حملت زيارة الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة إلى مصر في السادس من فبراير 2022 أبعادًا استراتيجية ذات دلالات مُهمة في إطار التأكيد على الحرص المصري على بناء روابط استراتيجية وسياسية في منطقة القرن الإفريقي، كما تأتى الزيارة في توقيت حرج تشهد فيه منطقة القرن الإفريقي توترات تهدّد استقرار منطقة القرن الإفريقي.
وتأتي هذه الزيارة تتويجًا للعلاقات الثنائية المُتميزة في ضوء زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى جيبوتي في السابع والعشرين من مايو 2021، والتي كانت الأولى من نوعها. وتعكس الزيارات المتبادلة الحرص المصري-الجيبوتي على بناء علاقات متميزة بين البلدين، والتنسيق في القضايا ذات الاهتمام المُشترك.
وتنطلق أهمية جيبوتي باعتبارها إحدى الدول الحيوية داخل إقليم القرن الإفريقي، ويكتسب الإقليم أهمية استراتيجية نتيجة اعتبارات عدة على رأسها الموقع الجغرافي، إذ يرتبط بعدد من الممرات المائية الحيوية التي تعد حلقة الوصل بالنسبة للتجارة الدولية بين قارات العالم، مثل البحر الأحمر الذي تتزايد أهميته كونه يمر عبره 13% – 15% من حجم التجارة العالمية، فهو ممر تجاري مهم للعديد من السلع الاستراتيجية مثل النفط والغاز.
أبعاد التطور في العلاقات المصرية-الجيبوتية
تتميز العلاقات المصرية-الجيبوتية بتعدد الروابط في إطار من المصالح المشتركة، ويمكن استعراض آفاق التعاون بين البلدين على النحو التالي:
- التعاون في المجال السياسي: تشهد العلاقات الثنائية تطورات إيجابية خلال الفترة الأخيرة، ويتضح ذلك من خلال حرص القاهرة على تعزيز العلاقات مع الجانب الجيبوتي وتقديم شتى أوجه الدعم، وتعكس المباحثات المشتركة تبادل الرؤى بشأن أبرز الملفات المطروحة على الساحة الإقليمية، والتفاهم المتبادل إزاء التعاطي مع تلك الملفات. وتبرهن الرؤية المشتركة بين البلدين لمعالجة ملف سد النهضة ذلك، فنجد أن البلدين يتفقان على ضرورة التوصل إلى اتفاق مُلزم حول ملء وتشغيل سد النهضة، في إطار زمني مناسب، مما يعزز من الأمن والاستقرار الإقليمي. كما أن هناك توافقًا بشأن أهمية تسوية مستندة لقواعد القانون الدولي ومقررات مجلس الأمن لتفادي تأثيرها السلبي على أمن واستقرار المنطقة بالكامل.
- التعاون الاقتصادي: لا شك أن التنسيق السياسي بين مصر وجيبوتي، قد انعكس على العلاقات الاقتصادية، ويتضح ذلك من خلال مؤشرات التبادل التجاري بين البلدين، فقد سجلت ارتفاعًا يصل إلى 86.5 مليون دولار خلال الـ 10 أشهر الأولى من عام 2021 مقابل 62.2 مليون دولار خلال الفترة نفسها من عام 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 39.1%.. كما وصلت قيمة الاستثمارات الجيبوتية في مصر 48 ألف دولار خلال العام المالي 2019 /2020 مقابل 111 ألف دولار خلال العام المالي 2018 / 2019 بنسبة انخفاض قدرها 56.8%.. ومن الجدير بالذكر أن التفاهمات المصرية-الجيبوتية تلعب دورًا في تعزيز التعاون بين هيئة موانئ جيبوتي وهيئة قناة السويس، وهو ما سيساهم في الاستفادة من الممر التجاري الذي يربط بين ميناء جيبوتي وقناة السويس عبر البحر الأحمر، وكذلك إنجاح جهود وتعزيز التعاون في مجالات النقل ومتابعة الجهود الرامية إلى إنشاء منطقة لوجستية مصرية وتسيير خط طيران مباشر بين البلدين.
- التعاون على الصعيد الأمني: تقدم مصر الدعم الفني للكوادر العسكرية الجيبوتية، كما أن هناك تعاونًا بين مصر وجيبوتي في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف من خلال تنشيط الآليات القائمة لتعزيز علاقات التعاون العسكري والأمني. وتعتبر جيبوتي عاملًا أساسيًا في جهود مكافحة ظاهرة الإرهاب والقرصنة؛ إذ تستضيف جيبوتي على أراضيها قوات دولية لمكافحة الإرهاب وعمليات القرصنة. وكذلك هناك توافق بين الجانب المصري والجيبوتي على حماية البحر الأحمر من التهديد الإرهابي وعمليات القرصنة الدولية، نظرًا لأهمية هذا الموقع الاستراتيجي، وهناك تنسيق بين الجانبين لتعزيز الاستقرار بهذه المنطقة، والحيلولة دون سيطرة الجماعات الإرهابية على الممرات الملاحية.
المساعدات الإنسانية: هناك تعاون على المستوى الإنساني بين البلدين، ويتضح ذلك من تنشيط المبادرة الرئاسية المصرية “تحيا مصر – إفريقيا” لمعالجة ضعف الإبصار، فقد قامت قافلة طبية موفدة من وزارة الصحة المصرية بزيارة لجيبوتي لمعالجة ضعف الإبصار، وذلك في أواخر عام 2021. وقد أسفرت المبادرة المصرية عن توقيع الكشف الطبي على عدد 1354 من الطُّلاب في جيبوتي، وصرف 650 نظارة طبية. وحرصت وزارة الصحة الجيبوتية على تكريم أعضاء القافلة المصرية، للتأكيد على تقدير جيبوتي للتعاون مع مصر.
آفاق مستقبلية
في ضوء استعراض العلاقات المصرية-الجيبوتية في الوقت الراهن، يُنتظر أن يترتب عدد من التداعيات المُحتملة المُتمثلة في:
على صعيد العلاقات الثنائية: من المُنتظر أن تشهد الفترة المقبلة تواترًا في الزيارات المُتبادلة رفيعة المستوى بين الجانبين لتعزيز التعاون وتنسيق الرؤى حيال القضايا ذات الاهتمام المشترك. كما أنه من المُؤكد أن الشراكة المصرية-الجيبوتية ستساهم في تعزيز المصالح المصرية في إقليم القرن الإفريقي.
- على صعيد المستوى الإقليمي: تقع جيبوتي في إقليم يزخر بالعديد من التفاعلات الإقليمية؛ إذ يُعاني الإقليم من بعض النزاعات والصراعات وأنماط التهديد داخل بعض دولها، ونضع في الحسبان أن جيبوتي لها حدود مُشتركة مع هذه الدول المُشتعلة بالأزمات، وهو ما يُشكل تخوفًا من انعكاس الاضطرابات الأمنية لدول الجوار الجيبوتي على الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل الجيبوتي. ويمكن القول إن التقارب المصري-الجيبوتي سيساهم في وضع روية موحدة لمواجهة التهديدات على المستوى الإقليمي.
اخيرا يمكن القول إن العلاقات المصرية-الجيبوتية خلال الفترة الماضية شهدت تطورًا كبيرًا، وتؤكد زيارة إسماعيل عمر جيلة، رئيس جمهورية جيبوتي للقاهرة، على أن هناك آفاقًا جديدة لتعزيز التعاون بين البلدين، وهو ما سينعكس إيجابيًا على القضايا ذات الاهتمام المشترك.