أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء النشرة الشهرية لبيانات التجارة الخارجية عن الفترة يناير – يونيو 2022، والتي أظهرت تطورًا ملحوظًا لقطاع التجارة الخارجية المصرية مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق؛ حيث أظهرت البيانات نمو قيمة التجارة الخارجية بنسبة 18.5% خلال النصف الأول من 2022، لتصل إلى 74.429 مليار دولار في مقابل 62.829 مليار دولار خلال الفترة نفسها من 2021، بزيادة قدرها 11.6 مليار دولار، وتراجع العجز التجاري بما يقرب من 3 مليارات دولار خلال فترتي المقارنة. وتأتي أهمية دراسة وتتبع تطور تلك المؤشرات انطلاقًا من تأثير مقدار عجز الميزان التجاري على حصيلة النقد الأجنبي المتوفر بالدولة من جهة، وتأثير صافي الصادرات على معدل النمو الاقتصادي بالدولة من جهة أخرى؛ إذ يمثل صافي الصادرات أحد عوامل دفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي. وفي هذا الإطار يتناول المقال تحليل بيانات التجارة الخارجية في مصر خلال النصف الأول من عام 2022 مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق، وذلك من خلال تحليل هيكل التجارة الخارجية المصرية، من صادرات وواردات، واستعراض التوزيع الجغرافي للتبادل التجاري بين مصر ودول العالم خلال فترتي المقارنة.
تطور هيكل التجارة الخارجية المصرية
أوضح تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تراجع عجز الميزان التجاري المصري من 22.5 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2021، إلى 19.6 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2022، ويرجع هذا التحسن إلى ارتفاع قيمة الصادرات المصرية بدرجة أكبر من ارتفاع الواردات خلال فترتي المقارنة. ويعد ارتفاع قيمة كل من الصادرات والواردات خلال النصف الأول عام 2022 مقارنة بالنصف الأول عام 2021 أمرًا متوقعًا وطبيعيًا نتيجة تراجع قيم التجارة الخارجية خلال فترة جائحة كورونا، إلا أن الارتفاع النسبي في قيمة الصادرات مقارنة بارتفاع الواردات خلال النصف الأول من عام 2022 ساهم في تقليص عجز الميزان التجاري بنحو 13%.
الميزان التجاري خلال الفترة يناير – يونيو 2021 و2022 بالمليون دولار
وقد ارتفعت الصادرات من كل من الوقود بنسبة 70.5%، والقطن الخام بنسبة 44.1%، والمواد الخام 15.4%، والسلع نصف المصنعة بنسبة 39.8%، والسلع تامة الصنع بنحو 21.6%، بينما تراجعت الصادرات من الطاقة الكهربائية.
أما بالنسبة للواردات، فقد ارتفعت الواردات من الوقود بنسبة 55.7%، والمواد الخام بنسبة 5.3%، والسلع الوسيطة بنسبة 16.6%، والسلع الاستهلاكية غير المعمرة بنسبة 12.7%، بينما تراجعت الواردات من السلع الاستثمارية بنسبة 8.4%، وتراجعت الواردات من السلع الاستهلاكية المعمرة 35.2%.
وتتضمن خطة الدولة المصرية للتعامل مع التداعيات الاقتصادية للصراع الروسي الأوكراني توطين الصناعة المحلية، وزيادة قيمة المكون المحلي في المنتجات المصرية بهدف تقليل الاعتماد على الواردات، ومن ثم تخفيض قيمة فاتورة الواردات وتقليل العجز في الميزان التجاري. وتتطلب تلك الاستراتيجية ضرورة العمل على زيادة الواردات من المواد الخام والسلع الوسيطة مقابل زيادة الصادرات من السلع تامة الصنع ونصف المصنعة.
التوزيع الجغرافي للتجارة الخارجية المصرية
احتلت دول آسيا المرتبة الأولى بين المناطق الجغرافية المختلفة استحواذا على الصادرات المصرية خلال النصف الأول من عامي 2021 و2022، يليها دول غرب أوروبا، ثم شرق أوروبا، ثم أفريقيا. وبمقارنة تطور التوزيع النسبي لصادرات مصر إلى الأقاليم الجغرافية المختلفة خلال الفترة يناير- يونيو 2021 و2022 يتبين تراجع الصادرات المصرية لدول آسيا وأفريقيا، بينما ارتفعت الصادرات المصرية لدول غرب وشرق أوروبا مع استمرار الاحتفاظ بالأهمية النسبية لكل منطقة.
التوزيع النسبي لصادرات مصر إلى أهم المناطق الجغرافية المختلفة خلال الفترة يناير – يونيو 2021 و2022
أما بالنسبة للواردات فقد احتلت دول آسيا المرتبة الأولى أيضًا للواردات المصرية خلال النصف الأول من عامي 2021 و2022، تليها دول غرب أوروبا، ثم شرق أوروبا، ثم أمريكا الشمالية وأخيرًا دول قارة أفريقيا. وبمقارنة التطور النسبي لواردات مصر من الأقاليم الجغرافية المختلفة خلال الفترة يناير – يونيو 2021 و2022 يتبين ارتفاع الواردات المصرية من دول آسيا، بينما تراجعت الواردات المصرية من غرب أوروبا وشرق أوروبا ودول أفريقيا.
التوزيع النسبي لواردات مصر من أهم المناطق الجغرافية المختلفة خلال الفترة يناير – يونيو 2021 و2022
ويتضح من ذلك أهمية دول آسيا كأكبر شريك تجاري لمصر، ويرجع ذلك إلى تعدد المقومات الاقتصادية التي تسهم في تعزيز الترابط الاقتصادي بين الطرفين بصفة عامة. وقد برزت دول آسيا منذ مطلع السبعينيات كإحدى قوى التصنيع عالميًا، وسعت لزيادة صادراتها وفتح أسواق جديدة، ومن ثم تطلعت دول نحو الشرق، ومثلت مصر إحدى أهم الدول الاستراتيجية في إدارة العلاقات التجارية لدول آسيا. وتمثل قناة السويس أحد العوامل التي تعزز العلاقات المصرية الآسيوية، إذ تعتمد عليها دول آسيا لنفاذ منتجاتها إلى الأسواق العالمية.
وعلى الرغم من الأهمية النسبية للتبادل التجاري بين مصر ودول آسيا بالمقارنة بمختلف مناطق العالم، إلا أن الميزان التجاري بين مصر ودول آسيا يسجل عجزًا، مما يشير إلى ضرورة العمل على زيادة الصادرات المصرية لدول آسيا، وتحسين وضع الميزان التجاري المصري، خاصة في ظل اتساع حجم السوق الآسيوي واستيعابه للعديد من المنتجات المصرية لا سيما المنتجات الزراعية، والأثاث والملابس والحرف اليدوية.
وعلى النقيض من دول آسيا، تأتي القارة الأفريقية لتمثل شريكًا تجاريًا ذا أهمية نسبية منخفضة بالنسبة لمصر، على الرغم من توافر عدة عوامل تعزز من فرص زيادة التبادل التجاري مثل البعد الجغرافي وتنوع الموارد الإنتاجية. وبالمثل فقد أوضح التقرير تراجع الأهمية النسبية للدول العربية كشريك تجاري لمصر من 27% خلال النصف الأول من 2021 إلى 21.5% خلال النصف الأول من عام 2022 بالنسبة للصادرات، إلا أنها ارتفعت بالنسبة للواردات خلال فترة المقارنة؛ إذ ارتفعت من 15.6% خلال النصف الأول من عام 2021 إلى 18.1% خلال النصف الأول من عام 2022. ويتبين من تلك المؤشرات ضرورة العمل على زيادة حجم التبادل التجاري لمصر في نطاقها الإقليمي العربي والأفريقي، خاصة في ظل عصر الأزمات العالمية المتتالية؛ إذ تعد الأزمات الاقتصادية العالمية محفزًا رئيسيًا لزيادة فرص التعاون الاقتصادي الإقليمي لخلق سلاسل إمداد إقليمية أكثر استقرارًا وأقل تكلفة، وتؤدي إلى تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد الإنتاجية المتاحة في كل دولة على حدة، بما يدفع نحو تحقيق أهداف التنمية الوطنية والإقليمية.
وعلى مستوى الدول فرادى، فقد أوضح التقرير استمرار كل من إيطاليا والسعودية والولايات المتحدة وتركيا وكوريا الجنوبية في الاستحواذ على النصيب الأكبر من الصادرات المصرية خلال النصف الأول من عامي 2021 و2022، مع زيادة حصة الصادرات إلى تركيا وإيطاليا وكوريا الجنوبية، وتراجع حصة الصادرات إلى السعودية والولايات المتحدة وذلك على الرغم من تراجع قيمة العملة المحلية مقابل الدولار مما يزيد من تنافسية الصادرات المصرية.
التوزيع النسبي لصادرات أكبر خمس دول خلال الفترة يناير – يونيو 2021 و2022
ومن جهة الواردات فقد تبين أيضًا استمرار كل من الصين والسعودية والولايات المتحدة والإمارات العربية والبرازيل في الاستحواذ على النصيب الأكبر للواردات المصرية خلال فترتي المقارنة، مع زيادة نسبة الواردات من السعودية والولايات المتحدة والبرازيل وتراجع حصة الواردات من الإمارات والصين.
التوزيع النسبي لواردات أكبر خمس دول خلال الفترة يناير- يونيو 2021 و2022
وختامًا لما سبق، فإنه يتبين تحسن وضع الميزان التجاري المصري خلال النصف الأول من عام 2022 مقارنة بالنصف الأول من عام 2021 نتيجة نمو الصادرات بدرجة أكبر من نمو الواردات، ويمكن استمرارية تحسن هيكل التجارة المصري وزيادة معدلات نمو الصادرات من خلال فتح أسواق جديدة، ورفع القيمة المضافة للسلع المصدرة، وحل مشاكل المصدرين، وتيسير التجارة وتسهيل وخفض وقت وتكلفة وإجراءات التخليص الجمركي ونقل البضائع لزيادة تنافسية الصادرات المصري، مع ضرورة العمل على تعزيز العلاقات التجارية الإقليمية على الصعيد الأفريقي والعربي. كما يستلزم الأمر الاستمرار في تحفيز قطاع الصناعة المحلي، وهو ما بدأ بالفعل من خلال منح حوافز استثمارية وإطلاق الخريطة الاستثمارية الصناعية، وإطلاق مبادرة ابدأ لتعزيز الصناعة المحلية تحت مظلمة مبادرة “حياة كريمة”.