في 28 يونيو 2020، اتهم الرئيس الإيراني السابق “أحمدي نجاد” حكومة بلاده بعقد اتفاق مدته 25 عامًا مع دولة أخرى بهدف تجريد إيران من مواردها ونشر قوات أجنبية على أراضيها، وهو ما نفته طهران، موضحة أن فكرة الاتفاق ترجع لزيارة الرئيس الصيني “شي جين بينج” لطهران في 2016، بينما لم تعلق بكين، واكتفت بالقول إن البلدين يطوران علاقاتهما الثنائية.
أبعاد الاتفاق
يستهدف أحد بنود الاتفاق المسرب بين الصين وإيران حول تطوير الأسلحة وتبادل المعلومات الاستخباراتية لمكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات والاتجار بالبشر، إرساء تحالف عسكري جوي وبحري قد يشمل روسيا فيما بعد. واعتبر المراقبون أن الاتفاق يستهدف ضرب الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، وتجاوز العقوبات المفروضة على طهران وإنقاذ صناعتها للنفط، إذ تستورد بكين 10 ملايين برميل نفط يوميًّا من إيران.
تسعى إيران من خلال ذلك الاتفاق إلى تحسين أوضاعها الاقتصادية، إذ تأمل في خسارة “ترامب” في الانتخابات الرئاسية القادمة، وعودة العمل بالاتفاق النووي، ومن ثم إعادة ضخ النفط الإيراني في الأسواق العالمية، مع انحسار الجائحة وعودة السياحة. وتنظر طهران لتلك الأهداف على أنها ممكنة في ظل التصعيد الصيني-الأمريكي الراهن، والسعي الصيني للتواجد في منطقة الخليج لاستغلال الفراغ الأمريكي أو استراتيجية الابتزاز التي يمارسها “ترامب” منذ توليه الحكم.
يُعبّر الاتفاق عن نمط من العلاقات الممتدة بين بكّين وطهران منذ السبعينيات عندما توقّفت الصين عن دعم الأحزاب الشيوعية المحلية، وبدأت الاتصال مع إيران كقوة إقليمية صاعدة بعد الثورة الإسلامية في عام 1979، خاصةً أن طهران كانت تبحث عن مصدر للسلاح غير الغربي، سواء من الصين أو روسيا أو كوريا الشمالية لمواجهة حظر الأسلحة الغربية في عامي 1979 و1980.
شراكة استراتيجية
تمتلك إيران أهمية جيوسياسية بالنسبة للصين نظرًا لكونها دولة ساحلية على بحر قزوين، ويقع حدها الجنوبي في أضيق نقطة في الخليج تربط بحر العرب والمحيط الهندي. وبالإضافة لكونها أحد أكبر مزوّدي بكين بالنفط، فإن طهران تُعد مركزًا رئيسيًّا محتملًا لنقل الطاقة بين الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأوروبا، فضلًا عن مركز رابط في طريق سكة حديد صيني-أوروبي يتخطى الأراضي الروسية.
وقد شكّلت احتياجات الصين المتزايدة من الطاقة في التسعينيات من القرن الماضي أساس الشراكة التي توسّعت مع إيران، حيث تطورت بسبب الضغط الأمريكي على أوروبا واليابان وروسيا لتقليل علاقاتهم التجارية والاستثمارية مع إيران. وعندما أطلقت الصين مبادرة “الحزام والطريق” في عام 2013، أبدت إيران استعدادها للانضمام إلى المبادرة، في ظل سعيها لتبنّي استراتيجية “النظر شرقًا”، حيث باتت الصين المستفيد الرئيسي منها، حيث برزت كأهم شريك اقتصادي لإيران، خاصة في قطاعات تكرير النفط، وضخ رأس المال في صناعاتها الاستخراجية، ويُعد مشروع خط سكة الحديد فائق السرعة “طهران – قم – أصفهان” من بين مشاريع البنية التحتية القليلة التي تديرها شركات أجنبية، إذ أنشأته “مجموعة سكك حديد الصين” المحدودة والممول بقروض من الصين.
برغم أزمة وباء كورونا، فقد استمرت إيران في الحفاظ على رحلات الطيران الجوية في بداية انتشار الوباء في مدينة ووهان الصينية، ورغم إيقاف جميع الرحلات في 31 يناير 2020، واصلت شركة الطيران الإيرانية “ماهان للطيران” -التابعة للحرس الثوري- رحلاتها بين طهران وأربع مدن صينية رئيسية، مما دفع البعض للقول إنها كانت سببًا رئيسيًّا في إدخال الوباء إلى إيران أو تفاقمه، كما أكد نائب وزير الصحة الإيراني وجود صلة بين المواطنين الصينيين وانتشار الوباء، لكن الصين خففت ذلك عبر إرسال مساعدات إنسانية لطهران.
بكين والاتفاق النووي
يرجع انخراط الصين في الدبلوماسية النووية مع إيران إلى مفاوضات 5 + 1، فقد تمسّكت بكين بمبدأ عدم التدخل في السيادة الإيرانية وفقًا ل”المبادئ الخمسة للتعايش السلمي” في سياستها الخارجية. في المقابل، حرصت إيران على استمرار الصين كصوت مضاد للولايات المتحدة. خاصة وأن الصين تشارك في إعادة إعمار المنشأة النووية الإيرانية في آراك كعنصر تقني في الاتفاق النووي، ما يعني التزامها كي يظهر الاتفاق بشكل ناجح لإغلاق الملف النووي الإيراني، بالإضافة لعضويتها في اللجنة المشتركة كآلية لحل النزاعات.
وقد كانت بكين الشريك الرئيسي لإيران في مجال التكنولوجيا النووية حتى عام 1997، حيث ساعدت في إنشاء العناصر الرئيسية لبرنامجها الحالي، كما تعد أحد أكبر موردي الأسلحة لإيران لما يقرب من أربعين عامًا، واستطاعت التقدم على روسيا لفترة وجيزة في مبيعاتها العسكرية بين عامي 2008 و2012، عندما تحسنت العلاقات الروسية الأمريكية بشكل طفيف في عهد “أوباما”.
وقد عبّرت الصين عن استيائها من العقوبات المفروضة على طهران، خاصة أنها تؤثر على علاقتهما التجارية، وتوصلت لمقاربات مشتركة مع روسيا لاقتراح تعديلات على نصوص قرارات العقوبات، كما انتقدت الصين التحيز الغربي الشديد لجهود منع الانتشار النووي، واعتبرته نفاقًا وافتقارًا إلى المصداقية.
وبعد إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” رغبته في الانسحاب من خطة العمل الشامل المشتركة JCPOA أو ما يُعرف بالاتفاق النووي الإيراني الذي عُقد في 2015، أعلنت الصين رفضها لسياسة “فرض أقصى ضغط” على إيران، وأكدت أنه ينبغي مواصلة الالتزام بالاتفاق وتسوية الخلافات بين أطرافه عبر الحوار، لأن الاتفاق يساهم في الحفاظ على نظام عدم الانتشار، ويخدم مساعي السلام والاستقرار بالشرق الأوسط. وأبدت بكين استعدادها للتنسيق بين الأطراف.
وقد دعت بكين إلى الرفع التدريجي للعقوبات أحادية الجانب ومتعددة الأطراف المفروضة على إيران. إذ حصلت على استثناء من العقوبات الأمريكية على طهران لتحصل على النفط الإيراني حتى 3 مايو 2019، وساهم ذلك في تفادي تدهور الوضع الاقتصادي لنظام طهران الذي أدى للاحتجاجات التي انطلقت منذ نهاية 2017، مع ذلك، ساهمت الصين في إصدار عقوبات دولية على إيران، مثل حظر الأمم المتحدة تصدير معظم الأسلحة التقليدية الرئيسية إلى إيران في 2010. وفي عام 2015، أصدر مجلس الأمن بالإجماع القرار رقم 2231، الذي أبقى على حظر الأسلحة المفروض على إيران لمدة خمس سنوات والعقوبات على برنامج الصواريخ الباليستية لمدة ثماني سنوات.
أكدت الصين أن روابطها التجارية مع إيران مشروعة ومنفتحة ولا تنتهك قرارات مجلس الأمن، وأنها تُعارض العقوبات أحادية الجانب، وذلك ردًّا على التصريحات الأمريكية بأن الشركات التي ستتعامل مع إيران ستُمنع من التعامل مع الولايات المتحدة، وفي فبراير 2020، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ثلاث شركات صينية وفرد واحد بزعم مساعدتهم برنامجَ الصواريخ الإيراني. جاء ذلك على خلفية تعزيز العلاقات بين إيران وروسيا والصين، إذ أجرت البلدان الثلاثة مناورات بحرية في ديسمبر 2019 في بحر العرب والمحيط الهندي بالقرب من مضيق هرمز، تستهدف إثناء الولايات المتحدة عن مهاجمة إيران.
مستقبل العلاقات
تعتمد العلاقة الصينية-الإيرانية بين الجانبين على نهج براجماتي، فإذا أرادت الصين تحسين علاقتها بالغرب مستقبلًا، فإن علاقتها بإيران قد تتأثر سلبًا برغم وجود مصالح استراتيجية تربطهما، كما أن علاقات الصين مع دول مثل الهند وإسرائيل والسعودية تواجه حذرًا إيرانيًّا، بينما تنظر طهران لعلاقاتها مع الصين كجزء من شبكة علاقات متعددة الأطراف ممتدة مع قوى آسيوية مثل اليابان، كما تستخدمها لمواجهة العزلة الدولية وإنقاذ اقتصادها من عقوبات الولايات المتحدة؛ فإن الصين تبدو حذرة، إذ تشكل التجارة المشتركة مع إيران جزءًا صغيرًا، بالإضافة إلى إمكانية تعويض بكين نقص إمدادات النفط الإيراني عبر روسيا والسعودية.
تبدو علاقة الصين التجارية مع دول الخليج أكثر جاذبية لها مقارنة بإيران، إذ إن السعودية تعد أكبر مورد نفطي للصين، كما التزمت الشركات الصينية باستثمارات وعقود بناء بقيمة 123 مليار دولار لدول الخليج منذ عام 2013، وبرغم أن الصين قد لا تمثل تهديدًا عسكريًّا لإيران، فإن الدعم الإيراني للإسلاميين في مقاطعة شينجيانج الصينية يشكل مصدر قلق للقيادات الصينية التي تعدهم مصدرًا للتهديدات الإرهابية، وتتخذ ذلك ذريعة لاتخاذ إجراءات قمعية في تلك المنطقة. ويتعارض تطوير القدرات النووية الإيرانية مع الموقف الرسمي الصيني بشأن عدم الانتشار والمصالح المهيمنة في الاستقرار الإقليمي، إذ يبدو أن طموحات إيران الإقليمية أبعد من مجرد تعزيز التكامل على طريق الحرير، وقد لا تتوافق بالضرورة مع الأهداف الصينية على المدى الطويل.