استطاعت قناة السويس أن تسجل أداءً استثنائيا خلال العام الماضي رغم العديد من الأحداث غير المرجوة والتي كانت من المفترض أن تعطل سير العمل في القناة، حيث حققت أعلى إيراد سنوي في تاريخها، وأكبر حمولات صافية.
وحدث ذلك بالتزامن مع مرور قطاع الشحن البحري في عموم العالم بأزمة غير مسبوقة تمثلت في ارتفاع تكلفة الشحن بما يتراوح بين ضعفين إلى أربعة أضعاف مقارنة بالعام السابق، مع تكدس السفن قرب الموانئ في انتظار التفريغ أو التحميل، فضلًا عن توقف نشاط العديد من شركات النقل بسبب فيروس كورونا.
مؤشرات الأداء خلال 2021
تعتبر قناة السويس أحد أهم ممرات النقل البحري بين أوروبا وآسيا، وواحدة من أهم مصادر العملة الأجنبية للحكومة المصرية، وعلاوة على ذلك فإنها توظف 14 ألف عامل مصري، وتوفر العديد من الوظائف بشكل غير مباشر في عدد من القطاعات الأخرى، وحظيت القناة بإشادة دولية من منظمة “BIMCO” -التي تُعد أكبر تجمع دولي للنقل البحري في العالم- بشأن أداء قناة السويس المتميز رغم تداعيات فيروس كورونا على التجارة العالمية والبحرية.
وارتفعت عائدات القناة بنحو 12.8% على أساس سنوي خلال 2021 لتسجل 6.3 مليار دولار مقابل الإيرادات المسجلة في 2020 عند 5.6 مليار دولار، كما شهدت حركة الملاحة بالقناة عبور حوالي 20.694 ألف سفينة من الاتجاهين مقابل عبور 18.830 ألف سفينة خلال العام السابق، وهو ما يمثل نسبة زيادة سنوية تبلغ 10%. أما عن الحمولات الصافية، فقد بلغت 1.27 مليار طن مقارنة مع 1.17 مليار طن تم تسجيلها خلال عام 2020.
كما استحوذت قناة السويس على حوالي 15.7% من إجمالي تجارة الحبوب المنقولة بحرًا عالميًا بإجمالي كمية بضائع يبلغ 83.5 مليون طن، وعلاوة على ذلك، سجلت القناة زيادة ملموسة في معدلات عبور مختلف أنواع السفن مقارنة بعام 2020، كما يتبين من الشكل التالي:
الشكل 1- أعداد السفن العابرة بالقناة وفقًا للنوع
يتبين من الرسم السابق ارتفاع أعداد ناقلات الغاز الطبيعي المُسال بنسبة 36.6% من 686 سفينة عام 2020 إلى 937 سفينة عام 2021، وزادت سفن الحاويات العابرة للقناة بنسبة 10.1% ليصل إجمالي عددها 5186 سفينة حاويات مقابل 4710 سفينة خلال عام 2020، فيما بلغت نسبة زيادة أعداد سفن الصب 15.3% بواقع 5893 سفينة مقابل عبور 5113 سفينة خلال عام 2020. وفيما يتعلق بالأداء الربع سنوي لأعداد السفن العابرة، يتضح ارتفاع أعداد السفن العابرة بالقناة خلال الربع الأول من العام المالي 2021-2022 إلى أعلى مستوياتها المسجلة خلال الفترة محل الدراسة عند 5410 سفينة مقارنة مع 5182 سفينة خلال الربع السابق، بما يمثل ارتفاعًا بنحو 4.39% على أساس فصلي، وهو ما يتبين من الشكل التالي:
الشكل 2- أعداد السفن العابرة بالقناة – فصليًا
وبالتحول صوب الحمولات الصافية، نلاحظ أنها حققت أفضل معدلاتها خلال الفترة المذكورة سلفًا في الربع الأول من العام المالي 2021-2022 (يوليو- أغسطس- سبتمبر 2021) عند 327.6 مليون طن، مقارنة بحوالي 318.4 مليون طن خلال الربع السابق، بنسبة زيادة تُقدر بنحو 2.8% على أساس سنوي، كما يتبين من الشكل أدناه:
الشكل 3- الحمولات الصافية للسفن العابرة بقناة السويس (مليون طن)
وكنتيجة حتمية لذلك، ارتفعت رسوم المرور من قناة السويس بنحو 7.5% خلال الربع الرابع من العام المالي 2020-2021 لتسجل 1.56 مليار دولار مقارنة مع 1.45 مليار دولار خلال الربع السابق، ومقابل 1.34 مليار دولار تم تسجيلها خلال الربع الرابع من العام المالي 2019-2020، وهو ما يتبين من الشكل (4):
الشكل 4- رسوم المرور من قناة السويس (مليار دولار)
ويتبين من التحليل السابق مدى قوة نشاط قناة السويس خلال العام الماضي فيما يتعلق برسوم المرور، وأعداد السفن العابرة، وحجم الحمولة الصافية، ويُمكن إرجاع هذا التطور الإيجابي لعدة أسباب نشرحها في السطور الآتية.
مُسببات متنوعة
تتنوع العوامل التي ساعدت قناة السويس على تحقيق معدلات نمو قوية العام الماضي بين عوامل خارجية ناتجة عن وضع الاقتصاد العالمي، وعوامل داخلية ناتجة عن وضع خطط وسياسات تسويقية جديدة، وهو ما نستعرضه على النحو الآتي:
1. ارتفاع أسعار النفط:
ساهم ارتفاع أسعار النفط خلال عام 2021 إلى مستويات أعلى من تلك المسجلة قبل الجائحة في زيادة الميزة التنافسية لقناة السويس انطلاقًا من حقيقة مفادها أنه كلما ارتفعت أسعار النفط كلما زادت تكاليف الطرق البديلة والمنافسة للقناة خاصة “رأس الرجاء الصالح” مما يدفع السفن الى اختيار الطرق الأقصر مسافة والأقل تكلفة وأقل استهلاكًا للوقود وعلى رأسها قناة السويس، حيث إن موقعها الجغرافي يجعلها أقصر طريق بين الشرق والغرب بالمقارنة مع المسارات الأخرى، بما يحقق وفورات في المسافة بين موانئ الشمال والجنوب من القناة، مما يؤول إلى تحقيق وفورات في الوقت واستهلاك الوقود وتكاليف تشغيل السفينة كما هو مبين في الجدول الآتي :
ويُمكن الاستعانة بالخرائط التوضيحية الآتية لعرض فروقات المسافات بين قناة السويس ورأس الرجاء الصالح بما يعطي الأولى ميزة تنافسية خلال موجات ارتفاع أسعار البترول:
2. الجهود التسويقية:
انتهجت إدارة قناة السويس سياسات تسويقية وتسعيرية مرنة ساعدتها على كسب ثقة المجتمع الملاحي، والتعامل بمرونة مع المتغيرات الحادثة في صناعة النقل البحري في ظل تحديات أزمة فيروس كورونا، وهو ما أثمر عن تسجيل أعلى معدل جذب للسفن بواقع 4920 سفينة وتحقيق أكبر إيراد خاص بالسياسات التسويقية منذ تطبيقها بلغ حوالي 1.1 مليار دولار من إجمالي إيرادات القناة خلال عام 2021، كما لعبت الجهود التسويقية بصفة عامة دورًا هامًا في زيادة أعداد السفن التي تعبر القناة لأول مرة وتحقيق رقم قياسي غير مسبوق بعبور 1532 سفينة محققة إيراد قدره 597.6 مليون دولار.
3. المبادرات البيئية:
تعتزم قناة السويس اعتماد آليات عمل وضوابط جديدة عن طريق تفعيل مبادرة بيئية تحت مُسمى “قناة خضراء” لدعم الحفاظ على البيئة بما يتماشى مع توجهات المنظمة البحرية العالمية “IMO” بتقليل الانبعاثات الكربونية من خلال إقرار بعض الإجراءات الجديدة منها دراسة تقديم حوافز للسفن صديقة البيئة، وبحث سبل استخدام الطاقة المتجددة في تشغيل محطات المراقبة وعددًا من الوحدات البحرية بما يمكن معه إعلان قناة السويس “القناة الخضراء”.
وبناء على ذلك، تدرس هيئة القناة إمكانية منح تخفيضات للسفن المطبقة للمعايير البيئية، ومن المتوقع أن تتراوح نسب التخفيضات والحوافز ما بين 10% إلى 20%، كما بدأت الهيئة في تنفيذ مخططها الهادف إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية والرياح كمصدر لإنتاج الكهرباء، وتشغيل محطات المراقبة على المجرى الملاحي.
4. النجاح في إدارة أزمة “إيفرجيفن”:
حازت هيئة قناة السويس على ثقة وإشادة المجتمع الدولي بعدما نجحت في إدارة أزمة جنوح سفينة الحاويات “إيفرجيفن”، التي ترتب عليها تضرر حركة التجارة العالمية، وتوقف حركة الملاحة بالقناة وتعطل سير حوالي 400 سفينة، قبل أن تنجح فرق الإنقاذ البحري بالقناة بمساندة دولية في تعويمها بشكل آمن دون أن يسفر ذلك عن أي خسائر تلحق ببدن السفينة أو البضائع المحمولة عليها.
وفي الختام، يُمكن التأكيد على أن أداء قناة السويس جاء أفضل من التوقعات بفضل مكاسب أسواق النفط التي ساهمت في اتجاه السفن للعبور من القناة بدلًا من رأس الرجاء الصالح، فضلًا عن إقامة العديد من المشروعات اللوجستية لخدمة السفن والملاحة البحرية، وذلك رغم أزمة قطاع الشحن البحري.