لا شك أن الدولة المصرية تثبت يومًا بعد يوم قدرتها الكبيرة على مواجهة أزمة تفشي وباء كورونا من خلال إجراءات شاملة ناجحة. ويكفي أن القيادة السياسية تتابع هذا الأمر ميدانيًّا على الأرض، وتتعامل مع الأزمة بحسابات دقيقة تأخذ في اعتبارها الرئيسي مصلحة المواطن أولًا وأخيرًا. وفي خضم هذا الجهد الفائق وغير المسبوق الذي تقوم به الدولة على كافة المستويات، وتركز -في الوقت نفسه- على قضايا الأمن القومي؛ أستطيع أن أقف عند ملاحظتين مهمتين رصدتهما خلال الأيام القليلة الماضية، وفي رأيي أنهما في حاجة إلى الرد والتفنيد.
الملاحظة الأولى: محاولة الإرهاب الأسود العودة من جديد، وإظهار أنه لا يزال قادرًا على العبث باستقرار الدولة، معتقدًا انشغال الدولة بمحاربة كورونا فقط.
الملاحظة الثانية: هناك بعض التوجهات أو الآراء أو الأفكار الغريبة التي نُشرت مؤخرًا في بعض وسائل الإعلام المقروءة، تُطالب بإعطاء وضعية خاصة لسيناء لا داعي لتكرار تفاصيلها هنا، ولكن أشير إلى أن من بينها أن يكون هناك ما يسمى بحاكم سيناء بعقد لمدة ست سنوات، وأن تكون له استقلالية شبه تامة عن منظومة الدولة في العديد من الأمور المهمة.
وإذا انتقلتُ إلى محاولة تفنيد هاتين الملاحظتين، يجب أن أشير -بدايةً- إلى أن الدولة حققت نجاحات غير مسبوقة في مواجهة الإرهاب، وأصبح هذا النجاح نموذجًا يُحتذى به لكل دولة تريد أن تنجح في هذه المواجهة. ومن هنا، جاءت المحاولات المستميتة من جانب الجماعات الإرهابية لإحياء نشاطها وتنفيذ عمليات داخل الدولة بهدف زعزعة الأمن والاستقرار.
وقد قامت الشرطة المصرية بتوجيه ضربات وقائية إجهاضيه ناجحة ضد أوكار الإرهابيين، وكانت لهم بالمرصاد، مما يؤكد أن الدولة لا تزال يقظة في مواجهة كل من يحاول العبث بأمنها، وأنها لن تسمح بأية محاولات للنيل من أمن واستقرار الوطن والمواطن، وهي رسالة ذات شقين؛ أولهما طمأنة الشعب المصري على حرص الدولة على أمنه، وثانيهما اللهجة الواضحة لكل من يساعد هذه الجماعات الإرهابية أن مصر لن تدخر جهدًا في التعامل مع هذه التهديدات دون رحمة أو هوادة.
ونأتي إلى تفنيد الملاحظة الثانية، وهي الأكثر أهمية وحساسية وخطورة، والخاصة بسيناء وما نشر مؤخرًا حول بعض الأفكار والمقترحات الغريبة في مجال كيفية تعامل الدولة مع سيناء مستقبلًا. وهنا أود أن أشير إلى خمس نقاط رئيسية.
النقطة الأولى: أن مناخ حرية الصحافة الذي تعيشه مصر حاليًّا لا يمنع أن تكون هناك أفكار جديدة، ولكن بشرط أن تكون متسقة مع السياق العام لاستراتيجية الدولة حتى يمكن الاستفادة منها. ولا شك أن الرئيس “عبدالفتاح السيسي” حريص على أن يستمع إلى أية آراء إيجابية تدعم جهود الدولة في المجالات المختلفة.
النقطة الثانية: أن أية أفكار تتسم بالخروج عن استراتيجية الدولة ستكون لها تأثيرات سلبية، ليس فقط على حالة الاستقرار العامة التي تعيشها البلاد، ولكن أيضًا على فكر المواطن المصري الذي أثبت خلال المراحل الأخيرة أنه الرقم الأهم في منظومة الدولة وقدرته على تحمل أية تبعات ما دام الأمر سيصب في النهاية في مصلحة الدولة، وبالتالي في صالحه، ولنا في خطة الإصلاح الاقتصادي خير مثال ودليل.
النقطة الثالثة: أنني لا أريد أن أتعامل مع الأفكار التي لا تتماشى مع سياق استراتيجية الدولة من منطلق مبدأ التخوين وعدم الوطنية رغم وجود علامات استفهام كثيرة حولها، ولكن من المفترض أن تكون هذه الأفكار منطقية وفي صالح الدولة وأمنها القومي، وليس مجرد طرح مقترحات تحت دعاوى أنها أفكار غير تقليدية. ومن الواضح أن هناك من يروج لأفكار يرى أنها خارج الصندوق، ولكني أرى أنها يُراد بها باطل.
النقطة الرابعة: أنه إذا كانت هناك أفكار بناءة تتعلق بتنمية سيناء فلا مانع من أن تكون مرتبطة بالسياسة العامة التي تنفذها الدولة بنجاح غير مسبوق، لا أن تقفز إلى أفكار تهدف إلى التعامل مع سيناء وكأنها ليست جزءًا من أرض مصر الحبيبة، وإقليم شبه منفصل عن الدولة، مهما كانت المبررات وراء ذلك.
النقطة الخامسة: تتعلق بتوقيت طرح هذه الأفكار، فكم كان الأمر غريبًا أن يتم هذا الطرح في وقت تركز فيه الدولة على مواجهة وباء كورونا، وقضايا أخرى مهمة للغاية من بينها قضية سد النهضة.
هنا، من الضروري أن أطرح ستة محدِّدات قد تغيب عن بعض من يتحدثون عن سيناء من منطلق أفكارهم الخاصة غير الرشيدة، وبشكل لا يعبر عن التوجه العام للدولة، وذلك كما يلي:
المحدِّد الأول: أن سيناء التي تبلغ مساحتها 6% من مساحة مصر تُعد خط الدفاع الأول عن الاتجاه الاستراتيجي الشمالي الشرقي والاتجاه الشرقي أو ما نطلق عليه بوابة مصر الشرقية. ومن ثم، تمثل جزءًا رئيسيًّا في منظومة الأمن القومي المصري. كما أن تعامل الدولة مع سيناء ينطلق أساسًا من هذا المبدأ الذي لا يمكن التنازل عنه أو إبداء أية مرونة فيه تحت أية مبررات.
المحدِّد الثاني: أن مصر قدمت تضحيات كبيرة للغاية بعد احتلال سيناء عام 1967 حتى نجحت من خلال حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 في تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي.
المحدِّد الثالث: أن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقّعة في مارس عام 1979 ساهمت في إعادة سيطرة مصر على سيناء كاملة، ثم تفاوضت مصر مع إسرائيل لمدة سبع سنوات حتى نجحت في استعادة طابا بالتحكيم الدولي عام 1989 كآخر جزء تم تحريره من أرض سيناء، مع الأخذ في الاعتبار أن معركة مصر التفاوضية الشرسة حول طابا التي استمرت سنوات كانت على مساحة أرض تبلغ 1 كيلومتر وربع فقط.
المحدِّد الرابع: أن الدولة في مراحل سابقة كانت قد بلورت خطة لتنمية سيناء بعد الانسحاب الإسرائيلي منها؛ إلا أنها لم تنجح في وضع هذه الخطة موضع التنفيذ لأسباب متعددة، وهو الأمر الذي تم تلافيه منذ تولَّى الرئيس “السيسي” مقاليد الحكم.
المحدِّد الخامس: أن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لم تضع أية قيود من أي نوع على مصر فيما يتعلق بتنمية وتعمير كل سيناء.
المحدِّد السادس: أن هناك مشروعات إسرائيلية مطروحة منذ عقود تركز على فكرة تبادل الأراضي بين مصر وفلسطين وإسرائيل، مفادها اقتطاع بعض أجزاء من سيناء، وكلها واجهت رفضًا مصريًّا حازمًا قاطعًا. وهنا يجب أن أنبه إلى أن هذه المشروعات المشبوهة لا تزال حبيسة أدراج مراكز البحث الإسرائيلية ترقبًا لطرحها إذا ما سمحت الظروف بذلك.
وقد شهدت سيناء في أعقاب سيطرة حماس على قطاع غزة عام 2007، ثم بعد ثورة يناير 2011، تصاعدًا في العمليات الإرهابية، وسيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي على بعض المناطق في شمال سيناء وإعلان ما يسمى بولاية سيناء. وقد كادت الأمور تصل إلى مرحلة صعبة لإعادة سيطرة الدولة على سيناء مرة أخرى، خاصة مع تولِّي الإخوان حكم مصر عام 2012؛ إلا أن ثورة يونيو 2013 كانت علامة فارقة في تاريخ علاقة سيناء بالدولة الأم، حيث نجحت قواتنا المسلحة الباسلة وقوات الشرطة في الانتشار العسكري والأمني الكامل في سيناء كلها، وإغلاق مئات أنفاق التهريب على الحدود بين مصر وقطاع غزة، وكذا القضاء على مئات العناصر الإرهابية وأوكارها ومخازنها. ومن المؤكد أن هذا الإنجاز تم من خلال التضحيات الكبيرة التي قدمتها الدولة في هذا الشأن -ولا تزال- ودماء شهدائنا الأبرار التي روت أرض سيناء الطاهرة في ملحمة وطنية متكاملة.
وبالتوازي مع هذا الجهد، حرصت القيادة السياسية على بلورة مشروع لتنمية إقليم قناة السويس، وهو مشروع تنموي متكامل يتعلق بتنمية سيناء، والعمل على ربطها بالدولة، وإقامة العديد من المشروعات القومية العملاقة التي تنقل سيناء نقلة نوعية متميزة مقارنة بوضعها السابق لتحصل سيناء على حقها في التنمية في إطار المنظومة الشاملة للدولة المصرية كلها.
وفي الوقت نفسه، لا بد أن أُشير إلى أنه في أعقاب طرح الولايات المتحدة ما يُعرف بـ”صفقة القرن” العام الماضي، وما أُثير من لغط حول علاقة الصفقة بسيناء؛ فقد حرصت القيادة السياسية المصرية على التأكيد بشكل قاطع لا يقبل الشك على موقف مصر الثابت بعدم التفريط في أي شبر أو حبة رمل من سيناء تحت أي تسمية أيًّا كان، وأن مصر فقط هي صاحبة القرار الوحيد في إقامة أية مشروعات اقتصادية في سيناء حاليًّا أو مستقبلًا في إطار الخطط التنموية التي تنفذها بكفاءة، وطبقًا لجدول زمني يتم بشكل ناجح للغاية. كما حرصت واشنطن من جانبها على نفي أية علاقة لهذه الصفقة بسيناء.
في ضوء ما سبق، من المؤكد أن الدولة تبذل كل الجهد من أجل النهوض بسيناء بعد سنوات طويلة من الإهمال والتقصير والإرهاب، حيث بدأت معالم النجاح في التبلور بالفعل على الأرض. وبالتالي، ستظل سيناء عصية على كل المحاولات التي يقوم بها الإرهابيون ومن يدعمهم من عناصر وأطراف خارجية، أو حتى من خلال ترويج أفكار غريبة مطروحة من شخصيات معروفة أو غير معروفة، سواء من الداخل أو من الخارج، وكلها لن تؤدي إلا إلى الإضرار ليس بسيناء فقط ولكن بالدولة المصرية.
ومن المؤكد أن أية محاولات مشبوهة ومغرضة من جانب مَن أطلق عليهم الرئيس “السيسي” “أهل الشر” ستسقط بجدارة أمام حائط الصد القوي الذي نجحت قيادتنا السياسية الوطنية في أن تشيده بقوة حفاظًا على الأمن القومي المصري في مواجهة كل أنواع التحديات.
وبإذن الله ستنتصر مصر على كل التهديدات التي تحاول النيل من استقرارها وتقدمها الذي شهد به العالم.