في الثامن والعشرين من أغسطس 2024، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية في الضفة الغربية أطلق عليها اسم “المخيمات الصيفية”، والتي وصفها الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي “سرايا القدس”بـ “رعب المخيمات”، والتي استهدفت مدن جنين وطولكرم وطوباس ومخيماتها الواقعة في شمال الضفة الغربية، إلى جانب اقتحام نحو 150 جندي إسرائيلي لمخيم شعفاط في القدس، وذلك في عملية تُعد هي الأوسع منذ عملية “السور الواقي” في 2002 إبان انتفاضة الأقصى، قد تستمر لأيام أو لساعات، وذلك قبل أن تنسحب القوات الإسرائيلية في الـ30 من أغسطس من مخيمات الفارعة جنوب طوباس ونور شمس وطولكرم في مدينة طولكرم، وفي السابق من مخيم شعفاط، بينما لا يزال الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جنين بعدما قرر الجيش الإسرائيلي تمديد عملياته هناك في 4 سبتمبر، بينما عادت القوات الإسرائيلية مرة أُخرى إلى طولكرم في 2 سبتمبر، لتسفر العمليات حتى يوم 4 سبتمبر عن مقتل نحو 33 فلسطينيًا وإصابة 130 آخرين، واعتقال نحو 110 أشخاص.
وبالتزامن مع الاقتحامات الإسرائيلية، نفذ عدد من عناصر المقاومة، عمليات هجومية فردية في عدد من مناطق الضفة الغربية كالعملية المزدوجة الواقعة في مستوطنتين “جوش عتصيون” و”كرمي تسور” شمال مدينة الخليل في جنوب الضفة يوم 30 أغسطس، والتي أسفرت عن مقتل 3 عسكريين إسرائيليين، قام على إثرها الجيش الإسرائيلي بتطويق مدينة الخليل وإقامة حواجز عسكرية على مداخلها وبلداتها وقُراها ومخيماتها، كما أغلقت عددًا من الطرق الرئيسية والفرعية بالبوابات الحديدية والمكعبات الإسمنتية والسواتر الترابية، إلى جانب إغلاق الحرم الإبراهيمي، بالبوابات الحديدية والمكعبات الإسمنتية استعدادًا لعمليات متوقعة، وهو ما يدفع للتساؤل بشأن الأهداف الإسرائيلية من تنفيذ عملية المخيمات الصيفية وحدود الاختلاف بينها وبين عملياتها العسكرية السابقة في الضفة، والتداعيات الخطرة لهذا التصعيد؟.
انطلاقًا مما سبق، يهدف المقال لمناقشة التكتيكات القتالية الإسرائيلية في عملية المخيمات الصيفية، والتي منحتها قدرًا من التميز عن هجماتها السابقة، إلى جانب مناقشة الأهداف المعلنة والخفية التي تقف وراء التصعيد الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية، وأبرز التداعيات الناجمة عن المخيمات الصيفية.
أولًا: المخيمات الصيفية: دوافع التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية وتكتيكاته
إن عملية “المخيمات الصيفية” الإسرائيلية ليست الأولى لتل أبيب في الضفة الغربية، فمنذ الـ7 من أكتوبر، وتشهد الضفة الغربية تصاعدًا في عمليات الاقتحام والقتل والاعتقال الإسرائيلي، هذا إلى جانب إطلاق تل أبيب يد المستوطنيين في الضفة عبر تنفيذ سلسلة من الاعتداءات التي تخدم الأجندة الإسرائيلية بأهدافها الخفية، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 660 فلسطينيًا وإصابة نحو 5 آلاف، واعتقال أكثر من 10 آلاف. فالتصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية يعود في حقيقه الأمر منذ تولي حكومة نتنياهو الأكثر تطرفًا في ديسمبر 2023، لكن تفردت عملية المخيمات الصيفية لاعتبارات تتعلق بالسياق المحلي والإقليمي على وقع الحرب في غزة، وما اعتمدته تل أبيب من تكتيكات قتالية، مدفوعة بحزمة من الأهداف المعلنة والخفية يُمكن مناقشتها على النحو التالي:
1- تكتيكات المخيمات الصيفية: إعادة تطبيق نموذج غزة
تفردت عملية المخيمات الصيفية في عدد من النقاط التي تكشف في مجملها عن محاولة تل أبيب لفرض وقائع ميدانية جديدة، تُعيد في تكتيكاتها تطبيق نموذج عمليات غزة في الضفة الغربية؛ أولها: ضخامة التجهيزات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، حيث إن العملية تتم بمشاركة ثلاثة ألوية تعمل في عدة مواقع في آن واحد، تشمل وحدة المستعربين و لواء كفير الذي يضم 5 كتائب، منها 4 قتالية إلى جانب كتيبة استطلاع، إلى جانب مشاركة سلاح الجو، وجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شاباك)، بالإضافة إلى استخدام مروحيات والطائرات غير المأهولة ومقاتلات على نحو واسع، بعدما رفع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الحظر على استخدام المقاتلات في الضفة الغربية قبل نحو شهرين، مع تنفيذ اقتحامات مكثفة على الأرض.
أما بالنسبة لثاني النقاط فتتمثل في قيام تل أبيب بتدمير البنية التحتية للمناطق المستهدفة بما يجعلها غير صالحة للعيش مرة أخرى، والذي تضمن تجريف الشوارع وحصار مستشفيات المدن الثلاثة تمهيدًا لاقتحامها، مع قطع الطرق المؤدية إليهم، وتدمير خط المياه الرئيسي بمخيم نور شمس بمدينة طولكرم، وتهيئة كافة الظروف التي تدفع الفلسطينيين للنزوح قسرًا من مناطق العمليات. وبالفعل نزح بعض الفلسطينيين من الحي الشرقي في مدينة جنين، بينما تمسك البعض الآخر بمنازلهم مثل سكان مخيم نور شمس الذين رفضوا مهلة المغادرة الطوعية التي منحهتا لهم القوات الإسرائيلية، بينما وردت معلومات بشأن إخلاء جبري للفلسطينيين من منازلهم، وإحلال جنود الاحتلال محلهم، وتحويل منازلهم إلى ثكنات عسكرية.
بينما تتضمن ثالث النقاط المواجهات العسكرية لكتائب المقاومة بما في ذلك كتائب القسام وسرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى للقوات الإسرائيلية، بتنفيذ كمائن وعمليات نوعية أكثر تعقيدًا تكشف عن تطور قدراتها القتالية، بدلًا من الاشتباكات اللحظية، تتضمن مواجهات مباشرة وعمليات رصد وتتبع على غرار تكتيكات المقاومة في غزة.
2- ما بين المعلن والخفي: الأهداف الإسرائيلية من عملية المخيمات الصيفية
تتعدد الأهداف التي تقف وراء تنفيذ الجيش الإسرائيلي اقتحامات لمدن ومخيمات جنين وطوباس وطولكرم في شمال الضفة الغربية، بالتزامن مع اقتحامات متزامنة في مدينة الخليل في جنوب الضفة، والتي تتراوح ما بين المعلن والخفي، يُمكن مناقشتها على النحو التالي:
1- الأهداف الإسرائيلية المعلنة: تتعدد الأهداف الإسرائيلية التي تروجها تل أبيب في المنصات الإعلامية، والتي يتمثل أبرزها؛ الحديث عن الدور الإيراني في دعم مجموعات المقاومة الفلسطينية، وإنشاء جبهة ضد إسرائيل في الضفة الغربية، على غرار غزة ولبنان، جراء ما تقدمه من تمويل وتسليح للمقاتلين، وهو ما يخدم سياسات إسرائيلية أوسع لمواجهة “التهديد الإيراني” في المنطقة كاغتيال شخصيات بارزة مثل العميد خليل المقدح شقيق القيادي في حركة فتح منير المقدح، ومسئول كتائب شهداء الأقصى في لبنان، والقيادي في حركة فتح “فراس قاسم” اللذين تتهمهما إسرائيل بتورطهم في تهريب أسلحة ودعم عمليات ضد إسرائيل، وهو ما فرض على الجيش الإسرائيلي حتمية المواجهة والتعامل مع التهديد بتكتيكاته نفسها في قطاع غزة، بما في ذلك الإجلاء المؤقت للسكان، في محاولة إسرائيلية لكسب دعم المجتمع الدولي لعملياتها في شمال الضفة الغربية، والتي من المحتمل تمددها إلى وسط وجنوب الضفة.
أما بالنسبة لثاني الأهداف المعلنة والمبررة فتتمثل في رغبتها في تفكيك شبكة كتائب المقاومة المؤلفة من نحو 40 كتيبة، والعثور على العبوات الناسفة الثقيلة، والصواريخ النوعية والأسلحة المهربة من إيران-وفق المنظور الإسرائيلي- وذلك في ظل المخاوف الإسرائيلية من إعادة تكرار سيناريو هجوم الـ7 من أكتوبر من شمال الضفة الغربية تجاه المستوطنات المحيطة بها، في حين تذهب بعض التقديرات الإسرائيلية إلى أن الهجوم قد ينطلق من مدينة طولكرم، خاصة بعدما سجلت عمليات المقاومة زيادة نحو 5 مرات في السنة السابقة على هجوم الـ7 من أكتوبر، 70% منها نفذتها كتائب المقاومة في جنين ونابلس وطولكرم (بنك أهداف عملية المخيمات الصيفية).
فلقد برزت في الآونة الأخيرة في مخيمات ومدن الضفة الغربية عدة كتائب تشكلت من مقاومين ينتمون لتيارات سياسية متنوعة، مثل كتائب “عرين الأسود” و”الاستجابة السريعة” وطولكرم وجنين، ناهيك عن عناصر مقاومة لا تنتمي لأي تيارات سياسية، جميعها نجحت في تنفيذ عمليات فردية وفصائلية. تنوعت تكتيكاتها القتالية ما بين الهجوم المباشر بإطلاق النار، وعمليات الطعن المخطط لها، والهجمات بالسيارات، والكمائن المزدوجة، وقع البعض منها في العمق الإسرائيلي. فوفق إحصاءات جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك”، وقع في العام 2023، نحو 1,245 هجومًا من شمال الضفة الغربية، منها 255 مصنفة كهجمات كبيرة، بينما كان هناك 435 هجومًا ضد أهداف تابعة للجيش الإسرائيلي. كما أفادت الإحصاءات الإسرائيلية مقتل 24 إسرائيليًا منذ هجوم الـ7 من أكتوبر.
علاوة على ذلك، اعتمدت عناصر المقاومة على العبوات الناسفة كسلاح رئيسي ومهم في تنفيذ عملياتها، لا سيما بعدما سجلت خطوات متقدمة في صناعة عبوات ناسفة شديدة الانفجار يصل وزنها إلى 40 كيلوغرام من المتفجرات، مع استخدام مواد جديدة في تركيبها، مكنتها من تدمير آليات محصنة، وهو ما كان له دور في إعادة تل أبيب صياغة وتعديل استراتيجية هجماتها على المخيمات والمدن في الضفة الغربية مثل رفع عدد قواتها في الضفة في يونيو 2023 بنقل نحو 4 كتائب، ثم نشر ألوية كاملة ومجهزة عقب الـ7 من أكتوبر، بالإضافة إلى مشاركة وحدات أكثر من الهندسة والاستخبارات تكون مهمتها كشف هذه العبوات وتفكيكها. يُضاف إلى ذلك، أن عناصر المقاومة طورت من أسلحتها التي لم تعد مقتصرة على مسدسات فردية وبدائية، بل بنادق متطورة وأخرى مطورة وذخيرة بعشرات آلاف الرصاصات.
ومن ثَمّ، يأتي هدف تفريغ شمال الضفة من عناصر المقاومة أحد الأهداف الرئيسية لتل أبيب من تصعيدها كسبيل لتأمين ظهير إسرائيل في الضفة الغربية. بل إن الدعوات التصعيدية التي أطلقها قادة حركة حماس (خالد مشعل) بتنفيذ عمليات انتحارية في كل الأراضي الفلسطينية لصد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، والتي سبقها تنفيذ حماس عملية عسكرية بالتعاون مع حركة الجهاد في تل أبيب في 18 أغسطس، منحت غطاءً شرعيًا للحكومة الإسرائيلية بتنفيذ عملية المخيمات الصيفية، بالتزامن مع تنفيذ عمليات متزامنة ومتقطعة في عدد من مناطق الضفة الغربية مثلما هو الحال في الخليل والقدس.
2- الأهداف الخفية من عملية المخيمات الصيفية: على الجانب الآخر، هناك عدة أهداف خفية من تنفيذ تل أبيب تصعيدها العسكري في شمال الضفة الغربية، أبرزها؛ تأمين الظهير الإسرائيلي في الضفة الغربية من مخاطر المقاومة، إما في ضوء العمليات الاستباقية لحماية وتأمين المستوطنين، وإما في ضوء حديث البعض بأن اشتداد الصراع على الجبهة اللبنانية يفرض على الحكومة الإسرائيلية حتمية شن عملية عسكرية ضد حزب الله في جنوب لبنان، وهو ما لا يُمكن تحقيقه في خضم ما تواجهه تل أبيب من مخاطر أمنية في الضفة الغربية باعتبارها نقطة انطلاق أساسية لعمليات المقاومة في كافة ربوع الأراضي المحتلة والتي وصلت لحد تل أبيب، وبالتالي تذهب التقديرات الأمنية الإسرائيلية إلى أنه لا يُمكن الذهاب إلى جنوب لبنان دون اجتثاث جذور المقاومة في الضفة الغربية، وهو ما استدعى تنفيذ عملية المخيمات الصيفية، إلى جانب نقل قوات من شمال إسرائيل إلى الضفة الغربية حتى تتمكن من السيطرة على الوضع الأمني.
أما بالنسبة لثاني الأهداف الخفية فتتمثل في التحول من مرحلة إدارة الصراع إلى مرحلة حسم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فمن بعد غزة-المعضلة الأبرز لإسرائيل- تُعد الضفة الغربية ساحة رئيسية لحسم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وبالتالي اعتمدت على سياسة متعددة الأدوات ترمي نحو القضم التدريجي للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي السياسة التي سرعت حكومة نتنياهو من تنفيذها قبل الـ7 أكتوبر وبعده تحت دعوى حماية أمنها القومي وأمن مواطنيها من مواجهة سيناريو الهجوم نفسه، وذلك بإطلاق يد نحو 850 ألف مستوطن في الضفة الغربية بممارسة كافة أنماط الاعتداءات من قتل واعتداءات وبناء مستوطنات وبؤر استيطانية بحماية من الحكومة الإسرائيلية، لا سيما في المنطقة ج التي تُشكل نحو60% من مساحة الضفة، بما يدفع الفلسطينيين إلى التهجير والنزوح قسرًا. فلقد أظهر تقرير جديد نشرته شبكة «بي بي سي» البريطانية ارتفاعًا شديدًا وسريعًا في عدد البؤر الاستيطانية «غير القانونية» في الضفة الغربية، خلال السنوات الأخيرة، وأن هناك ما لا يقل عن 196 بؤرة استيطانية في جميع أنحاء الضفة، تم إنشاء 29 منها العام 2023، وهو رقم أكبر مما شهدته المنطقة في أي عام سابق.
ثانيًا: تداعيات التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية
إن التصعيد الإسرائيلي العالي الحدة للمرة الأولى منذ العام 2002، وعلى وقع الحرب المستمرة على غزة يُنذر بتداعيات خطرة على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي أمنيًا واقتصاديًا، يُمكن تناول أبرزها على النحو التالي:
1- ارتفاع وتيرة عمليات المقاومة الفلسطينية
إن أحد أبرز وأهم التداعيات الناجمة عن التصعيد الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية، هو زيادة عدد عمليات المقاومة التي تستهدف مستوطنات أو تمركزات عسكرية أو مناطق حيوية إسرائيلية، فحتى يوم 2 سبتمبر نفذت عناصر المقاومة رابع عملية لها في مدينة الخليل تمثلت في هجوم ناري على موقع للجيش الإسرائيلي قرب الحرم الإبراهيمي، كما أعلن الجيش الإسرائيلي عن إحباط تفجير سيارة مفخخة كانت متوقفة على مفترق يتبع لمستوطنة عطريت شمال غربي رام الله يوم 2 سبتمبر، كثالث عملية يُستخدم فيها سيارة مفخخة في المنطقة، بعد انفجار سيارتين مفخختين يوم 30 أغسطس في مستوطنة “غوش عتصيون” الاستيطانية أعلنت كتائب القسام مسئوليتها الكاملة عنهما، وهو ما قد يدفع إسرائيل إلى إعلان شمال الضفة الغربية منطقة عمليات أمنية عسكرية، مثلما أوضحت صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية”، على غرار الوضع في غزة، والتي يتمثل أحد ملامحها في الإعلان عن إخلاء مناطق سكانية وتوفير مناطق إنسانية على غرار الوضع في غزة.
يُضاف إلى ذلك، ليس من المستبعد أن تتعدد محاولات المقاومة لتنفيذ عمليات تستهدف قلب تل أبيب في ظل ما حققته من تطور في قدراتها العسكرية، على غرار عملية انفجار تل أبيب التي وقعت في منتصف أغسطس وأعلنت كتائب القسام، وسرايا القدس، مسئوليتهما عنها، والتي تبعها إعلان حماس استئناف عملياتها في المدن الإسرائيلية، وهو ما يُنذر بتصعيد في عمليات المقاومة، لا سيما عقب تنفيذ هجوم المخيمات الصيفية، وهو ما يمنح القوات الإسرائيلية فرصة لتنفيذ هجوم في جنوب الضفة وفي رام الله على غرار المخيمات الصيفية، وهو ما تم الإشارة إليه في الإعلام الإسرائيلي كموقع “والا” الإسرائيلي يوم 4 سبتمبر بالحديث عن إمكانية شن عملية واسعة أخرى في جنوب الضفة الغربية.
2- خسائر مشتركة: تضرر الاقتصادين الإسرائيلي والفلسطيني
إن الحرب الإسرائيلية على غزة، ورفع التصعيد في الضفة الغربية، إلى جانب المناوشات العسكرية في شمال إسرائيل مع حزب الله في جنوب لبنان، له تداعيات خطرة ليس فقط على الاقتصاد الإسرائيلي، وإنما كذلك على الاقتصاد الفلسطيني في ظل التشابك العميق بين الاقتصادين. فلا يُمكن إخفاء الأضرار الحادة على الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة الحرب على قطاع غزة والتصعيد في شمال البلاد، والمتوقع تفاقمها مع تصعيد تل أبيب عملياتها في الضفة الغربية؛ حيث أنفقت إسرائيل نحو 88 مليار شيكل (نحو 24 مليار دولار) على الحرب حتى 27 أغسطس 2024، بما يعادل 5% من الناتج المحلي الإجمالي، كما جمعت أكثر من 190 مليار شيكل حتى يوليو للمساعدة في تمويل الجيش وسد العجز المالي، وإذا استمر هذا النمط، فإن الاقتراض لهذا العام سيحطم الرقم القياسي الذي سجل خلال جائحة كورونا عام 2020، وذلك وفق صحيفة بلومبرغ.
يُضاف إلى ذلك، ارتفع العجز إلى 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة (يناير- يوليو) 2024، بينما تتوقع وزارة المالية والبنك المركزي أن يبلغ إجمالي العجز الكلي لعام 2024 حوالي 6.6%، بالإضافة إلى تسجيل الاقتصاد الإسرائيلي نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023 بنسبة 2% فقط، بينما يتوقع بنك جي بي مورجان تشيس أن يبلغ إجمالي نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.4% فقط هذا العام، وهو يفسر في مجمله سبب تصنيف وكالة فيتش للتصنيف الائتماني الاقتصاد الإسرائيلي عند المستوى السلبي، والذي يعني إمكانية خفضه مرة أخرى.
أما بالنسبة للتداعيات السلبية على الاقتصاد الفلسطيني، فيُعاني الأخير بالفعل قبل اندلاع الحرب على غزة، في ضوء ما تفرضه الحكومة الإسرائيلية من قيود مالية وحصار اقتصادي أسفرت عن غلق المحال التجارية ونقص المنتجات والأموال، والتي تفاقمت بطبيعة الحال عقب هجوم الـ7 من أكتوبر، مع زيادة العقوبات والخناق الاقتصادي على السلطة الفلسطينية والتي تمثل أحد ملامحها في إلغاء تل أبيب 160 ألف تصريح عمل في إسرائيل من الضفة الغربية، مع محاولة الأخيرة للاستعانة بالعمالة الهندية والصينية بدلًا من الفلسطينية، إلى جانب حجب أموال المقاصة عن السلطة الفلسطينية البالغة نحو 6 مليارات شيك؛ مما دفع السلطة الفلسطينية إلى تخفيض الرواتب وتقليص أعداد العاملين، وترتب عليه ارتفاع معدلات البطالة والفقر والتضخم في الضفة الغربية، ناهيك عن تسجيل الموازنة عجزًا بنسبة 172%.
فوفق منظمة العمل الدولية، من المتوقع أن يرتفع معدل البطالة في الربع الأول من العام 2024 بنسبة تتراوح ما بين (11%- 35%) على أساس سنوي، بينما تُقدر الأمم المتحدة حدوث انتكاسة في التنمية البشرية تتراوح بين 13 و16 عامًا. يُضاف إلى ذلك، سجل الاقتصاد الفلسطيني انكماشًا بنسبة 35% في الربع الأول من العام 2024، ليخسر حوالي 500 ألف وظيفة منذ بداية الحرب في غزة، مع خروج 35 ألف منشأة تجارية في الضفة الغربية عن الخدمة.
وبخلاف أن الضغوط الإسرائيلية الاقتصادية على السلطة الفلسطينية تُهدد بانهيارها وبالتالي خسارة الحكومة الإسرائيلية شريكًا أمنيًا لضبط الاستقرار والأمن في الضفة الغربي، فإن ما تمارسه تل أبيب من خنق للاقتصاد الفلسطيني، بالتزامن مع التصعيد العسكري في شمال الضفة، والتي من المرشح تمددها إلى باقي مناطق الضفة، يخلق بطبيعة الحال بيئة مثالية لتجنيد مزيد من عناصر المقاومة، وتحفيزها على تنفيذ العديد من العمليات داخل الضفة وفي قلب تل أبيب.
نهاية القول، تحمل عملية المخيمات الصيفية العديد من عناصر التفرد والدلالات الكاشفة عن اتجاه الحكومة الإسرائيلية لحسم الصراع الفلسطيني وفق الأجندة اليمينية المتطرفة ووفق المصالح السياسية الشخصية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو ينطوي على خطورة بالغة على الأمنين الفلسطيني والإسرائيلي من جانب، وعلى أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط بأكملها من جانب آخر؛ فالقضية ليست مقتصرة على الانتهاكات الإنسانية في قطاع غزة، وإنما تتعلق بحلقة ضمن سلسلة حلقات من المخطط الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير و القتل، حيث كانت غزة بالأمس، والضفة الغربية اليوم.