في الماضي دولة واحدة، وفي الحاضر جزء من شجرة عائلة واحدة. هكذا يمكن توصيف علاقة “الأُخوّة” التي تجمع بين روسيا وبيلاروسيا، اللتين ترتبطان بتاريخ واحد ولغة واحدة وعادات وتقاليد واحدة، وشعبين تجمعهما تقريبًا نفس السمات الرئيسية للملامح، بالدرجة التي تحول دون التفرقة بين الملامح الروسية والملامح البيلاروسية.
واليوم نقول، إن روسيا -سليلة النفوذ السوفيتي- تنظر إلى جارتها بيلاروسيا بعين النفوذ المستحق بحكم الجيرة والتاريخ واللغة والمعاهدات المشتركة والوثائق الوفيرة التي وقعها الطرفان فيما بينهما. وتعتقد روسيا –انطلاقًا من نفوذها التاريخي– أن لها حق الوصاية على جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقًا، التي تُعتبر بيلاروسيا واحدة منها. وعلى الرغم من أن بيلاروسيا دولة حبيسة لا تتعدى مساحتها 27600 كلم مربع تغطي الغابات قرابة 40% من إجمالي مساحتها؛ إلا أن روسيا تنظر إليها بعين الأهمية القصوى، ويرجع ذلك إلى الحدود المشتركة التي تجمع بين البلدين من ناحية الشرق والشمال الشرقي، ومن الجنوب تتشارك الحدود مع أوكرانيا، ومن الغرب مع بولندا وليتوانيا، ومن ناحية الشمال مع لاتفيا. ومن يُمعن النظر إلى الخريطة يرى بوضوح كيف يحتل ضمان النفوذ الروسي في بيلاروسيا أهمية استراتيجية على أجندة السياسة الخارجية الروسية، نظرًا لموقعها الجغرافي الملاصق للبلاد الذي يخبرنا بوضوح كيف يستطيع الغرب أن ينفُذ إلى الأراضي الروسية من خلالها، إذ لا يفصل من يقف على الأراضي البيلاروسية سوى 500 كلم لكي يصل إلى موسكو أو سانت بطرسبرج.
كما ينبع شعور موسكو بالوصاية على جارتها انطلاقًا من الاعتماد الاقتصادي المتبادل الذي يربط البلدين. ويمكن مراجعة هذه العلاقة، بالنظر –على سبيل المثال- إلى صادرات النفط الروسية إلى بيلاروسيا، فقد اعتادت بيلاروسيا بموجب الاتفاقيات الثنائية المشتركة، وفي إطار الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الحصول على 24 مليون طن نفط –معفاة من الرسوم الجمركية- سنويًّا من روسيا، يقوم الجانب الروسي بتصدير جزء منها إلى الأسواق الموجودة خارج حدود الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، فيما تحتفظ خزينة بيلاروسيا بحصة قدرها 1,5 مليار دولار من رسوم تصدير تلك الكميات، وكل ما يزيد على ذلك يذهب لصالح الخزينة الروسية.
كما بلغ حجم التجارة الروسية البيلاروسية عام 2018 حوالي 35,6 مليار دولار، تشمل صادرات روسية تقدر بنحو 22,6 مليار دولار، وصادرات بيلاروسية إلى روسيا تقدر بنحو 12,9 مليار دولار. وتحتل منتجات الوقود والآلات والمعدات والمعادن الثقيلة والمنتجات المعدنية والكيماوية النسبة الأكبر من إجمالي حجم الصادرات الروسية إلى بيلاروسيا، وفقًا لبيانات موقع سفارة روسيا الاتحادية لدى بيلاروسيا.
كذلك، بالنظر إلى طبيعة الروابط الروسية البيلاروسية، يمكن القول إن الطموح السوفيتي لبسط النفوذ عبر جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقًا، لم يكن وحده يُشكل أساس هذه العلاقة، وإنما الرغبة البيلاروسية أيضًا في محاكاة النموذج الروسي، وهو ما كان واضحًا منذ اليوم الأول لـ”لوكاشينكو” في السلطة، بعد أن حرص على وضع موسكو في حالة اختيار دائم، بين دعم مينسك أو خسارتها لصالح الغرب. وكانت موسكو دائمًا تتجه صوب الاختيار الأول، لأن تكلفته ظلت أقل من تكلفة خسارة بيلاروسيا.
وهكذا، فقد جمع بين البلدين منذ انفصالهما في عام 1991، عدد ليس قليلًا من معاهدات التعاون المختلفة، من ضمنها بروتوكولات تعاون في المجالات العسكرية التقنية، وبروتوكولات تعاون فيما يتعلق بدخول المواطنين الأجانب والأشخاص في 2008، وبروتوكول تعاون بشأن الاعتراف المتبادل بشهادات التعليم والشهادات الأكاديمية في عام 2012، واتفاقية بين حكومة البلدين لبناء محطة نووية روسية في بيلاروسيا في عام 2011. كما وقع الطرفان في ديسمبر 1991 معاهدة أخرى نصت على أن يتبنى الطرفان سياسات خارجية وأمنية ودفاعية واحدة، وأن تكون لهما ميزانية مشتركة، بالإضافة إلى سياسة مالية ائتمانية وضريبية موحدة، وتعرفة جمركية موحدة، ومنظومتان للطاقة واتصالات ومواصلات واحدة.
كيف برزت الخلافات على السطح؟
قررت الحكومة الروسية أن تقوم بدءًا من عام 2019 بإلغاء رسوم التصدير، ورفع قيمة الضرائب على إنتاج النفط، ما كان يعني أن الحكومة تعتزم تعويض مصافي التكرير الخاصة بها عن ارتفاع أسعار المواد الخام. وقد أُطلق على هذه الإجراءات “المناورة الضريبية“، وتعني أن أسعار النفط في بيلاروسيا سوف ترتفع حتى تبلغ المستوى العالمي.
من جانبها، كانت بيلاروسيا قد اعتادت شراء النفط من روسيا بدون رسوم جمركية، ثم تقوم بعد ذلك بإعادة بيعه مرة أخرى بعد أن يتم فرض رسوم جديدة عليه. لكن مع هذا الإجراء الروسي فمن المتوقع أن تضطر بيلاروسيا إلى أن تحذو حذوها، وإلا سوف تصبح منتجاتها غير قادرة على المنافسة، مما يترتب عليه فقدان بيلاروسيا جزءًا بالغ الأهمية من العائدات الواردة في ميزانيتها السنوية.
وفيما يتعلق بالغاز، ترى مينسك أن سعر الغاز الذي يتم تصديره من روسيا يتم تحديده وفقًا لمدى تجاوب بيلاروسيا مع روسيا، فيما تعتقد موسكو أنه غير مرتفع. فضلًا عن أن البضائع البيلاروسية تواجه مشكلات مختلفة في النفاذ إلى السوق الروسية، بالإضافة إلى ما تواجهه الشركات البيلاروسية من مشكلات فيما يخص المشتريات العامة من روسيا. لكن كل هذه الأمور تُعد مشكلات صغيرة للغاية مقارنة مع ما يجري على صعيد الصراع النفطي.
وترى موسكو أن “المناورة الضريبية” هي شأن داخلي روسي خالص لا يحق لأي جهة التدخل فيها، وتصر على ضرورة حماية مصالحها الاقتصادية. لكن هذا لا ينفي وجود بعض الأسباب السياسية وراء هذه الخطوة الروسية، حيث تشعر روسيا بالاستياء من السلوك البيلاروسي. فمن وجهة النظر الروسية، فإن الدعم الاقتصادي الذي قدمته روسيا لبيلاروسيا طوال العقود السابقة لم يؤتِ ثماره المرجوة؛ فقد اتفقت الدولتان منذ أكثر من عشرين عامًا على تحقيق التكامل والوحدة، وإنشاء عملة وطنية موحدة، ومحكمة واحدة، وسياسات جمركية وضريبية موحدة. لكن الطموحات الروسية انهارت في السنوات الأخيرة، خاصة بعد أن بدأت مينسك في اتباع سياسة خارجية أكثر حيادية في علاقاتها مع الغرب الذي يتبنى بدوره سياسات سلبية تجاه روسيا. بل إن “لوكاشينكو” نفسه أشار في أكثر من مناسبة إلى احتمال اتجاه بلاده إلى التعاون مع الغرب بفعل التصرفات الروسية. وأشار صراحة في خطاب له أمام البرلمان إلى أن التعاون مع الغرب وحلف الناتو هما الضمانات الحقيقية لاستقلال وسيادة بلاده.
ومن ضمن أسباب تعقد الخلافات بين الطرفين ما حدث في نهاية خريف 2018، عندما وصف “لوكاشينكو” –خلال اجتماعه في مينسك مع مجموعة من المحللين الأمريكيين- التأسيس المحتمل لقاعدة عسكرية روسية في البلاد بأنه أمر غير ضروري، ما أدى إلى تأكيد “لافروف” شعوره بالأسف بعد رفض بيلاروسيا إنشاء قاعدة عسكرية روسية على أراضيها. وخلال محادثة له مع وسائل إعلام، دعا “لوكاشينكو” السلطات الروسية إلى الكف عن توجيه اتهامات لبلاده بالتطفل، مشيرًا إلى وجود منشأتين عسكريتين روسيتين بالفعل في بلاده، وفي مقابل ذلك لا تدفع روسيا لبيلاروسيا أي مقابل مادي نظير نشرهما على أراضيها.
بيلاروسيا ترفض وبشدة “المناورة الضريبية” الروسية، حيث ترى أنها انضمت إلى الاتحاد الأوروآسيوي بموجب ضمانات تقضي بألا يتدهور التبادل التجاري في مجال الطاقة. وترى أيضًا أن روسيا تقوم بتعويض مصافي البترول الخاصة بها عن خسائرها من خلال “المناورة الضريبية”، بينما تجد مصافي البترول البيلاروسية نفسها دون هذه التعويضات، مما يدفع مينسك إلى الاعتقاد بأن السياسة الأوروبية في هذا الشأن تمثل انتهاكًا للشروط العادلة المنصوص عليها لدى الاتحاد الأوروآسيوي، ما يؤسس لحقها في الحصول على بعض التعويضات بالمثل.
ووفقًا لوجهة النظر البيلاروسية، سوف يتكبد الاقتصاد البيلاروسي خسائر كبيرة بسبب تطبيق “المناورة الضريبية”. ففي هذه الحالة سوف يتحتم على الدولة خفض الإنفاق ورفع أسعار الوقود المحلية. وقدرت مينسك خسائرها المتوقعة حتى عام 2025 بنحو 11 مليار دولار، وهو مبلغ يُعد كبيرًا للغاية بالنظر إلى إجمالي الناتج المحلي البيلاروسي لعام 2018 على سبيل المثال، الذي بلغ حوالي 55 مليار دولار، وبهذه الطريقة يمكن فهم كيف ستتضرر مينسك من المناورة الضريبية ولماذا تصر على رفضها.
مينسك.. تخبط أم تحركات مدروسة؟!
في أواخر عام 2018، وافقت كل من موسكو ومينسك على إنشاء مجموعة عمل من أجل حل المشكلات وتعزيز عملية التكامل بين البلدين. وفي وقتٍ لاحق من العام نفسه تبادل الطرفان مقترحات للتعاون. وبتاريخ ديسمبر 2018، خرج “لوكاشينكو” مجددًا ليوضح في لقاء له مع صحفيين روس حقيقة ما يتم تداوله حول مكاسب بلاده من علاقتها مع روسيا، حيث أكد أن سيادة الدولة أمر مقدس، وأنه لن يسمح أبدًا بالمساس بها. وأضاف: “أشعر دائمًا بالتهديد من خطر فقدان السيادة. ومن جانب آخر، أنا الرئيس والسؤال هنا: ما هو دور الرئيس لأجل العمل على الحفاظ على سيادة البلد؟”. وأكد “لوكاشينكو”: “إذا أرادوا تقسيمنا إلى مناطق ودفعونا إلى الانضمام إلى روسيا، فإن هذا الأمر لن يحدث أبدًا. وإذا فكرت القيادة الروسية في تنفيذ هذا الأمر، فأنا أعتقد أن أمرًا كهذا سوف يتم على حساب روسيا”. كما أوضح “لوكاشينكو” أن أمرًا كهذا ليس من الممكن حدوثه، لأن الشعب سوف يتهمه بأنه باع البلاد مقابل الحصول على النفط، وأنه بغض النظر عن مدى قوة روسيا، فهي في الوقت الحاضر غير قادرة على فرض إرادتها على شخص ما، مؤكدًا: “إننا لسنا بحاجة إليها”.
لكن لم يمر وقت طويل قبل أن يظهر “لوكاشينكو” أمام الصحافة مرة أخرى، وفي حضور الرئيس الروسي “بوتين” نفسه، ليعبر عن موقف معاكس للتصريحات السابقة. جاء ذلك في فبراير 2019، حيث عبر بكل رحابة صدر أن بلاده على أتم الاستعداد للدخول في وحدة مع روسيا إلى الحد الذي يلبي رغبة الشعبين.
وفي أوائل سبتمبر 2019، وقّع رئيسا وزراء البلدين وثيقة لبرنامج للتكامل الاقتصادي المتبادل، وهو ما اعتبرته بعض وسائل الإعلام بمثابة مشروع يهدف لتوحيد البلدين من خلال نظام فيدرالي، وذلك على الرغم من تصريحات رئاسة الوزراء الروسية وقتها، التي أشارت إلى أن هذه الوثيقة لا تمثل أكثر من مجرد برنامج يهدف إلى التقارب الاقتصادي بين البلدين، وأنه من السابق لأوانه إعطاء تقديرات لمواقف مستقبلية متوقعة. كما يلاحظ أن الوثيقة لم تتناول أية حلول بشأن المشكلات الاقتصادية القائمة وعلى رأسها “المناورة الضريبية”.
وبحلول نوفمبر 2019، تم رسم خريطة طريق لعملية التكامل بين البلدين في مختلف المجالات، بما يشمل إجراء تشريعات موحدة بين البلدين، بدءًا من عام 2020، وإطلاق أسواق النفط والغاز والصناعات الزراعية المشتركة، بالإضافة إلى مشروعات النقل، بدءًا من عام 2021.
لكن سرعان ما عادت الأمور إلى التوتر مرة أخرى بين رئيسي البلدين خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى الاقتصادي الأوراسي في ديسمبر 2019، عندما واجه “لوكاشينكو” نظيره الروسي بتصريحات حادة، وأوضح بصراحة شديدة أن بيلاروسيا لن تكون أبدًا جزءًا من دولة أخرى، حتى لو كانت هذه الدولة هي روسيا نفسها. مضيفًا: “لا تنوي موسكو ومينسك إنشاء برلمان واحد، وليست هناك أي خطط لتعميق التكامل السياسي”.
الحقيقة أن تحركات مينسك لا يمكن تفسيرها أو وصفها بالتخبط، ولا يمكن وصفها أيضًا بأنها تحركات مدروسة بعناية، لكن يمكن تفسيرها بأنها تحاول الخروج نسبيًّا من تحت مظلة “الوصاية” الروسية ومحاولة التعامل معها بندية، فيما تتوقف تحركات روسيا المتكررة على مدى انصياع بيلاروسيا للرؤية الروسية. تبعًا لذلك، يُرجَّح أن بيلاروسيا ستستمر في رفضها لمشروع الوحدة مع روسيا. ويظهر ذلك بوضوح في جميع استطلاعات الرأي التي تُظهر أن الغالبية العظمى من سكان بيلاروسا يرفضون رفضَا قاطعًا التخلي عن الاستقلال، ولذلك لم تعترف بيلاروسيا بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وندد رئيسها عدة مرات بهذه الخطوة، مؤكدًا حقيقة “أن بيلاروسيا ليست أوكرانيا أخرى”. ولهذا السبب يربط “لوكاشينكو” دائمًا في كلماته بين احتمالات الانضمام إلى روسيا ومدى التقبل الشعبي لهذه المحاولات، وهو أمر يدرك الجميع جيدًا أنه لن يحدث ولن يتم. ولهذا السبب لا تخرج بعض التصريحات البيلاروسية الإيجابية تجاه روسيا عن كونها مجرد محاولات لإثناء روسيا عن إجراءاتها الاقتصادية العقابية ضد بيلاروسيا.
ختامًا، يمكن القول إن وجهة النظر الروسية تقوم على “الوحدة مقابل النفط”، بينما تقوم وجهة نظر بيلاروسيا على “إما النفط أو التقارب مع الغرب”. وترغب روسيا في ضم بيلاروسيا لأسباب كثيرة، من ضمنها وجود تيار قوي داخل النخبة السياسية الروسية يؤمن بالمشروع الإمبراطوري، وتوسيع النفوذ الروسي. في المقابل، لا يزال “لوكاشينكو” يقف بوضوح ضد هذا التوجه الروسي، مؤكدًا في مناسبات مختلفة أن “بيلاروسيا ليست أوكرانيا”، وهو يدرك جيدًا أن روسيا تدرك هي الأخرى أن إمكانية قيامها بالضم الإجباري لبيلاروسيا سوف تنتج عنه عقوبات جديدة ومكلفة للغاية على روسيا، فضلًا عن احتمالات وقوع صدامات قوية بين الجانبين، وهو أمر بالتأكيد لا ترغب موسكو في وقوعه. ولهذا السبب، ترى موسكو أن الاكتفاء بالضغط الاقتصادي على مينسك يمثل الوسيلة الأفضل حتى الآن مقارنة بالأداة العسكرية. ومن ثم، تتبع روسيا سياسة تضمن بقاء بيلاروسيا في منطقة نفوذها بما يحول دون انجرافها وراء الغرب، وفي الوقت نفسه الحرص على عدم إمدادها بما يكفي من مصادر الدخل مقابل رفضها تقاسم السيادة معها. وبهذه الطريقة تقوم موسكو بالعمل على دفع مينسك تجاه الانضمام الطوعي إلى روسيا الاتحادية.
ولهذه الأسباب، لن تتوقف موسكو عن اتّباع سياسة لَيّ الذراع الاقتصادية لمينسك، حتى يتم تحقيق الأهداف الروسية المنشودة هناك، أو على الأقل من أجل ضمان عدم لجوء مينسك إلى التقارب الفعلي مع الغرب. والدليل على ذلك ما حدث خلال اللقاء الذي جمع بين قادة البلدين في فبراير 2020، ونتائج المفاوضات التي جمعت بين قادة البلدين في موسكو، والتي انتهت إلى تحقيق ما أصرت عليه موسكو، بغض النظر عن جميع المحاولات البيلاروسية للحصول على تسوية مناسبة من روسيا بشأن أسعار النفط.
فقد تابعت وسائل الإعلام كيف استقبل “بوتين” نظيره البيلاروسي مرتديًا سترة غير رسمية، وكيف اتسمت أجواء الاستقبال بالترحاب والمودة الشديدة، وكيف لعب الرئيسان مباراة هوكي معًا، حتى بات جليًّا للجميع كيف أن الجانبين سوف يخرجان من نتائج هذه الاجتماعات باتفاقات مرضية للطرفين. إلا أنه –وعلى الرغم من كل ذلك- اتضح في نهاية المطاف كيف أن المفاوضات لم ينتج عنها أي جديد سوى اتفاق على توريد الغاز الروسي إلى مينسك على مدار عام 2020، وفقًا لشروط 2019. ويأتي هذا الاتفاق بعد أن قطعت مينسك مشوارًا طويلًا في السعي نحو خفض أسعار الغاز، في الوقت الذي أصرت فيه روسيا على زيادة القيمة إلى 152 دولارًا لكل 1000 متر مكعب، حتى إن محاولاتها شراء الغاز باستخدام الروبل باءت كذلك بالفشل بعد إصرار موسكو على إتمام عمليات الاستيراد بالدولار.
كما انتهى اللقاء إلى تأكيد موسكو استمرارها في توريد النفط وفقًا لشروطها التجارية، وعدم قدرتها على تقديم خصومات على الأسعار، باعتبار أن هذه الأمور يتم تنظيمها وفقًا للقواعد الداخلية الروسية، التي لن يتم تغييرها تحت أي ظرف من الظروف، وفقًا للردود الروسية. كما أعلنت روسيا، في ختام مفاوضات سوتشي في فبراير 2020، أن هذا الاتفاق سوف يجري بالتزامن مع استمرار المفاوضات بين البلدين بشأن إمدادات النفط إلى بيلاروسيا “بشكل حصري وعلى نفس الأساس التجاري”.
ويبقى السؤال: هل تخضع مينسك للضغوط الروسية وتقبل الانصياع للرؤية الروسية؟ من المرجح أن ترضخ مينسك في النهاية، لكنها لن ترضخ حتى النهاية، أو بالأحرى إلى الحد الذي يجعلها تتحول إلى امتداد جديد للأراضي الروسية. وسوف يبقى رضوخها في إطار المزيد من اتفاقيات التقارب والتعاون مع روسيا، من دون حتى تحقيق الاقتراب الفعلي مع الغرب، لما يمثله ذلك من استفزاز واضح لروسيا. وقد ينتج عن رضوخها المحدود للضغوط الروسية القبول بوجود المزيد من المواقع العسكرية الروسية على أراضيها.