في السابع والعشرين من يناير 2021، شارك “محمد صالح النظيف” الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في مالي (SRSG) ورئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما)، في حفل الإطلاق الرسمي لمُبادرة مُراقبة وتحليل الضحايا المدنيين Monitoring and Analysis of Civilian Victims المعروفة اختصارًا باسم ميساد MISAD، وذلك في سياق عمليات القوة المشتركة لدول الساحل الخمس (FC-G5S) بقيادة فرنسا، وإشراف الأمم المتحدة. بحضور بكلٍّ من “مامان سامبو سيديكو” الأمين التنفيذي لمجموعة الساحل الخمس G5، وقائدها الجنرال “عمرو ناماتا كازاما”، و”أنخيل لوسادا” مبعوث الاتحاد الأوروبي لمنطقة الساحل، ورئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بمنطقة غرب ووسط إفريقيا، وممثلين عن منظمات إقليمية ودولية. وشدد المشاركون على أهمية الجهود المبذولة لضمان احترام حقوق المدنيين وسلامتهم، وهو أمر ضروري لنجاح جهود مُكافحة الإرهاب. كما أكدوا تمسكهم بنجاح قوة دول الساحل الخمس، وامتثالها لإطار احترام حقوق الإنسان HRCF.
دوافع مُتعددة
لم تَستطع الحكومات المحلية ولا الجهود الدولية احتواء أعمال العنف أو حماية السكان المدنيين في الساحل، ولكن فقدت الدول السيطرة على مناطق بأكملها، وسادت حالة من العداء تجاه القوات الوطنية والدولية، حيث يتحمل المدنيون وطأة الصراع المُسلح، ولا يواجهون فقط عمليات القتل والاختطاف والتشريد والنهب والموت والمضايقات من قِبل الجماعات المُسلحة المختلفة، ولكن أيضًا القيود المفروضة على تحركاتهم وحصولهم على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والإمدادات الغذائية. ويمكن توضيح أبرز ملامح وضع المدنيين في الساحل على النحو التالي:
استهداف المدنيين المُتعمد: لقد دفع عدد كبير من المدنيين في منطقة الساحل ثمنًا باهظًا في ظل محدودية الوصول إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية، ونقص الفرص الاجتماعية والاقتصادية لمعظم السكان بما في ذلك الشباب، فضلًا عن نقاط الضعف المزمنة التي تزيد من تفاقم الوضع في المنطقة، وتحديدًا بمنطقة الساحل الأوسط، حيث تستمر المذابح بحق المدنيين، وتُهدد الأزمة الإنسانية في المنطقة إلى جانب تحديات التنمية، بعكس مسار التقدم المحرز خلال السنوات الأخيرة، مع جعل حماية السكان المدنيين أكثر هشاشةً، وتفاقم الوضع بسبب جائحة “كورونا”، ويتزايد عدد النازحين في ظل تركيز الجماعات المُسلحة على المدنيين كهدف أول.
تزايد أعداد القتلى: أودت الأزمة الأمنية في منطقة الساحل بحياة عشرات الآلاف من الأرواح، وأجبرت الملايين على النزوح، وأطلقت مستويات قياسية من نقص الغذاء. في عام 2020 فقط، قُتل ما يقرب من 6500 شخص في بوركينافاسو ومالي والنيجر. كما تَسبب انتشار العنف وانعدام الأمن في أزمة إنسانية حادة، حيث قُدر ما يقرب من 13.4 مليون شخص (حوالي 20٪ من سكان المنطقة) بحاجة إلى مساعدة فورية في أكتوبر 2020. ومؤخرًا في بداية يناير 2021، قُتل 105 مدنيين في هجوم على قريتين بمنطقة تيلابيري في غرب النيجر، باعتبارها أكبر حصيلة للقتلى منذ عام 2012.
حالة انعدام الأمن والخوف الدائم: يتحمل المدنيون وطأة العنف والهجمات الإرهابية والصراعات المُسلحة، ويعيشون في حالةٍ من الخوف الدائم من وقوع هجمات جديدة، مما يجبرهم على مُغادرة منازلهم، والبحث عن مكان آمن في مناطق أخرى من بلدانهم أو عبر الحدود، وغالبًا ما ينحاز المدنيون للجماعات المُسلحة خوفًا من الانتقام، أو من أن يصبحوا عالقين أو ضحايا في المجتمع، ويستسلم بعضهم للقادة الجدد في المناطق الريفية.
مضمون وأهداف مُبادرة “ميساد”
تُوجد العديد من الاستراتيجيات، لكن هناك القليل من التقدم في تأمين الساحل، وتحديدًا عمليات الحماية المدنية. وعلى الرغم من تحقيق بعض المكاسب التكتيكية، ولا سيما قَتل القادة الجهاديين، فإن الجماعات المُسلحة والمليشيات المحلية ترتكب المزيد من الانتهاكات ضد المدنيين، مما دفع الكثيرين للانضمام للجماعات المُسلحة. وعلاوةً على ذلك، تتجاهل الاستراتيجيات الحالية الجهود الأكثر أهميةً لتهدئة الصراعات المحلية، وإقناع سكان الريف بحسن نية الدولة، وعودة الثقة مرةً أخرى، وغالبًا ما تُثبت مشاريع التنمية عدم فعاليتها.
وعليه، تهدف مُبادرة “ميساد” إلى تجنيب السكان المدنيين الأضرار التي قد تطرأ عن النشاط العسكري لمجموعة دول الساحل الخمس، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سياق العمليات العسكرية وأنشطة الجماعات المُسلحة واتفاقيات تَبادل الأسرى، مما يُقوّض جهود مُكافحة الإفلات من العقاب بالمنطقة. كإطارٍ لمنع إلحاق الأذى بالمدنيين أثناء تنفيذ العمليات العسكرية الهجومية بما في ذلك عمليات مُكافحة الإرهاب.
وعلى صعيدٍ مُتصل، أعلن “سالفو كابوري”، حاكم ولاية الساحل في بوركينافاسو، أن حركة الدراجات النارية بأنواعها (ثنائية وثلاثية العجلات) والشاحنات الصغيرة محظورة ليلًا ونهارًا في إطار مُحاربة الإرهاب، ويخص هذا الإجراء الشريط الحدودي مع جمهورية مالي في الشمال والنيجر في الشمال الشرقي، ويمتد هذا الحظر خلال الفترة من 8 فبراير 2021 إلى 8 مارس 2021. وعليه، أدت تدابير الطوارئ إلى تقييد الوصول إلى الأسواق، وزيادة أسعار المواد الغذائية، وتفاقم المخاطر الأمنية في المنطقة.
ولذا، فالوضع مُقلق بشكلٍ خاصٍ في المنطقة الحدودية (ليبتاكو غورما) بين الدول الثلاث (مالي، النيجر، وبوركينافاسو)، حيث تشترك هذه الدول في حدود سهلة الاختراق، وتتضافر فيها الهجمات التي يشنها المتطرفون والجماعات المُسلحة مع الأنشطة غير المشروعة والصراعات المحلية والعنف الطائفي، ويَعتبر السكان أنفسهم ضحايا مُزدوجة اشتعلت بين المتطرفين الذين يُمارسون العنف والتدابير الأمنية المقيدة حكوماتهم بهذه المنطقة.
تدابير وإجراءات ملحة
يظهر الاهتمام بحماية المدنيين عن طريق تطور المعايير القانونية والاجتماعية، وضرورة تقييم أي تدخل، سواءٍ كان عسكريًا، أو إنسانيًا، أو تنمويًا، من خلال توفير حماية أفضل، وتحسين الاستجابة لجميع الأشخاص المتضررين من الصراع دون تمييز، وإعطاء الأولوية لمُكافحة الإفلات من العقاب كعنصر أساسي في الالتزام بحماية المدنيين ودعم سيادة القانون. ومن الضروري أن تلتزم الدول الأعضاء في مجموعة الساحل الخمس بما يلي:
تأكيد التزاماتها الدولية في مجالات حقوق الإنسان واللجوء والقانون الدولي الإنساني، وضمان حماية المدنيين بمن فيهم المشردون واللاجئون والنساء وكبار السن وذوو الاحتياجات الخاصة.
وضع حماية المدنيين في قلب العمليات العسكرية من خلال تعزيز العلاقات بين قوات الدفاع والأمن والسكان، وضرورة التمييز بين الاستجابات العسكرية والإنسانية.
إدانة انتهاكات حقوق الإنسان، واتخاذ تدابير دائمة للتحقيق في الجرائم التي ترتكبها قوات الدفاع والأمن وجماعات الدفاع عن النفس وعناصر الجماعات المُسلحة لتعزيز النظام القضائي وضمان وصول المدنيين إلى العدالة.
التأكد من أن تنفيذ إطار الامتثال لحقوق الإنسان يشمل تطبيق سياسة العناية الواجبة بحقوق الإنسان، وتهيئة الظروف للأعضاء المدنيين والعسكريين لاحترام وتعزيز أعلى معايير السلوك الأخلاقي والمهني.
ضمان الوصول الآمن للمساعدات الإنسانية دون عوائق إلى السكان النازحين قسرًا، والمجتمعات المضيفة لهم، والسكان المدنيين ككل، ووقف الهجمات ضد الأطفال (في منازلهم أو مدارسهم أو مراكزهم الصحية).
الاستثمار في الخدمات الاجتماعية الأساسية (الصحة والمياه والصرف الصحي والتعليم) في وسط وشرق مالي وشمال بوركينافاسو وغرب النيجر.
تشجيع الحل السياسي القائم على التماسك الاجتماعي والمصالحة والحكم المحلي من خلال تنفيذ آليات جديدة، بما في ذلك تعزيز قدرة السكان المتضررين على الصمود، وإمكانية وصولهم إلى سُبل كسب العيش لتحديد مصيرهم.
باختصار، تَكشف أزمة منطقة الساحل الإفريقي عن تقادم معظم الأدوات التي تم حشدها بالطريقة التقليدية من قِبل الفاعلين الدوليين على المستوى الثنائي أو المتعدد الأطراف لتعزيز علاقة الثقة بين مجموعة دول الساحل الخمس والمدنيين. وتأمل مُبادرة “ميساد” في تحسين كرامة وحماية المدنيين، وتقليل الضرر الذي يلحق بهم، وتَحمل مسئولية الأنشطة التي تعود بالنفع على السكان المحليين.