دخلت منصة التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أتون التصعيد الفلسطيني-الإسرائيلي، لتجد نفسها في القلب من حملة مقاطعة واسعة وحملة ثانية للتقييم السلبي وحملة ثالثة لتجاوز خوارزمياتها، وهو ما يرجع بشكل مباشر لانحيازها الواضح للجانب الإسرائيلي على تعدد مؤشرات ذلك، وهو الأمر الذي أسفر عن جهود فلسطينية وعربية للتنديد بسياسات “فيسبوك” ومعاقبتها من ناحية، وإيجاد آليات بديلة للتضامن مع القضية الفلسطينية من ناحية ثانية، وكشف حقيقة التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين من ناحية ثالثة.
مظاهر الانحياز
مع تكثيف القوات الإسرائيلية هجماتها على قطاع غزة وارتفاع أعداد القتلى، انحازت “فيسبوك” للجانب الإسرائيلي، الأمر الذي تجلى في النقاط التالية:
1- الدفاع عن الصهيونية: وَضعت شركة “فيسبوك” جُملةً من القواعد الداخلية السرية التي تسمح لها بتعقب المنشورات التي تضمنت كلمة “صهيوني” بهدف تتبع وقمع الانتقادات الموجهة لإسرائيل. وقد أثارت تلك القواعد لغطًا كبيرًا منذ أن وُضعت في عام 2019 لأنها تتعارض مع ادعاءات الشركة في شهر مارس الماضي بعدم اتخاذ أيّ قرار بشأن الصهيونية. فتبعًا لتصريحاتها الرسمية، لم تُحدّد الشركة الحدّ الفارق بين الصهيونية واليهودية، كما لم تُقرر بعد أن استخدام الأولى يُعد “خطاب كراهية”. وبشكل عام، برّرت الشركة موقفها من تتبّع المنشورات سالفة الذكر -سواء على منصتها الرئيسية “فيسبوك” أو تطبيقاتها الفرعية مثل “إنستجرام”- بعدم السماح بانتقادات الصهاينة من ناحية، ومُجابهة الهجمات التي تعرضوا لها من ناحية ثانية، والنظر للصهيونية بوصفها وكيلًا لليهودية من ناحية ثالثة، وحماية الصهيونية بموجب سياسة خطاب الكراهية من ناحية رابعة، والحيلولة دون تكرار ذكرها في النقاشات السياسية من ناحية خامسة.
2- الرقابة والإزالة والحذف: نَهضت سياسة “فيسبوك” على التحيز لإسرائيل وتكميم أفواه الفلسطينيين، لا سيما حال انتقاد إسرائيل؛ فالمنشورات التي تضمنت ذلك تعرضت إما للحذف وإما للحظر لكونها “مُسيئة”، حتى وإن تحدثت عن حقائق موضوعية كتلك التي تُوثِّق العنف الإسرائيلي أو محاولات الاستيلاء على منازل الفلسطينيين من قبل مستوطنين إسرائيليين. ومن الجدير بالذكر أن “فيسبوك” برّرت ذلك بالحادث العارض والمشكلات التقنية والحذف الخاطئ والأخطاء البشرية. وفي هذا السياق، اختفت منشوراتٌ وتعليقاتٌ عدةٌ كتلك التي ذكرت القدس أو فلسطين أو الانتهاكات الإسرائيلية أو الاحتلال. وهو ما فسرته بعض التحليلات بخوارزميات الشركة التي تتبّعت المنشورات الداعمة لفلسطين، وحذفت الكلمات المتضامنة معها (مثل: المقاومة، وفلسطين، والقصف، وغير ذلك).
3- إغلاق الصفحات: أغلقت “فيسبوك” عشرات الحسابات الفلسطينية لصحفيين ونشطاء بالضفة الغربية وقطاع غزة بسبب منشوراتهم المنددة بالسياسات الإسرائيلية وصفحاتهم الإخبارية الشهيرة التي تحوي ملايين المعجبين دون سبب واضح. كما حذفت عددًا من الحسابات الإدارية لعاملين في صفحات إخبارية فلسطينية. كما حظرت أيضًا صفحة حركة “حماس” والمحتوى الذي يُشيد بها. وفي 14 مايو 2021، أعلن الحزب الشيوعي اللبناني أن إدارة “فيسبوك” أغلقت صفحة الحزب الرسمية بسبب دعمها لنضال الشعب الفلسطيني بزعم عدم التزامها بالمعايير المجتمعية من ناحية، وتأييد الأخبار التي تنقلها الصفحة للإرهاب والقتل من ناحية ثانية، وهو ما أرجعه الحزب إلى الانحياز إلى ما أسماه “السردية الصهيونية” التي تُسكت الأصوات المناوئة، وتصف حركات المقاومة وانتفاضة الشعب الفلسطيني الباسلة ضد الاحتلال بالإرهاب. كما أرجع الأمر إلى استخدامه مصطلحات من قبيل: القتل، والاحتلال، والمجزرة، والتهجير، والسرقة، والإرهاب، وهو ما يُعدّ في مُجمله مصدرًا لفخر الحزب، داعيًا إلى إدانة هذا القرار تضامنًا مع حرية التعبير، وتأكيدًا على حق الوصول إلى منصات وسائل التواصل الاجتماعي دون قيود سياسية تفرضها شركاتٌ خاصةٌ ذات أجندات سياسية.
4- ملاحقة داعمي المسجد الأقصى: حذفت وقيّدت منصة “إنستجرام” المنشورات ذات الصلة بالمسجد الأقصى، وهو ما بررته بأن نظام إدارة المحتوى الخاص بها ربط بين المسجد الأقصى وكتائب شهداء الأقصى “الإرهابية”؛ فيما وصفته بأنه خطأٌ إشرافيٌ جديدٌ. وعلى إثره، أُطلق على عمليات الإزالة صفة أخطاء تنفيذية في منشور داخلي ورد فيه نصًا: “بينما يُشير الأقصى (Al-Aqsa) إلى مكان، فإنه مُدرجٌ أيضًا كمنظمة محظورة. ومع ذلك، يجب ألا يَنتهك هذا المصطلح سياساتنا”. إذ تلتزم “فيسبوك” قانونًا بإزالة المنشورات التي تدعم المنظمات التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات أمريكيةً.
5- لقاء المسئولين: التقى “فيسبوك” بمسئولين إسرائيليين وفلسطينيين لمناقشة خطاب الكراهية. وفي هذا السياق، اجتمع “نيك كليج” و”جويل كابلان” وغيرهما مع وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني غانتس”. وقد شمل اللقاء أيضًا “جوردانا كاتلر” (مديرة السياسات العامة لإسرائيل والشتات اليهودي). وقد طلب منهم وزير الدفاع إزالة المحتوى غير المرغوب فيه بشكل استباقي والاستجابة بسرعة لنداءات مكتب الإنترنت الإسرائيلي الذي تأسس في عام 2015 للإبلاغ بشكل منهجي عن المحتوى المتداول على منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي تعتبرها أجهزة الأمن الإسرائيلية مرفوضةً. وقد أكدت الشركة على خلفية ذلك الاجتماع أنها ستُرسل “عزام علم الدين” (مدير السياسة العامة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “فيسبوك”) لحضور اجتماع آخر مع السلطة الفلسطينية بهدف مناقشة المحتوى المتداول على منصات التواصل الاجتماعي.
6- تقييد البث الحي: عُوقب كل من استخدم كلمات على شاكلة الاحتلال أو الشهداء بحظر بث مقاطع الفيديو الحية لمدة شهر. فلا شك أن تلك المقاطع تعتبر إحدى الميزات الثورية المتاحة على وسائل التواصل الاجتماعي لأنها تسمح بنقل الأحداث وتصويرها من الأرض وقت حدوثها. ومن شأن التخلي عنها أو تقويض استخدامها أن يغير ديناميكيات الصراع لصالح إسرائيل من خلال تقويض إحدى الطرق المحتملة للمساءلة والشفافية والحدّ من قدرة المدنيين على توثيق العنف ومشاركته مع العالم أجمع.
7- ترويج الشائعات: شَهد تطبيق “واتساب” شائعات تُحذّر من تخطيط الفلسطينيين للهجوم على الإسرائيليين واستعداد الجنود الإسرائيليين لغزو قطاع غزة. وهو ما عزته صحيفة “نيويورك تايمز” إلى قيام متطرفين إسرائيليين بتغذية العنف ضد الفلسطينيين عبر 100 مجموعة جديدة على التطبيق المملوك لشركة “فيسبوك”. وعلى إثر ذلك، قال “آندي ستون” (المتحدث باسم “فيسبوك”) إنه “ردًا على العنف، نعمل على التأكد من أن خدماتنا مكانٌ آمنٌ لمجتمعنا.. سنواصل إزالة المحتوى الذي ينتهك معايير المجتمع لدينا والذي لا يسمح بخطاب الكراهية أو التحريض على العنف، وسنشرح بشكل استباقي يُعزّز الحوار هذه السياسات.” وهو ما يعني ضمنًا أن التطبيق يُنكر قدرته على الوصول إلى محتوى المحادثات الشخصية، وينتظر المعلومات اللازمة لاتخاذ إجراءات تَحظر الحسابات المتورطة.
8- تتبع المحتوى الفلسطيني: لم يتمكن المحتوى الفلسطيني من تحقيق مشاركات عالية عبر إعادة المشاركة وإعجابات المتابعين الذين يشاهدون المنشورات أو يبحثون عنها. وباتت الطريقة الوحيدة للعثور على تلك المنشورات هي كتابة اسم المستخدم بالكامل. فلم يكن منطقيًا أن تتراجع فعالية المحتوى الفلسطيني على وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الذي تحظى فيه القضية الفلسطينية بزخم واسع. وهو ما وصفه البعض بالتواطؤ الصريح في سياسات التطهير العرقي الإسرائيلية. وهو ما يرجع بشكل مباشر إلى ما يسمى (Shadowban)، وهي عملية شطب غير معلنة، تؤدي إلى تقييد الوصول إلى المحتوى دون إبلاغ المستخدم؛ فيستمر المستخدم في النشر والمشاركة دون جدوى.
مقاومة غير تقليدية
ردًا على سياسات “فيسبوك” سالفة الذكر، اتبع النشطاء الفلسطنيون والعرب جملةً من السياسات المضادة التي يُمكن إجمالها على النحو التالي:
1- انتقادات متكررة: تعالت الأصوات الفلسطينية والعربية المندّدة بسياسات وسائل التواصل الاجتماعي عامةً و”فيسبوك” خاصةً، بسبب سياسات الحظر والحذف والتقييد سالفة الذكر. وانتقد النشطاء الفلسطينيون والعرب مبررات الكراهية التي دفعت بها “فيسبوك” لتبرير سياساتها. وفي اتجاه مضاد لهذا، انتشرت حملةٌ على “فيسبوك” تدعو إلى دعم القضية الفلسطينية ومهاجمة إسرائيل عبر استخدام اللغة العربية غير المنقوطة، وهو شكلٌ من أشكال الكتابة العربية لم يُستخدم منذ القرن السابع بعد أن استخدم الشاعر والنحوي العربي “أبو الأسود الدؤلي” النقاط في الأبجدية العربية لتسهيل قراءة القرآن الكريم من قبل غير العرب؛ إذ يَسهل قراءة اللغة العربية دون نقاط للناطقين بها. وعليه، تعددت المواقع والتطبيقات التي تُحوّل النص العربي الحديث إلى هذا الشكل القديم للتحايل على خوارزميات “فيسبوك” التي تتصدى لكل محتوى ينتقد العنف الإسرائيلي.
2- حملات التقييم السلبي: ظهرت دعواتٌ تُطالب بالتقييم السلبي (بنجمة واحدة) لبعض التطبيقات وفي مقدمتها “فيسبوك” ردًا على التضييق على المحتوى الفلسطيني. وعلى إثرها تفاعل ما يزيد على 110 ملايين مستخدم مع تلك الدعوات، وشارك بعضهم صورًا لتقييم التطبيقات مصحوبةً بتعليقات سلبية من قبيل اتهام تلك التطبيقات بالعنصرية الممنهجة ضد الفلسطينيين والانحياز لإسرائيل. وقد أسفرت تلك الدعوات عن تراجع تقييم “فيسبوك” و”إنستجرام” على متجري الألعاب سواء “جوجل بلاي” أو “آب ستور” في شكل من أشكال العقاب الجماعي ردًا على سياسات وسائل التواصل الاجتماعي. كما طالب مستخدمون أيضًا بحملة مماثلة لتقييم “جوجل مابس” على غرار “فيسبوك”. ومن الجدير بالذكر أن الأول يخضع لتقييم من 13 مليون مستخدم فقط، مما يجعل تراجع تقييمه أسهل من معركة “فيسبوك”.
3- دعوات تأييد: دعا بعض موظفي شركة “جوجل” من اليهود بزيادة دعم الشركة للفلسطينيين، كما طالبوا الرئيس التنفيذي “سوندار بيتشاي” بإصدار بيان يُدين الهجمات، ويعترف مباشرةً بالأضرار التي لحقت بالفلسطينيين. وقد أتى هذا الطلب من مجموعة من الموظفين الذين يُعرفون بالشتات اليهودي في التكنولوجيا، وهي المجموعة التي تشكلت العام الماضي ردًا على المشاعر المؤيدة للصهيونية في “جوجل”. وعلى الرغم من طابعها غير السياسي، فإنها تشكل في حقيقتها مساحةً خاصةً للتعبير عن الرأي من ناحية، ووسيلةً للضغط على الشركة لإجبارها على إنهاء أي عقود تجارية تدعم الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين من ناحية ثانية. وقد تأسست مواقفهم على إدانة العنف ضد الفلسطينيين، والاعتراض على الخلط بين إسرائيل والشعب اليهودي، والتأكيد على أن معاداة الصهيونية ليست معاداةً للسامية.
4- دعوات للمقاطعة: ظهرت دعواتٌ تطالب بمقاطعة “فيسبوك” في يوم 21 مايو 2021 ولمدة 24 ساعة بدايةً من الساعة 12 صباحًا، في حملة تهدف لإغلاق “فيسبوك” و”ماسينجر” و”إنستجرام” لمناصرة القضية الفلسطينية من ناحية، ومعاقبة المسئولين في شركة “فيسبوك” من ناحية ثانية. وبالتوازي مع ذلك، امتنع أيضًا أصحاب الشركات الكبرى عن نشر إعلاناتهم على “فيسبوك”، وقرروا الاشتراك في حملة المقاطعة ليوقفوا إعلاناتهم الممولة كافّةً. وقد تمكنت تلك الحملات المعارضة من خفض تقييم الموقع إلى 1.6 من 5 نجمات على متجر “أبل” و2.5 من 5 نجمات على متجر “جوجل” بعد أن كاد يقترب من التقييم الإيجابي الكامل قبل انطلاق تلك الحملات.
5- الكتابة بالأحرف المتقطعة: ردًا على سياسات ملاحقة المحتوى الفلسطيني، حاول المستخدمون تجنب الحظر وتعليق الحسابات من خلال الكتابة بأحرف متقطعة مثل (غ ز ة)، تأكيدًا على أهمية الدور الذي يلعبه الوعي الجمعي من ناحية، وأهمية المواجهة الإلكترونية ذات الدلالات السياسية لا سيما بالمقارنة بين موقفي “فيسبوك” و”جوجل” وموقف “تيك توك” من ناحية ثانية. فقد أتاح الأخير مساحةً حرةً لعرض الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
سياسات المهادنة
فرضت السياسات السابقة ضغوطًا متزايدةً على “فيسبوك” مما دفعها إلى ما يلي:
1- الاعتذار الرسمي: وجّهت “فيسبوك” اعتذارًا رسميًا لدولة فلسطين عن تقاعسها إزاء المسئولية القانونية والأخلاقية لحق الشعب الفلسطيني في التعبير عن الاضطهاد الذي تعرض له. وقد تسلم هذا الاعتذار -مُوقّعًا من “فيسبوك”- سفير فلسطين لدى المملكة المتحدة “حسام زملط”. وقد أكدت الشركة عزمها النظر في حملات التحريض على العنف ضد الفلسطينيين. وقد أتى هذا على خلفية رسالة احتجاج قدمها “زملط” مُحذرًا فيها “فيسبوك” من استمرار التحيز لصالح لإسرائيل. كما نشر عدة رسائل يُوضح فيها سياسة التعتيم الإسرائيلية على معاناة الشعب الفلسطيني. وأكد انعدام الرقابة على التحريض الإسرائيلي أو المنشورات العبرية. كما أثار قضية التحيز الخوارزمي قائلًا إن “الآلة العسكرية الإسرائيلية تغذي الخوارزميات الخاصة بهم”. وعليه، أقرّت الشركة بأخطائها إزاء التعامل مع المستخدمين الفلسطينيين، وأكدت التوقف عن مساعي إسكات الصوت الفلسطيني ومناصري القضية الفلسطينية.
2- إنشاء مركز عمليات: أنشأت “فيسبوك” مركز عمليات خاص على المنصات التابعة لها استجابةً للأنشطة المختلفة على “فيسبوك” بشكل لحظي. وقد ضم المركز فريقًا مُجهزًا من خبراء الشركة بما في ذلك متحدثين باللغتين العربية والعبرية. ويُتيح المركز متابعة الوضع من كثب لاستباق الصيحات، وإزالة المحتوى المخالف لمعايير “فيسبوك” بشكل أسرع، والتعامل مع الأخطاء الواردة في التطبيق، وتطبيق القواعد ذات الصلة بخطاب الكراهية مع السماح بأكبر قدر مُمكن من حرية التعبير، وإزالة المحتوى الذي تخطّى الحدّ المسموح به ضد أشخاص بعينهم، واستعادة المحتوى الذي تمت إزالته عن طريق الخطأ. وقد سبق أن أنشأت “فيسبوك” مراكز عمليات مماثلة في مواجهة تحولات فارقة كالانتخابات الأمريكية على سبيل المثال.
3 – إعادة المنشورات والصفحات: أعاد “إنستجرام” لاحقًا عددًا من المنشورات ذات الصلة بالمسجد الأقصى تأكيًدا على حذفها عن طريق الخطأ بواسطة نظام الذكاء الاصطناعي، وتأكيدًا أيضًا على تصنيف بعض المنشورات التي تشير إلى المسجد الأقصى بشكل غير دقيق على أنها تُحرّض على العنف. وعلى الرغم من ذلك، شدّد الناشطون الفلسطينيون والعرب على قمع “فيسبوك” ل”هاشتجات” مثل (GazzaUnderAttack#) و(FacebookBlocksPalestine#). وقد وصل التفاعل مع الوسم الأخير إلى 4.7 ملايين مشترك تقريبًا.
أبرز الدلالات
أضحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحةً جديدةً من ساحات التصعيد الإسرائيلي-الفلسطيني، يُغذيها جيلٌ جديدٌ من الشباب الفلسطينيين والعرب، ما يعني بالضرورة خلق متنفس لأصواتهم في الوقت الذي تُحجم فيه بعض وسائل الإعلام التقليدية عن التعبير عن مواقفهم. وفيما يلي، يُمكن الوقوف على بعض الدلالات البارزة على النحو التالي:
1- تراجع سحيق: نبعت دعوات المقاطعة من عدم جدوى حذف تطبيقات التواصل الاجتماعي على اختلافها، لذا كان التفكير في حلول أخرى للضغط على “فيسبوك” لتغيير سياساتها. وبالفعل، أثرت حملات المقاطعة في عمليات البيع والشراء والإعانات التي تعتمد عليها الشركة والتي يحدث 30% منها على متجري الألعاب، وهي الحصيلة التي باتت مهددةً جرّاء حملات المقاطعة والتقييم السلبي. والجدير بالذكر أن الشركة خسرت بالفعل 56 مليار دولار من قيمتها السوقية في شهر يونيو الماضي عندما تعرضت لحملة مقاطعة من شركات أخرى على وقع خلاف بشأن أرباح الإعلانات. وبصرف النظر عن الخسائر المادية، وُجّهت تلك الحملات رسالةً مهمةً للشركة بأن الجماهير العربية فاعلةٌ متى أرادت، وأن الشركة باتت مُطالبةً بإعادة تقييم تعاملها مع مختلف المستخدمين في المنطقة.
2- مكاسب صينية: على عكس موقف “فيسبوك”، أُتيحت الفرصة للتطبيق الصيني “تيك توك” لتسجيل هدف في مرمى خصمه الأمريكي بعد أن أصبح متنفسًا للفلسطينيين؛ فأضحى منصةً رئيسةً لمشاركة الأخبار والفيديوهات المتعاطفة مع الفلسطينيين بعد أن رسّخت نفسها كمنصة ترفيهية سلفًا. كما اتسقت السياسة الصينية الرسمية مع التيار المعاكس لسياسة واشنطن، ما يُمكّنها من كسب جمهور عريض من مناصري القضية الفلسطينية. وفي هذا الإطار، ذكر وزير الخارجية الصيني إن السبب الجذري لتدهور الوضع هو غياب حل عادل للقضية الفلسطينية منذ فترة طويلة.
3- انحياز الشركات التكنولوجية: لا تختلف سياسات شركة “جوجل” عن سياسات “فيسبوك”؛ إذ تَظهر دولة فلسطين على الخريطة تحت اسم إسرائيل، كما تظهر صور المدن الفلسطينية على “جوجل إرث” (Google Earth) كصور منخفضة الدقة للأقمار الصناعية رغم توافر صور عالية الجودة لها. وعندما استخدم محللون تلك الخدمة لمعرفة آثار الدمار الذي خلّفه الاحتلال الإسرائيلي في غزة، ظهرت صورٌ ضبابيةٌ غير واضحة المعالم، ولذا اعتبر بعض المحللين هذا الإجراء تحيزًا واضحًا لإسرائيل.
4- التحيز الخوارزمي: تُحاط الخوارزميات التي تُقرر المشاركة والوصول والتأثير بسرية شديدة. فقد زعم “فيسبوك” أن سياسته بشأن الصهيونية تتعلق بأمان اليهود، فيما بدا حمايةً للمستوطنين الإسرائيليين الصهاينة والحكومة الإسرائيلية من المساءلة. وقد سبق أن تراجعت “فيسبوك” عن إضافة الصهيونية إلى قائمة الفئات المحمية. ففي شهر مارس الماضي، كان التأكيد على عدم اتخاذ أي قرار بشأن تلك المسألة. وفي المقابل، لم تُحذف المنشورات المتعلقة بالعنف الإسرائيلي بناءً على طلب من الحكومة الإسرائيلية.
5- عقاب احتجاجي: إن تراجع تقييم أي تطبيق ونزوله إلى معدلات منخفضة يؤثر بدوره على ظهوره على المنصة، وكذا في ترشيحاته. كما أن تراجع التقييم يؤثر بدوره على الشركة المالكة للتطبيق ماديًا، بما في ذلك الشركات أو التطبيقات الكبرى والشهيرة لأنه يؤدي إلى تراجع الإعلانات ومن ثم أرباح الشركات، ويدفع المعلنين إلى اللجوء لمنصات أخرى بديلة.أخيرًا، أثبت التصعيد الفلسطيني-الإسرائيلي ضراوة الحرب التي تخوضها الشعوب العربية بشكل عام، والشعب الفلسطيني بشكل خاص، في مواجهة شركات التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي. فقد أضحت الأخيرة ساحةً لآراء وتعليقات مئات الملايين من المستخدمين فيما عكس قدرة الوعي الجمعي على التأثير في الأحداث؛ فقد واجهت “فيسبوك” أكبر حملة إلكترونية للاعتراض على سياساتها، فاضطرت للاعتذار ومراجعة مواقفها. فقد أمضت منصات التواصل الاجتماعي سنوات لمجابهة خطاب الكراهية والمحتوى المتطرف، لكن التصعيد الأخير بين الإسرائيليين والفلسطينيين سيختبر حدود تلك القواعد في فصل جديد قادر على إعادة كتابتها.