تسعى مصر لتقوية العلاقات الاقتصادية مع شركائها الاستراتيجيين خلال الفترة المقبلة. وفي هذا الصدد، أعلنت وزيرة التعاون الدولي “رانيا المشاط” أنه من المقرر أن تشهد الفترة المقبلة انعقاد العديد من المفاوضات والمباحثات مع المسئولين في كوريا الجنوبية من أجل تعميق مجالات التعاون المشتركة، ووضع الإطار العام لاستراتيجية التعاون الجديدة خلال الفترة التي تتراوح بين 2021 حتى 2025.
ومن المتوقع أن تعطي الاستراتيجية الجديدة دفعة للعلاقات الاقتصادية المشتركة بين البلدين، لتشمل العديد من المجالات من بينها الرقمنة والاقتصاد الأخضر، وذلك في إطار الأولويات التنموية للدولة التي تتسق مع أهداف التنمية المستدامة 2030. ويأتي هذا بالتزامن مع اختيار كوريا الجنوبية لمصر لتصبح شريكة ذات أولوية في المساعدات الإنمائية الرسمية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال السنوات الخمس المقبلة.
وتتنوع العلاقات الاقتصادية بين الدولتين لتشمل تعميق مجالات الاستثمارات بين الدولتين، وزيادة التبادل السياحي والثقافي، وتطوير المشروعات الانمائية، وهو ما سيعرضه هذا المقال بالتفصيل.
مفاوضات مستمرة
لا تُعتبر المفاوضات الأخيرة اللبنة الأولى في العلاقات الاقتصادية بين مصر وكوريا الجنوبية، حيث سبقها الكثير من المفاوضات والزيارات المتبادلة بين الدولتين والتي أسفرت عن توقيع العديد من مذكرات التفاهم والتعاون بين الدولتين. وفيما يلي رصدٌ لأبرز الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين في عدد من الاجتماعات:
- شهدت الجلسة الختامية لمجلس الأعمال المصري الكوري المشترك المنعقد في مارس 2016 توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الكهرباء وشركة “دوسان” للصناعات الثقيلة لإنشاء محطة توليد كهرباء بالفحم بغرب مطروح على ساحل البحر المتوسط، ومذكرة تفاهم بين الشركة المصرية لتوزيع الكهرباء وتجمع يضم شركتي” هيونداي” و”دايو” الكوريتين للتعاون في مجال تطوير شبكة توزيع الكهرباء في مصر.
- وفي الشهر نفسه، وقّعت مصر وكوريا الجنوبية 9 اتفاقيات في مجالات التعليم العالي والعدل والصناعة والتجارة والسكك الحديدية وتطوير الموانئ، فضلًا عن توقيع مذكرة تفاهم بين بنك التصدير والاستيراد الكوري والحكومة المصرية بشأن إتاحة حزمة تمويلية لمصر بقيمة 3 مليارات دولار.
- وقّع كلٌ من وزيرة التعاون الدولي “سحر نصر”، ووزير المشروعات الصغيرة والمتوسطة بكوريا الجنوبية “جو يونغ سوب”، في يونيو 2016، اتفاقية للتعاون بين البلدين في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وتهدف الاتفاقية إلى تشجيع التعاون الثنائي في مجالات التجارة والاستثمار والتعاون الفني، وتنظيم دورات تدريبية لأصحاب المشروعات وتأهيل العاملين فيها، وإقامة مشروعات مشتركة، وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة للمشاركة في المعارض التجارية في كلا البلدين.
- وقّع معهد كوريا لعلوم المحيط والتكنولوجيا في أكتوبر 2010 مذكرة تفاهم مع المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد المصري من أجل التعاون الثنائي في علوم وتكنولوجيا المحيط.
- بحث الجانب المصري والكوري في أكتوبر 2019 إمكانية التعاون في مجال إدارة المخلفات الصلبة، وخاصة تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص ونقل التكنولوجيا في هذا المجال.
- اتّفقت الحكومة المصرية مع نظيرتها الكورية في فبراير 2020 على تشكيل فريق عمل من الخبراء بالبلدين لبحث إقامة شراكة اقتصادية شاملة بين الجانبين تشمل كافة مجالات التعاون المشترك، بما فيها قطاعات التجارة والصناعة والبترول والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتعليم والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
- وقعت مذكرة تفاهم بين الدولتين في أبريل 2021 لتوطين صناعة قطارات المترو والقطارات ذات الجر الكهربائي في مصر بين كل من الشركة الوطنية لصناعات السكك الحديدية “نيريك” وشركة “هيونداي” الكورية الجنوبية. وتشمل المذكرة تصنيع أكثر من 800 سيارة مترو لتحديث خطي مترو القاهرة الأول والثاني وتوريد خطوط جديدة.
العلاقات التجارية بين مصر وكوريا الجنوبية
تتمثل بنود التجارة بين مصر وكوريا الجنوبية في السلع الهندسية والإلكترونية والأثاث والملابس الجاهزة والمنتجات الكيماوية والأسمدة والصناعات الطبية. وفيما يلي عرض لتطور التجارة الخارجية بين الدولتين بشكل سنوي:
الشكل (1): تطور صادرات وواردات مصر وكوريا الجنوبية سنويًا
Source: Trade map, bilateral trade between Egypt and Korea, Republic of.
يتببن من الشكل السابق أن حجم التجارة الخارجية بين مصر وكوريا الجنوبية وصل إلى 1.39 مليار دولار خلال 2020 مقارنة مع 1.84 مليار دولار في 2019، بنسبة تراجع تبلغ 32.3% على أساس سنوي، ويرجع ذلك إلى تراجع حجم الصادرات الكورية الجنوبية لمصر من 1.72 مليار دولار إلى 1.03 مليار دولار، بما يمثل تراجعًا بنحو 40.11%، بينما صعدت الصادرات المصرية لكوريا من 12 مليون دولار إلى 36 مليون دولار.
وبالإضافة إلى حجم التبادل التجاري، تبلغ محفظة التمويل التنموي الجارية بين مصر وكوريا الجنوبية 473 مليون دولار، في العديد من القطاعات التنموية، وهي: التعليم العالي والتدريب، وتكنولوجيا المعلومات، والنقل.
كما بذلت كوريا الجنوبية الكثير من الجهود لدعم استجابة مصر لوباء كورونا، حيث قامت بتقديم إمدادات طبية بقيمة 500 ألف دولار، وصلت على مرحلتين؛ تشتمل الأولى على 227 مجموعة اختبار “PCR” من شركة “Kogene Biotech” وصلت إلى القاهرة في 14 أكتوبر الماضي، أما الثانية فقد احتوت على 223 ألف قناع طبي “KF94” و149 ألف قناع طبي “KF80”.
وعن حجم الاستثمارات الكورية في مصر فقد بلغت 570 مليون دولار في عدد 181 مشروعًا في مجالات الصناعة والخدمات والإنشاءات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والسياحة والزراعة، وفقًا لما ذكرته وزيرة التجارة والصناعة “نيفين جامع”. وتتمثل أهم الشركات الكورية المستثمرة بمصر في: “سامسونج”، و”إل جي”، وشركة “Dong-IL” للمنسوجات، وشركة “Mobis”، وشركة “GS E&C” و”SK E&C” المتخصصتان في الهندسة والبتروكيماويات. وعلاوة على ذلك، أبدت شركات كورية جنوبية مؤخرًا اهتمامها بالتعاون مع مصر في مجالات مثل الاستثمار بقناة السويس، إلى جانب تشغيل الموانئ وتطوير السكك الحديدية ومشاريع المدن الذكية وتحلية المياه وغيرها.
التبادل الثقافي
“يعتبر التبادل الثقافي بين مصر وكوريا الجنوبية حجر أساس في تطوير العلاقات بين الجانبين”، هكذا صرح سفير كوريا الجنوبية بمصر “هونج جين ووك” في إحدى الفعاليات المقامة بالمركز الثقافي الكوري بالقاهرة الذي تم تشييده أكتوبر عام 2014، وهو الأول من نوعه بمنطقة الشرق الأوسط، وفتحت جامعة عين شمس قسم اللغة الكورية داخلها لأول مرة في العالم العربي في سبتمبر عام 2005.
ويعد التعليم العمود الفقري للتجربة التنموية الكورية الجنوبية، ولهذا تسعى مصر لاكتساب الخبرات الكورية في هذا المجال، حيث تمنح مصر كل عام حوالي 10 منح لتعليم اللغة العربية تابعة لوزارة التعليم العالي ومنحة واحدة للعلوم الإسلامية من جامعة الأزهر لمسلمي كوريا، بالإضافة إلى 5 منح للمشاركة في البرامج التدريبية التي يقيمها المركز الدولي للزراعة التابع لوزارة الزراعة المصرية. ومن جانبها، توفر الحكومة الكورية عددًا من المنح لتعليم اللغة الكورية وعدد آخر للحصول على درجة الماجستير في الإدارة والعلاقات الدولية من خلال الوكالة الكورية للتعاون الدولي.
كما وقعت جامعات القاهرة وعين شمس وحلوان وبني سويف مذكرات تفاهم مع عدد من الجامعات ومعاهد البحث الكورية مثل جامعة هانكوك للدراسات الأجنبية. وبالإضافة إلى ذلك، تم تشييد الكلية المصرية الكورية لتكنولوجيا الصناعة والطاقة عام 2019 في جامعة بني سويف التكنولوجية.
ويُمكن تلخيص ما سبق في أنه من المتوقع تعزيز العلاقات بين مصر وكوريا الجنوبية خلال السنوات القادمة، وذلك مع التوصل إلى الاستراتيجية التعاونية الجديدة خلال الفترة المقبلة.