تستخدم الجيوش إمكاناتها في هذا المجال من واقع خبراتها المهنية والميدانية، حيث يتم تقييم احتمال استخدام العدو لأسلحة التدمير الشامل في المعركة المقبلة، كحرب أكتوبر 1973 كمثال. وتعني أسلحة التدمير الشامل الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية. وينصرف تعريف الأسلحة النووية ارتباطًا بنواة الذرة، سواء بالانقسام المتتالي لإنتاج الأسلحة الذرية، أو بالاندماج المتتالي لإنتاج الأسلحة الهيدروجينية، وهي أشد فتكًا وتأثيرًا من سابقتها. وقد استُخدمت القنبلة الذرية ضد الأهداف البشرية لأول وآخر مرة -حتى الآن- على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين في 6-9/8/1945 على التوالي من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية، مما كان سببًا مباشرًا في إنهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945) واستسلام اليابان بدون قيد أو شرط كآخر دول المحور في 2/9/1945.
أما الأسلحة الكيميائية، فيستخدم أغلبها لمهاجمة الجهاز التنفسي أو الدم أو الجلد طبقًا لنوعها. فهي إما غازات سامة وخانقة، أو غازات دم، أشهرها الزومان والسارين، أو غازات للأمراض الجلدية، أو غازات حارقة تلتصق بجسم الإنسان وملابسه وسلاحه ومعداته، وأشهرها هو الموسترد. وتتم وقاية جهاز التنفس من خلال أقنعة واقية مطاطية تُغطي الرأس، وارتداء مرشح خاص لتنقية هواء الشهيق. كما يُمكن استخدام رداء أو حرملة لتغطية الجسم للوقاية من الغازات الضارة بالجلد. كما يمكن لبعض الأسلحة والمعدات إغلاق فتحات التهوية عند الضرورة لمنع نفاذ غازات الحرب إلى أطقمها البشرية، ويُراعَى عند استخدام الغازات اتجاه وسرعة الريح ودرجة الحرارة والرطوبة وطبيعة البيئة المحيطة.
أخيرًا، هناك الأسلحة البيولوجية، حيث تُستخدم الميكروبات والجراثيم والفيروسات لنشرها وتفشيها في أرض المعركة أو مسرح القتال للجانب المعادي، مع مراعاة عدم التأثير على القوات الصديقة أو تقليله إلى أقل قدر ومدة ممكنة حالة الضرورة. ويستخدم في ذلك القنابل والعبوات والقوارض والحشرات والزواحف.. إلخ المتعايشة مع أو في البيئة المستهدفة. وهنا تكون المكافحة طبية وبيطرية مع الاشتراك مع مكافحة الأسلحة الكيميائية في تركيز النظافة والتعقيم، بما في ذلك الحمامات الميدانية، بالمياه ومواد التطهير والتعقيم متى سمح الموقف الميداني بذلك.
وهنا يمكن التركيز على كيفية توظيف خبرات الجيوش في المقاومة البيولوجية الميدانية، للمساعدة في ودعم المجال والقطاع المدني ضد فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، الذي يجتاح العالم حاليًّا، والذي انطلق من إحدى المدن الصينية (ووهان) كثيفة السكان. حيث يُعتقد أن بداية انتشار الفيروس ارتبطت بتناول سكان المنطقة مأكولات غريبة -بغض النظر عن تحريم أغلبها في الديانات السماوية- حيث الغالبية هناك يدينون بالبوذية أو ديانات أخرى محلية. وقد تضمنت تلك المأكولات العديد من الجوارح والخفافيش والزواحف والحيوانات البرية، كما أن بعض تلك الفيروسات يمكن إنتاجه معمليًّا لأهداف غير أخلاقية وغير إنسانية، خاصة في الحروب، وهو ما دفع المنظمات الدولية لطرح مبادرات لحظر تلك الأنواع من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية التي وقّع عليها أغلب دول العالم، ثم اعتمدها معظمهم، وكان هناك تحفظ من البعض في محاولة للتوازن مع بعض الدول النووية التي لم توقع على معاهدة منع الانتشار النووي ومنها إسرائيل.
وإذا نظرنا إلى مراحل المقاومة والحرب على فيروس “كورونا المستجد” نجد أنها تشتمل على عدة مراحل، هي: الاكتشاف، والعزل، والعلاج، والتطهير العام، والوقاية، ثم الإجراءات الاحترازية، وبالتالي يمكن رصد ما يمكن أن تقوم به الجيوش بشكل عام، وما يقوم به الجيش المصري بشكل خاص، من دعم للمنظومة الطبية المدنية للحرب على الفيروس كالآتي:
1- مرحلة الاكتشاف: وتشمل المشاركة بإمكانيات إدارة الحرب الكيميائية والمنظومة الطبية العسكرية في المسح الميداني لأفراد القوات المسلحة كقطاع من الشعب، مع إجراء المسح الاستكشافي للمدنيين المترددين على مستشفيات القوات المسلحة ومعاملها المتخصصة، بالإضافة إلى المشاركة البحثية والمعملية على مستوى الدولة للوصول إلى مضادات ولقاحات خاصة بهذا الفيروس على وجه التحديد، مع التركيز على منافذ الدولة من مطارات وموانئ برية وبحرية.
2- مرحلة العزل: وتشمل المساهمة بما يمكن توفيره من أماكن في المستشفيات العسكرية، أو إنشاء مستشفيات ميدانية سريعة، أو المشاركة في تجهيز أماكن عامة قد تُستخدم في ذلك (مثل: دور العبادة من مساجد وكنائس ومعابد، ونوادٍ) بعد تطهيرها وتعقيمها، حيث تتوفر المياه النظيفة والمكيفات في معظمها، وأيضًا أماكن للصيدليات وإقامة للأطقم الطبية المناوبة على مدار الساعة مع توفير عربات إسعاف عسكرية مجهزة.
3- العلاج: ويشمل استخدام المستشفيات العسكرية لعلاج المواطنين -كما هو حادث بالفعل- ودعم القطاع المدني بأطقم طبية عسكرية من الأطباء والممرضين والمسعفين والصيادلة والمعمليين، والدعم الدوائي من خلال تعبئة شركات أدوية القوات المسلحة، بالإضافة إلى ما يمكن أن نسميه “العلاج عن بعد” من خلال الاتصال بهواتف خاصة للإجابة عن الاستفسارات وما يجب عمله في هذه الظروف، وتقديم النصائح العلاجية والوقائية، سواء داخل المنزل أو الانتقال إلى مستوى طبي علاجي أكبر. كما يمكن تعبئة كوادر طبية تحت التدريب، وهو ما تم بالفعل تلبيةً لدعوة وزارة الصحة المصرية، حيث تطوع عشرات الآلاف من طلاب كليات الطب والتمريض والصيدلة، وهو ما يُحسب لقاعدة الشباب.
4- التطهير والتعقيم والوقاية المادية: ويتم ذلك بشكل خاص داخل المنشآت الطبية، وبشكل عام في الأماكن المنتظر التزاحم بها، كما تم ذلك في مصر في بعض الشوارع الرئيسية والمنشآت المهمة والجامعات والمدارس. ويقوم بذلك إدارتا الحرب الكيميائية والمياه. كما تم تعبئة بعض مصانع الخدمة الوطنية والإنتاج الحربي لإنتاج وتوفير الأقنعة الواقية ومواد التطهير والتعقيم المنزلي والفردي وإتاحتها للجمهور في أماكن ثابتة وعربات متحركة وبأسعار خاصة للقضاء على المحتكرين والمزايدين الجشعين. هذا بالإضافة إلى الوقاية المعنوية بما تشمله من إعلام وتوعية تشارك فيها إدارة الشئون المعنوية بالتنسيق مع الإعلام العام للدولة.
5- الإجراءات الاحترازية: مثل دعم الشرطة المدنية في تنفيذ وانضباط حظر التجوال، وتفعيل مركز إدارة أزمات القوات المسلحة، باعتبار “كورونا” والأوبئة عمومًا ضمن ما يجب مقاومته من الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، مثل الفيضانات والسيول والزلازل والانهيارات والبراكين والحرائق، وأيضًا مقاومه الإرهاب والجريمة المنظمة، وكذلك دعم الشرطة المدنية احترازًا من اندساس بعض المغرضين وأعداء الدولة واستغلال الدين لتحقيق أغراض سياسية مناهضة للدولة والمجتمع.
وبالإضافة إلى الجهود السابقة، يمكننا رصد ما يلي:
1- الجهد والجدية والمتابعة العالية من جانب القيادة السياسية والمنظومة الصحية للدولة.
2- التنسيق الفعال والداعم بين المنظومة العسكرية الكيميائية والصحية وبين المنظومة المدنية.
3- توظيف الخبرات العسكرية الميدانية في تطهير وتعقيم الأهداف الكبيرة المساحية والمركبة.
4- التلبية الكبيرة والسريعة لفئة الشباب الوطني الجاد من طلبة المنظومة الطبية الجامعية للتطوع لسد النقص ودعم المنظومة الطبية للدولة، كما أن ذلك يدحض تعميم مقولة عدم جدية الشباب.
5- جدية وإيثار بعض كبار الدولة من أجل الصالح المصري الوطني والإنساني كذهاب وزيرة الصحة إلى دول موبوءة للمعاونة وبحثًا عن حلول علاجية أو الاقتداء بتجربتها، وأيضًا قيادة وزير الطيران لطائرة لإحضار مواطنين مصريين عالقين في لندن، وهو ما تكرر بشكل آخر وفوري لاحقًا من دولة أوروبية أخرى.
6- برزت أهمية الدور القومي للإعلام للتوعية والمتابعة، مع أهمية أن تكون الرسائل الإعلامية متناسبة مع شرائح المواطنين الثقافية والمجتمعية، مع الاهتمام بالبرامج الترفيهية والثقافية للتقليل من ملل الإقامة بالمنازل، مع التركيز على المناطق الريفية والشعبية كثيفة السكان ذات التقاليد الخاصة.
7- أهمية الرسالة الدينية الحقة الخالصة لوجه الله، للحفاظ على النفس كما جاء في كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم)، ولنا فيه الأسوة الحسنة كما قال رب العزة.
ونخلُص بمؤثرات ذلك على الأمن القومي، حيث يتكون من المربع العسكري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي ليُشكّل منظومة الأمن القومي الشامل، وللنهوض بالمنظومة؛ فمن الأهمية بمكان النهوض والارتقاء بالفرد، فهو العامل المشترك في أضلاع المربع، وبالتالي فإن النهوض به صحيًّا -كموضوعنا هذا- وتعليميًّا ودينيًّا وأخلاقيًّا، سوف يوثر بالإيجاب في تلك المنظومة. ذلك أن الفرد في البعد العسكري هو الضابط وضابط الصف والجندي، وفي البُعد الاقتصادي هو الصانع والزارع والتاجر.. إلخ، وفي البعد السياسي هو الدبلوماسي والقنصلي والحزبي، وفي الاجتماعي هو الكثير؛ فهو عضو في الأسرة التي هي عماد المجتمع كما أنه هو المثقف والإعلامي والخدمي.. إلخ، وبالتالي فإن مكافحة ومحاربة وباء فيروس كورونا المستجد والانتصار عليه بكل الإمكانيات الوطنية الصحية المدنية والعسكرية هو انتصار للدولة المصرية، وارتقاء بمنظومة أمنها القومي الشامل.