في خضم التصعيد في الضفة الغربية واستمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وقعت في يوم 8 سبتمبر حادثة هي الأولى من نوعها منذ هجوم الـ7 من أكتوبر، تمثلت في إطلاق نار في منطقة للبضائع التجارية الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، في معبر الكرامة الرابط بين الأردن والضفة الغربية، وبالقرب من جسر الملك حسين، بينما أفادت التحقيقات بأن سائق الشاحنة أردني، وأنه عندما وصل إلى المعبر أطلق الرصاص على عدد من الإسرائيليين؛ مما أسفر عن مقتل 3 من قوات الأمن الإسرائيلية، وإصابة عدد من العمال في الموقع، بينما تم تحييد منفذ العملية، وهو ما يدفع للتساؤل حول دلالات عملية معبر الكرامة في ضوء التصعيد المندلع في الضفة الغربية واستمرار الحرب على غزة ؟. انطلاقًا مما سبق، تهدف المقالة إلى مناقشة عدة ملاحظات كشفت عنها عملية معبر الكرامة، وما اتخذته تل أبيب من إجراءات سريعة ومؤقتة لضبط حدودها مع الأردن.
أولًا: ملاحظات عملية معبر الكرامة
هناك عدة ملاحظات/ دلالات تأتي انعكاسًا لعملية معبر الكرامة التي تُعد هي الأولى من نوعها منذ عملية الـ7 من أكتوبر، يُمكن مناقشتها على النحو التالي:
- الأردن.. الحاضنة الشعبية للقضية الفلسطينية
على الرغم من الدافع الفردي من تنفيذ عملية معبر الكرامة من قبل أردني، والتي لاقت ترحيبًا من حركة حماس التي وصفته بالعمل البطولي الذي جاء ردًا على الهجمات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي غزة، فإن العملية تكشف عن أمرين رئيسيين؛ أولهما: الحاضنة الشعبية الأردنية للقضية الفلسطينية، فهجوم معبر الكرامة الذي جاء على يد شخص أردني، إلى جانب ما يشهده الشارع الأردني من مظاهرات متواصلة منذ أكتوبر 2023 تضامنًا مع الفلسطينيين، تأتي كحقائق عاكسة لنبض الشعب الأردني المتعاطف والداعم للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، بما يُشير إلى عدم تغير مكانة القضية الفلسطينية في نفوس الشعب الأردني، وأنها لا تزال تحتل أولوية ومكانة بارزة في الوعي الجمعي الشعبي الأردني، وكذلك العربي في إطار ما يُمكن وصفه بـ” وحدة الساحات الشعبية” في المحيط العربي.
أما بالنسبة للأمر الثاني الخاص بترحيب حركة حماس بالهجوم، فهو يكشف عن محاولة الحركة لتوظيف الهجوم للترويج بأنه يأتي ردًا على الهجمات الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة، ودعمًا للمقاومة الفلسطينية، ولحركة حماس على وجه التحديد في حربها مع القوات الإسرائيلية، في محاولة لاستعراض الحركة لنفوذها داخل المجتمع الأردني، وأن لديها القدرة على تحريكه وحشده على الحدود مع إسرائيل وإثارة الفزع في الداخل الإسرائيلي من أي تجمعات احتجاجية داعمة لفلسطين، في إشارة لما سبق وأن أطلقته الحركة وبدعم من جبهة العمل الإسلامي” الأردنية التابعة لجماعة “الإخوان المسلمين” من دعوات للشارع الأردني لتنظيم احتجاجات تضامنًا مع غزة خلال الفترة (مارس- أبريل) 2024، حاولت من خلالها اختطاف حركة الشارع الأردني الثائرة دعمًا لغزة، وتجييشه ضد السلطة الأردنية، إلى جانب ضم الجبهة الأردنية، إلى ساحة التوتر الإقليمي المشتعلة على وقع الحرب على غزة (لبنان واليمن وسوريا والعراق) بشكل يهدد أمن واستقرار الدولة الأردنية، وهو ما لاقى رفضًا أردنيًا قاطعًا.
- سلاح المعابر.. تضييق الخناق الإسرائيلي على الضفة الغربية
يُعد معبر الكرامة النافذة الرئيسية للشعب الفلسطيني نحو الأردن والعالم، وبوابة مهمة لدخول المساعدات إلى الشعب الفلسطيني؛ مما يجعل منه شريان حياة لسكان الضفة وللفلسطينيين. وتخضع إدارة المعبر للسلطة الإسرائيلية لكن لا يحق للإسرائيليين المرور عبره، وبالتالي منحت العملية لتل أبيب فرصة ذهبية لغلق المعبر، واستحكام خنق سكان الضفة الغربية، تزامنًا مع عملياتها العسكرية المندلعة منذ 28 أغسطس في مدن ومخيمات شمال الضفة، والتي شملت إلى جانب عمليات القتل والاعتقال، تدمير البنية التحتية من طرق وشبكات كهرباء ومياه، ومبانٍ سكنية ومستشفيات، في تكتيك يُعيد تطبيق نموذج عمليات غزة في الضفة الغربية.
ومن ثَمّ، وعلى غرار غلق تل أبيب معبر رفح في غزة عقب استهداف عناصر المقاومة للقوات الإسرائيلية المتمركزة عند المعبر تزامنًا مع اقتحام الأخيرة لمدينة رفح، منحت الحادثة لتل أبيب شرعية أمام المجتمع الدولي لغلق معبر الكرامة بعدما أعادت القوات الإسرائيلية مجموعة حافلات تنقل مسافرين فلسطينيين إلى الأردن عقب الحادثة، مع تشديدها للإجراءات العسكرية على حاجزها العسكري عند المدخل الشرقي لمدينة أريحا التي تقع على بعد 5 كيلومترًا من المعبر، وبالتالي تضييق الخناق على سكان الضفة وعزلهم عن محيطهم الجغرافي.
فلقد أوضحت النقابة الوطنية الفلسطينية لعمال النقل بأنه منذ إغلاق معبر الكرامة وهناك نحو 300 شاحنة لنقل البضائع تدخل يوميًا إلى الضفة قد تصل في بعض الأحيان إلى 700 شاحنة معلقة، نصفهم مخصص لنقل الإسمنت، إلى جانب الخضار والفواكه والمواد الأولية ومدخلات الإنتاج إلى مدن الضفة. كما أوضحت النقابة أن المعبر يُشكل مصدر رزق لنحو 300 سائق باتوا عاطلين عن العمل، ناهيك عن تضرر عشرات العمال الفلسطينيين داخل المعبر، والتجار وكذلك مئات المستفيدين، وهو ما كان له صدى داخل أسواق الضفة مع تسجيل نقص العديد من السلع والمنتجات، وارتفاع أسعارها.
- خلق إسرائيل جبهة دولية ضد إيران وتوحيد الداخل الإسرائيلي
عملت إسرائيل على توظيف عملية المعبر لخلق جبهة دولية داعمة لتل أبيب ضد إيران، انعكست في ما أطلقه قادة تل أبيب العسكريون والسياسيون من اتهامات لطهران بأنها الداعم الرئيسي لعناصر المقاومة في غزة والضفة الغربية، وأنها السبب فيما يشهده الإقليم من فوضى وعدم استقرار إثر توظيفها وكلاءها الإقليميين في إثارة الفوضى وعدم الاستقرار، ناهيك عما أطلقه وزير الخارجية الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” من اتهامات لطهران بمحاولة إنشاء جبهة إرهابية شرقية ضد إسرائيل عبر الأردن، تزامنًا مع العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية، مُضيفًا “أن الحرس الثوري الإيراني يُهرب الأسلحة من سوريا إلى الأردن “في محاولة لزعزعة استقرار النظام وتحويل الحدود الإسرائيلية – الأردنية من حدود سلمية إلى جبهة متقلبة“.
علاوة على ذلك، دعا “كاتس” إلى ضرورة القيام بإجراء دفاعي متمثل في سرعة بناء سياج أمني على الحدود الإسرائيلية – الأردنية في إعادة طرح لفكرة سبق وأن قدمتها تل أبيب قبل عقدين، مضمونها بناء جدار/ سياج أمني على طول الحدود مع الأردن والبالغة 238 كم من بحيرة طبريا حتى خليج العقبة، لكن ارتفاع تكلفته المالية دفع إسرائيل للتراجع عنها، إلى أن أعاد نتنياهو طرح الفكرة مرة أُخرى في العام 2018 من أجل منع تسلل لاجئين من أفريقيا، وذلك على الرغم من وجود حاجز طبيعي من جبال الملح على طول 40 كيلومترًا.
يُضاف إلى ذلك، محاولة نتنياهو توظيف الحادث لتوحيد الجبهة الداخلية الإسرائيلية في ظل ما تشهده من انقسام حاد على وقع تعنت نتنياهو التوصل لصفقة لتبادل الرهائن الإسرائيليين نظير وقف إطلاق النار في غزة، وذلك من خلال ربطه بين عملية معبر الكرامة وبين مقتل الرهائن الست الإسرائيليين في غزة، ومقتل 3 رجال شرطة إسرائيليين في عملية مقاومة في الضفة، وما يُمكن قراءته في تعليقه على عملية المعبر بقوله: “نحن محاطون بالأيدولوجيا التي تمجد القتل والتي تقودها إيران ومحور الشر الإيراني. في الأيام الأخيرة قام مخربون بقتل 6 مخطوفين و3 رجال شرطة، القتلة لا يميزون بيننا هم يريدون قتلنا جميعًا حتى آخرنا – يسار ويمين علمانيين ومتدينين يهود وغير يهود”.
- محور فيلادلفيا الشرقي.. المعضلة الإسرائيلية لضبط الحدود مع الأردن
تُعد مسألة ضبط الحدود الإسرائيلية الشرقية مع الأردن كأطول حدود عربية مع إسرائيل بطول 238 كيلومترًا، أحد المعضلات الأمنية الإسرائيلية في ظل ما تفرزه من تحديات أمنية متعددة دفعت تل أبيب لوصفها بـمحور ” فيلادلفيا الشرقي” على غرار محور فيلادلفيا على الحدود المصرية مع غزة الذي يُعد أحد أسباب توتر العلاقات المصرية الإسرائيلية في الآونة الأخيرة في ضوء ما تطلقه تل أبيب من ادعاءات بشأن حجم المخاطر الأمنية القادمة عبر المحور.
فلم تكن الحدود الشرقية مع الأردن ضمن الحسابات الأمنية الإسرائيلية إلا في الفترة الأخيرة، عقب وقوع عدة مراجعات وعمليات كانت بمثابة “منبهات” لفتت انتباه القيادات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية إلى الثغرة الأمنية عبر حدوده الشرقية مع الأردن؛ أولها: تنفيذ “عملية غور الأردن” في 11 أغسطس 2024 في موقعين منفصلين؛ أحدهما بمحاذاة مستوطنة “روتم” والثاني قرب مستوطنة “محولا”، والتي أسفرت عن مقتل إسرائيلي وإصابة آخر، قرر على إثرها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي زيارة مكان الهجوم ووضع المنطقة الحدودية على أجندة ترتيبات وخطط الجيش والأجهزة الأمنية؛ فقبل عملية الـ7 من أكتوبر، وبعدها لم تكن تُدرج الحدود الشرقية مع الأردن في سلسلة تقييماتهم للوضع الأمني وخطط جهوزيتهم لضبط أمن الحدود.
أما بالنسبة لثاني المنبهات التي وقفت وراء تصدر الحدود الشرقية اهتمام القيادات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية فتتمثل في تعدد عمليات تهريب الأسلحة، وزيادة عدد المتسلليين، لا سيما عقب عملية الـ7 من أكتوبر؛ إما دعمًا للفلسطينيين في الضفة الغربية في ظل ما يواجهونه من موجة تصعيدية خطرة على أيدي المستوطنيين، وبدعم من القوات الإسرائيلية، من أجل تصفية القضية الفلسطينية عبر القتل أو الاعتقال أو التهجير، أو استجابةً لزيادة الطلب على الأسلحة من سكان الضفة أو في شمال وجنوب إسرائيل في ظل الحرب المندلعة، تعتمد فيها شبكات التهريب على أساليب منظمة لضمان النقل الآمن للأسلحة.
فعادة ما تستخدم شبكات التهريب المتمركزة في منطقة الأغوار الواقعة على بعد 240 كم من الحدود، فتحات في السياج الحدودي تتسم بضعف الحراسة والمراقبة التكنولوجية، لتمرير شحنات التهريب ولدخول المتسلليين، خاصة أن المنطقة الحدودية الشرقية لإسرائيل لم تكن مغطاة بشكل جديد من قبل الدوريات، وهو ما يفسر زيادة عمليات التهريب عبر الحدود الأردنية إلى الضفة الغربية، وكذلك إلى الداخل الإسرائيلي في السنوات الأخيرة وتحديدًا منذ العام 2022؛ حيث ضبطت القوات الإسرائيلية أكثر من 500 قطعة سلاح في 25 عملية تهريب في العام 2022، مقارنة بـ143 قطعة في العام 2020، بينما تم ضبط أكثر من 415 قطعة في أكثر من 16 عملية تهريب في العام 2023، شملت أسلحة خفيفة مثل المسدسات والبنادق الهجومية، وكذلك الأسلحة المتقدمة مثل الصواريخ المضادة للدبابات والقذائف الصاروخية، والعبوات الناسفة.
أما عن حجم تدفق عمليات تهريب الأسلحة في الفترة التالية لهجوم الـ7 من أكتوبر، فعلى الرغم من غياب إحصائية واضحة ودقيقة بشأن عدد عمليات تهريب السلاح المضبوطة، فإن هناك أدلة تُشير إلى تدفقها المستمر وبكثافة من الأردن إلى الضفة الغربية؛ حيث أوضحت صحيفة يديعوت أحرونوت في سبتمبر 2024 بأنه مقابل كل عملية إحباط ناجحة، هناك 3 إلى 5 عمليات تهريب ناجحة من الأردن، كما كشفت بيانات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في أغسطس 2024، عن تعامل القوات الإسرائيلية مع أكثر من 1100 هجوم كبير في الضفة الغربية، بما في ذلك هجمات إطلاق نار وعبوات وطعن ودهس، وأنه في أسبوع واحد في شهر أغسطس، وقعت أكثر من 10 عمليات مقاومة، بما يعكس كثافة عمليات تهريب الأسلحة.
فعلى سبيل المثال، ضبطت الشرطة الإسرائيلية في 14 سبتمبر، 75 مسدسًا من نوع جلوك مخبأة في سيارة يقودها رجلان بدويان من صحراء النقب، سبقها عملية لاعتراض 33 مسدسًا في يوليو عند معبر وادي عربة الحدودي مع الأردن. وفي 1 يونيو، أعلن الجيش الإسرئيلي عن إحباط محاولة لتهريب 75 مسدسًا وعشرات الأسلحة من الأردن إلى الضفة الغربية في عملية تُعد الأكبر منذ اندلاع عملية الـ7 من أكتوبر.
أما على الجانب الأردني، تعددت حملات الضبط الأردنية لعمليات تهريب أسلحة لاقت انتقادات متكررة من السلطات الأردنية، كعملية الضبط التي وقعت في مارس 2024 وأُعلن عنها في مايو 2024، لعملية تهريب من سوريا إلى الأردن، ضمن سلسلة مستمرة من عمليات تهريب شملت ألغام كلايمور ومتفجرات سي4 ومتفجرات سيمتكس وبنادق كلاشنيكوف وصواريخ كاتيوشا عيار 107 مليمترات، معظمها كان مخصصًا إلى الضفة الغربية.
ولقد أفاد تقرير صادر عن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بشأن النشاط الإيراني في تهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية في أبريل 2024، بتعدد طرق تهريب الأسلحة من الأردن إلى الضفة الغربية، فهناك مسار تهريب يبدأ من إيران إلى العراق ثم سوريا انتهاءً بالأردن كنقطة عبور ومنها إلى الضفة الغربية، وهناك مسار آخر يبدأ من العراق إلى الأردن دون المرور بسوريا، أو من سوريا إلى لبنان ومنها إلى مناطق الجليل الأعلى ثم إلى الضفة، كما أفاد التقرير بأن جماعات التهريب باتت تستخدم بشكل متزايد منذ عملية الـ7 من أكتوبر الطائرات غير المأهولة لنقل الأسلحة واجتياز الحدود الأردنية وإلقائها في الضفة الغربية.
أما عن عمليات التسلل كأحد التحديات الأمنية العابرة للحدود الإسرائيلية كما سلف الإشارة، فقد أفاد تقرير إسرائيلي صادر في أغسطس 2024، بارتفاع عدد المتسللين إلى إسرائيل عبر الحدود مع الأردن ليصل إلى نحو 600 متسلل في الشهر، بما في ذلك تسلل عناصر من مليشيات تابعة لإيران، مع إشارة التقرير إلى أن التهديدات الأمنية العابرة للحدود مع الأردن تزايدت خلال العامين الماضيين، وتتزايد يومًا بعد يوم منذ عملية الـ7 من أكتوبر، في ظل غياب المراقبة الحدودية الإسرائيلية. يُضاف إلى ذلك، إفادة تقرير عُرض في المحكمة الإسرائيلية خلال جلسة مقاضاة أحد المتسللين بأن إجمالي عدد المتسللين خلال الأشهر الماضية حتى نهاية يوليو 2024، قد بلغ ما لا يقل عن 4 آلاف شخص إلى إسرائيل، في ظل حالة الطوارئ الأمنية والعسكرية التي تمر بها تل أبيب مع تعدد جبهات القتال، وهو ما يكشف عن خطورة أمنية بالغة أغفلتها السلطات الأمنية.
أما بالنسبة لثالث المنبهات فتتمثل في ما ورد في جلسة تقييم مشتركة بين المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية في أغسطس 2024، قرر بموجبها رئيس أركان الجيش “هرتسي هليفي” تشكيل وحدة عسكرية جديدة خاصة تنتشر على طول الحدود مع الأردن من بيسان شمال الأغوار حتى شمال إيلات جنوبًا، تذهب بعض التقديرات إلى القول إنها مكونة من حوالي 12 ألف عسكري، ومدعومة بمشاة ودروع وأسلحة ثقيلة، ستكون مسئوليتها ضبط الأمن والتصدي لأي عمليات خارجة عن القانون في منطقة الأغوار كلها، التي تشكل جزءًا من الضفة الغربية، وذلك في خضم احتياج تل أبيب الشديد لنحو 10 آلاف جندي لضمان بقائها في ساحة المعارك في غزة، واستعدادًا لعملية عسكرية في شمال إسرائيل، يُضاف إليها ما أطلقته تل أبيب من عمليات نوعية في الضفة الغربية.
ثانيًا: معالجة مؤقتة.. الإجراءات الإسرائيلية لضبط الحدود الشرقية مع الأردن
انطلاقًا مما تواجهه تل أبيب من تحديات أمنية عابرة للحدود الشرقية مع الأردن، وجدت إسرائيل نفسها أمام حتمية التحرك عبر إجراءات سريعة ومؤقتة، ليس انطلاقًا من هذه التحديات في حد ذاتها فقط، وإنما انطلاق كذلك من المخاوف الإسرائيلية من أن تلعب الحدود الأردنية دورًا في تعزيز جبهة مقاومة في الضفة الغربية تُخطط لإعادة تكرار سيناريو الـ7 من أكتوبر، باستهداف المستوطنات المحاذية للضفة الغربية.
فإلى جانب الإعلان الإسرائيلي عن تشكيل وحدة عسكرية تنتشر على طول الحدود الأردنية قوامها نحو 12 ألف جندي، أوضحت صحيفة “إسرائيل هيوم” في سبتمبر 2024، أن الجيش الإسرائيلي يقوم بحفر خندق في منطقة وادي عربة في منطقة صحراوية يمكن عبورها سيرًا على الأقدام، يبدأ من مستوطنة “أيلوت” ويتجه شمالًا إلى وادي عربة، ويقع على بعد أقل من كيلومترًا واحدًا من مدينة إيلات في أقصى جنوب إسرائيل، وذلك كسبيل لإعاقة عمليات التسلل ومرور أي مركبات، كآلية معالجة مؤقتة لحين تخصص ميزانية لبناء سياج على الحدود الشرقية.
علاوة على ذلك، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، يوم 17 سبتمبر عن خطة إسرائيلية متعددة المراحل لتعزيز أمن الحدود مع الأردن، تتضمن نشر مئات وسائل الرصد والمراقبة، مثل الرادارات والكاميرات والأبراج، على طول الحدود الممتدة بين إيلات جنوبًا والحمة السورية (قرب طبريا) شمالًا، والبالغ طولها 365 كيلومترًا، إلى جانب نشر قوات متنقلة سريعة للتدخل في الحالات الاستثنائية لإحباط محاولات تسلل أو تهريب، ناهيك عن بناء حواجز جديدة لمنع التهريب وتأمين الحدود، بتكلفة تتراوح ما بين 2.5 و4 مليارات دولار، على أن يتولى نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي “أمير برعم” مسئولية تنفيذها، وذلك عقب عرضها واعتمادها من كبار المسئولين في وزارتي الدفاع والمالية.
وعلى الرغم من أن هذه الخطة هي الخامسة خلال عهد حكم نتنياهو، وأن الخطط السابقة واجهت عقبة التمويل ولم ترى النور، فيبدو أن هناك اتجاهًا إسرائيليًا عبر ما اتخذته من خطوات سالف الإشارة إليها، إلى خلق بدائل أمنية لضبط الحدود لحين التوصل لقرار بشأن بناء سياج أمني على الحدود الأردنية والموافقة على تخصص ميزانية له، إلى جانب اتجاه تل أبيب لتوظيف عملية الكرامة وغيرها من عمليات المقاومة المتصاعدة منذ الـ7 من أكتوبر، من أجل تحميل الأردن قدر كبير من مسئولية عمليات اختراق الحدود عبر شبكات التهريب وعمليات التسلل، مع اتهامها بضعف إجراءاتها الأمنية لضبط حدودها الغربية، وهو ما يفرض على تل أبيب -بدعوى حماية أمنها القومي- اتخاذ كافة الإجراءات الأمنية التي تحجم كافة المخاطر الأمنية، بما ذلك فرض السيطرة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية الكاملة على طول الحدود مع الأردن، لا سيما المقابلة للضفة الغربية، وذلك في مخالفة لبنود اتفاق السلام الموقع بين الأردن وإسرائيل التي تبين حجم القوات العسكرية على الحدود وعددها وبعدها من الجوار، وكذلك لما ورد في الملحق رقم (1) الذي يحدد ويضبط انتشار القوات على الواجهات الحدودية.
فمن الجدير بالذكر، أنه في استجابة أردنية لحجم المخاطر الأمنية الحدودية، لا سيما الواقعة على حدودها الغربية، أطلقت المملكة أول موقع اختبار في المنطقة للمنظومات الجوية غير المأهولة، والتكنولوجيا المضادة للمنظومات الجوية غير المأهولة، والحرب الإلكترونية، لتعزيز قدرات الأردن لمواجهة التهديدات غير المتكافئة، لا سيما المتعلقة بتسلل الطائرات غير المأهولة من مناطق الصراع المجاورة سوريا والعراق إلى الأراضي الأردنية ومنها إلى الضفة الغربية.
كما سبق وأن حركت الأردن بعض قواتها العسكرية تجاه حدودها الغربية في أعقاب هجوم الـ 7 من أكتوبر، تحسبًا لأي تهديدات أمنية تفرضها حالة الحرب المندلعة في قطاع غزة، والتي ألقت بظلالها على الحدود الغربية للأردن، لا سيما منطقة الضفة الغربية وما سجلته من تصعيد إسرائيلي غير مسبوق بإطلاق يد المستوطنين بممارسة كافة أنماط الاعتداء مع منحهم شرعية حمل السلاح من أجل دفع الفلسطينيين للتهجير قسرًا نحو الأردن، وبما يُسرع من عملية قضم الأراضي الفلسطينية.
نهاية القول، يبدو أن تل أبيب تفوقت في تحويل المخاطر والتحديات إلى فرص ذهبية لإحكام قبضتها السياسية والعسكرية والاقتصادية على على كامل الأراضي المحتلة، وخنق الشعب الفلسطيني وإرهابه عبر القتل والاعتقال والتهجير القسري كسبيل لتصفية القضية الفلسطينية، مع تشكيل جبهة دفاعية دولية للتسويق بأن ما تنتهجه تل أبيب من سياسات وتحركات عسكرية تأتي في إطار الدفاع عن أمنها القومي، مثلما يتضح الأمر في السياسة الإسرائيلية للتعامل مع عملية معبر الكرامة، وقبل منها السياسة الإسرائيلية للرد على عملية الـ7 من أكتوبر، وهو ما يفرض على الأردن، اتخاذ خطوات استباقية لقطع الطريق أمام السياسة الإسرائيلية لفرض سيطرتها العسكرية والأمنية على طول الحدود، ووقف سيناريو التهجير القسري لسكان الضفة نحو الأردن.