تذهب المؤشرات الأخيرة بعد استقالة وزير الدفاع الإسرائيلي “أفيجدور ليبرمان” إلى أن حلّ الكنيست قد أصبح وشيكًا، ورغم ذلك وحتى مساء السبت ١٧ نوفمبر 2018 كان رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” يحاول إنقاذ الائتلاف الذي يحكم إسرائيل منذ عام ٢٠١٥. وتكمن المفارقة في أن “نتنياهو” الذي استعمل حلّ الائتلاف والدعوة لانتخابات مبكرة أكثر مرة خلال العام الجاري كأداة تهديد لشركائه؛ هو نفسه الذي يحاول الآن إقناع نفس الشركاء بعدم المضيّ على طريق وزير الدفاع المستقيل، والإبقاء على الحكومة الحالية!
فهل غيّر “نتنياهو” توجهاته وبات يخشى الانتخابات المبكرة وما قد تحمله من تأثيرات سلبية على حزبه وعلى مكانته السياسية الشخصية؟ إم إنه يحاول إنقاذ الائتلاف لأسباب أخرى تتعلق بتوجهات الرأي العام الإسرائيلي من جهة، وتوجهات خصومه ومنافسيه من جهة أخرى؟
’’ هناك حالة تردد من جانب شركاء “نتنياهو” في الائتلاف، فهم لا يريدون المغامرة بإسقاط الحكومة في وقت لا تمنحهم استطلاعات الرأي وعودًا كبرى بتحسين تمثيل أحزابهم في الكنيست في حالة إجراء انتخابات جديدة ،،
الموقف داخل الائتلاف:
ما يزال الائتلاف الذي يقوده “نتنياهو” قادرًا على البقاء حتى بعد انسحاب حزب إسرائيل بيتينو الذي يملك ستة مقاعد في الكنيست، حيث سيظل ٦١ نائبًا في الكنيست يدعمون بقاء الائتلاف. وهنا ستظهر مشكلتان بالنسبة لـ”نتنياهو”، أولها أن هذا الائتلاف الضيق سيجعله عرضة للابتزاز من شركائه بشكل أكبر من ذي قبل، والثانية أن تمرير القوانين والتشريعات في ظل هذا الائتلاف سيغدو شبه مستحيل، خاصة تلك التي تتعلق بقضايا خلافية مثل قضية تجنيد الحريديم في الجيش. وبنظرة فاحصة على ردود أفعال عدد من الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحالي سنجد:
١- أن وزير المال “موشيه كحلون” (رئيس حزب كولانو) يرى أن الانتخابات المبكرة باتت مسألة وقت، فحتى لو لم يتم حل الائتلاف بعد انسحاب “ليبرمان”؛ فإن ضيق قاعدة تأييده داخل الكنيست ستؤثر على السياسات الإسرائيلية عامة والاقتصادية خاصة.
٢- يرى وزير الداخلية “أرييه درعي” (رئيس حزب شاس) أن الذهاب إلى انتخابات مبكرة لو لم يتم الآن فسوف يحدث في وقت قريب بسبب ضيق قاعدته، وبالتالي من الأفضل أن يتم حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة، ولكن بالاتفاق بين كافة مكونات الائتلاف وليس بقرار من أحدها أو بعضها.
٣- ما يزال وزير التربية والتعليم “نفتالي بينت” (رئيس حزب البيت اليهودي) يشترط بقاءه في الائتلاف الحكومي بإسناد حقيبة الدفاع إليه بعد استقالة “ليبرمان”.
٤- قال رئيس كتل الائتلاف الحكومي عضو الكنيست “دافيد أمسالم” (الليكود) إنه سيكون من الصعب جدًّا إدارة ائتلاف يضم 61 عضو كنيست، لكنه -في الوقت نفسه- أكد أنه لا يجب الذهاب إلى انتخابات ما دامت هناك مهمات تنتظر التطبيق. كما أبدى اعتراضه على إمكانية إسناد حقيبة الدفاع لـ”بينت”.
ما يمكن استخلاصه من المواقف الأربعة السابقة، أن هناك حالة تردد من جانب شركاء “نتنياهو” في الائتلاف، فهم لا يريدون المغامرة بإسقاط الحكومة في وقت لا تمنحهم استطلاعات الرأي وعودًا كبرى بتحسين تمثيل أحزابهم في الكنيست في حالة إجراء انتخابات جديدة، كما أنهم لا يريدون تحدي “نتنياهو” وإفشال محاولته إنقاذ الائتلاف تحسبًا لإمكانية عودته لتشكيل الحكومة المقبلة بما يؤثر على فرص مشاركتهم في الائتلاف الذي سيحكم إسرائيل لأربع سنوات تالية (من الناحية النظرية). على جانب آخر، يُجمع قادة الأحزاب ورئيس كتلة الائتلاف الذي ينتمي لحزب “نتنياهو” (الليكود) على أن المحافظة على ائتلاف ضيق سيكون أمرًا صعبًا، وبالتالي فإن أغلبهم يفضّل أن يتم فض الائتلاف بالتوافق وليس بالضغوط التي يمكن أن يتم ممارستها واستخدامها في الابتزاز السياسي للجميع.
بالنسبة لـ”نتنياهو” يبدو أنه لا يريد منح “ليبرمان” الفرصة للزعم بأنه حتى لو لم يؤدِّ انسحابه من الائتلاف إلى تقويضه، فإنه (أي ليبرمان) أجبر شركاء “نتنياهو” على إكمال خطوته نحو نفس النتيجة التي كان يأملها وهي تفكيك الائتلاف. أيضًا من المحتمل أن استطلاعات الرأي أظهرت أنه لا توجد أغلبية شعبية للذهاب إلى انتخابات مبكرة، وبالتالي ربما أراد “نتنياهو” بمحاولته إنقاذ الائتلاف إقناع الناخب الإسرائيلي بأنه هو من ينشد الاستقرار، فيما منافسوه وخصومه يسعون لهزه لأسباب انتخابية وليس من أجل المصلحة القومية.
’’ إن محاولة “نتنياهو” إنقاذ الائتلاف لا تعني خشيته من الانتخابات المبكرة ونتائجها، بل هي محاولة لإقناع الرأي العام بأنه هو من ينشد الاستقرار وليس خصومه ومنافسوه ،،
دروس الاستطلاع الأخير:
أظهر استطلاع للرأي العام أجرته صحيفة “معاريف” بواسطة معهد “بانيلز بوليتيكس” المتخصص في شئون الاستطلاعات أن 70% من الإسرائيليين غير راضين عن إدارة رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” جولةَ الحرب الأخيرة مع حركة “حماس” في قطاع غزة، وقال 19% من الإسرائيليين فقط إنهم راضون عن كيفية إدارته لها. فيما قال 50% من المشتركين في الاستطلاع إن “حماس” هي التي انتصرت في جولة الحرب الأخيرة، في حين قال 19% منهم فقط إن إسرائيل هي التي انتصرت، وقال 31% منهم إنهم لا يعرفون من الذي انتصر.
وأعرب 43% من المشتركين في الاستطلاع عن تأييدهم لدعوة وزير الدفاع المستقيل “أفيجدور ليبرمان” إلى إجراء انتخابات في أسرع وقت ممكن، في حين أعرب 34% منهم عن معارضتها، وقال 23% إنهم لا يعرفون.
وأظهر الاستطلاع أنه في حال إجراء الانتخابات الإسرائيلية العامة الآن فسيحصل حزب الليكود برئاسة رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” على 30 مقعدًا، وهو نفس عدد مقاعده في الكنيست الحالي، بينما سيزيد حزب “البيت اليهودي” برئاسة “نفتالي بينت” تمثيله من 8 مقاعد إلى 12 مقعدًا، وسيزيد حزب “إسرائيل بيتينو” برئاسة وزير الدفاع المستقيل “أفيجدور ليبرمان” تمثيله من 6 مقاعد إلى 7 مقاعد، وحزب كولانو على ٧ بدلًا من ٩ مقاعد حاليًّا.
وأشار الاستطلاع إلى أن تحالف “المعسكر الصهيوني” برئاسة رئيس حزب العمل “آفي غباي” سيتراجع من 24 إلى 11 مقعدًا، وسيزيد حزب “يوجد مستقبل” برئاسة عضو الكنيست “يائير لبيد” تمثيله من 12 إلى 17 مقعدًا.
وستحصل القائمة المشتركة (تحالف الأحزاب العربية) على 11 مقعدًا، وميرتس على 6 مقاعد، وتحصل يهدوت هتوراه على 8 مقاعد، وشاس على 5 مقاعد، وقائمة عضو الكنيست أورلي ليفي – أبكسيس التي انشقت عن “إسرائيل بيتينو” على 6 مقاعد.
وبقراءة تحليلية لهذا الاستطلاع يمكن استخلاص التالي:
١- أن حزب الليكود بزعامة “نتنياهو” سيحافظ على قوته في الكنيست، وسيحافظ هو شخصيًّا على فرصه في قيادة الائتلاف القادم، وبالتالي فمسألة خشيته من الانتخابات المبكرة لا تقف خلف محاولاته إنقاذ الائتلاف حاليًّا.
٢- أنه على الرغم من إعراب ٧٠٪ ممن جرى استطلاع آرائهم عن عدم رضاهم عن أداء “نتنياهو” في الحرب الأخيرة مع حماس، فإن ذلك لم يؤثر على شعبية الليكود، كما لم يظهر في الاستطلاع سؤال خاص بمن سيفضله الجمهور كرئيس حكومة، وإن كانت كافة الاستطلاعات السابقة قد أظهرت أن “نتنياهو” يتفوق على كافة منافسيه في اليمين وفِي المعارضة في هذا الجانب وبفارق كبير للغاية، الأمر الذي يعني أنه حتى في حالة تأثر شعبية “نتنياهو” برأي الناخبين في أدائه في الحرب مع “حماس”، أو بعد انسحاب “ليبرمان” من الائتلاف، فإن هذا التأثير سيكون محدودًا، وربما مؤقتًا، ولن يستفيد منه خصومه ومنافسوه.
٣- على الرغم من أن الاستطلاع يُبين أن هناك أكثرية تصل إلى ٤٣٪ تحبذ الذهاب إلى انتخابات مبكرة، فإن كتلة ليست بالقليلة ٣٤٪ لا تفضل هذا الخيار، كما أن الكتلة المترددة ٢٣٪ ليست كتلة قليلة ولا يمكن التنبؤ بموقفها لحظة الحسم، ومع الأخذ في الاعتبار التغيرات التي يمكن أن تطرأ على مواقف الكتل السابقة خلال الفترة التي ستسبق إجراء الانتخابات، يغدو من الصعب ترجيح استمرار قوة احتمال تأييد كتلة انتخابية كبيرة لهذا التوجه، خاصة في ظل غياب بديل حقيقي ينافس “نتنياهو”، وفِي ظل حقيقة أن حزبه (الليكود) سيتمكن من الحفاظ على قوته في الانتخابات المقبلة.
٤- أن المستفيد الأكبر من انتخابات مبكرة سيكون جبهة اليمين التقليدية (الليكود، البيت اليهودي، إسرائيل بيتينو، شاس، يهودت هتوراه) التي يرشحها الاستطلاع للحصول على ٦٢ مقعدًا يمكن أن تُضاف إليها المقاعد الست التي ستحصل عليها قائمة “أورلي ليفي” (رغم غموض موقفها من القضايا السياسية، وتركيزها على القضايا الاجتماعية فقط، لكن التقارير تذهب إلى أنها لو فازت ستكون أقرب للمشاركة في ائتلاف يقوده “نتنياهو” وليس الجلوس في مقعد المعارضة).
٥- أن حزب العمل أو المعسكر الصهيوني هو الخاسر الأكبر، ولكن جبهة الوسط واليسار ويسار الوسط التي تضم إلى جانبه (أي حزب العمل) أحزاب: يوجد مستقبل، ميريتس، تحالف الأحزاب العربية، ويمكن ضم حزب كولانو إلى هذه الجبهة كحزب وسط؛ ستحصل على ٥٢ مقعدًا فقط، وهو وضع علاوة على صعوبة أن تتمكن فيه هذه الأحزاب الخمسة من تكوين جبهة متماسكة ضد اليمين لأسباب تتعلق بالخلافات الأيديولوجية بينها، فإنه يبقى وضعًا ضعيفًا في مواجهة حكومة يمينية تحظى بتأييد ٦٨ مقعدًا.
خلاصة القول، إن محاولة “نتنياهو” إنقاذ الائتلاف لا تعني خشيته من الانتخابات المبكرة ونتائجها، بل هي محاولة لإقناع الرأي العام بأنه هو من ينشد الاستقرار وليس خصومه ومنافسوه، كما أنه هو من سيحدد متى يتم حل الائتلاف وليس هم، وأنه سواء تحول الائتلاف الحاكم إلى ائتلاف ضيق بتأييد ٦١ مقعدًا فقط، أو تم حل الائتلاف تحت الضغوط الحالية فإن نتائج الوضعين لن تؤثر على الليكود أو على شعبية “نتنياهو” حتى ولو تأثرت سلبًا بذلك لبعض الوقت.