هنأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الأمريكي الجديد دونالد ترامب بعدما أظهرت المؤشرات الأولوية لنتائج التصويت كونه الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة في ولاية ثانية غير متصلة، ولم يكتفِ أردوغان بدبلوماسية “إكس” التي يُفضلها ترامب، وإنما فضل أيضًا “دبلوماسية الهاتف” لينضم إلى قائمة الزعماء الذين أجروا اتصالات هاتفية مبكرة بالرئيس الأمريكي الجديد. وبينما لم تُبدِ أنقرة انحيازًا واضحًا لأي من المرشحين الأمريكيين خلال مرحلة الحملة الانتخابية، فإنها أكثر ارتياحًا مع إدارة بقيادة ترامب وكونجرس يغلب عليه الجمهوريون. وتراقب تركيا حاليًا عن كثب الوضع في البيت الأبيض وأركان الإدارة الجديدة وسط تصريحات متفائلة، حيث تتطلع لأن تحمل إدارة “ترامب 2.0” أفقًا لإحراز تقدم بشأن موضوعات العلاقات الثنائية. وفي هذا الإطار، تناقش الورقة القضايا والملفات الرئيسية بين البلدين وتطلعات تركيا تجاه ترامب بعدما تعرّج سريعًا على الخبرة التركية مع ترامب خلال إدارته الأولى.
إرث شائك
لطالما مالت أنقرة إلى الإدارات الجمهورية فيما عدا فترات تاريخية مُحددة فضلت خلالها الحزب الديمقراطي ويتعلق الأمر باعتبارات تتعلق بميل الإدارات الديمقراطية للتلويح بالقضايا الحقوقية مثل إبادة الأرمن وربط تطور العلاقات الاقتصادية بحالة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما بات يضع حكومة حزب العدالة والتنمية في مأزق مع شريكها في الائتلاف الحاكم حزب الحركة القومية الرافض لأي إصلاحات سياسية، فقد اتسمت العلاقات التركية الأمريكية بالتوتر خلال عهدي أوباما وبايدن؛ فهذا الأخير أطلق تصريحات عدائية ضد نظيره التركي خلال حملته الانتخابية ولم يستقبل أردوغان في البيت الأبيض مطلقًا خلال فترة ولايته التي لم تشهد أيضًا تقدمًا يذكر بشأن الملفات المشتركة وبالأخص فيما يتعلق بإعادة أنقرة إلى برنامج المقاتلات الشبحية F-35، أو تقليل الدعم الأمريكي لأكراد سوريا، أو تطوير العلاقات الاقتصادية الثنائية، والتلويح بأهمية إجراء إصلاحات سياسية داخلية، مع استمرار الدعم العسكري لليونان، ووصف مذبحة الأرمن عام 1915 بأنها “إبادة جماعية” في خروج عن نهج الرؤساء الأمريكيين كافة.
ومع ذلك، لا يعني هذا أن العلاقات التركية الأمريكية سارت على نهج إيجابي خلال ولاية ترامب 1.0 فقد تميزت ببعض الفترات المتوترة للغاية بين البلدين ولم يتمكن نهجهما من التغلب على الاختلافات البنيوية التي قوضت العلاقات لفترة طويلة؛ فهو الرئيس الأمريكي الذي فرض عقوبات على تركيا خمس مرات خلال أربع سنوات مما دفع اقتصادها إلى وضع أكثر صعوبة، مرتان بسبب قضية اعتقال القس الأمريكي برونسون، واثنان بسبب شراء أنقرة منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 حيث اضطر للاستجابة إلى الكونجرس ذي الأغلبية الديمقراطية آنذاك لفرض عقوبات بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا “كاستا” شملت إخراجها من برنامج تصنيع المقاتلات F-35، وأخرى بسبب العمليات العسكرية ضد وحدات حماية الشعب شمال سوريا، حيث وجه حينها ترامب رسالة خطية إلى نظيره التركي تتضمن عبارات هجومية غير دبلوماسية، كما أن سياسات الحمائية التجارية التي يُفضلها ترامب ضمن نهج “أمريكا أولًا” أدت إلى إضعاف العلاقات التجارية نتيجة فرض واشنطن رسومًا جمركية على بعض المنتجات مثل الصلب والألمونيوم الأمر الذي خفض صادرات البلاد إلى الولايات المتحدة بنحو 20% خلال عامي 2018 و2019، علاوة على عدم اتخاذه أي خطوات لتسليم أعضاء منظمة فتح الله غولن في الولايات المتحدة.
ورغم ذلك، فإن أردوغان مستعد لفتح صفحة جديدة مع ترامب 2.0 وفق أسس براجماتية، ولا يتعلق الأمر هنا بطبيعة القضايا الخلافية التي ظلت قائمة بين أنقرة والإدارات الأمريكية المتعاقبة وإنما القدرة على التواصل والحوار وتفعيل “الدبلوماسية الشخصية” إذ خلق الرئيسان علاقات شخصية وثيقة عززها إعجاب ترامب بشخصية أردوغان باعتباره زعيم قوي – من وجهة نظره، حيث استضاف ترامب أردوغان مرتين في البيت الأبيض عامي 2017 و2019، إلى جانب الاجتماعات المتكررة على هامش الفاعليات الدولية والمكالمات الهاتفية، ويعتقد صنَّاع السياسات الأتراك أن الرجلان يتقاسمان نهجًا مشابهًا في إدارة الدبلوماسية والتعامل مع القضايا المعقدة ومن ثم فإن وجود قنوات اتصال مفتوحة بين البلدين يخلق فهمًا أفضل للقضايا المشتركة، كما أن حصول الجمهوريون على الأغلبية في الكونجرس بغرفتيه؛ مجلس النواب ومجلس الشيوخ، سيخلق نوعًا من التجانس في سياسات الإدارة الأمريكية تجاه أنقرة ويحول دون تكرار مأزق عام 2019 عندما اضطر ترامب للخضوع للكونجرس وفرض عقوبات على تركيا.
ومع ذلك، فإن التحديات البنيوية طويلة الأمد في العلاقات الثنائية سوف تضع عقبات أمام تصفية الشوائب العالقة بينهما، فلا شك أن التواصل والحوار المباشر ليس كافيًا وحدة لتصفية الملفات الخلافية، فالمواقف المتباينة تجاه القضايا السياسية والأمنية الإقليمية والدولية، والسياسات المحتملة لترامب تجاه بعض القضايا مثل حرب غزة والأزمة السورية ودعم الأكراد، ستحمل تأثيرات سلبية على مسار العلاقات الثنائية، لاسيَّما أن ولايته الأولى حملت أخبارًا غير سارة لأنقرة بشأن القضيتين، فرغم حديث ترامب عن سحب القوات الأمريكية من الشمال السوري، واتخاذ خطوات متفرقة لتقليل الدعم لوحدات حماية الشعب، وإعطاء تركيا الضوء الأخضر للقيام بعملية عسكرية عام 2019، تم التراجع بالأخير عن قرار سحب القوات الأمريكية واستمر دعم الأكراد. كما أن نهج ترامب المتشدد تجاه إسرائيل المتمثل في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة إسرائيل والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، والذي يتعارض مع سياسة تركيا لإظهار التضامن مع الفلسطينيين أثر سلبًا على مسار العلاقات.
تطلعات عديدة
عندما تقيَّم تركيا علاقاتها المحتملة مع الولايات المتحدة خلال إدارة ترامب فإنها تنظر إلى مجموعة من القضايا الرئيسية والتطلعات التي تأمل في تحققها، ومنها:
• الانسحاب الأمريكي من شرق الفرات ومستقبل دعم وحدات حماية الشعب: يبرز الموضوع السوري كقضية رئيسية على أجندة العلاقات التركية الأمريكية خلال عهد ترامب، ومن المؤكد أن الرئيسان سيخضعون معالجته إلى الصفقات المحتملة بشأن القضايا المشتركة، وربما أبطأت أنقرة عملية التطبيع مع الحكومة السورية ولم تُبرم أي صيغ تسوية نهائية بشأن الوضع الكردي انتظارًا لمعرفة ساكن البيت الأبيض الجديد، ومن المتوقع أن يطرح أردوغان على ترامب سحب حوالي 900 جندي أمريكي شرق الفرات والضغط لإيقاف دعم واشنطن العسكري للأكراد، وإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري ومنح أنقرة سيطرة أكبر على الحدود، وربما يرُّوج أردوغان أهدافه في سوريا ضد حزب العُمال ووحدات حماية الشعب لواشنطن من مدخل اتساقها مع سياسة واشنطن تقويض الأذرع الإقليمية والمليشيات، ومع ذلك، من غير المتصور تخلي واشنطن عن التعاون العسكري مع أكراد سوريا لكن يُمكن منح تركيا دورًا أكبر هناك.
وتذهب تقديرات تركية إلى أن مبادرة زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي بشأن الإفراج عن زعيم حزب العُمال الكردستاني عبد الله أوجلان المسجون منذ نحو 25 عامًا كانت استعدادًا مبكرًا لعودة ترامب، وذلك بالعودة إلى الرسالة التي بعثها ترامب لنظيره التركي بشأن سوريا واشتملت على تعبيرات غير دبلوماسية حيث صاحبها أيضًا رسالة أخرى موجهة من زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب مظلوم عبدي – الذي أشار إليه ترامب بالجنرال – إلى أردوغان تتضمن رغبته في الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع تركيا، وقد حث الرئيس الأمريكي آنذاك نظيره التركي على التواصل مع حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب. وبالنظر إلى أن أوجلان يمتلك تأثيرًا كبيرًا على المكونين الكرديين المذكورين رغم السنوات الطويلة التي قضاها في السجن حيث يوصف هناك بـ “الزعيم”، ولا تزال صوره تظهر على جدران المباني الإدارية لهيكل حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب في شرق الفرات.
فإنه يُمكن اعتبار مبادرة بهتشلي محاولة تركية لإدارة العلاقات مع أكراد شمال سوريا وفتح قنوات تواصل معهم وتوظيف نفوذ أوجلان لوضع الحزب والوحدات تحت نفوذها، إدراكًا منها لإمكانية عقد صيغة تفاهمية مع واشنطن التي من غير المتوقع أن تتخذ قرارًا بحل حزب الاتحاد أو قسد ولن توقف دعمها للمكون الكردي السوري بشكل نهائي حتى وإن قلصت حضورها العسكري هناك نظرًا لحاجتها إلى خلق عوازل على الحدود السورية العراقية لقطع خطوط التواصل المليشياوي الإيراني عبر المناطق الشمالية، ومن ثم فإن أنقرة أكثر قبولًا لصفقة مع الولايات المتحدة بشأن شرق الفرات يُمكن أن تمنح دورًا أكبر للعشائر العربية.
• الدور التركي في الشرق الأوسط: تنظر تركيا إلى السياسات الأمريكية المتوقعة تجاه الشرق الأوسط بما في ذلك تقليم أظافر الأذرع الإيرانية وإيقاف الحرب الإسرائيلية ضد غزة ولبنان باعتبارها فرصة لتمديد النفوذ الإقليمي، لاسيَّما أنها قد يُسمح لها ببعض الأدوار الوظيفية لتقويض الحضور الإيراني في سوريا والعراق بالنيابة عن الولايات المتحدة ضمن سياسة تفويض الحلفاء الإقليميين بدور أكبر في تنفيذ السياسات الأمريكية، لاسيَّما أن الولايات المتحدة لا تعتبر تركيا تهديدًا لنفوذها في الشرق الأوسط بحكم صيغة التحالف الاستراتيجي ضمن حلف شمال الأطلسي. ويدعم هذا الاتجاه التصور الذي طرحته مؤسسة “هيريتيج” – وهي مؤسسة بحثية تنتمي إلى المحافظين الجدد وقريبة من ترامب – تحت مسمى “مشروع 2025″، ويتصور المشروع الذي أعده مسئولون سابقون في إدارة ترامب دورًا أكبر للشركاء الإقليميين للولايات المتحدة في ردع إيران، ويوصي بأن تدعم واشنطن تركيا كقوة موازنة لإيران من أجل حماية المصالح الإقليمية للولايات المتحدة وإسرائيل، وقد أبدت الحكومة التركية استعدادها للعب هذا الدور من خلال توقيع اتفاقية أمنية بشأن التعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب مع الحكومة العراقية وإقليم كردستان خلال أغسطس 2024.
• تعزيز الأهمية الجيوسياسية لتركيا: اتصالًا بالنقطة السابقة يُمكن لإدارة ترامب السماح لأنقرة بلعب أدوار أكبر على الساحة الدولية، فيما يتعلق بالأزمة السورية ومواجهة المشروع الإيراني في المنطقة. وربما تطرح تركيا نفسها كوسيط إقليمي محتمل فيما يتعلق بحرب غزة لاسيَّما أنها حافظت على الشراكة الاستراتيجية مع إسرائيل واقتصر الموقف العدائي على التصعيد الخطابي وبالمقابل لديها أيضًا علاقات وثيقة بحركة حماس. كذلك، قد يفتح ترامب الباب أمام مشاركة تركيا في عملية سلام بأوكرانيا نظرًا لقدرة أردوغان على الدخول في حوار مع الرئيسين الروسي والأوكراني بالنظر لاستعداد الرئيس الأمريكي الجديد التعامل مع نظيره الروسي بوتين للمساعدة في التوصل لتسوية سياسية للحرب الأوكرانية. إضافة إلى ذلك، يُمكن لعودة ترامب أن تُسهم في تقليل الخلافات التركية الأوروبية نظرًا لمخاوف الاتحاد الأوروبي بشأن سياسات الحمائية التجارية الأمريكية وموقف ترامب من تمويل حلف شمال الأطلسي والتخفيضات المحتملة في المساعدات العسكرية الأمريكية لأوروبا، حيث تبرز أنقرة – التي تمتلك أكبر جيش في الناتو وتلعب دورًا رئيسيًا في الجناح الجنوبي للحلف – كحليف محتمل لبناء سياسات دفاعية أوروبية أكثر استقلالًا، وتؤدي تلك الأدوار إلى رفع الأهمية الجيوسياسية لتركيا على الساحة العالمية عمومًا وبالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خصوصًا.
• تطوير الشراكة الدفاعية: تتسبب العلاقات الواسعة نسبيًا بين تركيا وروسيا والتي تصل إلى التعاون الدفاعي في حساسيات بالغة للجانب الأمريكي، ولاتزال قضية شراء أنقرة منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 أحد القضايا الإشكالية في العلاقات الثنائية، ورغم موافقة الولايات المتحدة مؤخرًا على بيع مقاتلات F-16 إلى تركيا وهو ما اعتبره المسئولون الأتراك والأمريكيون خطوة مهمة لإعادة بناء الثقة في العلاقات، إلا أن عودة تركيا لبرامج تصنيع المنظومات العسكرية المتقدمة مثل المقاتلات الشبحية F-35 لاتزال عالقة وستظل مرهونة بتخلي أنقرة عن المنظومة الروسية سواء بتخزينها والسماح بإجراءات تفتيش أو بيعها إلى طرف ثالث.
• توسيع العلاقات الاقتصادية: يُعتبر الاقتصاد أحد المحركات الأساسية للسياسة الخارجية التركية باعتبارها قضية داخلية مُلحة تُمثل أحد محددات مستقبل النظام السياسي، وبينما يُمكن أن يستفيد الاقتصاد التركي من الاستثمارات الأمريكية ومساعي إنهاء الحرب الأوكرانية، واحتمالية وجود مستويات أعلى من التعاون التكنولوجي مع الولايات المتحدة نظرًا لارتباطات وخبرات إيلون ماسك – الرئيس التنفيذي لشركة تسلا والذي أصبح أحد أركان إدارة ترامب الجديدة بعد تكليفه بقيادة وزارة مستحدثة معنية بالكفاءة الحكومية – السابقة مع أردوغان وتركيا، فإن الأخيرة تخشى أيضًا نهج العقوبات الاقتصادية إذا تدهورت العلاقات الثنائية مرة أخرة فقد ألحقت العقوبات السابقة خلال ولاية ترامب الأولى أضرار بالاقتصاد التركي وخلفت استياءً لدى أنقرة، كما تقلق أنقرة من التبعات الاقتصادية لسياسة الحمائية التجارية التي يُفضلها ترامب بينما تسعى لرفع معدلات التبادل التجاري مع الولايات المتحدة التي تُسجل حاليًا حوالي 30 مليار دولار. ويثور في هذا السياق أحاديث بشأن إمكانية عودة وزير الخزانة والمالية السابق بيرات البيرق، صهر أردوغان، إلى مجلس الوزراء في منصب وزير أو حتى نائب للرئيس نظرًا لعلاقاته القوية مع ترامب وصهره جاريد كوشنر وهو أمر هام للعلاقات الثنائية لاسيَّما على صعيد الصفقات الاقتصادية، وقد كان البيرق أول وزير تركي يستضيفه الرئيس الأمريكي في المكتب البيضاوي عام 2019 لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة.
• البرنامج النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات: تحمل سياسة ترامب المتوقعة تجاه إيران جوانب إيجابية وسلبية بالنسبة لأنقرة؛ فبينما يخدم تحجيم الدور الإيراني في المنطقة سياسات توسيع النفوذ الإقليمي التركي، فإن أي تشجيع أمريكي لأي ممارسات إسرائيلية ضد إيران من شأنها تصعيد المواجهة الإقليمية سوف يمثل تهديدًا كبيرًا لأمن تركيا، كما أن سياسات الضغط الأقصى 2.0 ضد طهران ستؤثر على المصالح التجارية والاقتصادية لتركيا مع إيران؛ فرغم التنافس الجيوسياسي بين البلدين فإنهما يرغبان في دفع النمو التجاري بينهما، وقد كانت العقوبات الأمريكية ضد إيران أحد مسببات توتر العلاقات التركية الأمريكية خلال ولاية ترامب الأولى عندما تم احتجاز نائب المدير العام السابق لبنك خلق محمد هاكان أتيلا، في مطار جون كنيدي بنيويورك في 27 مارس 2017 ومحاكمته بتهمة انتهاك العقوبات على إيران. ومن المتوقع أن تُعارض تركيا علنًا حملة الضغط الأقصى أو تعثر مسار العودة للاتفاق النووي حيث تفضل تجنب تبني نهج عدائي ضد خصمها الجيوسياسي الإقليمي وإدارة العلاقات وفق نمط “التنافس التعاوني”.
• الدعم السياسي الأمريكي لأردوغان: يأمل أردوغان أن يدعم ترامب طموحاته السياسية فيما يتعلق بإجراء تعديلات دستورية يُمكن أن تُفضي إلى إعادة انتخابه مُجددًا رغم انتهاء المدد الدستورية المُحددة له بموجب الدستور الحالي بالنظر لإعجاب ترامب بشخصية أردوغان واعتباره من الزعماء الأقوياء، وذلك باتباع عدة سياسات بما في ذلك تطوير علاقات اقتصادية إيجابية وضخ المزيد من الاستثمارات في الاقتصاد التركي لاسيَّما أن العامل الاقتصادي لعب دورًا محركًا للناخبين لصالح المعارضة خلال الانتخابات المحلية الأخيرة في مارس 2023، ودعم سياسات معالجة القضية الكردية وتمكين تركيا من تحقيق نجاحات ضد حزب العُمال الكردستاني في سوريا والعراق، وتمكين أنقرة من رفع أهميتها الجيوسياسية على الساحة العالمية بما يُساعد أردوغان في بناء إرث شخصي إيجابي باعتباره الزعيم الذي استطاع استعادة مكانة تركيا في العصر الحديث، والامتناع عن انتقاد أوضاع الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذه الأخيرة تُسهم في إخراج حزب العدالة والتنمية من مأزق ضرورة دفع كلفة سياسية باهظة إذ ما قرر تبني سياسات أكثر انفتاحًا لتلبية الاشتراطات الأمريكية بما يتعارض مع تصورات شريكة في الائتلاف الحاكم حزب الحركة القومية، وهو المأزق الذي وضعته فيه إدارة بايدن عندما ربطت ضخ المزيد من الاستثمارات في الاقتصاد التركي بضرورة إجراء إصلاحات سياسية واجتماعية يرفضها حزب الحركة القومية.
• تسليم أعضاء حركة الخدمة: على الرغم من وفاة زعيم حركة الخدمة التركية الهارب في الولايات المتحدة فتح الله جولن، فإن أنقرة تسعى إلى اقناع الإدارة الأمريكية بتسليم العديد من الأشخاص الذين تدعي أنهم أعضاء في الحركة، وقد رفضت إدارة ترامب الأولى مطلب أردوغان الذي تكرر سبع مرات تسليم فتح الله جولن الذي يتهمه بالتورط في محاولة الانقلاب الفاشلة خلال يوليو 2016، ويُمكن أن يُجدد أردوغان مطالب التسليم على سبيل وضع المطالب التركية كافة على طاولة محادثات الرئيسان مع ترجيح استجابة سلبية لترامب على غرار فترته الأولى.
ختامًا، رغم التفاؤل البادي على الساسة الأتراك بشأن عودة ترامب للبيت الأبيض، فإن العلاقات التركية الأمريكية مثقلة ببعض الصعوبات التي ما زالت قائمة، ومع ذلك فإن إعادة انتخاب ترامب يخلق فرصًا ومخاطر في العلاقات الثنائية، فبينما قد تتعارض المخاوف الأمنية الإقليمية والمصالح الاستراتيجية لتركيا مع سياسات ترامب الموجهة نحو المصالح الوطنية، فإن العلاقات الشخصية الودية بين أردوغان وترامب قد يكون لها تأثير وقائي حتى وإن توترت بين الحين والآخر. وبصفة عامة، سوف تظل العلاقات التركية-الأمريكية محكومة بمعادلة دقيقة فقد تعرضت العلاقات لاختبارات عديدة، ووصلت في بعض الأحيان إلى أدنى مستوياتها دون أن تصل إلى نقطة اللا عودة، حيث لن يُدير البلدان خلافاتهما بنهج عدائي، كونهما حليفين ضمن حلف شمال الأطلسي.