تشهد البيئة الأمنية في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، العديد من المهددات المتنامية، التي ترتبط من جانب بتداعيات الحرب في غزة، والانخراط الحوثي في مسار التصعيد الذي تشهده المنطقة، وما أتبع ذلك من “عسكرة” للتحالفات والتفاعلات التي تشهدها منطقة البحر الأحمر، ومن جانب آخر بتنامي أنشطة الفاعلين المسلحين من دون الدول، والشروع في بناء علاقات تعاونية فيما بينهم، على قاعدة المصالح المشتركة، وكان المثال الأبرز في هذا الإطار مرتبطًا بتنظيم الحوثي في اليمن وعلاقاته المتنامية بكل من تنظيم القاعدة في اليمن المعروف باسم “قاعدة الجزيرة العربية”، وكذا بحركة شباب المجاهدين الصومالية، حيث أشارت تقديرات الاستخبارات الأمريكية إلى وجود تعاون متنامٍ بين الطرفين، الأمر الذي استدعى الوقوف على اتجاهات وحدود هذا التعاون وطبيعة العلاقات التي تربط هذه المليشيات وبعضها ببعض، وتداعيات ذلك على منظومة الأمن الإقليمي.
علاقات متنامية بين “الحوثي” و”قاعدة الجزيرة العربية”
عند مناقشة أبعاد العلاقة بين حركة شباب المجاهدين الصومالية وبين الحوثيين، يجب وضعها في الإطار العام الخاص بعلاقات الحوثيين بتنظيم القاعدة، وأبعاد الرعاية الإيرانية للتقارب بين الطرفين في السنوات الأخيرة، وفي هذا السياق لا يجب إغفال أن تنظيم القاعدة في اليمن المعروف بـ “قاعدة الجزيرة العربية” بات حاليًا الفرع الأقوى لتنظيم القاعدة في منطقة الشرق الأوسط، مما زاد من جاذبية وفرص التقارب بين الطرفين، استنادًا لما يمكن تسميته بـ “الاعتماد المتبادل”، وتحقيق المصالح المشتركة، بما يتجاوز الاعتبارات الأيديولوجية التقليدية التي كانت تحكم العلاقات بين الطرفين على مدار سنوات، وفي هذا الإطار يمكن رصد أوجه وأبعاد التقارب بين الحوثيين من جانب و”القاعدة في الجزيرة العربية” من جانب آخر، في ضوء الاعتبارات والمحددات التالية:
1- رعاية إيرانية للتقارب بين “الحوثي” و”القاعدة”: كانت إيران هي الفاعل الأهم في السنوات الأخيرة على مستوى التقريب بين “الحوثيين” وبين الفرع اليمني لتنظيم القاعدة، وقد بدأت إيران في هذا المسار منذ العام 2015، عندما عقدت مباحثات سرية مع تنظيم القاعدة للإفراج عن بعض الأسرى لديه، ومن بينهم دبلوماسي إيراني، نظير إفراج إيران عن 5 من سجناء التنظيم البارزين الذين كانوا محبوسين لديها، وفي العام 2016 توسطت طهران بين الحوثيين والقاعدة لعقد مجموعة كبيرة من صفقات تبادل الأسرى، بمحافظة البيضاء جنوب شرقي صنعاء، وبمدينة المكلا بمحافظة حضرموت، وقد استمرت هذه الوساطة الإيرانية بين الجانبين حتى اليوم.
ويمكن القول إن الوساطة الإيرانية بين الحوثيين والقاعدة في اليمن، قد استندت إلى مجموعة من الاعتبارات والمحددات الرئيسية؛ أولها: هو السيطرة الكبيرة لإيران عمليًا على الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة “محمد صلاح زيدان” المكنى بسيف العدل، والذي يُقال إنه موجود في إيران، وثانيها: أن قيادة تنظيم القاعدة المركزية انتقلت عمليًا إلى إيران عقب مقتل “أيمن الظواهري” إثر غارة أمريكية في أفغانستان في أغسطس 2022، وثالثها: أنه باستقراء التوجهات الأيديولوجية والعملياتية لزعيم القاعدة الحالي في اليمن سعد العولقي، فإنه أميل لتجاوز الخلافات الأيديولوجية مع الفصائل الموالية لإيران، والتقارب معها على قاعدة “خوض حرب استنزاف ضد الحضور والمصالح الغربية”، مما يعني عمليًا أن هناك تغيرات عملياتية وأيديولوجية جعلت قاعدة اليمن أقرب لما يُعرف بمحور المقاومة، ورابعها: أن إيران كانت تستهدف منذ بدأت في نسج علاقات مع تنظيم القاعدة منذ نهاية التسعينيات، تحييد خطر التنظيم السني الإرهابي الأكثر خطورة عنها، وتوجيهه ضد المصالح والحضور الغربي.
2- “وحدة الأهداف” بين الحوثي والقاعدة في اليمن: كان هناك مجموعة من العوامل والمتغيرات التي شهدتها السنوات الأخيرة في اليمن والتي دفعت باتجاه تنامي المشتركات والأهداف بين القاعدة من جانب والحوثيين من جانب آخر؛ أولها: أن البنية الهيكلية للمجلس الرئاسي اليمني الذي تشكل في 2022، كانت قائمة بشكل رئيسي على أكثر السياسيين اليمنيين انخراطًا في مجال مكافحة الإرهاب، وهما الرئيس “رشاد العليمي” ونائبه “عيدروس الزبيدي”، وثانيها: أن المناطق المحررة التابعة للحكومة الشرعية ومناطق سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي تمثل أهدافًا مشتركة بالنسبة للجانبين، وثالثها: أن مواجهة الحضور والمصالح الغربية في اليمن والمنطقة بشكل عام يمثل أحد المشتركات الرئيسية بالنسبة للجانبين، فمن جانب يعد المحور الغربي العدو الرئيسي للقاعدة تاريخيًا، ومن جانب آخر يمثل هذا المحور حاليًا العدو الرئيسي بالنسبة للفصائل الموالية لإيران، وعلى رأسها الحوثيون، وكان ذلك نقطة التقاء رئيسية بين الجانبين.
3- استعادة “القاعدة في اليمن” لنشاطه العملياتي: قاربت هجمات تنظيم القاعدة في اليمن منذ أواخر العام 2022 وحتى اليوم على الـ 150 هجمة، كان آخرها الهجوم العنيف الذي شنه التنظيم ضد تمركز عسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة أبين في 17 أغسطس الجاري، وقد ركزت هجمات القاعدة بشكل رئيسي على استهداف قوات الشرعية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، وقد شهدت هذه الفترة بالتزامن مع ذلك توقفًا شبه تام للهجمات من قبل التنظيم تجاه الحوثيين، وكانت بعض التقارير قد ذكرت أن “خالد باطرفي” التقى بمجموعة من القيادات العسكرية للقاعدة في اليمن في يناير 2023، وركز اللقاء على “ضرورة تكثيف العمليات شبوة وأبين وحضرموت وعدن، ضد المجلس الانتقالي الجنوبي، مع توجيه القيادات بعدم العمل في مناطق سيطرة الحوثيين”، أيضًا فقد لوحظ أن التنظيم كان مدعومًا بقدرات عسكرية وتسليحية نوعية، بما في ذلك إدخال الطائرات المسيرة إلى منظومة عملياته وعتاده العسكري.
ويُفهم من هذه المؤشرات مجموعة من الدلالات المهمة، أولها: أن أحد انعكاسات التقارب الحوثي مع قاعدة اليمن، تمثلت في تنامي القدرات التسليحية والعسكرية لتنظيم القاعدة، بدليل رصد تقارير استخدام “القاعدة” طائرات مسيرة إيرانية الصنع في عملياته الأخيرة، وثانيها: أن التنظيم شن حملات كبيرة لتجنيد مقاتلين جدد خصوصًا من القبائل العربية الموجودة في الجنوب اليمني، بل إن التنظيم دعا حزب الإصلاح الإخواني في أكثر من مناسبة إلى التحالف معه، وترك معسكر الشرعية، وثالثها: أن تنظيم القاعدة وفي مواجهة أزماته الداخلية الكبيرة خصوصًا عقب خسارة كافة قيادات الصف الأول، وتراجع التمويل والدعم، إثر الضعف العام للتنظيم الأم، وكذا تراجع القدرات العسكرية -لجأ إلى التحالف البراجماتي مع الحوثيين، مما تم ترجمته عمليًا في الحصول على تقنيات خاصة بالمتفجرات، فضلًا عن الطائرات المسيرة والأسلحة الأخرى، ورابعها: أن التنظيم قام في ثنايا هذه الاستراتيجية الجديدة بإعادة بناء وتنظيم صفوفه، وتتحدث بعض الدوائر اليمنية عن أنه جرى تعيين القيادي “أسامة الدياني” كمسئول عن التواصل والتنسيق مع الحوثيين، والحصول على الطائرات المسيرة، جنبًا إلى جنب مع اختيار “ابن المدني” وهي الكنية التي تُطلق على ابن سيف العدل، كمسئول عن العمليات الخارجية للتنظيم سواءً ضد المصالح الغربية أو ضد التحالف العربي، وخامسها: أن تركيز التنظيم في هجماته على المناطق الجنوبية يأتي نظرًا لأهميتها الاستراتيجية كمناطق تُطل على البحر.
4- تغير خطاب “قاعدة اليمن” تجاه الحوثيين: كان لافتًا في الخطاب الإعلامي لتنظيم القاعدة بالجزيرة العربية، والذي يتم بثه عبر مؤسسة “الملاحم” وهي الذراع الإعلامية للتنظيم، أن هذا الخطاب شهد تحولات كبيرة وجذرية على مستوى التعامل مع الحوثيين، وذلك على أكثر من مستوى، أولها: تراجع تقييم تهديد الحوثيين بالنسبة للقاعدة على حساب صعود الخطاب المناهض للإمبريالية والدول الغربية، وثانيها: التراجع عن وصف “الحوثيين” بالأوصاف التكفيرية التقليدية “الروافض” على سبيل المثال، وثالثها: عدم التعرض لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، بل والإشادة بها في بعض الأحيان، وهو خطاب مغاير تمامًا للنهج الإعلامي التقليدي من قبل القاعدة تجاه الحوثيين.
توقيت حرِج
في سياق ما تشهده منطقة البحر الأحمر من هجمات حوثية منذ نوفمبر الماضي، وما تلاه من عودة عمليات القرصنة في السواحل الصومالية، أشارت المخابرات الأمريكية، في 11 يونيو 2024، إلى رغبة الحوثيين في التعاون مع حركة الشباب الصومالية التابعة لتنظيم القاعدة؛ لتوفير أنظمة أسلحة متقدمة لحركة الشباب مقابل توسيع نفوذ الجماعة على عمليات الشحن في مضيق باب المندب. ومن غير الواضح ما نوع الأسلحة التي سيتم تبادلها، ولكن من المرجح أن يقدم الحوثيون لحركة الشباب طائرات مسيرة هجومية أو صواريخ أرض جو.
وتبحث المخابرات الأمريكية عن أدلة حول وجود يد لإيران في هذا الاتفاق المحتمل، فبرغم مشاركة طهران في عمليات مكافحة القرصنة بعد عام 2008، فإن ذلك لم يمنعها من استخدام القراصنة في عمليات تهريب أسلحة لوكلائها في المنطقة، حيث إن الأسلحة الإيرانية كانت تصل إلى الحوثيين عبر القرن الأفريقي، وكان لحركة الشباب دور في إيصالها.
وفي إطار مناقشة الدور الإيراني في هذا التقارب المحتمل، يوجد افتراضان رئيسيان؛ الأول: يذهب إلى أن لإيران دورًا ومصلحة مباشرة في التقارب بينها وبين حركة الشباب وبطبيعة الحال بين الحوثيين وحركة الشباب، ويستند هذا الافتراض إلى بعض الاعتبارات الرئيسية؛ أولها: ما كشفت عنه بعض التقارير الصومالية عن وجود تدفقات للأسلحة من اليمن إلى الصومال، إذ وفقًا لـ “مؤشر الجريمة المنظمة العالمي 2023″، لا يزال الصومال مركزًا حيويًا لتهريب الأسلحة غير المشروعة، حيث زادت التدفقات غير المشروعة للأسلحة من اليمن إلى الصومال في الفترة المشمولة بالتقرير. هذا فضلًا عن رصد وجود أسلحة مضادة للطائرات على متن بعض السفن المختطفة بالقرب من السواحل الصومالية، وثانيها: أنه في عام 2018 كشف تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة، عن ضلوع إيران في تمويل وتسليح حركة “الشباب” ومخالفة العقوبات المفروضة على الحركة، وثالثها: أن إيران قامت في العام 2017 بالحصول على اليورانيوم من المناجم التي تسيطر عليها الحركة، لرفع مستوى أنشطتها النووية، ويمكن أن يلعب الحوثيون وعبر ميناء الحديدة دورًا محوريًا في هذا الإطار، بمعنى أن الميناء قد يتحول إلى ترانزيت بين الجانبين لتبادل الأسلحة والمواد الطاقوية وغيرها.
أما الافتراض الثاني: فهو يذهب إلى استبعاد وجود علاقات بين الحوثيين وحركة الشباب، في ضوء بعض الاعتبارات الرئيسية؛ أولها: عدم وصول الولايات المتحدة الأمريكية إلى أي دليل، وثانيها: اختلاف الجماعتين من الناحية الطائفية، فالحوثيون هم من الشيعة الزيدية، في حين أن حركة الشباب تُعرف بمعارضتها للمذهب الشيعي، كما أنه لم يحدث أي تعاون بينهما في الماضي، ويتصل ثالثها: بأن فرع تنظيم القاعدة المحلي في اليمن، المعروف باسم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (AQAP)، قد أقام سمعته في السنوات العشر الأخيرة على محاربة الحوثيين.
دوافع التقارب
دوافع إيرانية: على مر السنوات الماضية، أبدت طهران اهتمامًا بالوجود في البحر الأحمر وخليج عدن، ومع اندلاع الحرب في غزة، وظفت طهران تلك الحرب لصالح مصالحها هي ووكلائها، وذلك من خلال تزويد الحوثيين بالقوارب المفخخة، والألغام البحرية، كما أشارت بعض المصادر إلى أن قادة ومستشارين من الحرس الثوري الإيراني يقدمون البيانات والمعلومات الاستخباراتية لمساعدة الحوثيين في استهداف السفن في البحر الأحمر، وبالتزامن مع استمرار الهجمات الحوثية، صرح اللواء “يحيى رحيم صفوي”، أحد كبار المستشارين العسكريين للمرشد الأعلى الإيراني في مارس الماضي “أن القوات البحرية والجوية التابعة للحرس الثوري الإسلامي يجب أن تركز على البحر الأحمر والبحر المتوسط، ووصف “صفوي البحرين” بأنهما جزء من العمق الاستراتيجي لإيران، وأنه يجب على طهران وفقًا لذلك زيادة عمقها الاستراتيجي بمقدار 5000 كيلومتر”.
وبناءً على ما تقدم، ترى طهران في وجود موطئ قدم لها في أهم الممرات الدولية، تهديدًا لطرق التجارة العالمية، ومن ثَمّ يعد ورقة ضغط يمكنها استخدامها في مفاوضاتها مع القوى الدولية، لا سيما فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني، حيث إن التعاون بين الحوثيين وحركة الشباب برعاية إيرانية يمكن طهران من السيطرة على باب المندب من الجانبين. علاوة على ذلك، يسمح لطهران بتوفير التدريب اللازم للقراصنة الصوماليين، مع تزويدهم بالمعلومات اللازمة لشن هجمات خارج منطقة خليج عدن وغرب المحيط الهندي، بجانب الهجمات الحوثية.
دوافع حوثية: من غير الواضح أن الحوثيين سيتوقفون عن مهاجمة السفن المارة في البحر الأحمر دون التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، ولذلك قد ترغب الجماعة في التواصل مع حركة الشباب، كونها تابعة لتنظيم القاعدة، المعروف بخبراته القتالية النوعية وقدرته على تنفيذ عمليات انتحارية، وهو ما يفتقر إليه الحوثيون.
علاوة على ذلك، إذا ما انتهت حرب غزة، تريد جماعة الحوثي أن تحافظ على الزخم الذي اكتسبته من خطابها المناهض للكيان الصهيوني، وذلك بعد تراجع شعبيتها في الأوساط اليمنية، وعليه قد ترغب في بناء علاقات مع حركة الشباب، على الرغم من اختلافهم أيدولوجيًا، حتى تتمكن من إعادة التموضع من مجرد جهة فاعلة محلية إلى جهة فاعلة إقليمية، قادرة على تهديد مصالح القوى الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي الأول لإسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، من شأن التوصل إلى صفقة مع حركة الشباب أن يمكن الحوثيين من الحصول على رأس مال لتمويل الأنشطة العسكرية للجماعة، لا سيما في ظل تعقب الولايات المتحدة وحلفائها الأموال التي تصل إلى جماعة الحوثي، وتمتلك حركة الشباب الأصول المالية اللازمة لذلك، فوفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، تحصل الحركة على أكثر من مئة مليون دولار سنويًا من خلال مصادر تمويل متعددة، من قبيل ابتزاز الشركات والأفراد في الداخل، والضرائب، ورسوم الطرق، والتجارة غير المشروعة. هذا إلى جانب العدد الهائل من الكيانات التجارية التابعة لحركة الشباب، والرقابة الحكومية المحدودة على القطاع المالي في الصومال.
دوافع حركة الشباب: إذا ما أُبرمت صفقة بين الحوثيين وحركة الشباب، ستستفيد الأخيرة من الوصول إلى مصدر جديد للأسلحة، بما في ذلك الطائرات من دون طيار، حيث في الوقت الحالي، لا تملك الحركة سوى الصواريخ وقذائف الهاون والعبوات الناسفة محلية الصنع، التي استخدمتها ضد الحكومة الصومالية، بينما تمد إيران الحوثيين بطائرات من دون طيار، كما أن لديهم صواريخ بالستية قصيرة المدى.
هذا إلى جانب رغبة حركة الشباب في استعادة الزخم حولها مجددًا، حيث تجد الحركة في المناخ المضطرب الذي تشهده منطقة القرن الأفريقي الآن، متمثلًا في التوترات بين الصومال وإثيوبيا من ناحية، والهجمات الحوثية على البحر الأحمر من ناحية أخرى، مجالًا حيويًا لتوسيع نشاطها وعملياتها الإرهابية في المنطقة، بما يعزز دورها باعتبارها فاعلًا إقليميًا قادرًا على زعزعة استقرار المنطقة، وهو ما يقوم بدوره بتثقيل مكانتها على الساحة الإرهابية العالمية.
تداعيات عِدة
تعتبر المنطقة الممتدة من جنوب البحر الأحمر إلى شرق خليج عدن واحدة من أبرز مناطق الخطر الرئيسية، وعليه فإن التقارب المحتمل بين الحوثيين من جانب وكلًا من تنظيم القاعدة في اليمن وحركة الشباب الصومالية من جانب آخر، قد ينذر بمزيد من الفوضى والاضطرابات في منطقة البحر الأحمر، جنبًا إلى جنب مع مساهمة ذلك في تعثر جهود تسوية الأزمات في اليمن والصومال، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:
عسكرة المنطقة: لعب الانخراط الحوثي في التصعيد الجاري في منطقة الشرق الأوسط، من بوابة البحر الأحمر، دورًا في زيادة ثقل الجماعة بالنسبة لسياسة إيران البحرية، ولعل هذا ما يفسر رغبتها في تعزيز الصلات بين الحوثيين وكل من تنظيم القاعدة في اليمن وحركة الشباب؛ حتى يتثنى لها الوجود في أهم الممرات البحرية وبالتالي توسيع نطاق نفوذها في المنطقة، إذا ما انتهت الهجمات الحوثية في البحر الأحمر بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وهو الوضع الذي قد تستغله القوى الغربية لبسط هيمنتها على المنطقة، بحجة حماية طرق الملاحة البحرية، خصوصًا في ضوء تثبيت الوجود العسكري والغربي في البحر الأحمر.
وتجلى هذا التوجه من خلال التحركات الدولية إزاء الهجمات الحوثية، فإلى جانب القواعد العسكرية المنتشرة في البحر الأحمر بشكل ملحوظ، قامت الولايات المتحدة بإطلاق عملية “حارس الازدهار”، ردًا على ما قامت به جماعة الحوثي من عرقلة لحركة التجارة العالمية، علاوة على ذلك، قامت الولايات المتحدة وبريطانيا، بتنفيذ هجمات مشتركة ضد مواقع تابعة للحوثيين في اليمن. هذا إلى جانب إعلان عدد من الدول الأوروبية عن إطلاق عملية “أسبيدس” في البحر الأحمر لحماية الملاحة في المنطقة، وذلك في فبراير الماضي. وبالتالي، فإن تنافس القوى الإقليمية والدولية على الوجود في البحر الأحمر، قد يؤدي إلى المزيد من العسكرة للمنطقة، بجانب مزيد من التدخل في شئون الدول الداخلية، وهو ما قد يهدد أمن واستقرار دول المنطقة.
تفاقم الجريمة المنظمة: عقب نجاح المجتمع الدولي منذ عام 2017 في مواجهة القرصنة الصومالية، وبعد أن تراجعت في السنوات الأخيرة، بعدما بلغت ذروتها في عام 2011 عندما شن القراصنة الصوماليون نحو 212 هجومًا، خلقت هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر حالة من عدم الاستقرار البحري، وهو ما مهد الطريق مرة أخرى لعودة أعمال القرصنة قبالة سواحل الصومال، حيث وفقًا لتقرير صادر عن مكتب “بيرو البحري الدولي التابع لغرفة التجارة الدولية The International Maritime Bureau (IMB)”، في أبريل الماضي، تم تسجيل نحو 33 حادثة قرصنة ضد السفن في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، وهذه زيادة مقارنةً بـوقوع 27 حادثة للفترة نفسها في عام 2023. وتعد سواحل البحر الأحمر بيئة خصبة لأنشطة التنظيمات المتطرفة، وإذا ما وُضع في الاعتبار افتراض التقارب الحوثي مع حركة الشباب وكذا تنظيم القاعدة، قد تستغل حركة الشباب الأمن البحري المضطرب لتهريب المخدرات والأسلحة والاتجار بالبشر، جنبًا إلى جنب مع احتمال انخراط كل من “قاعدة اليمن” وحركة الشباب في الهجمات بالبحر الأحمر، خصوصًا وأن الرؤية الأيديولوجية والعملياتية للتنظيمين منفتحة على ذلك، إذ تعد الدول الغربية أولوية وهدفًا رئيسيًا بالنسبة للتنظيمين.
إعادة تصنيف الحوثي كجماعة إرهابية: هددت هجمات الحوثيين التجارة العالمية ومصالح القوى الكبرى، لذلك أعلنت إدارة “جو بايدن” في 17 يناير 2024 تصنيف الجماعة على أنها “كيان إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص (SDGT) Specially Designated Global Terrorist group”، بدلًا من تصنيفها كـ “منظمة إرهابية أجنبية (FTO) Foreign Terrorist Organization”، كما فعلت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، حيث قامت الولايات المتحدة في 16 فبراير 2021 بإلغاء تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية، في محاولة الإدارة الحالية تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمن الذي يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم. إذ أكد البيت الأبيض أن الإجراءات المتخذة ضد الحوثيين لن تشمل شحنات الغذاء والدواء إلى الموانئ اليمنية، والآن ومع احتمالية التنسيق بين أنصار الله وحركة الشباب، المصنفة على أنها منظمة إرهابية أجنبية من قبل الولايات المتحدة، يمكن للإدارة الأمريكية أن تعيد تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، حيث قال المبعوث الأمريكي “تيم ليندر كينج”، في يوليو الماضي، “أن واشنطن تدرس بشكل متزايد رفع تصنيف الحوثيين كتنظيم إرهابي”، وهو ما قد يلقي بظلاله على اليمن، وذلك نظرًا لما يمكن أن تخلقه تلك التصنيفات من عقبات تحول دون وصول الشعب اليمني إلى السلع الأساسية مثل الغذاء والوقود.
تنامي أزمات الداخل اليمني والصومالي: إلى جانب التهديدات المرتبطة بالأمن البحري، والبيئة الأمنية في منطقة البحر الأحمر، يُنذر التقارب الحوثي مع قاعدة اليمن وحركة الشباب الصومالية، بإضفاء المزيد من التعقيد على المشهد في كلٍ من اليمن والصومال، فمن جانب يدفع التعاون الحوثي مع تنظيم القاعدة إلى إعادة البلاد إلى مربع العنف، والدفاع باتجاه تنامي المواجهات مع قوات الشرعية اليمنية، والرهان على الحل العسكري بدلًا من التسوية السياسية، ومن جانب آخر يدفع التعاون الحوثي مع حركة شباب المجاهدين باتجاه زيادة الثقل العسكري لحركة الشباب من خلال الأسلحة التي ستصل إلى التنظيم عبر الأراضي اليمنية والبحر الأحمر، بما يفتح شهية التنظيم لتنفيذ هجمات أوسع في الأراضي الصومالية وتوسيع نفوذه.
ختامًا؛إن الحديث عن تنامي العلاقات بين كل من الحوثيين وتنظيم القاعدة في اليمن، وحركة الشباب في الصومال، يأتي في إطار تعاظم دور الفاعلين المسلحين من دون الدول في المشهد الإقليمي، بما يدفع باتجاه العديد من التداعيات السلبية، أولها: إضفاء المزيد من التحديات على منظومة الأمن الإقليمي، وثانيها: تهديد الأمن البحري وخصوصًا في منطقة البحر الاحمر، وثالثها: زيادة الصعوبات التي تواجهها مساعي التسوية السلمية والسياسية الشاملة للأزمات في بعض دول المنطقة، كما أن هذه المتغيرات تفرض تساؤلات وإشكاليات مرتبطة بمدى فاعلية المقاربات الدولية للتعامل مع الفاعلين المسلحين من دون الدول في الشرق الأوسط وأفريقيا.