منذ أيام قليلة نُشر بجريدة “الفاينانشيال تايمز” مقال تحت عنوان “ينبغي على حلفاء أمريكا الاستعداد لرئاسة بايدن”. المقال مهم لعدة أسباب. أولها، أنه منشور بجريدة قريبة من قطاع المال والأعمال، وهو القطاع المؤيد تقليديا للرئيس الحالي ترامب، وبالتالي نشر مقال يتنبأ باحتمالية انتصار بايدين وهو منافس ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة له دلالة ملحوظة. السبب الثانى لأهمية المقال تكمن في دعوته حلفاء الولايات المتحدة، وخاصة في أوربا بالاستعداد لاحتمالية فوز بايدن، وعدم الجلوس على أيديهم حتى نوفمبر القادم وهو موعد إعلان نتيجة الانتخابات الأمريكية، بل البدء في التفكير، ووضع التصورات لكيفية التعامل مع بايدن أو بالأحرى التعاون معه لو أصبح رئيسا للولايات المتحدة. أما السبب الثالث لأهمية المقال فهو أنه يثير في ذهن القارئ المصري والعربي عدة أسئلة حول استعدادنا لاحتمالية فوز بايدن، وما هي المجالات التي يمكن أن تُطرح للتعاون مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
ونبدأ أولا بإيجاز ما جاء بمقال الفاينانشيال تايمز، ثم نطرح بعض الأفكار بشأن الاستعداد لاحتمالية رئاسة بايدن.
يبدأ المقال بالحديث عن أن الخريف القادم قد يشهد حدثين محتملين يغيران قواعد اللعبة. الأول، هو اكتشاف لقاح و/أو علاج لفيروس كورونا يمكن أن يحدد مسارًا للخروج من الوباء. أما الاحتمال الثاني فهو أن الولايات المتحدة قد تختار رئيسًا جديدًا. وبالرغم من صعوبة التنبؤ بنتيجة الانتخابات الأمريكية القادمة، وخاصة أن تنبؤات الانتخابات السابقة عام ٢٠١٦ كانت فاشلة، ومع ذلك تشير الاستطلاعات إلى أن بايدن لديه فرصة تزيد على ٥٠٪ للفوز بالبيت الأبيض، وأن هناك قدرا من تراجع ترامب لدى قاعدته الانتخابية، وأنه لن يكون من السهل عودة الاقتصاد الأمريكي إلى النمو القوي في الأشهر التي تسبق الانتخابات. كما أن فيروس كورنا سوف يستمر في حصد حياة العديد من الأمريكيين. ويشير المقال الى أنه يمكن أن تتغير الظروف، ولكن يظل من الحكمة عدم تجاهل احتمال هزيمة ترامب.
و يذكر المقال أن انتصار بايدن لن يغير العالم رأسا على عقب، حيث سيستمر التنافس الصيني الأمريكي، و ستستمر التوترات في منطقة الشرق الأوسط، و لن تتغير كثيرا سياسات الرئيس الروسي بوتين، و ستستمر ضغوط وتوترات العولمة وعدم المساواة في تغذية نيران الشعبوية.
إلا أن توجهات بايدن سوف تختلف عن توجهات ترامب بشأن العديد من القضايا، فبايدن يقدر أهمية التحالفات، وعلى استعداد لإعادة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، ويريد تعزيز النظام الدولى الليبرالي المفتوح بدلاً من إسقاطه، وسيهتم بقضايا الديمقراطية، والتي تتراجع حول العالم بشكل كبير نتيجة ازدراء زعيم أقوى دولة ديمقراطية في العالم.
نتيجة لما سبق، يرى المقال أنه يجب على حلفاء الولايات المتحدة البدء في الاستعداد للتعامل مع بايدن، من خلال التفكير جيدا في الكيفية التي يمكن أن يكونوا بها شركاء للإدارة الأمريكية الجديدة في محاولة استعادة نظام دولي قائم على قواعد راسخة وليس تصرفات انفرادية. وبما أن السيد بايدن مؤيد قوي لمنظمة حلف شمال الأطلنطى، فسيكون انتخابه اللحظة المناسبة لأعضاء الحلف الأوروبيين للوفاء بوعودهم بالمساهمة بشكل أكبر في الحلف. وبما أن المرشح الديمقراطي أشار إلى أنه يرغب في إنقاذ الاتفاق النووي الدولي مع إيران، فما الذي يمكن أن تفعله أوروبا لإقناع طهران بتلبية المخاوف المفهومة للعديد من الأمريكيين؟
وإلى جانب هذه المخاوف الإقليمية، فإن الحكومات الأوروبية، إلى جانب الحلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، لها دور تؤديه في صياغة استراتيجية غربية واسعة تجاه الصين تجمع بين المشاركة الضرورية مع بكين وفى نفس الوقت الدفاع القوي عن المصالح والقيم الغربية. وأخيرا يشير المقال الى أن اللحظة الأحادية القطب قد انتهت، ومن ثم فإن العرض الذي يقدمه الحلفاء للرئيس بايدن يجب أن يكون عرض شراكة.
ونعود الى سؤال ماذا عنا كعرب ومصريين؟ مقال الفاينانشيال تايمز يجب أن يستثير فينا الرغبة في التفكير في احتمال فوز بايدن، وكيفية الاستعداد للتعامل مع إدارته على المستوى الدولي والإقليمي والثنائي. على سبيل المثال، هل يمكن أن يكون لدينا رؤية لنظام دولى جديد، وما هي القواعد التي يجب أن يقوم عليها؟ هل يمكن التفكير في شراكة على أسس جديدة فيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط؟ ما هو التصور لو عادت الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران وكيف يمكن إقناع إدارة بايدن بمخاوف بعض الدول العربية تجاه إيران والتي تتجاوز نصوص الاتفاق النووي؟ كيف يمكن التعامل مع إحياء بايدن لملفات الحقوق والحريات؟ وعلى المستوى الثنائي، وفي ظل الأصوات الأمريكية المرتبطة بحملة ترامب والتي تدعو لمراجعة أسس العلاقات المصرية الأمريكية، فكيف نفكر في وضع تصور جديد للعلاقات مع الولايات المتحدة يبنى على الجذور الاستراتيجية للعلاقة ويتكيف في نفس الوقت مع المتغيرات الأمريكية والإقليمية والدولية، وغير ذلك من القضايا الجديرة بالتفكير.
وأخيرا، يظل فوز ترامب وارادا، ولكن هناك أيضا احتمال وصول بايدن للبيت الأبيض، وهو أمر يجب الاستعداد له.
نقلا عن جريدة الأهرام، 17 يونيو 2020.