تزامن اعلان الحكومة عن طرح رؤية جديدة لتشجيع القطاع الخاص، مع وفاة احد رجال الصناعة المصرية وما أعقبها من جنازة شعبية مهيبة، تؤكد بما لايدع مجالا للشك ان الاخلاص فى العمل جنبا الى جنب مع مراعاة الدور الاجتماعى هما مفتاح النجاح لرجل الاعمال. وللاسف فقد اختصر البعض القطاع الخاص فى مجموعة ضيقة من كبار رجال الاعمال الذين يظهرون على السطح. بينما المفهوم اوسع من ذلك بكثير حيث يضم كل العاملين فى الانشطة الاقتصادية المختلفة فى الزراعة والصناعات التحويلية كالمنتجات الغذائية والغزل والنسيج والملابس الجاهزة والورق والآلات والمشروبات، بالاضافة الى التشييد والبناء والنقل بكل انواعه وتجارة الجملة والتجزئة وغيرهم.
ويبلغ عدد المنشآت العاملة فى هذا القطاع نحو 3.742 مليون منشأة بنسبة 99% من اجمالى المنشآت العاملة فى مصر، وفقا للنتائج النهائية للتعداد الاقتصادى الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء، مع الاخذ بالحسبان انها لاتضم منشآت القطاع الحكومى ولا الهيئات العامة الاقتصادية. ويعمل بها نحو 12.6 مليون مشتغل.
مع ملاحظة ان معظم المنشأت هى مشروعات متناهية الصغر بنسبة 92% تقريبا ثم المشروعات الصغيرة بنسبة 6% والباقى مشروعات متوسطة وكبيرة.
وهنا تجدر الاشارة الى انه واذا كان الهدف التنموي المطروح هو مضاعفة النمو الى ثلاثة أضعاف النمو السكاني ، فان تحقيق هذا الهدف يتطلب إحداث زيادة منتظمة في رأس المال القومي وفى فاعلية استخدامه، ورفع معدلات استخدام الطاقة العاطلة وإصلاح الهياكل التنظيمية والمؤسسية للاقتصاد القومي ككل. وهكذا فإن زيادة معدلات النمو الاقتصادى ورفع معدلات التشغيل بالمجتمع، تتطلب زيادة الاستثمار الثابت. وبالتالى فان هناك دورا مهما وحيويا يقع على كاهل القطاع الخاص المصري خلال المرحلة الراهنة وتتطلب مشاركة فعالة وقوية لهذا القطاع إذا أراد ان يكون شريكا حقيقيا وفاعلا فى العملية التنموية بالبلاد. ويتمحور هذا الدور أساسا فى الاستثمار الجاد والبعد عن الاستثمارات العشوائية وقد قامت الحكومة بالعديد من الإجراءات والسياسات الهادفة لذلك منها تعديل التشريعات المنظمة للاستثمار والضرائب والجمارك، وكذلك الخفض المستمر فى معدلات الفائدة فضلا عن المساندة التمويلية والمالية وخفض اسعار الغاز الطبيعى والكهرباء للصناعة،
وحل مشكلات متأخرات دعم الصادرات..الخ من إجراءات ولكنها لم تفلح حتى الآن فى زيادة اسثتمارات هذا القطاع إذ تشير الإحصاءات إلى أن استثمارات القطاع الخاص قد تراجعت من نحو 46.4% من إجمالى استثمارات عام 2018/2019 إلى نحو 38% عام 2019/2020 وتقدر بنحو 23% عام 2020/2021 و25% فى خطة العام المالى الحالى. تركز معظمها فى الاستثمارات العقارية والغاز الطبيعى والزراعة والاتصالات. الأمر الذى يشير إلى عدم قدرة هذا القطاع على إدارة عجلة الاقتصاد القومى فى ظل غياب الاستثمار العام حيث مازال يسير فى ركاب الاستثمارات العامة دون أن يبادر بالولوج إلى المجالات الاستثمارية المختلفة، وهى إحدى السمات الأساسية للقطاع الخاص حتى الآن.
وعلى الجانب الآخر فمازال القطاع الخاص يفضل الأسواق المحلية ويبتعد كثيرا عن الأسواق الدولية نظرا لارتفاع هامش الربح بالأولى. وهذا سبب منطقي فى ضوء كون السلع غير القابلة للتداول ليست محكومة بعوامل السوق الدولية وبالتالي فأسعارها تتحرك بحرية فى الأسواق الداخلية بينما السلع الأخرى تتأثر بعوامل السوق الدولية، وهذا الاختلاف النسبي فى الأسعار يشجع على إنتاج المزيد من السلع للأسواق المحلية وليس العكس.
ومما يزيد من خطورة المسألة عدم وجود طبقة المنظمين بالمجتمع، وهم وحدهم القادرون على الاستخدام الجيد لهذه الاستثمارات والولوج بها فى قطاعات إنتاجية جادة. ولكن غياب هذه الشريحة جنبا إلى جنب مع حرية الاستثمار دون وجود مخطط تنموى محدد بصورة واضحة قد أديا إلى ما يمكن تسميته عشوائية الاستثمار ومن ثم وجود استثمارات غير مطلوبة أو مرغوبة على الأقل فى الفترة الراهنة.
والأهم من ذلك وجود طاقات عاطلة كبيرة فى العديد من الصناعات. فمن الضرورى التفرقة بين الاستثمار الفعلى والاستثمار المرغوب فيه إذ انه وعلى الرغم من أهمية تراكم رأس المال فى حد ذاته، إلا أن تحسين نوعية الموارد وفاعلية استخدامها له أهمية كبيرة أيضا. وفى المقابل فإن القطاع الخاص المنظم لم يستطع تعويض مافقد من عمالة فى القطاع العام بالإضافة إلى الزيادات السنوية فى قوة العمل. هذا مع ملاحظة أن معظم العمالة التى لحقت بالقطاع الخاص قد انضمت إلى القطاع غير المنظم أوغير الرسمي.
وبالتالى سارت حركة التشغيل فى المجتمع على عكس الاتجاه المستهدف والذى كان هادفا إلى أن يستوعب القطاع الخاص المنظم المزيد من قوة العمل وليس العكس. وفى هذا السياق يجب إعادة صياغة لغة الخطاب لدى جمعيات رجال الأعمال والمستثمرين، إذ غالبا ما تتم المساومة مع الحكومات لانتزاع بعض المكاسب لتنفيذ سياسات معينة، فحين تطالب الحكومة القطاع الخاص بإنجاز مهمة محددة نجده يشترط شروطا كثيرة وصعبة التحقيق مما يعوق المفاوضات أو الاتفاق وهى أمور تنبع من الحرص على المصالح الشخصية وإهمال المصلحة العامة والأدلة على ذلك كثيرة ومتنوعة.
وبالتالى هناك دور مهم وحيوى يقع على كاهل القطاع الخاص المصرى خاصة خلال المرحلة الراهنة التى تمر بها البلاد بمرحلة غاية فى الخطورة وتطلب مشاركة فعالة وقوية لهذا القطاع إذا أراد أن يكون شريكا حقيقيا وفاعلا فى العملية التنموية. وبعبارة اخرى فمازلنا نبحث عن نموذج طلعت حرب الذى كان يؤكد دوما أن الثروة الفردية إذا لم تتحول فى الوقت ذاته الى ثروة عمومية، فلن ينجح قطاع الأعمال الخاص فى ان ينهض بمهامه وتحقيق تنمية اقتصادية والرخاء لمجمل أفراد المجتمع.