يستضيف الرئيس الأمريكي “جو بايدن” قادة من جميع أنحاء القارة الأفريقية في واشنطن العاصمة خلال الفترة من ١٣-١٥ ديسمبر ٢٠٢٢ لحضور قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا، بمشاركة 49 حكومة أفريقية، إلى جانب مفوضية الاتحاد الأوروبي وجمعيات المجتمع المدني وشركات القطاع الخاص والقادة الشباب. وفي حين لم يتم دعوة الدول التي شهدت انقلابات عسكرية وانتقالًا غير دستوري للسلطة، وهي أربع دول: السودان وبوركينافاسو وغينيا كونكاري ومالي، فهذه القمة ستكون القمة الثانية من نوعها لاستضافة قادة أفارقة في واشنطن العاصمة منذ استضافة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عام 2014 للقادة الأفارقة؛ إذ تُظهر القمة التزام الولايات المتحدة الدائم تجاه أفريقيا، وتؤكد على أهمية العلاقات الأمريكية الأفريقية وتعزيز التعاون بشأن الأولويات العالمية المشتركة.
وتجدر الإشارة إلى أن القمة الأولى لقادة الولايات المتحدة وأفريقيا في عام 2014 أعلنت عن التزامات جديدة من القطاع الخاص في الاستثمار والشراكة مع البلدان الأفريقية من خلال مبادرات في مجالات الطاقة والخدمات المالية وتغير المناخ والأمن الغذائي والرعاية الصحية.
قضايا للمناقشة
من المتوقع أن تعطي قمة هذا العام الأولوية لقضايا مماثلة مع التركيز بشكل أكبر على التجارة الثنائية ومُبادرات الاستثمار. ولذا، تتضمن هذه القمة مناقشة مجموعة من القضايا ومعالجة التحديات العالمية بما في ذلك:
- تعزيز الشراكات الاقتصادية الجديدة.
- تعزيز السلام والأمن والحكم الرشيد.
- تعزيز الالتزام بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني.
- العمل بشكل تعاوني لتعزيز الأمن الصحي الإقليمي والعالمي.
- تعزيز الأمن الغذائي.
- الاستجابة لظاهرة التغير المناخي.
كما ستشمل القمة مبادرات جديدة لزيادة مشاركة الولايات المتحدة مع منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)، بالإضافة إلى مبادرات لتعزيز تعافي القارة من جائحة كوفيد-19، وتعزيز الأمن الغذائي وتشجيع الاستثمار في مشاريع البنية التحتية والصحة والطاقة المتجددة، من بين أولويات أخرى. ومن المتوقع أيضًا أن تؤكد إدارة “بايدن” على ضرورة أن تتعامل الحكومات الأفريقية مع مخاوف الديمقراطية وحقوق الإنسان، ووفقًا لبيان صادر عن البيت الأبيض في 20 يوليو 2022، قال الرئيس بايدن: “إنني أتطلع إلى العمل مع الحكومات الأفريقية والمجتمع المدني ومجتمعات الشتات في جميع أنحاء الولايات المتحدة والقطاع الخاص لمواصلة تعزيز رؤيتنا المشتركة لمستقبل العلاقات الأمريكية الأفريقية”.
سياقات ودلالات انعقاد القمة
- تهدف القمة إلى أن تكون بمثابة دليل على التزام إدارة بايدن بالقارة الأفريقية، وتوفير منتدى لمبادرات مشتركة جديدة بين الولايات المتحدة ودول في أفريقيا.
- تُعبر القمة عن التزام الولايات المتحدة بأفريقيا والرغبة في تعزيز التعاون بشأن الأولويات العالمية المشتركة، والاستراتيجيات المختلفة التي يمكن أن تتبناها الولايات المتحدة لتعزيز التجارة والاستثمار في أفريقيا، فضلًا عن تعزيز القيم المشتركة بشأن قضايا الأمن الغذائي وظاهرة التغير المناخي والصحة العالمية والبنية التحتية.
- كما تأتي قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا بعد أشهر فقط من كشف وزير الخارجية أنتوني بلينكين عن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لأفريقيا في أغسطس 2022، وبموجبها ستسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية في أفريقيا في مقدمتها: الانفتاح على المجتمعات، وتقديم المكاسب الديمقراطية والأمنية، والتعافي من الجائحة، والفرص الاقتصادية، ودعم الحفاظ على المناخ والتكيف مع المناخ والانتقال العادل للطاقة.
- تنعقد القمة وسط تحديات متعددة ومُتشابكة تُواجه القارة السمراء، في مقدمتها ظاهرة الإرهاب الممتدة في أنحاء البلدان الأفريقية من قبل الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيما القاعدة وداعش، حيث انتقل خطر الإرهاب من شمال مالي إلى بوركينافاسو والنيجر، وصولًا للدول الساحلية مثل بنين وغانا وتوجو في منطقة خليج غينيا التي تُعاني من هجمات متفرقة. وتُشير بيانات مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022 إلى اعتبار منطقة غرب أفريقيا بؤرة رئيسية للإرهاب والتطرف العنيف مع وجود أربع دول ضمن أكثر 10 دول في العالم تضررًا من الإرهاب.
- اتصالًا بالسابق، شهدت القارة الأفريقية انتشار التنظيمات الإرهابية وتحقيقها تمددًا مطردًا؛ فبعد التواجد في بؤر متناثرة في شمال وشرق القارة، باتت التنظيمات الإرهابية تنتشر في مساحات جغرافية شاسعة. ففي الشمال، وفرت الأوضاع السائلة في ليبيا فرصة لانتشار الإرهاب في مساحة جغرافية واسعة. وفي شرق إفريقيا تمددت الظاهرة الإرهابية من وسط وجنوب الصومال إلى شمال كينيا ثم العمق الكيني وصولًا إلى أوغندا ثم شمال موزمبيق. أما في غرب إفريقيا فقد التحمت ظاهرة الإرهاب القديمة نسبيًا في جنوب الصحراء الكبرى، بالتجليات الجديدة للظاهرة في حوض بحيرة تشاد وإقليم الساحل الإفريقي، مع وجود مؤشرات خطرة لإمكانية التمدد جنوبًا في عمق دول خليج غينيا. ولم يسلم إقليم البحيرات العظمى في عمق القارة الإفريقية من تمدد التنظيمات الإرهابية بعد ظهور ما يُعرف بولاية وسط إفريقيا في شمال شرق الكونغو الديمقراطية مع محاولة الاتصال بتنظيمات شمال موزمبيق عبر الإقليم التنزاني.
- بالإضافة إلى انعدام الأمن الغذائي والتداعيات السليبة لظاهرة التغير المناخي في أفريقيا، حيث تُعد القارة الأفريقية من أكثر مناطق العالم تأثرًا بظاهرة التغير المناخي، حيث تظهر تداعيات المناخ على القارة بشكل غير مُتناسب، تتأثر بعض المناطق بشكل أكبر من الأخرى، وتبرز منطقة الساحل الأفريقي في غرب أفريقيا، والقرن الأفريقي في شرق أفريقيا في هذا الصدد، وتتشابك أبعاد التغير المناخي (موجات الفيضانات، ونوبات الجفاف المُتكررة، وموجات الحر الشديدة، والأعاصير.. وغيرها) مع آثاره المُتمثلة في الهجرة المناخية، وانعدام الأمن الغذائي والمجاعات، وتفاقم ندرة الموارد، وإشكاليات المياه النظيفة، وتدهور سُبل العيش، وانتشار الأوبئة، مما يُفرز تحديات ومخاطر أخرى ناجمة عن هذا التشابك، ومنها الصراعات المناخية والعلاقات المُتداخلة مع ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة، على الرغم من صعوبات التكيف مع آثاره في أفريقيا في ظل نقص التمويل المناخي اللازم وغياب العدالة المناخية.
- فضلًا عن موجة وعدوى الانقلابات العسكرية وتعثّر المرحلة الانتقالية التي اجتاحت عددًا كبيرًا من دول غرب أفريقيا، بدايةً من الانقلاب الأول في دولة مالي في أغسطس 2020، وحدث بعد ذلك الانقلاب الثاني في مايو 2021، الذي عُرف بالانقلاب على الانقلاب، والانقلاب في دولة غينيا كوناكري خلال عام 2021. وفي أواخر يناير 2022، شهدت بوركينافاسو انقلابًا عسكريًا مُتكامل الأركان، ثم تبع ذلك انقلاب آخر في سبتمبر 2022. وشهدت غينيا بيساو في بداية فبراير 2022 محاولة انقلاب فاشلة. وما نتج عن هذه الموجات الانقلابية مجموعة من التداعيات الخطرة، بما في ذلك عدم الاستقرار، وانعدام الأمن، وانتشار الفوضى، والتأثيرات على أداء الاقتصاد، ومُعاناة المدنيين.
- ويبرز أيضًا تفاقم الصراعات الداخلية من أهم التحديات التي تواجه أفريقيا، حيث توجد مجموعة من بؤر الصراعات والنزاعات المُسلحة النشطة في دول القارة، ومنها -على سبيل المثال- الصومال، ومالي، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، ونيجيريا، وموزمبيق. مع احتلال بعض الدول الأفريقية أكثر الدول هشاشة في العالم ومنها أفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإثيوبيا.
أجندة أعمال القمة
- ستشمل الأنشطة خلال القمة يوم المجتمع المدني المقرر عقده في 13 ديسمبر 2022، ما يلي:
- منتدى القادة الشباب الأفارقة والشتات: سيرفع هذا المنتدى مشاركة المغتربين لتعزيز الحوار بين المسئولين الأمريكيين والشتات في الولايات المتحدة وتوفير منصة للشباب الأفريقي وقادة الشتات.
- الاجتماع الوزاري لقانون النمو والفرص في أفريقيا: تستضيف الممثلة التجارية الأمريكية “كاثرين تاي” الاجتماع الوزاري مع وزراء التجارة في أفريقيا جنوب الصحراء وكبار المسئولين.
- منتدى الأعمال الأمريكي الأفريقي (USABF) المقرر في 14 ديسمبر 2022، وتستضيفه وزارة التجارة الأمريكية، وغرفة التجارة الأمريكية، ومجلس الشركات في أفريقيا، بالشراكة مع مبادرة Prosper Africa Initiative، وسيركز على تعزيز شراكة تجارية واستثمارية ثنائية الاتجاه تعزز دور أفريقيا في الاقتصاد العالمي، وتوسع نطاق الابتكار وريادة الأعمال، وتُحفز التقدم في القطاعات الرئيسية، وستشمل أيضًا غرف الصفقات التي ستعرض الالتزامات التي تعهدت بها الشركات الأمريكية المستثمرة في أفريقيا والشراكة معها.
- وفي الوقت نفسه، تم تحديد يوم القادة في 15 ديسمبر 2022. وسيشهد يوم القادة اجتماعات وفعاليات حكومية لوفود الدول الأفريقية.
- ومن ناحية أخرى، ستكون هناك أيضًا أحداث جانبية مختلفة تعقدها مراكز الفكر والجمعيات التي تضم قادة الحكومات الأفريقية الرئيسية والقضايا ذات الاهتمام.
لماذا تهتم الولايات المتحدة الأمريكية بعقد هذه القمة؟
- على مدى السنوات الماضية، ركزت مشاركة الولايات المتحدة في أفريقيا على الحد من الفقر، والمساعدات الخارجية، ومعالجة الصراع وانعدام الأمن. وعلى الرغم من الأهمية البالغة لهذه الأولويات، إلا أنها لم تواكب التغييرات الدراماتيكية التي تحدث في جميع أنحاء المنطقة، حيث برزت أفريقيا، وتقدم هذه القمة فرصة للولايات المتحدة لإعادة ضبط نهجها للديناميكيات سريعة التغير في المنطقة.
- وفي هذ السياق، توجد مجموعة من الأسباب الرئيسية التي تجعل أفريقيا مهمة بالنسبة للولايات المتحدة، فضلًا عن الفرص الاستراتيجية لمشاركة الولايات المتحدة في القارة، وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تعزز التجارة والاستثمار في أفريقيا، فضلًا عن تعزيز القيم المشتركة بشأن قضايا الأمن الغذائي، والصحة العالمية، والتحول الرقمي، والبنية التحتية.
- قضية الأمن الغذائي، في ظل تداعيات الحرب الأوكرانية، وعرقلة سلسلة التوريد بسبب جائحة كوفيد-19، واعتماد دول القارة الأفريقية على السلع الغذائية الأساسية من الخارج، حيث تفاوتات أسعار الغذاء ومستويات انعدام الغذائي الأكثر حدة، لا سيما في المناطق المتضررة من الصراعات المسلحة مثل منطقة الساحل والقرن الأفريقي. واعتبر الاتحاد الأفريقي عام 2022 عام التغذية في أفريقيا، وتعد الولايات المتحدة واحدة من أكبر الجهات المانحة للزراعة العالمية والأمن الغذائي، وهناك المزيد من الفرص لمشاركة الولايات المتحدة في الأمن الغذائي لأفريقيا والتي يمكن أن تعكس بشكل أفضل كيفية تقاطع الحوافز والقدرات والمخاطر مع النظام الغذائي من خلال تعزيز الاستثمارات في البحوث الزراعية والإرشاد والتنمية للحد من تعرض أفريقيا للصدمات العالمية.
- المساعدات الصحية: سلطت ضراوة الأوبئة الأخيرة الضوء على مرونة النظم الصحية في البلدان حول العالم في مواجهة الأوبئة، لا سيما في الدول الأفريقية التي تتحمل التكلفة المزدوجة لأعباء الأمراض المرتفعة تاريخيًا والاستثمار القليل نسبيًا في البنية التحتية الصحية، وأظهرت الأبحاث حول آثار الأوبئة في الدول الأفريقية أن المساعدات الصحية يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في عكس الآثار الاقتصادية السلبية للأوبئة، مما يشير إلى استجابة السياسات المحلية والعالمية الرئيسية، وتوجد فرصة للولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز المشاركة مع القطاع الصحي في أفريقيا بما يتجاوز زيادة المساعدات الصحية والتمويل.
- تعزيز التجارة والاستثمار في أفريقيا: إن الانتعاش الأخير في الدبلوماسية الأمريكية تجاه أفريقيا، وإطلاق استراتيجية أمريكية جديدة تجاه القارة الأفريقية وعقد القمة الثانية لقادة أفريقيا، كلها تطورات إيجابية في العلاقات الأمريكية الأفريقية، ووعي الإدارة الأمريكية بإمكانيات القارة كشريك اقتصادي، في ظل الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة المتوفرة في دول القارة، وذلك من خلال تجديد وتوسيع تفضيلات قانون “أجوا” بطريقة تدعم التكامل الاقتصادي الإقليمي الأفريقي جنبًا إلى جنب مع منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية عن طريق تزويد البلدان الأفريقية بإمكانية الوصول إلى الأسواق الأمريكية من خلال أحكام معفاة من الرسوم الجمركية.
- تعزيز العلاقات الأمريكية-الأفريقية في مجال التقنيات الناشئة: من خلال تركيز استراتيجية إدارة “بايدن” على الدور الهام للتكنولوجيا، والاقتصاد الرقمي لمعظم البلدان الأفريقية في تطوير وتنفيذ التحول الرقمي، والحكومة الرقمية والاستثمارات الواسعة للقطاع الخاص.
- تصاعد أهمية القارة الأفريقية على الساحة الدولية، وهو ظهر جليًا في تداعيات الحرب الأوكرانية، وأيضًا التنافس الدولي على استقطاب دول القارة الأفريقية لصفهم، ومع تغير ملامح النظام الدولي وظهور تحديات وأزمات عالمية (كالغذاء، والطاقة، والتغير المناخي، والأوبئة) مع الاهتمام الدولي المتزايد بثقل وأهمية الدول الأفريقية في التشابك مع هذه القضايا والتحديات العالمية؛ إذ تتمتع الدول الأفريقية بفرصة لتجنب وموازنة علاقاتها بين الأقطاب الدولية نظرًا لما تمتلكه من موارد وثروات اقتصادية، وأهميتها الجغرافية الاستراتيجية، وكتلتها التصويتية في الأمم المتحدة مثل تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس 2022، حيث انتهجت معظم هذه الدول “المسار المستقل”، في الامتناع عن الانضمام إلى الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية لمعاقبة روسيا.
- وفي إطار انتهاج سياسة القمم المتنافسة مع التمهيد لعقد القمة الروسية-الأفريقية الثانية التي من المقرر أن يتم عقدها في أكتوبر عام 2023 بغرض تعزيز اتفاقيات التجارة والدفاع بين روسيا والدول الأفريقية وتحقيق السلام والاستقرار في دول الكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى والكاميرون وتشاد؛ خططت الولايات المتحدة الأمريكية لعقد هذه القمة من خلال أجندة واسعة لتعزيز العلاقات الاقتصادية، وترسيخ الديمقراطية، وتحقيق السلام والأمن، ومعالجة القضايا العالمية وتهديدات الصحة وأزمات التغير المناخي والأمن الغذائي.
- مكافحة الإرهاب: في إطار تحول السياسة الخارجية الأمريكية تجاه مكافحة الإرهاب في أفريقيا بشكل عام وبشكل خاص في الصومال، حيث تراجع الدور الأمريكي في عهد الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، وهو ما اتضح جليًا في إصدار “ترامب” قرارًا في الرابع من ديسمبر 2020 يقضي بسحب القوات الأمريكية من الصومال من قوات العمليات الخاصة الأمريكية لمساعدة القوات الأمنية الصومالية في محاربة حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة، وكانت القوات الأمريكية تدعم القوات الصومالية بمعلومات استخباراتية إلى جانب الغارات الجوية. ويعد قرار ترامب خطوة غير محسوبة، حيث مهد الطريق لحركة الشباب التي استغلت حالة الفراغ الأمني لتحقيق لزيادة نشاطها وتحقيق مزيد من التمدد. في المقابل، يشهد الدور الأمريكي اهتمامًا متزايدًا في عهد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بإقليم القرن الأفريقي بوجه عام والصومال بشكل خاص، وفيما يتعلق بالاهتمام الأمريكي بالصومال، فقد أصدر بايدن قرارًا في منتصف شهر مايو 2022 بشأن إعادة مئات القوات الأمريكية إلى الصومال، ونشر أقل من 500 عسكري أمريكي لمساعدة القوات الصومالية في تحجيم حركة الشباب.
- واتصالًا بالسابق، بعد قمة مدريد لحلف الناتو في يونيو 2022، أدرك الحلف مخاطر وتهديدات النفوذ الروسي المتنامي لروسيا في أفريقيا، والتحديات الأمنية في الجنوب العالمي على أجندته الأمنية، وتحديدًا منطقة الساحل الأفريقي، والدخول الروسي لهذه المنطقة فتح جبهتين لحلف الناتو من ناحية الشرق والجنوب. ولذا، فتواجد الحلف في شمال أفريقيا وتحديدًا دولة موريتانيا كنقطة تمركز لعملياته، وكمحاولة لصد النفوذ الروسي في المنطقة، وإعادة اهتمام الناتو بهذه المنطقة لإعادة الاصطفاف مرة أخرى، وتكوين شبكة جديدة من العلاقات تربط بين شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.
- ومن المرشح أن تكون دولة النيجر أيضًا في مقدمة الاهتمامات، لإطلاق قاعدة عسكرية أمريكية لطائرات بدون طيار. ولأول مرة، اتفق حلف الناتو على تقديم حزمة بناء القدرات الدفاعية لموريتانيا، كما تم الاتفاق على تقديم دعم إضافي لبناء القدرات دولة تونس، في إطار المفهوم الاستراتيجي الجديد والمصلحة الاستراتيجية في هذه المنطقة بالنظر إلى المخاطر الأمنية التي يشكلها الإرهاب والهجرة غير النظامية في منطقة الساحل والصحراء، وتتفاقم هذه الظواهر بسبب تأثير تغير المناخ، وحالات الطوارئ الصحية وتراجع الأمن الغذائي، ويوفر هذا الوضع أرضًا خصبة لانتشار الجماعات الإرهابية.
- وفي هذا السياق، أجرت القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) محادثات مع تونس لتعزيز العلاقات وفرص التدريب بين البلدين ومواجهة تحركات روسيا في المنطقة، مع اختتام مناورات “الأسد الأفريقي” في المغرب وغانا والسنغال وتونس، واتهمت الولايات المتحدة روسيا بأن 14 طائرة منتشرة في ليبيا كجزء من هدف روسيا على المدى الطويل لإنشاء موطئ قدم في شمال أفريقيا بما يهدد حلفاء الناتو. وتعتبر ليبيا جسرًا لوجستيًا مهمًا إلى أفريقيا جنوب الصحراء، وفي وقت سابق من عام 2022 استخدمت القوات الجوية الروسية قاعدة الخادم الجوية بالقرب من بنغازي، لنقل الأفراد والمعدات العسكرية إلى مالي.