أصبح أمن الطاقة مكونًا رئيسيًا وركنًا أساسيًا من مكونات الأمن القومي لأي دولة من دول العالم، وأصبح حماية أمن الطاقة لا يقل أهمية عن حماية أراضيها ضد أي عدوان خارجي. وهو الأمر الذي دفع الدول الكبرى إلى وضع استراتيجيات واضحة لتحقيق أمن الطاقة، وأيضًا دفع العديد من دول العالم إلى الصراع والتنافس من أجل السيطرة على الحصة الأكبر من موارد الطاقة والبترول والتحكم في منابعه والسيطرة على مراكز إمداداته.
وعليه، تشكل صناعة النفط والغاز ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني في العديد من الدول حول العالم، وتعد الأصول المرتبطة بها من البنى التحتية والمرافق الإنتاجية من العناصر الحيوية التي يتوقف عليها استقرار الأمن الاقتصادي والوطني. ومع تزايد التهديدات الأمنية التي تواجه هذه الصناعة، أصبح من الضروري تطوير أنظمة دفاعية متكاملة لحمايتها من الأخطار المتزايدة، وخاصة تلك الناتجة عن استخدام أسلحة الطائرات المسيّرة.
تسعى هذه الدراسة إلى استكشاف استراتيجيات الدفاع والأمن لمواجهة تهديدات أسلحة الطائرات المسيّرة في صناعة النفط والغاز، مع التركيز على كيفية تعزيز الأمن الوطني من خلال تحسين الأنظمة الدفاعية المتكاملة، وتقديم التوصيات اللازمة لتعزيز قدرة القطاع على مواجهة هذه التهديدات المتطورة.
مدخل:
لم تُعد الحروب تقليدية بشكل كبير في ظل التطور الهائل للتكنولوجيا العسكرية، وبالتزامن مع هذا التطور، تصاعدت المخاوف الأمنية من جرّاء وقوع بعض الأسلحة المتقدمة في أيدي الإرهابيين، كما هو الحال مع طائرة الدرونز. طائرات بدون طيار وحروب بلا جنود، أمور لم تُعد من ضروب الخيال العلمي، فالحرب الإلكترونية أصبحت جزءًا مهمًا من الحرب الحقيقية وبطلها ليس الجندي المدجج بالأسلحة الفتاكة بل الطائرات الموجهة والروبوت الذكي. وفي السنوات الأخيرة زادت عدد العمليات الهجومية بطائرات بدون طيار من محطات قيادة أرضية على أهداف عديدة في العديد من الدول.
في الآونة الأخيرة، أظهرت الطائرات المسيّرة قدرتها على إحداث أضرار جسيمة للأصول الحيوية، بما في ذلك المنشآت النفطية والغازية، سواء عبر الهجمات المباشرة أو من خلال التجسس والمراقبة غير المصرح بها. وتعتبر هذه التهديدات أحد التحديات الجديدة التي تتطلب استجابة استراتيجية متقدمة، تشمل توظيف تقنيات متطورة مثل أنظمة الكشف المبكر، الحواجز المادية، والذكاء الاصطناعي، فضلًا عن تطوير آليات تعاون بين القطاعين العام والخاص لضمان حماية فاعلة.
ومؤخرًا، شكلت هجمات الطائرات المسيّرة (طائرات دون طيار) تهديدًا متزايدًا للبنية التحتية الحيوية للطاقة، وإمدادات المستهلكين وأمن الطاقة العالمي بشكل عام، حيث تتيح تقنية هذه الطائرات اليوم إمكان التحليق لمسافات مختلفة، وعلى ارتفاعات متفاوتة، وهي قادرة على العمل في جميع الأوقات والظروف المناخية.
قدرات واستخدامات متعددة للطائرات المسيّرة:
تختلف استخدامات الطائرات المسيرة على الصعيد العسكري، حيث تتعدد مهامها بحسب ما تحمله من معدات وتجهيزات تقنية مختلفة ما بين أغراض استطلاعية كالرصد والتعقب والتجسس وما بين أغراض حربية أو هجومية كالقصف وإطلاق الصواريخ وإلقاء المتفجرات وغيرها من المهمام الحربية الأخرى، بالإضافة إلى الهجوم المتعدد على المنشآت النفطية. وقد جاءت رغبة الدول في حيازة الطائرات المسيّرة مدفوعة بما تمتلكه من قدرات وإمكانيات عالية قد تجعلها هي السلاح الأهم في حروب وصراعات المستقبل، حيث أدت التطورات المتسارعة في التكنولوجيا إلى زيادة إمكانات الطائرات بدون طيار في اتجاهات متعددة والتي من أهمها هي القدرة على حمل أسلحة متنوعة ومتعددة، ودقة تمييز الأهداف وتدميرها باستخدام أنظمة توجيه حديثة.
هنا تجدر الإشارة إلى أن الطائرات المُسيرة تتميز بالعديد من المزايا، ويمكن أن تكون رخيصة وبسيطة، وفي حدود قدرة الدول الأضعف أو الأكثر فقرًا، فضلًا عن المجموعات غير الحكومية، ولذلك يمكن إنكارها؛ مما يجعل من الصعب على الهدف معرفة من سينتقم وطريقة الانتقام. ويمكن لهذه الطائرات أن تطغى على الدفاعات التقليدية باهظة الثمن بمزيج من الأعداد وعدم القدرة على اكتشافها، وتحول دون تعريض مستعمليها للأذى المباشر، كما هو موضح الشكل التالي.
علاوة على ذلك، تهدد الهجمات على البنية التحتية للنفط والغاز عوامل عسكرية وغير عسكرية، بما في ذلك الإرهاب والتخريب والصراعات المسلحة. وتعد تهديدات الطائرات المسيّرة مصدر قلق رئيسي، كما أن وجود الطائرات المسيّرة كأجهزة طائرة قادرة على حمل حمولات خطيرة يضيف تعقيدًا للمخاطر التي تهدد الأمن التنظيمي.
على سبيل المثال، إندونيسيا، باعتبارها أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا وأحد أكبر منتجي النفط، بحاجة إلى التركيز على مرونة البنية التحتية للطاقة، وبشكل خاص في قطاع النفط والغاز الطبيعي. تهدد الأهداف الوطنية الحيوية، مثل الهجمات العسكرية، والإرهاب، وتهديدات الطائرات المسيّرة، ضرورة وجود نظام دفاعي فعال. وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي لعام 2022، تصدرت إندونيسيا قائمة الاقتصاديات النامية في جنوب شرق آسيا، واحتلت المركز الخامس في آسيا. كما أن موقعها الاقتصادي القوي يجعل إندونيسيا عضوًا في مجموعة العشرين، حيث تحتل المركز السادس عشر عالميًا. هذا يعزز من ضرورة حماية وأمن قطاع الطاقة كركيزة أساسية لاستمرارية العمليات واستقرار الدولة.
قامت عدة دول بتنظيم نظام الأمان للأشياء الحيوية في صناعة النفط والغاز، تشمل هذه الدول النرويج وكندا والولايات المتحدة، حيث تمتلك النرويج هيئة سلامة النفط والغاز التي تنظم صناعة النفط والغاز وفقًا لمعايير صارمة تتعلق بالسلامة والأمن. بالإضافة إلى ذلك، تعمل كندا مع جمعية منتجي النفط الكندية التي تحدد المعايير والإرشادات لحماية العناصر الأساسية في صناعة النفط والغاز. وبالمثل، تركز الولايات المتحدة على سلامة أنظمة التحكم في الأنشطة العامة لصناعة الطاقة، حيث يركز معهد النفط الأمريكي على سلامة أنظمة التحكم، بينما ينظم مكتب وزارة الطاقة الأمريكية لتوصيل الكهرباء وموثوقية الطاقة هذه المعايير.
كان هجوم شركة أرامكو السعودية واحدًا من عدة هجمات دمرت منشآت النفط والغاز، وقع الهجوم الأول في 25 مارس 2022، عندما شن الحوثيون هجومًا على مصفاة النفط الخام التابعة لشركة أرامكو السعودية، التي تعالج 8.45 ملايين برميل من النفط يوميًا، وهو ما يُشكل أكثر من نصف الإنتاج اليومي للمملكة العربية السعودية. استخدم الهجوم صواريخ بالستية وطائرات مسيرة تم تسليمها إلى منشآت أرامكو النفطية في خريص وبقيق من الأراضي اليمنية. نجحت هذه الهجمات في تجاوز الدفاعات الجوية السعودية ووصلت إلى وجهتها، مما تسبب في أضرار كبيرة لمنشآت أرامكو النفطية، وقد أدى الضرر الهيكلي للبنية التحتية مثل المصافي وخزانات التخزين إلى انخفاض كبير في الإنتاج اليومي.
تهديدات أسلحة الطائرات المسيّرة لصناعة النفط والغاز:
تلعب صناعة النفط والغاز دورًا حيويًا في اقتصاد الدول؛ مما يجعلها هدفًا محتملًا للعديد من التهديدات الأمنية، بما في ذلك استخدام أسلحة الطائرات المسيّرة في الأنشطة الضارة. كانت الطائرات بدون طيار (الطائرات المسيّرة)، التي تم تصميمها في البداية لأغراض المراقبة، مزودة الآن بأسلحة من صواريخ وقذائف وقنابل قادرة على إحداث أضرار جسيمة. يُعد التحليل الدقيق للتهديدات المحتملة للطائرات المسيّرة للأشياء الحيوية الوطنية، وخاصة في سياق صناعة النفط والغاز، أمرًا بالغ الأهمية لتحديد المخاطر وتطوير استراتيجيات أمنية فعالة. تشمل تهديدات أسلحة الطائرات المسيّرة لصناعة النفط والغاز إمكانية الهجمات على البنية التحتية والمنشآت والأفراد. في هذا السياق، يمكن استخدام الطائرات المسيّرة للاستطلاع أو الهجمات الجوية أو التخريب. يمكن أن تؤدي مثل هذه الهجمات إلى إلحاق الضرر بمنشآت إنتاج النفط والغاز وتُشكل تهديدات محتملة على سلامة الأفراد. علاوة على ذلك، يمكن أن تؤثر هجمات الطائرات المسيّرة في الأمن السيبراني، حيث يمكن استخدام الطائرات المسيّرة التي تقع في الأيدي الخاطئة للوصول إلى البيانات الحساسة أو إلحاق الضرر بالأنظمة. لذلك، يجب على صناعة النفط والغاز أن تأخذ في اعتبارها تدابير شاملة للأمنين المادي والرقمي لحمايتها من تهديدات أسلحة الطائرات المسيّرة.
تشمل تهديدات الطائرات المسيّرة ما يلي:
المراقبة غير المصرح بها: يمكن استخدام الطائرات المسيّرة في المراقبة غير المصرح بها لمنشآت النفط والغاز. يمكن أن توفر هذه المراقبة غير المصرح بها مزايا استراتيجية لكيانات غير مسئولة، بما في ذلك الجماعات الإرهابية أو منافسو الأعمال.
الهجمات الفيزيائية: يمكن تعديل الطائرات المسيّرة لحمل حمولات خطرة مثل القنابل أو المتفجرات، يمكن أن تتسبب هذه الهجمات في إلحاق ضرر مادي بمنشآت النفط والغاز، وتهديد سلامة العاملين، والتسبب في تأثيرات اقتصادية خطيرة.
الاختراق وسرقة البيانات: يمكن أيضًا استخدام الطائرات المسيّرة لاختراق المناطق الحساسة والتقاط الصور أو تسجيل الفيديو. يمكن أن يؤدي هذا التهديد إلى سرقة بيانات قيمة، مثل المعلومات المتعلقة بالتكنولوجيا واستراتيجيات الأعمال.
علاوة على ذلك، تمثل أسلحة الطائرات المسيّرة تهديدًا خطيرًا لصناعة النفط والغاز، حيث يمكن استخدامها لشن هجمات على منشآت الإنتاج والبنية التحتية الحيوية مثل خطوط الأنابيب ووسائل النقل. بعض التهديدات التي يمكن أن تشكلها أسلحة الطائرات المسيّرة على صناعة النفط والغاز تشمل:
الهجمات على منشآت الإنتاج: يمكن استخدام الطائرات المسيّرة لشن هجمات على منشآت إنتاج النفط والغاز مثل آبار النفط ومنصات الإنتاج ومنشآت المعالجة، يمكن أن تتسبب هذه الهجمات في إلحاق الضرر بمنشآت الإنتاج وتعطيل إمدادات الطاقة.
الهجمات على البنية التحتية الحيوية: يمكن أيضًا استخدام الطائرات المسيّرة لشن هجمات على البنية التحتية الحيوية مثل خطوط الأنابيب ووسائل النقل، يمكن أن تتسبب هذه الهجمات في إلحاق الضرر بالبنية التحتية وتعطيل إمدادات الطاقة.
الاستطلاع: بالإضافة إلى الهجمات المباشرة، يمكن أيضًا استخدام الطائرات المسيّرة لإجراء استطلاع لمنشآت الإنتاج والبنية التحتية الحيوية.
في مواجهة تهديدات الطائرات المسيّرة للأهداف الوطنية الحيوية، يحتاج قطاع النفط والغاز إلى اتخاذ تدابير استباقية لضمان الأمن والسلامة واستمرارية العمليات، إن دمج الحلول التكنولوجية المتقدمة والتعاون بين القطاعين العام والخاص يعدان أمرين أساسيين لإنشاء بيئة آمنة ومضمونة.
وفي هذا الصدد، تتجلى أهمية إدراك أن الحفاظ على سلامة المنشآت النفطية ضروري لتحقيق أمن الطاقة العالمي، لقد أظهرت الأزمة الروسية الأوكرانية في الآونة الأخيرة أن النفط والغاز سلعتان عالميتان، ولذلك سيظل الحفاظ على سلامة وأمن منشآت الطاقة مهمًا في الاقتصاد العالمي.
على الجانب الآخر، يتزايد استعمال الطائرات المسيرة في صناعة النفط والغاز– يومًا تلو الآخر- إذ جعلت تلك المعدات فائقة التطور عمليات الفحص والمراقبة واكتشاف التسربات أسرع وأكثر أمانًا وأرخص من أي وقت مضى؛ مما يتيح فرصة ذهبية لشركات الطاقة لتوفير نفقات التشغيل وتوفير الوقت وتقليل المخاطر وتحسين جودة الإنتاجية، من بين مزايا أخرى عديدة.
وعليه يمكن القول إن هناك حاجة ملحة لإعادة صاغة لمفهوم أمن الطاقة وإن هناك ربطًا قويًا ووثيقًا بين أمن الطاقة وأمن إنتاجها ومنشآتها، بجانب أن مسئولية الاعتداء على المنشآت النفطية هي مسئولية دولية يتحمل تبعاتها المجتمع الدولي بالكامل، واليوم لا يمكن أن تتحمل دولة مسئولية نقص الإمدادات، وهناك اعتداء خارجي وإرهابي مستمر على منشآتها، والمجتمع الدولي لم يقم بمسئولياته.
هجمات الطائرات المسيرة على المنشآت النفطية:
تكنولوجيا الطائرات المسيرة تطورت بشكل غير مسبوق، وتفاصيل الصراعات والتغيرات الراهنة، لم تعد تخلو من درون أوكرانية تستهدف أهدافًا روسية، وأخرى روسية تنطلق بتقنية رؤية ليلية، وثالثة تضرب منشآت نفطية، ورابعة تايوانية تناطح القوة العسكرية الصينية، وخامسة تستهدف محطة نووية، وباتت أخبار الدرونز المذهلة والمروعة بلا توقف.
ولذلك التوقف عند تاريخ الدرونز مع الهجوم المتكرر على منشآت الطاقة وجغرافيتها المختلفة وآفاقها وتوقعاتها المستقبلية مهم، لعلنا نعي حقيقة ما يهيمن على أمن الطاقة العالمي في هذه الآونة. في الصراع تُشكل هجمات الطائرات المسيرة تهديدًا متزايدًا للبنية التحتية الحيوية للطاقة، وإمدادات المستهلكين، وتتيح تقنية هذه الطائرات اليوم إمكان التحليق لمسافات مختلفة، وعلى ارتفاعات متفاوتة، وهي قادرة على العمل في جميع الأوقات والظروف المناخية.
ضربة القحطانية:
شهدت سوريا خلال السنوات الماضية، قصفًا بالطائرات المسيرة استهدف عشرات المواقع والمنشآت النفطية السورية ومحطات تحويل الكهرباء، على كامل الشريط الحدودي مع تركيا. القصف أدى إلى خروج محطات الكهرباء عن الخدمة وانقطاع شبه كامل للتيار الكهربائي عن المنطقة، أما قصف المنشآت النفطية، فأدى لخروجها عن الخدمة واشتعال النيران فيها. بالإضافة إلى أن الضربة استهدفت أحد حقول النفط في القحطانية، وهو الحقل الذي يشمل حوالي 9 آبار نفط، وينتج حوالي 8 آلاف برميل يوميًا، حيث دمرت الدرونز الحقل بشكل كامل.
دور الطائرات المُسيرة في الحرب على منشآت النفط السعودية:
تعرضت منشآت نفطية سعودية في السنوات الأخيرة لهجمات بصواريخ وطائرات مسيرة من قبل جماعة الحوثي في اليمن، مما تسبب أحيانًا في زعزعة أمن واستقرار إمدادات الطاقة في العالم، حيث تأتي السعودية على رأس قائمة أكبر الدول العربية المنتجة للنفط (حوالي 9 ملايين برميل من النفط يوميًا)، مع احتلال المملكة الترتيب الثاني بقائمة كبار منتجي النفط عالميًا. حيث يؤدي إنتاج النفط في المنطقة العربية -خصوصًا المملكة العربية السعودية منها- دورًا محوريًا في سوق النفط العالمي وبما تمتلكه المملكة من قدرات نفطية هائلة في صناعة النفط العالمية.
ومنذ عام 2019 تم شن العديد من الهجمات المتتالية باستخدام طائرات على المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية (وصلت في أحدى الهجمات إلى حوالي 25 طائرة مسيرة). التأثير الأبرز لضربات الطائرات المسيرة على المملكة العربية السعودية ومنشآتها النفطية كان تأثيرًا سياسيًا، مما أظهر قدرة الجماعات الإرهابية على التسبب في تعطيل شديد لمنشآت الطاقة المهمة ومستهلكيه العالميين لكبار مصدري النفط في العالم، وتعرض صناعة النفط العالمية للخطر عن طريق وقف الإمدادات العالمية من النفط الخام.
وترصد السطور التالية أبرز هجمات الطائرات المسيرة على المنشآت النفطية السعودية، منذ عام 2019 حتى الآن:
سبتمبر من عام 2019 (صُنفت بأنها الأقوى):
تعرضت أكبر منشأة لمعالجة النفط في العالم في بقيق، وحقل خريص النفطي في شرق السعودية، لهجوم غير مسبوق، مما تسبب في خفض الإنتاج السعودي، ويوجد في بقيق الواقعة على بعد حوالي 60 كيلومترًا جنوب غربي الظهران بالمنطقة الشرقية، أكبر معمل لتكرير النفط في العالم، كما يوجد في خريص على بعد 190 كيلومترًا إلى الجنوب الغربي من الظهران، ثاني أكبر حقل نفطي في العالم.
هذا وقد عمقت الهجمات التي استغرقت حوالي 17 دقيقة ونفذتها 18 طائرة مسيرة وثلاثة صواريخ حلقت على ارتفاع منخفض، من زيادة كبيرة وحادة في أسعار النفط واندلاع حرائق وإلحاق أضرار مادية أوقفت إنتاج ما يفوق حوالي 6% من إمدادات النفط العالمية في تلك المدة. حيث تسببت تلك الضربات في توقف مؤقت لإنتاج 5.7 ملايين برميل يوميًا من النفط، كما هو موضح في الشكل التالي، وعولجت المواقع بعناية لتجنب حدوث أضرار دائمة كبيرة، وتمكنت المملكة العربية السعودية من استعادة قدرتها الكاملة في غضون أسابيع قليلة.
نوفمبر من عام 2020:
هاجمت طائرة مسيرة، محطة توزيع للمنتجات البترولية تابعة لشركة أرامكو في شمال جدة غربي السعودية بصاروخ، مما أدى إلى نشوب حريق في خزان للوقود، دون وقوع ضحايا أو تأثير في إمدادات الشركة. حيث وقع انفجار تسبب في نشوب حريق في خزان للوقود في محطة توزيع المنتجات البترولية في شمال مدينة جدة.
مارس من عام 2021:
استهدفت الجماعات الإرهابية عن طريق طائرات مسيرة مصفاة رأس تنورة والحي السكني التابع لأرامكو السعودية في مدينة الظهران شرقي المملكة العربية السعودية، إحدى ساحات الخزانات البترولية، في ميناء رأس تنورة، في المنطقة الشرقية، والذي يُعد من أكبر موانئ شحن البترول في العالم.
وفي الشهر نفسه، تعرضت مصفاة العاصمة الرياض لتكرير النفط لهجوم بطائرات مسيرة أدى إلى اندلاع النيران فيها، دون حدوث أي إصابات أو وفيات، كما لم تتأثر إمدادات البترول.
مارس من عام 2022:
استهدف الجماعات الإرهابية عن طريق طائرات مسيرة مرافق للطاقة وتحلية المياه في السعودية، ما أسفر عن تراجع مؤقت في إنتاج مصفاة شركة ينبع ساينوبك للتكرير (ياسرف) ومعمل ينبع للغاز الطبيعي. هي عبارة عن مصفاة سعودية صينية مشتركة، تنتج 400 الف برميل يوميًا من الوقود المستخدم في المواصلات، بالإضافة إلى المنتجات المكررة عالية القيمة والتي تطلبها كل من الأسواق المحلية والعالمية.
وتُظهر هذه الهجمات كيف يمكن استخدام أسلحة الطائرات المسيّرة لشن هجمات على منشآت صناعة النفط والغاز، مما يبرز الحاجة إلى تعزيز الأمن وحماية البنية التحتية الحيوية.
دور الطائرات المسيرة في الحرب الروسية الأوكرانية:
برز دور الطائرات المسيرة مرة أخرى في الحرب الروسية الأوكرانية، وليس فقط على الخطوط الأمامية، ووجهت روسيا ضربات متكررة إلى إمدادات الطاقة الكهربائية في أوكرانيا، خصوصًا في الشتاء الماضي، بهدف تعطيل الاقتصاد.
وشنت أوكرانيا سلسلة من الهجمات المتعددة والانفجارات على مصافي التكرير ومستودعات الوقود ومحطات الكهرباء الروسية. والمحطات النووية ومن ضمنها تلك الهجمات الأخيرة بطائرات مسيرة على محطة للطاقة النووية في منطقة كورسك الروسية الحدودية.
والجدير بالذكر، أن هذه الطائرات المسيرة ليست جوية فقط، فقد ابتكرت أوكرانيا طائرات مسيرة بحرية، استُعملت في سلسلة من الهجمات على الأسطول الروسي في البحر الأسود، وجسر كيرتش المؤدي إلى شبه جزيرة القرم، وعلى ناقلات النفط الروسية.
انقطاع الكهرباء عن أوديسا الأوكرانية:
شنت موسكو هجوم بحوالي 18 طائرة مسيرة؛ مما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن جميع مرافق البنية التحتية غير الحيوية في مدينة أوديسا الساحلية بجنوب أوكرانيا وذلك بعد إطلاق روسيا طائرات مسيرة لقصف منشأتين للطاقة؛ مما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن حوالي 1.5 مليون شخص.
حادث الطائرات المسيرة واستهداف المحطات النووية الروسية:
شنت أوكرانيا هجوم عن طريق 3 طائرات مسيرة في منطقة محطة كورسك للطاقة النووية في جنوب روسيا خلال نهاية الأسبوع الماضي؛ مما نتج عن تلك الهجوم اصطدام إحدى المسيرات المحملة بالمتفجرات بمخزن براميل جافة؛ مما أدى إلى إتلاف جدرانه، وسقطت الطائرتان الأخريان على سطح مجمع المباني الإدارية لمحطة الطاقة النووية، كما هو موضح في الشكل التالي.
الهجمات على حقول الغاز الإسرائيلية:
في أعقاب الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة حماس في بداية أكتوبر الجاري، أغلقت إسرائيل حقل غاز تمار الحيوي، والذي يمكن رؤية منصة إنتاجه من غزة، حيث كان هذا على ما يبدو إجراءً احترازيًا (مما سيكون له مردود سلبي على إمدادات الغاز من المنطقة). حيث تقع المنشآت الخاصة بحقلي الإنتاج الإسرائيليين الآخرين، ليفياثان وكاريش، إلى الشمال بالقرب من الحدود البحرية اللبنانية، وفي يوليو من عام 2022، أفاد الجيش الإسرائيلي بأنه أسقط 3 طائرات استطلاع مسيرة تم إطلاقها باتجاه سفينة الإنتاج العائمة كاريش.
وأُغلق حقل تمار لمدة وجيزة خلال اضطرابات مايو في عام 2021، وإن كانت أقل خطورة، وزعم الجيش الإسرائيلي أنه أحبط هجومًا بطائرة مُسيرة من غزة على حقل تمار، ويحتل حقل تمار مكانة كبيرة في صناعة الطاقة الإسرائيلية، حيث يُسهم بحوالي 40% من إجمالي إنتاج إسرائيل (44% من ليفياثان و16% من بقية الحقول).
في مواجهة هجمات الطائرات المسيّرة وأي نوع آخر من الهجمات، قد تنظر صناعة النفط والغاز في تحديث نظام الدفاع الخاص بها باستخدام الطائرات المسيّرة الدفاعية، واستخدام تقنيات الأقمار الصناعية وأنظمة الطائرات المسيّرة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لصناعة النفط والغاز أيضًا النظر في تطوير طائرات مسيّرة دفاعية خاصة بها أو التعاون مع أطراف أخرى لتطوير طائرات مسيّرة دفاعية تتناسب مع احتياجاتهم. علاوة على التوصيات المذكورة أعلاه، يجب على صناعة النفط والغاز أيضًا النظر في الاستثمار في تقنيات اكتشاف الطائرات المسيّرة ووسائل التصدي لها، بالإضافة إلى تدريب الموظفين الأمنيين لمعالجة تهديدات الطائرات المسيّرة بفاعلية.
خلاصة القول، يتضح أن تهديدات أسلحة الطائرات المسيّرة أصبحت من القضايا الأمنية الحاسمة التي تواجه صناعة النفط والغاز؛ مما يستدعي ضرورة تعزيز أنظمة الدفاع والأمن لحماية الأصول الوطنية الحيوية. إن تزايد تعقيد هذه التهديدات يتطلب استراتيجيات متعددة الأبعاد؛ تشمل تكامل التقنيات الحديثة مثل أنظمة الكشف المتقدمة، وتطوير أساليب دفاعية مبتكرة، فضلًا عن التعاون بين الجهات الحكومية والشركات الخاصة.
لقد أظهرت الهجمات السابقة على المنشآت النفطية والغازية كيف يمكن للطائرات المسيّرة أن تُلحق أضرارًا كبيرة، ليس فقط على مستوى البنية التحتية بل أيضًا على الاستقرار الاقتصادي والأمني للبلدان. ولذا، يتعين على الدول والشركات المعنية أن تستثمر في تطوير وتحديث أنظمتها الدفاعية باستمرار، مع مراعاة الحاجة الملحة لتدريب الكوادر الأمنية وتنسيق الجهود على كافة الأصعدة.
إن بناء منظومة دفاعية قوية ضد تهديدات الطائرات المسيّرة يتطلب نهجًا استباقيًا وشراكة استراتيجية بين مختلف الأطراف المعنية، لضمان استمرارية العمليات وحماية الأصول الحيوية في قطاع الطاقة. ومن خلال هذه الاستراتيجيات المتكاملة، يمكن ضمان أمان هذه الصناعة الحيوية وتعزيز الأمن الوطني بشكل عام.
دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة