في الخامس والعشرين من فبراير 2020، انطلقت أعمال القمة العادية السادسة لرؤساء دول مجموعة الساحل الخمس G5 (مالي، والنيجر، وتشاد، وبوركينافاسو، وموريتانيا) بنواكشوط عاصمة دولة موريتانيا، بحضور الدول الشريكة في التنمية والعديد من المدعوين. وقد عُقدت القمة تماشيًا مع أول اجتماع للجمعية العامة لتحالف الساحل برئاسة وزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لو دريان” لضمان تعبئة دولية رفيعة المستوى لدعم التنمية في منطقة الساحل، حيث تم الإعلان عن 12 مليار يورو لدعم جهود التنمية خلال السنوات الخمس المقبلة في الدول الخمس.
وخلال القمة تمت مناقشة الأوضاع الأمنية في المنطقة، وتداعيات الأزمة الليبية على دول الجوار. وجاء في البيان الختامي للقمة توصيف الأزمة في الساحل بأنها غير مسبوقة، ونوقشت التطورات السريعة فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب في الساحل، والتعهد بالعمل على تعزيز التعاون لمُكافحة الإرهاب والانخراط في القوة العسكرية المشتركة وجمع المعلومات الاستخباراتية.
ويخطط الاتحاد الأوروبي لتكثيف التعاون مع دول الساحل لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة. ووفقًا لـ”جوزيب بوريل”، الممثل الأعلى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، فقد أولى الاتحاد اهتمامًا كبيرًا بمُناقشة سُبل تعزيز التعاون الاستراتيجي مع قادة دول الساحل الخمس على هامش اجتماعات المجلس الأوروبي في السادس والعشرين من مارس 2020 ببروكسل، حيث أعرب المجلس عن دعمه لتجديد وتوسيع استراتيجية الساحل الحالية بهدف زيادة تأثير عمل الاتحاد الأوروبي في دعم الاستقرار والتنمية بالمنطقة. ويأتي اجتماع المجلس الأوروبي بعد عامين من مؤتمر الساحل عام 2018 والذي أظهر خلاله الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي دعمًا والتزامًا كبيرًا من جانب الشركاء الأوروبيين للحفاظ على الزخم السياسي في منطقة الساحل.
أسباب اهتمام الاتحاد الأوروبي بالساحل الإفريقي
تواجه منطقة الساحل عددًا من التحديات المُلحّة في مقدمتها: الفقر المدقع، وأزمات الغذاء، والهجرة غير النظامية، والجرائم ذات الصلة (مثل: الاتجار بالبشر، وتهريب المهاجرين، والتطرف العنيف). ويمثل الساحل الإفريقي اختبارًا رئيسيًّا لنهج الاتحاد الأوروبي الجديد تجاه إفريقيا، حيث يدعم الاتحاد الجهود التي تبذلها دول الساحل الخمس في مُكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. ومستقبلًا، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز مقاربته الإقليمية في منطقة الساحل بهدف دعم التعاون العابر للحدود، وتعزيز القدرات الوطنية لدول الساحل الخمس. وتتمثل أهمية الساحل الإفريقي بالنسبة للاتحاد الأوروبي فيما يلي:
1- القرب الجغرافي: فبالنظر إلى قرب الحدود بين دول الساحل والاتحاد الأوروبي، تنعكس التهديدات الأمنية عبر الحدود (الإرهاب، والهجرة غير النظامية، والجريمة المنظمة) على الأمن الأوروبي بصورة مباشرة، في ظل التحولات المتتالية في النظام الأوروبي للأمن الجماعي في أعقاب خروج بريطانيا، والخلافات الأوروبية بشأن عدد من القضايا الرئيسية مثل قضية المهاجرين.
2- تعدد مصادر التهديد: ففي ظل المهددات المتعددة والمتنوعة التي يفرضها إقليم الساحل الإفريقي على الأمن الأوروبي؛ أصبحت منطقة الساحل ساحة رئيسية لتجربة النهج المتكامل للاتحاد الأوروبي لإدارة الأزمات والحرب الأوروبية عن بعد. وفي عام 2011 تبنى الاتحاد الأوروبي استراتيجية الساحل المتكاملة التي أدت إلى إطلاق بعثات للسياسة الأمنية والدفاع المشتركة لتدريب وإصلاح قوات الأمن في مالي والنيجر.
3- تصدير الهجرة غير النظامية: وهي واحدة من النتائج المباشرة الناجمة عن الأوضاع غير المستقرة في الساحل الإفريقي، والتي تحمل العديد من التداعيات السلبية على التنمية في المنطقة بما لذلك من تأثير على مصالح الاتحاد الأوروبي، بعدما أصبح المهاجرون من دول الساحل عبر البحر المتوسط يشكلون نسبة كبيرة من المهاجرين الذين تستقبلهم أوروبا سنويًّا.
مجالات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ودول الساحل الإفريقي
بعد إنشاء مجموعة الساحل الخمس G5 في عام 2014، عزز الاتحاد الأوروبي تعاونه مع هذه المجموعة لبناء شراكة قوية متعددة الأبعاد شملت: الحوار السياسي، والتنمية، والدعم الإنساني، وتعزيز الأمن، ومُكافحة الهجرة غير النظامية.
1- الاستراتيجية المُتكاملة للاتحاد الأوروبي: يتبنى الاتحاد الأوروبي استراتيجية شاملة لمواجهة الأزمة في منطقة الساحل من خلال استراتيجية الأمن والتنمية للارتباط الوثيق بينهما، حيث تقدم الاستراتيجية العديد من الأفكار الإيجابية والمُبتكرة لتأمين المناطق الأكثر تضررًا من نشاط التنظيمات الإرهابية في الساحل. وفي مارس 2011، تبنى الاتحاد الأوروبي استراتيجية للأمن والتنمية في منطقة الساحل الإفريقي، والتي تنطلق من منظور واسع يربط بين الأبعاد الأمنية والاقتصادية في ظل علاقة التكامل بينهما، حيث يُعد المدخل الأمني أساسيًّا في صياغة سياسات الاستجابة للتحدي الذي يفرضه نشاط التنظيمات الإرهابية، بينما يشكل المدخل الاقتصادي العنصر الرئيسي في السياسات الوقائية من تمدد هذا النشاط وانتشاره عبر الإقليم.
2- التنسيق والمشورة الاستراتيجية: وهي العملية التي تتم عن طريق دعم مؤسسات دول الساحل الخمس من خلال بناء وتعزيز القدرات الوطنية والإقليمية، خاصةً دعم قدرات المكونات العسكرية والشرطية لقوات G5، عن طريق بناء آلية تعمل تحت مسئولية الأركان العسكرية في الاتحاد الأوروبي منذ نوفمبر 2017 تنسق تقديم الدعم العسكري والفني والمالي لهذه القوات من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومن المانحين الآخرين من مختلف أنحاء العالم.
3- الشراكة السياسية: يُعد الاتحاد الأوروبي شريكًا سياسيًّا لدول الساحل من خلال رعايته عقد حوارات منتظمة واجتماعات سنوية بين وزراء خارجية مجموعة الساحل الخمس والممثل الأعلى للسياسة الأمنية والشئون الخارجية للاتحاد الأوروبي لتعزيز التعاون في المجالات السياسية ذات الاهتمام المشترك، مثل التنمية والحوكمة في المناطق الأكثر تضررًا من نشاط التنظيمات الإرهابية.
4- المساعدات والمشروعات التنموية: يعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر مانح للمنطقة من خلال تقديم المساعدات الإنمائية، حيث يستخدم كافة أدواته لدعم جهود التنمية، والتي تشمل:
– بنك الاستثمار الأوروبي: قام بنك الاستثمار الأوروبي بدعم قطاعات الزراعة، والطاقة، والمياه، والنقل، والاتصالات، والقطاع الخاص في جميع دول الساحل الخمس على مدى السنوات الخمسين الماضية، والتي تصاعدت في السنوات الأخيرة في ظل انتشار ظاهرة الإرهاب بين دول الإقليم.
– صندوق التنمية الأوروبي: قدم صندوق التنمية الأوروبي 628 مليون يورو لبوركينافاسو و665 مليون يورو لدولة مالي، و160 مليون يورو لدولة موريتانيا، و716 مليون يورو للنيجر، و542 مليون يورو لدولة تشاد خلال الفترة من 2014–2020 في مجالات ذات أولوية من بينها: الحكم الرشيد، والثقافة، والصحة، والأمن الغذائي، والزراعة، والطاقة المستدامة.
– برنامج الطوارئ لتحقيق الاستقرار: يعالج هذا البرنامج أولويات مجموعة الساحل الخمس من خلال تطوير البنية التحتية المحلية في مناطق الحدود الهشة، وتحسين وجود الخدمات الأساسية من وصول المياه والصرف الصحي لتعزيز حياة السكان في المناطق الريفية بتمويل 70 مليون يورو.
– برامج الإصلاح الإداري ودعم اللا مركزية: عن طريق تعزيز سياسات إصلاح الدولة من منظمات المجتمع المدني، وسيادة القانون، والمساعدة التقنية، واللا مركزية فى قطاعات الخدمات، وجهود حل النزاعات والمصالحة، وإعطاء الأولوية للحكم الرشيد، والعدالة والمساواة بين الجنسين، وتوافر الخدمات الاجتماعية، ويتم تنفيذها من قِبَلِ الشركات الاستشارية الدولية ومقرها فى أوروبا.
5- بعثات بناء القدرات: يُعد الاتحاد الأوروبي لاعبًا رئيسيًّا في تقديم الدعم لقطاع الأمن في دول الساحل من خلال مهام السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة، حيث قدم الاتحاد الأوروبي 100 مليون يورو لإنشاء قوة الساحل الإفريقي (G5) لتحسين الأمن الإقليمي ومُكافحة الجماعات الإرهابية. وهناك تحركات أخرى من خلال بعثات بناء قدرات القوات الوطنية والأمن الداخلي (الشرطة والدرك والحرس الوطني)، وتقديم المشورة والتدريب، وتسليم المعدات لدول الساحل الخمس، خاصة في ظل النشاط المهم لبعثة الاتحاد الأوروبي للتدريب EUTM في مالي، وبعثة الاتحاد الأوروبي لبناء القدرات في النيجر (EUCAP).
من كل ما سبق، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي أظهر حسن النية في دمج أهدافه المُتعلقة بالأمن والحكم والتنمية بالساحل الإفريقي؛ إلا أن العديد من برامجه في المنطقة لا تزال غير فعالة إلى حد كبير بسبب القيود الأمنية، والبيئة الأمنية غير المستقرة، والهياكل الإدارية المعيبة، وسوء التنسيق. بالإضافة إلى عدم التوافق بين برامج الاتحاد الأوروبي في منطقة الساحل. وأمام هذه التحديات يتطلب تعزيز قدرة دول مجموعة الساحل على الصمود أمام التحديات الداخلية والخارجية مشاركة مُوسعة ومستدامة من جانب الاتحاد الأوروبي لمواجهة المخاطر المحتملة القادمة من إقليم الساحل.