تماشيًا مع توجه الدولة لمشاركة أكبر للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي المحلي لنمو اقتصادي أسرع وخلق أكبر للوظائف؛ أطلقت الحكومة خلال سبتمبر المرحلة الأولى من حزمة الحوافز الضريبية الموجهة للمستثمرين وأصحاب الأعمال بهدف خلق بيئة جاذبة ومطمئنة للمستثمر المحلي والأجنبي على السواء.
ما الذي تتضمنه المرحلة الأولى من الحوافز الضريبية المعلنة؟
في مؤتمر صحفي مشترك لرئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي ووزير المالية أحمد كجوك؛ أكد الأخير أن حزمة التسهيلات الضريبية بما تتضمنه من حوافز لمجتمع الأعمال، تُعد الانطلاقة الأولى في مسار ضبط وتحسين العلاقة بين المستثمرين ومصلحة الضرائب، الذي يأتي ضمن أولويات السياسات المالية خلال المرحلة المقبلة، والهادفة لتنفيذ برنامج عمل الحكومة بمختلف أبعاده الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك الإسهام في تذليل العقبات الضريبية أمام الأنشطة الاقتصادية وجهود رفع معدلات الإنتاجية، من أجل تعزيز بنية الاقتصاد الكلي، وتحسين هيكل النمو ليعتمد بشكل أكبر على الإنتاج والتصدير.
جدير بالذكر أن مصر تستهدف الوصول بقيمة الصادرات المصرية لـ 130 مليار دولار سنويًا بحلول العام المالي 2026/2027 وهو المستهدف الذي يدعمه توجه الدولة لدور أكبر يلعبه القطاع الخاص فضلًا عن رفع نسبة نمو القطاع الصناعي لـ 31٪ خلال السنوات المالية الثلاث المقبلة.
قال كوجك أن حزمة الحوافز الضريبية تم إطلاقها بعد دراسة التحديات على أرض الواقع لتعكس جدية الحكومة في تلبية احتياجات الشركاء في المجتمع الضريبي، مشيرًا إلى أن الحكومة مستمرة في عقد جلسات الاستماع الضريبي للوقوف على المشكلات التي تواجه ممولي الضرائب والتحرك الفوري بحزم أخرى من التيسيرات لحفز مجتمع الأعمال، مع التركيز على إيضاح وتحديد الإجراءات والقواعد التنفيذية بشكل حاسم حتى لا يتم ترك الأمور للتقديرات الشخصية بالمناطق والمأموريات الضريبية؛ مشددًا على أن الهدف من هذه الحوافز هو تحقيق تحسن ملموس يشعر به مجتمع الأعمال في جودة الخدمات الضريبية المقدمة إليهم بالمناطق والمأموريات الضريبية.
جاء تركيز رئيس الوزراء ووزير المالية خلال إطلاق المرحلة الأولى من الحوافز الضريبية لمجتمع الأعمال بالتأكيد على أن الحكومة تعلن بهذه الخطوة بدء صفحة جديدة بين مصلحة الضرائب ومجتمع الأعمال ترتكز على ثلاث ركائز؛ هي الشراكة والمساندة واليقين، والتأكيد على أن الشراكة أصلها الثقة بين كل الأطراف، وأن التركيز سيكون على المستقبل وليس الماضي، مع التعهد بتقديم خدمة عادلة ومتميزة للمستثمرين والممولين وتوسيع القاعدة الضريبية بما يضمن صالح الدولة والمستثمرين، والقدرة على تحسين المساندة والخدمات للمواطنين.
تضمن المرحلة الأولى من الحوافز الضريبية التي تم الإعلان عنها إقرار نظام ضريبي بسيط ومتكامل لمن لا يتجاوز حجم أعماله السنوي 15 مليون جنيه من المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وريادة الأعمال و«الفري لانسرز» -أصحاب المهن الحرة- والمهنيون أيضًا، مع تحفيز دمج مشروعات الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي من خلال حزمة من التسهيلات، مع السماح للممولين بتقديم أو تعديل الإقرارات الضريبية عن الفترات من 2022/2023 دون غرامات.
كما تتضمن تبسيط الإقرارات الضريبية، والتوسع في نظام الفحص بالعينة ليشمل كل المراكز الضريبية، والاعتماد في الفحص الضريبي على العمل بنظام إدارة المخاطر لكل الممولين بجميع المأموريات والمناطق؛ للتيسير على المجتمع الضريبي، على ألا يتجاوز أصل الضريبة بأي حال بعد أن كان يصل إلى أضعاف قيمة أصل الضريبة، مع العمل على سرعة الانتهاء من المنازعات والملفات الضريبية المتراكمة لدفع حركة النشاط الاقتصادي، ورفع حد الإعفاء من تقديم دراسة تسعير المعاملات للشركات الدولية إلى 30 مليون جنيه.
تتضمن هذه الحزمة أيضًا إقرار آلية تسوية مركزية جديدة للمستثمرين، وتبسيط نظام رد ضريبة القيمة المضافة بهدف تخفيف الأعباء عن المستثمرين والتيسير عليهم، ويُسهم في إرساء دعائم بيئة أعمال تنافسية وصديقة للمجتمع الاستثماري، تدفع جهود الدولة الهادفة لتعظيم القدرات الإنتاجية والتصديرية، فضلًا عن إقرار مبدأ التدرج في التعامل القانوني في حالة عدم تقديم الإقرار الضريبي وربطه بحجم الأعمال السنوي لصالح الممولين.
خلال المؤتمر الصحفي أكد وزير المالية أن الحكومة ستعمل بكل جدية على الاستثمار القوي في رفع كفاءة العاملين بمصلحة الضرائب المصرية وتحسين أوضاعهم بشكل يتناسب مع الأعباء والمسئوليات المطلوبة منهم، لافتًا إلى أنه سيوضع نظام عصري ومتكامل لتقييم العاملين وفقًا لمعدلات الأداء وجودة الخدمات المقدمة للممولين.
كيف تخدم هذه الحوافز مستهدفات الحكومة حتى 2029/2030؟
تتماشى هذه الحزمة مع مستهدفات الحكومة المصرية حتى العام المالي 2029/2030 التي تتضمن أربعة مستهدفات رئيسية؛ تحقيق معدل نمو مرتفع ومستدام مدعوم من القطاع الخاص وما يتطلبه من رفع معدلات الاستثمار الخاص، خفض معدلات البطالة بشكل تدريجي في المدى المتوسط من خلال توسيع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الرسمي وتوفير حوالي مليون فرصة عمل سنويًا في مختلف الأنشطة الاقتصادية، تحقيق تكافؤ الفرص أمام المواطنين وتخفيض معدلات الفقر، والتوسع في استخدام التكنولوجيا النظيفة وخاصة مشروعات إعادة تدوير المخلفات في إطار مفهوم الاقتصاد الأخضر.
يستهدف مشروع موازنة العام المالي الحالي 2024/2025 -الذي ينتهي بنهاية يونيو 2025- نمو الإيرادات العامة بنسبة 36٪ لتصل إلى 2.6 تريليون جنيه متضمنة نمو الإيرادات الضريبية بنسبة 30٪ لتصل إلى حوالي 2 تريليون جنيه ونمو الإيرادات غير الضريبية بنحو 60٪ لتصل إلى 600 مليار جنيه.
لا شك أن تقديم حوافز ضريبية للقطاع الخاص سيسرع من تحقيق مستهدفات مصر خلال العام المالي الحالي وحتى العام المالي 2029/2030 كما سيسهم في وفاء مصر بتعهداتها لصندوق النقد الدولي فيما يتعلق بتعظيم الشراكة مع القطاع الخاص ليكون قائد النمو في البلاد في إطار اتفاق التسهيل الائتماني الممتد القائم بقيمة 8 مليارات دولار والذي ينتهي في سبتمبر 2026.
ما الذي تكشفه لنا المراجعة الثالثة لبرنامج التسهيل الائتماني المقدم من صندوق النقد الدولي لمصر فيما يتعلق بمساندة القطاع الخاص؟
وفقًا لتقرير الخبراء الخاص بالمراجعة؛ فقد مررت مصر تشريعًا في يوليو 2023 يلغي المعاملة الضريبية التفضيلية والإعفاءات للكيانات الحكومية ويساعد على وضع شركات القطاع الخاص على قدم المساواة مع الشركات المملوكة للدولة، وهو التشريع الذي دخل بالفعل حيز التنفيذ في فبراير 2024.
تنص اللوائح على أن جميع الشركات المملوكة للدولة، بما في ذلك الهيئات الاقتصادية والكيانات المملوكة للمؤسسة العسكرية، تخضع لأحكام القانون. بالإضافة إلى ذلك، من أجل مزيد من تسوية المنافسة بين الشركات المملوكة للدولة وشركات القطاع الخاص، تعهدت مصر بالبدء في تضمين جميع فرص المناقصات والجوائز المقدمة من أكبر 50 شركة مملوكة للدولة على موقع المناقصات العامة خلال سبتمبر الجاري (وهو معيار هيكلي مهم بالبرنامج) على أن يتكامل مع ذلك النشر الشهري على بوابة المشتريات الحكومية لجميع عقود المشتريات الحكومية التي تتجاوز قيمتها 20 مليون جنيه مصري (معيار هيكلي في البرنامج) وستكون متاحة للجميع. علاوة على ذلك، قامت الحكومة بتوحيد شروط دفع فواتير المرافق العامة للشركات العامة مع تلك الخاصة بالشركات التابعة للقطاع الخاص.
لتسريع وتبسيط الإجراءات التي يجب على الشركات اتباعها عند تقديم مشاريع صناعية وبنية تحتية جديدة في مصر، قامت الحكومة بتوسيع منح “الرخص الذهبية”، التي توفر عملية موافقة واحدة للمستثمرين المحتملين مع التعهد بتوسيع منح هذه الرخص بحيث تصبح متاحة لجميع الكيانات التجارية حيث يساعد تبسيط عملية تخصيص الأراضي في تحسين مصر كوجهة للاستثمار.
لتحسين الشفافية، تعهدت الحكومة بإنشاء نظام معلومات متكامل يوضح في مكان واحد جميع الخطوات المتضمنة في عملية تخصيص الأراضي، بما في ذلك الأراضي الصناعية والزراعية مع الالتزام بسن تعديلات تشريعية لتسهيل استخدام الأراضي تحت الاستثمار كضمان للتمويل.
بهدف تحسين الحوكمة وتعزيز تدابير مكافحة الفساد، تعهدت الحكومة بالاستمرار في إحراز تقدم في جدول أعمال الإصلاح الخاص بالحكومة تماشيًا مع استراتيجية مصر الوطنية لمكافحة الفساد (2019-2022)، تخطط الحكومة لإصدار تعديل على القانون رقم 62 لسنة 1975 ولائحته التنفيذية بهدف رقمنة وأتمتة تقديم ومعالجة استمارات إقرار الأصول، كما تخطط الحكومة لطلب تقديم مثل هذه الاستمارات على الأقل مرة كل ثلاث سنوات بهدف الانتقال إلى تقديمها سنويًا ضمن أفق البرنامج وتوسيع نطاقها لتشمل كبار المسئولين في جميع الشركات المملوكة للدولة دون أي استثناء، كما هو محدد في سياسة ملكية الدولة التي دخلت حيز التنفيذ في 2022.
تعهدت الحكومة كذلك بنشر تقرير سنوي يظهر معدل الامتثال لتقديم إقرارات الأصول من قبل مجموعة من موظفي القطاع العام، على أن تتولى هيئة الرقابة الإدارية بالتعاون مع الجهات المعنية بما في ذلك وزارة العدل مسئولية تنفيذ هذا التكليف، كما تعمل الحكومة على إقرار إجراءات جمركية قائمة على المخاطر؛ مما يساعد على تقليل أوقات التخليص الجمركي، وستقوم إدارة الجمارك المصرية بإجراء دراسة زمن الإفراج(TRS) وفقًا لمنهجية منظمة الجمارك العالمية.
إقرار حوافز ضريبية والتوسع بها هي ضرورة ملحة للإسراع في تحقيق مستهدفات برنامج الحكومة التي هي انعكاس لتوجه الدولة المصرية، خاصة فيما يتعلق بدمج النشاط غير الرسمي في النشاط الرسمي، خاصة فيما يتعلق بالشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر والأنشطة الحرة والتي تستحوذ على نصيب الأسد من القطاع الخاص في مصر بنسبة ٩٨٪ وفقًا لآخر الإحصاءات.