تواجه السياسة المالية مهمة شاقة تتمثل فى تحقيق نتائج أكبر بجودة أفضل فى بيئة معقدة تزداد فيها القيود على صانع القرار المالى بشدة، خاصة مع ارتفاع مستوى الدين العام ووجود تحديات ديموغرافية طويلة الأمد وزيادة المخاطر التى تتعرض لها المالية العامة، وبالتالى يصبح من الضرورى العمل على إيجاد حيز مالى معقول يسمح بتنفيذ السياسات المرغوبة لتحقيق التنمية الاحتوائية وتسهم فى تحقيق الاستقرار الاقتصادى وتعمل على ضمان وصول ثمار النمو الى الفقراء والطبقة الوسطى، وذلك عن طريق التصميم الجيد للسياسة المالية على جانبى الإيرادات والمصروفات، إذ إننا نلحظ ان جميع الجهود المبذولة حاليا من جانب السلطة المالية تركز فى معظمها على جانب المصروفات دون الإيرادات خاصة الأجور والدعم، رغم ان هناك جوانب عديدة فى الإيرادات يمكن التعامل معها. ومن اهم هذه المصادر الصناديق والحسابات الخاصة فرغم ان نشأتها كانت فى خمسينيات القرن الماضى بإنشاء صندوق دعم الغزل والنسيج وبعد عام 1967 فإن التنظيم القانونى لها قد جاء أساسا وفقا لقانون الموازنة العامة للدولة والذى سمح بإنشاء مثل هذه الكيانات، وهى صناديق أنشئت لتحقيق اغراض معينة ولها كيانات إدارية مستقلة، وتمول نفسها ذاتيا من خلال الموارد التى تحددها قرارات إنشائها او لوائحها الخاصة بها. ثم جاء التوسع الأكبر الذى تم بموجب قوانين مثل قانون الادارة المحلية وقانون تنظيم الجامعات وقانون التعليم والبعض الآخر بموجب قرارات جمهورية أو وزارية أو قرارات من المحافظين.والحسابات والصناديق الخاصة إما أنها حسابات وصناديق مستقلة بذاتها، أى انها تمثل فى حد ذاتها كيانا اداريا يدخل فى الموازنة العامة للدولة بمسماه، مثل صندوق التنمية الثقافية، وصندوق السجل العينى، وصندوق دعم وتمويل المشروعات التعليمية، وصندوق ابنية دور المحاكم، والشهر العقارى، وصندوق دعم وتطوير خدمات الطيران وغيرها.او انها تتبع الوحدات الإدارية التى أنشئت بداخلها سواء فى الجهاز الإدارى او المحافظات او الهيئات الخدمية والاقتصادية، من أمثلة ذلك حساب الخدمات والتنمية المحلية بالمحافظات، وحساب الإسكان الاقتصادى بالمحافظات وحساب استصلاح الأراضى، وكذلك الحسابات الخاصة التى تمول من الرسوم والانشطة بالمدارس وصناديق تحسين الخدمة وغيرها.وجدير بالذكر ان عدد الصناديق والحسابات الخاصة، المحولة الى حساب الخزانة الموحد، قد تطور من نحو5564 صندوقا عام 2002 ووصل الى 6451 فى نهاية يونيو 2021، يقع معظمها لدى الجامعات تليها المحافظات، وعلى مستوى الوزارات تأتى وزارة الزراعة فى المقدمة تليها وزارة الصحة. ويصل إجمالى المبالغ بها الى نحو 81.2 مليار جنيه فى نهاية سبتمبر 2022(مع ملاحظة استمرار بعضها خارج هذا الحساب).وقد بلغت قيمة الموارد من الصناديق والحسابات الخاصة فى مشروع موازنة 2024/2023 نحو 65.8 مليار جنيه وقابلها استخدامات بنفس الرقم، وفقا للائحة التنفيذية للقانون التى تنص على تقدير الموارد دون استنزال أى استخدامات، فضلا عن 9.3 مليار قيمة مايؤول للخزانة العامة وفقا للقانون، فضلا عن نسبة ما يتم تخصيصه لتمويل الاستثمارات. عموما فقد أدى التوسع الكبير فى هذه الصناديق إلى عدة مشكلات أهمها مخالفة مبادئ الموازنة، خاصة الوحدة والشمول وازدواجية المهام والوظائف فضلا عن انتزاع سلطات التشريع.
مع تأكيد ان هذا القول لا ينطبق على الجميع، فهناك جهات تقوم بأدوارها على الوجه الصحيح وتسهم كثيرا فى تحقيق الأهداف المنوطة منها. وبالتالى يجب ألا نضع الجميع فى سلة واحدة. فالمسألة ليست بالسهولة والبساطة التى يتحدث بها البعض، خاصة بعد ان تشعبت هذه الظاهرة ودخلت فى العديد من المجالات خاصة التنموية والتعليمية والصحية. ولذلك لم يعد من المنطقى الاكتفاء بالنسبة التى تحصل حاليا من هذه الصناديق والتى تتراوح ما بين 10% و20% من إيراداتها، بل إن الأمر يتطلب دراسة بعض الحلول المقترحة فى هذا المجال، ويصبح من الضرورى دراسة هذا الموضوع برمته، بحيث تضع الآليات السليمة والمناسبة للتعامل مع هذه الصناديق والحسابات الخاصة بما يضمن لها تحقيق الاهداف المنوطة بها.وهنا يطرح البعض ضرورة ضمها جميعا الى الموازنة العامة للدولة، عن طريق سن تشريع جديد يتم بمقتضاه تعديل القانون بحيث ينص بشكل صريح على ضم هذه الصناديق الى الموازنة، ورغم وجاهة هذا الرأى فإنه يؤخذ عليه العديد من الأمور، أولها ان هناك بالفعل المئات من هذه الصناديق والحسابات هى بالفعل داخل الموازنة، ثانيا ان هناك صعوبات فى ضم بعضها إما لأنها منشأة بموجب اتفاقيات دولية التى تشترط ضرورة فتح حساب خاص لمراقبة ومتابعة أوجه الصرف، او تمويل صندوق بعينه لأنشطة محددة، مثل المراكز البحثية فى الجامعات او مكتبة الإسكندرية، او صناديق تؤدى خدمات محددة مثل مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا. وعلى الجانب الآخر تعتمد بعض الصناديق على تبرعات وهبات ووصايا من المواطنين والذين لا يرغبون فى تقديمها للخزانة العامة لعدم ثقتهم فى العمل الحكومى وترى الأفضل تقديمها لهذه الجهات مباشرة. عموما فان الامر يتطلب وضع اطر محددة للتحرك لحل هذه المشكلة وذلك عن طريق العمل على محاور عديدة، منها تأكيد ضرورة الالتزام بنص القانون بعدم فتح أى حسابات او صناديق خاصة خارج البنك المركزى. على ان تصدر بقرار من رئيس الجمهورية. مع ضرورة النص على الحظر التام لإنشاء صناديق او فتح حسابات خاصة تقوم على استغلال الثروات الطبيعية مثل المحاجر والمناجم والأسواق والشواطئ، الخ. وتأكيد أهمية توريد النسب المقررة فى القوانين السالف الإشارة اليها او فى لوائحها المالية أولا بأول ووفقا للمواعيد المنصوص عليها فى هذه القوانين. مع حظر صرف أموال هذه الصناديق او الحسابات فى غير الأغراض المخصصة لها .