام قائم على المعرفة”، وبالرغم من هذا التخصيص لم تخلُ بعض التوجهات الاستراتيجية الأخرى من التعريج على تضمين مستهدفات خاصة بالتعليم، حيث تناول كل من التوجه الاستراتيجي الأول والسابع غايات تتعلق بالتعليم، الأمر الذي يستدعي قراءة الوثيقة ومراجعتها بنظرة نقدية معمقة لاستشراف مستقبل التعليم المصري خلال الفترة الرئاسية الجديدة.
التعليم في الوثيقة بشكل عام
تناولت أربعة توجهات استراتيجية مستهدفات خاصة بالتعليم من أصل ثمانية توجهات، بالإضافة إلى ذكر التعليم كأحد التحديات التي تواجه الدولة المصرية، حيث جاء ذلك في السياق العام الذي استهلت به الوثيقة، فسردت جملة من التحديات كمنطلقات هامة لصياغة سياسات كفيلة بالتغلب عليها ومواجهتها، وتضمنت تلك التحديات “ضرورة التركيــز علــى تكثيف الجهود لتعزيز رأس المال البشـري مــن خلال مواصلة الارتقاء بمستوى الخدمات التعليمية”.
وعلى صعيد التوجهات الاستراتيجية، تضمن التوجه الاستراتيجي الأول الذي يرمي إلى “تحقيق نمو اقتصادي قوي وشامل ومستدام ومتوازن داعم لنهضة الدولة المصرية” سبعة مستهدفات من بينها مستهدفان لغايات تتعلق بالتعليم، فقد تضمن مستهدف “ترسيخ دعائم نمو قائم على التنمية المكانية المتوازنة والتمكين الاقتصادي للمرأة المصرية” غاية تتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية المكانية والمحلية لسد الفجوة التنموية الجغرافية في المناطق الريفية والحدودية عبر تمكين الفئات ذات الدخل المحدود من الوصول لخدمات الصحة والتعليم.
واشتمل مستهدف “التركيز على وتيرة نمو اقتصادي داعمة للتشغيل لتوفير ما يتراوح بين 7 إلى 8 ملايين فرصة عمل” على غاية تسعى إلى تبني استراتيجية وطنية للتشغيل خـلال الفتـرة (2030-2024) تركـز علـى المواءمـة مـا بيـن مخرجـات التعليـم والتدريـب واحتياجـات سـوق العمـل عبر التغذيـة المرتـدة مـا بيـن المجـالات ذات الطلـب الأعلى علـى العمالـة وأعــداد الخريجيــن والمتدربيــن فــي المجـالات المختلفــة المطلوبـة لســوق العمــل، بما يُسهم في توفير نحو 5 ملايين فرصــة عمــل فــي مشروعات البنية الأساسية ومشروعات قنـاة السـويس، وتوفير نحــو 3 ملايين فرصــة عمــل بالخــارج، ورفع مساهمة القطــاع الخــاص في التشغيل إلــى %90 بحلول عام 2030.
من جهةٍ أخرى، اشتمل التوجه الاستراتيجي الرابع: “اقتصاد تنافسي مستدام قائم على المعرفة” على مستهدفات خاصة بدعـــم دور البحث والـتـطـويـر في بناء نهضة الدولة المصرية من خلال عدد من الغايات التي سيتم تناولها تفصيلًا ضمن مناقشة مستهدفات البحث العلمي.
أتاح التوجه الاستراتيجي الخامس مستهدفات مباشرة للتعليم قبل الجامعي والتعليم الجامعي، هذا بالإضافة الى تضمين غايات للتعليم ضمن مستهدفات الحماية الاجتماعية الشاملة بذات التوجه بهدف زيــادة عــدد إجمالــي الأطفال فــي ســن التعليــم المستفيدين مـن تكافؤ الفـرص التعليميــة دون تحمل تكاليف المــدارس من 5.3 ملايين طفــل عام 2023 إلــى 5.5 ملايين طفــل خلال الفترة من 2024-2030.
أخيرًا، في التوجه الاستراتيجي السابع والمعنون “شبابنا أساس نهضتنا” تم طرح ثلاثة مستهدفات رئيسية تضم عددًا من المستهدفات الفرعية من بينها مستهدف يطمح إلى التحاق 50% من الشباب بالتعليم المستمر، أو التدريب، أو العمل بحلول عام 2030، لتحقيق المستهدف الرئيسي الذي يرمي إلى زيادة مستويات المشاركة الاقتصادية للشباب، ويوضح شكل (1) توزيع مستهدفات التعليم في وثيقة التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري.

شكل (1): مستهدفات التعليم في التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري خلال الفترة من 2024-2030
مستهدفات البحث العلمي
أفردت الوثيقة في توجهها الاستراتيجي الرابع مستهدفًا لدعم دور البحث والتطوير في بناء نهضة الدولة المصرية. وجاء هذا المستهدف في مقدمة التوجه الاستراتيجي وتضمن غايتين أساسيتين هما:
- مضاعفـة الإنفـاق علـى البحـث والتطويـر كنسـبة مـن الناتـج المحلـي الإجمالـي إلـى نحـو ثلاثـة أضـعـاف مسـتوياته الحاليـة والبالغـة 0.96% ليصـل إلـى 3% مـن الناتج المحلي الإجمالي بما يتوافق مع المستويات العالمية.
- الوصـول للترتيـب العالمـي رقـم 50 في مؤشر الابتكار العالمي بحلول عام 2030 عوضًا عن المركز 89 الذي حققته مصر فـي عـام 2022 من بيـن 132 دولـة.
في السياق ذاته، نصّت الوثيقة على أربعة مستهدفات قصيرة الأجل كأولويات عاجلة لدعم البحث العلمي على النحو التالي:
- زيـادة عـدد الجامعـات المدرجـة فـي تصنيـف QS البريطانـي مـن (5) جامعـات عـام 2018 إلـى (15) جامعـة عـام 2024 بزيـاده جامعـة عـن عـام 2023 ولا تـزال مصـر الأعلى تمثيلًا فـي هـذا التصنيـف، حيـث حافظـت مصـر علـى مكانتهـا الرائـدة أفريقيـًا بأعلـى تمثيـل فـي أفريقيـا بـ14 جامعـة مـن بيـن 32 جامعـة أفريقيـة جـرى تصنيفهـا خـلال عـام 2023.
- تكثيف التمويـل الموجه إلـى البحـث العلمـي الإنتاجي الهادف إلـى حـل المشكلات التـي تواجـه القطاعات الاقتصادية والسياسية وعلـى رأسها الصناعة والزراعة.
- توفيـر بيئـة عمـل ملهمة ومحفزة وتشجع على الإبداع والابتكار، واستمرار نجـاح منظومـة التعليـم العالـي وتشـجيع العامليـن بهـا علـى تقديـم أفضـل مـا لديهـم مـن أفـكار وطاقـة لتحقيـق مستهدفات مرحلة التميز المؤسسي للجامعـات وتعزيز ريادتها علـى كافـة المستويات.
- تبنـي الترتيبات اللازمة لتنفيذ توجيهات السـيد الرئيـس بإطلاق مبادرة عقـول المسـتقبل والتـي تحقـق الهـدف المرجـو مـن الاستثمار فـي عقـول الشـباب المصـري ممـن لديـهم القدرات والمهارات للمساهمة فـي بنـاء الجمهوريـة الجديـدة وإيفاد هؤلاء الشـباب للتدريـب بالخـارج فـي مجالات واعدة (الذكاء الاصطناعي – طاقـه متجـددة – الميـاه – ريادة الأعمال والابتكار).
بشكل عام، تعكس هذه المستهدفات حرص الحكومة على تطوير ملف البحث العلمي خلال الفترة الرئاسية الجديدة لكن لا تزال بعض المستهدفات ملتبسة، فالغايات المتعلقة بتحقيق تقدم على الجامعات الأفريقية لا تعد مؤشرًا جيدًا لقياس الأداء بل تحتاج هذه المستهدفات إلى مراجعة نظرًا لقلة عدد الجامعات الأفريقية في التصنيفات العالمية، فقد احتلت 5 دول أفريقية فقط مراكز متأخرة ضمن تصنيف “Times Higher Education” لأفضل الجامعات حول العالم لعام 2023، والذي ضم 1799 جامعة من 104 دول، لذلك سيكون من المفيد أن يتم إعادة النظر حول تنافسية البحث العلمي وتوجيهه إلى منافسة جامعات دول الشرق الأقصى التي استحوذت على 26 مركزًا ضمن أفضل 100 مؤسسة عالمية في تصنيف QS للجامعات العالمية لعام 2023.
مستهدفات التعليم قبل الجامعي
تكونت أبرز المستهدفات الخاصة بالتعليم قبل الجامعي في الوثيقة من (13) مستهدف على النحو التالي:
- زيــادة قيمــة الإنفاق علــى التعليــم قبــل الجامعــي من 861 مليار جنيه في التسع سنوات السابقة إلــى 1.8 تريليون جنيه خلال الفتـرة (2030-2024).
- زيـادة عـدد الفصـول بنحو 105 آلاف فصـل حتـى عـام 2030 ليصل إجمالي عدد الفصـول الجديـدة إلـى 225 ألـف فصـل خلال الفتـرة (2030-2024).
- خفض الكثافة الطلابية إلـى متوسط 35 طالـب/ فصـل بحلول 2030 مقارنة بنحو 45 طالـب/ فصـل خلال عــام 2023.
- تبني مبادرة رئاسية لخفض معدل الأمية إلى ما يعادل الصفر الافتراضي (7%) بحلول عام 2030.
- زيـادة ملموسـة فـي أعـداد المـدارس للارتقاء بمسـتوى التعليـم، حيـث مـن المستهدف تحقيق التالي بحلول 2030:
- زيادة عدد المدارس اليابانية من 81 مدرسة عام 2023 إلى 200 مدرسة عام 2030.
- زيادة عدد المدارس التكنولوجية التطبيقية من 54 مدرسة عام 2023 إلى 140 مدرسة عام 2030.
- زيادة عدد مدارس المتفوقين من 21 مدرسة عام 2023 إلى 50 مدرسة عام 2030.
- زيادة عدد مدارس النيل من 14 مدرسة عام 2023 إلى 150 مدرسة عام 2030.
- زيـادة معدل الالتحاق الصافي بالتعليم الابتدائي إلـى نحـو 109%.
- القضاء على التسرب المدرسي في مرحلة التعليم الأساسي لتصل نسبة التسرب إلى 0%.
- رفـع نسـبة القيـد في مرحلة رياض الأطفــــال (6-4) سـنوات إلـى مـا لا يقـل عـن 80% مقارنـة بنحو 30% فـي العـام الدراسـي 2023/2022.
- ربــط 100% مــن المــدارس المصريــة بالإنترنت للأغراض التعليميــة، وزيادة عــدد المــدارس المتصلة بخدمات الإنترنت فائق السرعة باستخدام تكنولوجيا الألياف الضوئية بنسبة 10% سنويًا.
- توفيـر بيئــة شــاملة داعمة لدمج ذوي الهمم البسيطة بمدارس التعليم قبــل الجامعــي وتطويــر جــودة مــدارس التربيــة الخاصــة بــذوي الهمم الحادة والمتعددة.
- تحسـين ترتيـب مصـر فـي مؤشـر جـودة النظـام التعليمـي مـن المرتبـة 37 فـي عـام 2022 إلـى المرتبـة 20 فـي عـام 2030.
- تحسـين ترتيـب مصـر فـي مؤشـر قـدرة النظـام التعليمـي علـى تلبيـة الاحتياجـات مـن المرتبـة 67 فـي عـام 2022 إلـى المرتبـة 30 فـي عـام 2030.
- تحسـين ترتيـب مصـر فـي مؤشـر القيـد الإجمالـي بالتعليـم الثانـوي مـن المرتبـة 72 فـي عـام 2021 إلـى المرتبـة 30 فـي عـام 2030.
أما مستهدفات الأجل القصير والأولويات العاجلة فقد اشتملت على (7) مستهدفات هي:
- خفض كثافة الفصول بإنشاء وإحلال وتجديد 14 ألف فصل.
- رفع كفاءة البنية التحتية المعلوماتية للمدارس بتوفير 700 ألف تابلت و1000 شاشة ذكية.
- تطويـر التعليـم والتدريـب المهنـي من خلال تطبيق مناهج الجدارات فـي 756 مدرسـة وإقامة 10 مـدارس تطبيقيـة بالمشاركة مـع القطـاع الخـاص، وتطويـر البنيـة التحتية فـي 150 مدرسـة بما يتوافق ومعايير الجودة والاعتماد.
- تحسـين تنافسـية مخرجـات التعليـم قبـل الجامعـي مـن خلال 39 مدرسـة تضـم 823 فصـلا منهـا 31 مدرسـة يابانية و5 مدارس للمتفوقين و3 مدارس دولية حكومية.
- زيـادة مخصصات التعليـم قبـل الجامعـي لتصل الـى 392.4 مليـار جنيـه في موازنة عام 2024/2023
- وفقـًا لموازنـة 2024/2023 مـن المستهدف رفـع دعـم التأميـن الصحـي علـى الطـلاب ليصـل إلـى 386.5 مليـون جنيـه لعـدد 25.8 مليـون طالـب.
- دراسـة تكلفـة تعييـن عـدد 30 ألـف معلـم مسـاعد بتكلفة سنوية تقدر بنحو 1.4 مليـار جنيـه لسـد العجـز فـي المعلميـن مـن خلال مسـابقة تجـرى لهـذا الغرض بمتوسط تكلفة شهرية للمعلـم تقدر بنحو 3800 جنيه.
بناءً على ما سبق، يبرهن وجود مستهدفات للتعليم قبل الجامعي في مقدمة التوجه الاستراتيجي نحو تحقيق حياة ترقى لطموحات المصريين على إدراك الحكومة أن التعليم من أولويات التنمية البشرية للمجتمع المصري وأنه حجر الأساس للحياة الكريمة إلا أن هذه المستهدفات لا زالت لا تلبي متطلبات تطوير المنظومة التعليمية، فعلى صعيد الموارد البشرية، لا تتناسب مستهدفات دراسـة تكلفـة تعييـن عـدد 30 ألـف معلـم مسـاعد مع الاحتياجات الفعلية لسد عجز المعلمين الذي يتخطى 250 ألف معلم بحسب تصريحات وزارة التربية والتعليم، كما أن هذا المستهدف لا يتوافق مع مستهدف زيـادة معدل الالتحاق الصافي بالتعليم الابتدائي الذي يتطلب تعيين عدد أكبر من المعلمين، هذا بالإضافة إلى حاجة المدارس والفصول الجديدة المأمول افتتاحها إلى عددٍ كافٍ من الهيئة التعليمية سواء معلمين أو إداريين.
مستهدفات التعليم الجامعي
احتوت الوثيقة على (6) مستهدفات للتعليم الجامعي ضمن التوجه الاستراتيجي الخامس، وهذه المستهدفات هي:
- دعم الإنفاق على التعليم الجامعي بما لا يقل عن 2 % من الناتج المحلي الإجمالي.
- استكمال تجهيز 16 جامعـة أهلية ودعم المراكز والمشروعات البحثيـة، مـع العمـل علـى تدشين جامعـة تكنولوجيـة بكل محافظة حلول عـام 2030.
- اعتماد مؤسسات التعليم الجامعي مرتين على الأقل من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد.
- دعـم الاستثمار فـي البحـث الأكاديمي وربطه بالصناعـة وخطـط التنميـة واحتياجات المجتمع، وتعزيز الشـراكة مـع القطاعـات المختلفـة، مـن خـلال بيئـة محفـزة وداعمة للتميز والابتكار فـي العلـوم والتكنولوجيا والابتكار.
- ارتفاع تصنيف الجامعات المصرية في تصنيف QS العالمي للجامعـات من 14 جامعة مصنفة للعام الحالي إلى 28 جامعـة.
- نظــام شــامل للمساعدات الماليــة للطـلاب مــن خــلال مزيــج مــن المنــح الدراســية القائمــة علــى الاحتياجات، والقروض الطلابية لدعم السلم الاجتماعي.
في سياق متصل، حددت الوثيقة (4) مستهدفات عاجلة وقصيرة الأجل للتعليم الجامعي على النحو التالي:
- تستهدف خطـة عـام 2024/2023 استكمال تجهيز 16 جامعـة أهلية، تشمل جامعـة الجلالة والعلمين وجامعة الملك سـلمان والمنصورة الجديـدة و12 جامعـة منبثقـة مـن جامعات حكومية بالمحافظات.
- تطوير التعليم الفني والتكنولوجي باستكمال تجهيز 10 جامعات تكنولوجية في 9 محافظات بجانب دعـم المراكز والمشروعات البحثية ومنها استكمال مبنـى الحاضنات التكنولوجية بمعهد بحوث الفلزات واستكمال دراسات وابحاث الجينوم المرجعي للمصريين.
- تضـم مشروعات التعليـم العالـي والبحـث العلمـي 527 مشـروع مـن المتوقـع الانتهاء من57 مشروعًا بنسبة %11.
- زيـادة مخصصات التعليـم العالـي والجامعـي بنحو 40 مليـار جنيـه لتصل إلـى 199.5 مليار جنيـه في موازنة عام 2024/2023.
تدلل مستهدفات التعليم الجامعي بشكل عام على أن الحكومة جادة في ربط مخرجات التعليم بسوق العمل لدعم المشروعات القومية وتنشيط فرص الاستثمار، بيد أن هذه المستهدفات تعتمد على تحقيق التقدم الكمي بشكل أكبر من التطوير النوعي، فاحتياجات سوق العمل تقتضي مراجعة التخصصات العلمية الحالية في الجامعات والمعاهد لتقييم مدى تلبيتها للمهارات والكفاءات التي يحتاجها سوق العمل المحلي والدولي، مما يستوجب النظر في صلاحية وجدارة نظام التنسيق القائم للالتحاق بالجامعات ومدى ملائمته مع منظومة التقييم الحالية في المرحلة الثانوية بالتعليم قبل الجامعي.
دلالات وتوصيات
في ضوء ما تقدم، ثمة دلالات وتوصيات هامة، يمكن تناولها على النحو التالي:
- تراتبية التوجهات الاستراتيجية: يعكس ترتيب التوجهات الاستراتيجية وتقاطعات مستهدفات التعليم بأربع توجهات قدر ومكانة التعليم في أولويات الحكومة خلال الفترة الرئاسية الجديدة، ويبرر ذلك ربط مستهدفات البحث العلمي بدعم الاقتصاد وربط مستهدفات التعليم بغايات الحماية الاجتماعية، ما ينبئ بتغيرات إيجابية غير مباشرة، فزيادة عدد الطلاب المستفيدين مـن تكافؤ الفرص التعليميــة دون تحمل تكاليف المــدارس حتمًا سيترتب عليه تراجع في معدلات التسرب من التعليم، وسيعقبه خفض في بعض الظواهر الاجتماعية السلبية مثل عمالة الأطفال وزواج القاصرات، وغيرها.
- اعتمادية المستهدفات: بعض المستهدفات الخاصة بالتعليم تعتمد نتائجها بشكل مباشر على النجاح في تحقيق مستهدفات أخرى، فخفض معدلات الكثافة الطلابية يرتبط بزيادة أعداد الفصول، وهذه الاعتمادية لا تسري فقط على الشق الكمي بل تنطبق أيضًا على المستهدفات النوعية، حيث يرتبط مستهدف “اعتماد مؤسسات التعليم الجامعي مرتين على الأقل من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد” باستيفاء معايير الاعتماد والتي من بينها جودة البرامج والمشروعات الجامعية، لذلك من الضروري ترجمة المستهدفات إلى خطط تنفيذية بمدى زمني ومؤشرات واضحة لتتبع تطور الأداء الفعلي ومقارنته بشكل دوري بالمقاييس المخطط لها.
- مؤشرات محددة لقياس الأداء: تقيس مؤشرات الأداء تحقق المستهدفات باستخدام البيانات الفعلية القابلة للقياس خلال فترة زمنية محددة، وهذا يتطلب صياغة المستهدفات بشكل دقيق، لذلك تختلف صياغة المستهدفات في الخصائص والمدى الزمني وسلاسل القيمة ومصفوفات المسؤوليات والمهام لأصحاب المصلحة باختلاف موضعها سواء في البرامج والمبادرات والمشاريع والخطط التنفيذية وأيضًا في الاستراتيجيات، وبالرغم من وجود بعض مستهدفات للتعليم في الوثيقة ذات المدى الزمني والمحك المعياري المحدد، إلا أن بعض المستهدفات قد أغفلت تحديد محكات واضحة للقياس فكانت عبارة عن رؤى وجُمَل مرسلة وسردية لا يمكن قياس جودتها أو المدى الزمني لتطبيقها.
- تكامل الجهود وتوحيد السياسات: تحقيق مستهدفات التعليم بشكل عام ومستهدفات التعليم قبل الجامعي بشكل خاص مرهون بوجود جهة محددة لا ترتبط بتغيير المسؤول التنفيذي، يناط بها رسم السياسات وصياغة الاستراتيجيات المناسبة لتطوير منظومة التعليم، ووضع آليات متابعة تنفيذ تلك الاستراتيجيات مع الوزارات والجهات والأجهزة المعنية لضمان تحقيق الأولويات الوطنية في مجال التعليم والتدريب، لذلك يمكن القول بأن مشروع قانون إنشاء المجلس الأعلى للتعليم والتدريب قد آن الأوان لتنفيذه وذلك بعد الأخذ بعين الاعتبار كافة التوصيات الصادرة عن جلسات الحوار الوطني التي ناقشت تعديلات مشروع القانون.