قامت الولايات المتحدة الأمريكية، في الثامن من أبريل 2019، بتصنيف “الحرس الثوري الإيراني” منظمة إرهابية، وأعلن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” أن “هذه الخطوة غير المسبوقة التي تم اتخاذها من قِبل وزارة الخارجية تعترف بالحقيقة المتمثلة في أن إيران دولة مموِّلة للإرهاب”. وأكدت إدارة “ترامب” أن من بين الأسباب التي أدت إلى تصنيف الحرس منظمة إرهابية تسببُّه في مقتل 603 جنود أمريكيين كانوا يقومون بخدماتهم العسكرية في العراق منذ عام 2013.
وَأَتْبَعَت الإدارة الأمريكية هذا القرار بمجموعة من القرارات الأخرى، كان أبرزها إصدار قرار في 22 أبريل يقضي بـ«تصفير» صادرات البترول الإيراني؛ حيث أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تمنح إعفاءات جديدة للدول المستثناة من العقوبات الأمريكية على قطاع النفط الإيراني (الصين، الهند، اليونان، إيطاليا، تايوان، اليابان، تركيا، كوريا الجنوبية)، وذلك بعد انتهاء فترة الإعفاء الممنوحة لهذه الدول في الثاني من مايو. وقد صرح البيت الأبيض أن الولايات المتحدة والسعودية والإمارات “اتفقوا” على تغطية الطلب العالمي من النفط المتوقع ازدياده بعد وقف تصدير النفط الإيراني.
وردًّا على هذه الإجراءات التصعيدية من قِبل الولايات المتحدة، صادق البرلمان الإيراني في 21 أبريل الماضي على قرار إدراج القيادة المركزية الأمريكية والقوات التابعة لها في منطقة غرب آسيا على لائحة الإرهاب، حيث نص القرار على أنه: “بهدف مواجهة القرار الأمريكي بوضع الحرس الثوري على لائحة الإرهاب، ونظرًا إلى أنه بحسب المادة 150 من القانون الأساسي لطهران فإن الحرس الثوري من القوات الدفاعية الإيرانية الرسمية، وقد صوت النواب على اعتبار القيادة المركزية الأمريكية المعروفة والقوات التابعة لها في منطقة غرب آسيا قوات إرهابية، وأي تعاون معها عسكريًّا واستخباراتيًّا وماليًّا وتقنيًّا وتعليميًّا وخدميًّا ولوجستيًّا لمواجهة الحرس الثوري وإيران يُعتبر عملًا إرهابيًّا”، بل إن طهران صنفت الولايات المتحدة نفسها على أنها “راعية للإرهاب”.
وفي سياق ردود الفعل الإيرانية أيضًا، هددت طهران بإغلاق مضيق هرمز. وجاء ذلك على لسان الجنرال “علي تنكسيري” (قائد البحرية التابعة للحرس الثوري) الذي صرح بأن إيران ستمنع جميع الصادرات من السير عبر مضيق هرمز في الخليج إذا تم منع طهران من استخدام هذا الممر المائي الذي يمر عبره خُمس استهلاك النفط العالمي من منتجي الشرق الأوسط إلى الأسواق الرئيسية.
وإذا كانت وزارة الخزانة الأمريكية قد وضعت “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني على قائمة التنظيمات الإرهابية في عام 2007، فإن هذه العقوبات اقتصرت فقط على الذراع الخارجية للحرس الثوري، ولم تشمل الأخير ككل.
إن التصنيف الأخير لكل أذرع الحرس الثوري الإيراني يفتح الباب أمام تداعيات أوسع داخل وخارج إيران على الحرس الثوري نفسه، يحاول هذا المقال تناولها.
التداعيات الداخلية في إيران
على المستوى السياسيّ، من المتوقع أن يؤدي تصنيف الحرس الثوري تنظيمًا إرهابيًّا إلى تعميق الاستقطاب بين التيارين الرئيسيين داخل إيران: المحافظ والإصلاحي، بشكل عام، وحول وضع الحرس الثوري الإيراني داخل النظام السياسي الإيراني، بشكل خاص. وبشكل عام، يتعرض الحرس الثوري الإيراني لموجة من الانتقادات السياسية من جانب الإصلاحيين، وعلى رأسهم حكومة الرئيس “حسن روحاني”، وذلك لأسباب عدة، من بينها الدور السياسي والعسكري الكبير للحرس، فضلًا عن دوره الاقتصادي.
وكان الصراع قد احتدم مؤخرًا بشكل واضح بين حكومة الرئيس “روحاني” والحرس الثوري، على خلفية معارضة “روحاني” لدور المؤسسات الإيرانية التابعة للحرس الثوري والتي تخرج عن سيطرة الحكومة، منتقدًا عدم خضوعها للرقابة. كما ترفض حكومة “روحاني” الدور الاقتصادي الكبير للحرس الثوري في الداخل، والذي أُوكلت إليه مؤخرًا العديد من المهام.
وعلى الرغم من تصنيف واشنطن للحرس الثوري “منظمة إرهابية”، إلا أنه من المتوقع أن ينمو الدور السياسي للحرس الثوري الإيراني خلال الأيام المقبلة داخل إيران؛ إذ من المتوقع أن يتخذ قادة الحرس المحافظون والأصوليون من هذا الإجراء الأمريكي حجة للتأكيد على أن الحرس الثوري يتعرض لمخاطر يجب التصدي لها بكل قوة. كما سيحاول المحافظون الظهور بقوة مرة أخرى على الساحة السياسية. وكانت أول مظاهر هذا التوجه تغيير قيادة الحرس الثوري الإيراني، وانتقالها من اللواء “محمد علي جعفري” إلى نائبه الأكثر تشددًا “حسين سلامي”.
على المستوى الاقتصادي، يسيطر الحرس الثوري الإيراني على قطاع كبير من الاقتصاد المحلي يُقدر بأكثر من 100 مليار دولار، كما يمتلك نسبة كبيرة من الأصول في قطاعات الاتصالات والإنشاءات الإيرانية، فضلًا عن عدد من الشركات خارج إيران نفسها. ويعتمد الحرس الثوري في ضمان دوره الاقتصادي على عدد من المؤسسات أبرزها على الإطلاق مؤسسة “خاتم الأنبياء” للبناء والتشييد والتي تشبه الإمبراطورية التي تملك أكثر من 800 مؤسسة تجارية، وتوظف أكثر من 20 ألف عامل، وتمول أنشطة فيلق القدس التابع للحرس الثوري.
واستحوذ الحرس الثوري في السنوات الأخيرة على هذا النفوذ الاقتصادي المحلي من خلال عدد من عمليات الخصخصة التي تم بموجبها نقل ملكية مؤسسات حكومية عليا إلى القطاع شبه الحكومي الذي يُعد من أبرز فاعليه الحرس الثوري. وبات الحرس لهذه الأسباب يسيطر على 51% في شركة الاتصالات الإيرانية، و45% من شركة صناعة السيارات “بهمان”. وتقدر بعض التقارير أن مساهمة الحرس الثوري في الناتج المحلي الإجمالي في إيران تبلغ حوالي 15%، في حين يساهم القطاع شبه الحكومي بوجه عام بنحو 40%، مقابل 25% للقطاع الخاص، 35% للقطاع العام.
ولا ينبغي تجاهل أن الحرس الثوري الإيراني بات يلعب دورًا كبيرًا في عمليات الاستيراد والتصدير؛ فإلى جانب مؤسسات البناء والشركات الأخرى الواقعة تحت إدارته، يملك الحرس جزءًا كبيرًا من عمليات الاستيراد والتصدير من وإلى إيران. ووفق بعض المصادر فإنه يحصل على رسوم من عمليات “ترانزيت المخدرات” المارة عبر إيران.
وتحاول التصريحات الإيرانية إنكار التداعيات السلبية للعقوبات والإجراءات الأمريكية ضدها، لكن ما يصعب إنكاره هو وجود أزمة اقتصادية حاليًّا في إيران، تسهم فيها العقوبات الأمريكية إلى حد بعيد. وهناك احتمالات لحدوث تراجع في حجم المعاملات المالية والاقتصادية للحرس الثوري في منطقة الشرق الأوسط وخارجه؛ على خلفية التحذيرات الأمريكية من اعتبار أي معاملات تجارية مع الحرس الثوري بمثابة دعم للإرهاب أو تمويل له، ما يعرضه لعقوبات.
وقد ظهرت بعض المؤشرات على تأثير القرارات الأمريكية الأخيرة على الاقتصاد الإيراني، فقد تأثر سعر الريال الإيراني بعد إعلان واشنطن تشديد القيود على صادرات النفط الإيرانية، حيث تراجع سعر صرف العملة الإيرانية مقابل الدولار ليبلغ تقريبًا 42 ألف ريال إيراني. كما أعلنت الهند (ثاني أكبر مستوردي النفط الإيراني) عقب هذا القرار الأمريكي تأثرها به، وهو ما كشف عنه تصريح “دارمندرا برادان” (وزير النفط والغاز الطبيعي الهندي) الذي قال: “إن الهند ستحصل على مزيد من الإمدادات من دول أخرى من كبار منتجي البترول لتعويض فقد النفط الإيراني”.
وعلى صعيد آخر، قد يشكل “تصفير” الصادرات النفطية الإيرانية ضربة موجعة لقدرة إيران على تمويل وارداتها الخارجية بسبب نقص المعروض من الدولار الأمريكي، خاصة أن النفط الخام شكل 72% من الصادرات الإيرانية (تقديرات 2017) ما يعني أن إيران تعتمد على النفط كمصدر أساسي للدخل وللحصول على الدولارات. ومع التضييق على صادراتها النفطية فإن ذلك سوف ينعكس على وارداتها (بما في ذلك المواد الغذائية).
وإلى جانب الأزمة الاقتصادية والعقوبات الخارجية على إيران، سيفقد الحرس الثوري جزءًا كبيرًا من تجارته، سواء في إقليم الشرق الأوسط أو خارجه، وسيركز خلال الفترة المقبلة على أنشطته التجارية داخل إيران التي وإن كانت سوف تتأثر بكل هذه العوامل إلا أنها من الممكن أن تزيد داخل إيران، أو أن يرتفع مدى سيطرتها محليًّا، نظرًا لعدم قدرة القطاع الخاص على منافستها بالأساس، إضافة إلى تأثر القطاع الخاص بالعوامل السالف ذكرها.

وتمتد التداعيات الاقتصادية على المستوى الدولي أيضًا، فمن المتوقع أن يؤدي تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية إلى تراجع حجم المعاملات الاقتصادية والتجارية الإيرانية في الخارج بشكل ملحوظ؛ حيث سيتوجب على المؤسسات أو الدول المتعاملة مع إيران التأكد من عدم ارتباط الشركات الإيرانية المتعاملة معها بالحرس الثوري، وذلك حتى لا تكون عرضة للعقوبات الأمريكية، أو حتى لا تتأثر علاقاتها التجارية أو السياسية بالولايات المتحدة.
التداعيات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط
تُعد التداعيات الإقليمية لقرار اعتبار الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية هي البعد الأكثر أهمية لدى النظام الإيراني ومنطقة الشرق الأوسط؛ نظرًا لتشعب أذرع النظام الإيراني في عدد من دول المنطقة، خاصة في العراق وسوريا.
ويتمتع النظام الإيراني بعلاقات سياسية وطيدة مع عدد من دول المنطقة كالعراق وسوريا تختلف طبيعتها طبقًا لاعتبارات عسكرية وأمنية مختلفة، إلا أنه وبوجه عام يشكل الحرس الثوري الإيراني وأفراده جزءًا من المعادلة السياسية داخل بعض الدول، وفي علاقاتها الثنائية.
وبعد تصنيف الحرس الثوري تنظيمًا إرهابيًّا، سيكون من الصعب على أفراد ينتمون للحرس الثوري الإيراني أن يشغلوا مناصب في سفارات بلادهم في المنطقة، أو حتى أن يقدموا بشكل علني الدعم العسكري لمواجهة التنظيمات الإرهابية مثل “داعش” في العراق، مثلما حدث منذ عام 2016. وسيكون من الواجب على الولايات المتحدة ملاحقة الحرس الثوري عسكريًّا، مثله مثل تنظيم “داعش” الإرهابي.
وتُعد هذه نقطة في غاية الأهمية، نظرًا لأنها ستفتح مجالًا واسعًا للحرب بين القوات الأمريكية العاملة في المنطقة وعناصر الحرس الثوري الإيراني. وستواجه قيادات الحرس الثوري الملاحقة الأمنية من جانب الولايات المتحدة في المنطقة، بجانب استهدافها عسكريًّا. من ناحية أخرى، من المنطقي والبديهي القول إن التنظيمات والميليشيات المسلحة التي تتلقى الدعم من الحرس الثوري الإيراني، كالحشد الشعبي في العراق، وحزب الله اللبناني ونسخته العراقية، وعشرات التنظيمات الأخرى في العراق وسوريا، مثل لواء فاطميون وزينبيون، من المتوقع أن تواجه هي الأخرى تصنيفها كتنظيمات إرهابية.
بداية التصعيد أم نهايته؟
إن تصنيف الحرس الثوري كتنظيم إرهابي من جانب الولايات المتحدة يتيح لها ملاحقة التنظيم وأعضائه في أي مكان، سواء في العراق، أو سوريا، أو لبنان، أو اليمن، أو أي مكان آخر. وكان هذا القرار الأمريكي بداية الإجراءات التصعيدية بين الدولتين، وتلاه القرار الأمريكي بالسعي إلى تصفير الصادرات النفطية الإيرانية، ثم الرد الإيراني بإعلان القوات الأمريكية “إرهابية”، والتهديد الإيراني المتكرر بإغلاق مضيق هرمز في حال منع ناقلاتها من المرور عبره، أو تحت الزعم بإجراء مناورات بحرية بينها وبين بعض القوى الدولية؛ فإيران كانت قد دعت مسبقًا الصين وروسيا إلى إشراك وحدات بحرية لها في المناورات العسكرية، وهذا ما سيعطي طهران غطاء سياسيًّا دوليًّا من دولتين كبيرتين، وبالتالي فإن التحرك الأمريكي قد يبقى في موقف المتفرج مع إمكانية حصول احتكاكات قليلة بين الأطرف في المنطقة.
ومنذ ذلك الحين يتم تبادل التصريحات العدائية التي تعلي من نبرة التهديد أعلى من التهدئة. فعلى الجانب الإيراني؛ هدد وزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف” بالرد على أية محاولة تقوم بها الولايات المتحدة لمنع بلاده من تصدير نفطها عبر مضيق هرمز، قائلًا: “نؤمن بأن إيران ستواصل بيع النفط، وسنجد مشترين، وسنبقى نستخدم مضيق هرمز باعتباره الممر الآمن لتصدير نفطنا.. فإذا اتخذت الولايات المتحدة إجراءات مجنونة لمنعنا من استخدام المضيق فسنقوم بإجراءات وقائية، فمن الضروري أن تدرك الولايات المتحدة أنها إذا أرادت الدخول إلى مضيق هرمز فإنها ستواجه الذين يحمون المضيق، وأعني هنا الحرس الثوري الإيراني”. كما صرح قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء “حسين سلامي” بأنه “ينبغي توسيع نطاق قوة إيران من المنطقة إلى العالم، فقوة القدس في الحرس الثوري بقائدها الشجاع والصالح قطعت العديد من الجبال والسهول، وتسعى لإنهاء الهيمنة الأمريكية شرق البحر الأبيض المتوسط، وتوجهت إلى البحر الأحمر وحولت بلاد المسلمين إلى أرض للجهاد”. وجاء هذا التصريح فور توليه قيادة الحرس الثوري، وعقب إعلان إيران تصويرها للقطات من طائرة دون طيار تابعة للحرس طارت فوق حاملة أمريكية وسفينة حربية أمريكية أخرى في الخليج العربي، وأن الصور أظهرت المقاتلات النفاثة على سطح حاملة الطائرات.
وفي المقابل، جاءت التصريحات الأمريكية على لسان قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال “كينيث ماكينزي” لتؤكد قدرة واشنطن على “ردع إيران”، وأن وجود الولايات المتحدة في المنطقة سيكون طويل الأمد لتحقيق هذا الهدف، حيث قال: إن “تصدير إيران للإرهاب في المنطقة والعالم يشكل تهديدًا طويل الأمد.. فوجود الولايات المتحدة ومركز القيادة (المركزية) في المنطقة يعود لوقت طويل، وسيستمر بقاؤنا في هذه المنطقة، وسنستمر في التواصل مع حلفائنا وأصدقائنا الإقليميين لضمان أن نكون متحدين ضد التهديد الإيراني، وأعتقد أنه ستكون لدينا الموارد المطلوبة لردع إيران عن أي تحرك قد يكون خطيرًا. قد يستغرق الأمر وقتًا قصيرًا أو طويلًا، لكننا سنتمكن من الرد وبطريقة فعالة”.
مفاجأة متوقعة
إن القرارات الأمريكية رغم كونها غير مسبوقة، لكنها كانت متوقعة. فمنذ الانسحاب الأمريكي الأحادي من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018، كانت إيران مستهدفة باستراتيجية الردع الأمريكي في الشرق الأوسط كجزء أساسي من الترتيبات الأمنية التي تسعى الولايات المتحدة لإقرارها في المنطقة، هذا بغض النظر عن الأهداف الأمريكية الحقيقية من هذه الاستراتيجية. فقد تم الكشف عن تقرير أعدته إدارة الرئيس “دونالد ترامب” حول إيران، نشرته وزارة الخارجية على موقعها الإلكتروني بعدما صنفت الإدارةُ الأمريكية رسميًّا الحرسَ الثوري الإيراني منظمة إرهابية، وتضمن جزءًا يقول إن احتفاظ إيران بأرشيف نووي كشفت عنه إسرائيل العام الماضي يُثير تساؤلات بشأن احتمال وجود خطط لدى طهران لاستئناف برنامجها للأسلحة النووية.
ورغم أن التقرير ركز على الالتزام الدولي باتفاقيات الحد من الأسلحة في العالم، فإن معظمه جاء عن إيران. وقد أثار هذا التقرير خلافًا بين المسئولين الأمريكيين، حيث تخشى وكالات المخابرات الأمريكية وبعض مسئولي الخارجية من أن التقرير يستهدف في الأساس إضفاء طابع سياسي على التقييمات الخاصة بإيران والتمهيد لإيجاد مبرر لتدخل عسكري أمريكي ضدها أو الإطاحة بحكومتها على غرار ما حدث في العراق.
هذا التقرير، وتسبقه استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لعام 2017، يشيران إلى توجه أمريكي تم التعبير عنه بطرح مشروع التحالف الاستراتيجي الذي تسعى الولايات المتحدة لتنفيذه مع بعض دول المنطقة (وهو ما عرف بالناتو العربي) يقوم على إيجاد خصم مشترك للدول العربية والولايات المتحدة وإسرائيل، حيث تعد إيران هي هذا الخصم المناسب للمشروع الأمريكي. ومن ثم، من الأفضل تمهيد البيئة الإقليمية لعزل إيران، وتوجيه الجهود ضدها لتقريب المسافات بين بقية أطراف هذا التحالف المنشود. وحاولت الولايات المتحدة في مؤتمر وارسو في يناير 2019 طرح نفس التصور، وتوجيه الدول المشاركة لعزل إيران، والعمل على قبول الترتيبات الأمنية الأمريكية للمنطقة والتي تكفل ضمان مصالحها والحد من نفوذ القوى الأخرى المتحدية للهيمنة الأمريكية. لكن هذا المشروع يواجه عراقيل أمام تنفيذه، على رأسها عدم استجابة الدول العربية المعنية به للرؤية الأمريكية، ورفض مصر (أكبر الدول العربية عسكريًّا) المشاركة في هذا التحالف.
إذن، الولايات المتحدة بدأت التصعيد ضد إيران بشكل مكثف بهذه القرارات المتتالية خلال شهر أبريل، فلماذا الآن ولماذا لم يحدث هذا عقب انسحابها من الاتفاق عام 2018؟
هناك تفسيران محتملان؛ الأول: أن الولايات المتحدة تمارس المزيد من الضغوط على إيران اقتصاديًّا وسياسيًّا، وتحاول أن تفرض عليها المزيد من العزلة، وتكبدها المزيد من الخسائر، وتربك نظامها السياسي، ليكون أكثر تساهلًا مع سياسات مستقبلية تسعى الولايات المتحدة لتنفيذها في المنطقة للحد من دعم إيران لوكلائها في سوريا ولبنان وقطاع غزة واليمن، بما يحقق مصالح الولايات المتحدة وأصدقائها في المنطقة. الثاني: أن تكون الولايات المتحدة تخطط لأزمة تدفع إيران لخوضها من خلال زيادة الضغوط والقرارات الاستفزارية تجاهها، ومن ثم دفعها لاتخاذ الخطوة العدائية الأولى بما يعيد الولايات المتحدة للمنطقة ويقنع -أو يضطر- دول المنطقة لقبول وجود الولايات المتحدة مباشرة في العراق باعتباره المسرح الأول لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة -بعد انحسار وجود “داعش” بها نسبيًّا- أو بشكل غير مباشر من خلال قبول مشروعاتها المختلفة للمنطقة.
وإذا ما سارت الأمور بهذا النهج في الشرق الأوسط، فمن المتوقع أن يشهد الإقليم توترات جديدة وكبيرة وفي مناطق مختلفة، لكن احتمال لجوئها إلى الخيار العسكري في الوقت الراهن ضد القوات المتفرقة للحرس الثوري في المنطقة يبدو أمرًا مستبعدًا نسبيًّا.