يُعتبر معدلات استهلاك التبغ في مصر من بين أعلى المعدلات في منطقة البحر المتوسط والعالم، وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن ما يقرب من ربع (24٪) المصريين مدخنون ويتعرض نحو نصف السكان البالغين لدخان التبغ غير المباشر في المنازل. بلغ معدل تدخين المصرين نحو 88 مليار سيجارة العام المالي الماضي، وبلغت كمية المبيعات المحلية من منتجات الشركة من دخان المعسل ستة آلاف طن. حيث كشفت بيانات الشركة الشرقية للدخان المقدمة للبورصة المصرية عن زيادة إيراداتها عن العام الماضي لتبلغ نحو 51.5 مليار جنيه، حيث ارتفعت فاتورة إنفاق المصريين على الدخان ومنتجاته من السجائر والمعسل إلى 55 مليار جنيه في أول تسعة أشهر من العام المالي الحالي، وقد يُعزى هذا إلى ارتفاع أسعار التبغ والدخان، فقد أشارت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى ارتفاع الرقم القياسي لأسعار التبغ والدخان بنحو 51.9 خلال شهر يوليو لعام 2023عن شهر يوليو لعام 2022.
وقد شهدت سوق تجزئة السجائر في الأشهر الأخيرة فوضى كبيرة في التسعير، وسبقها اختفاء للسجائر من الأسواق (فيما يعرف بتعطيش السوق)، الأمر الذي فسره أغلب المدخنين كضوء أخضر لارتفاع وشيك في الأسعار، لتباع بأعلى من أسعارها الفعلية بأكثر من 50% مما تسبب في حالة من الضيق وتبعها عدد من الإجراءات الحكومية للتخفيف من حدة الأزمة.
- إنفاق الأسر المصرية على الدخان والتبغ:
تشير أحدث بيانات مسح الدخل والإنفاق والاستهلاك 2021 – 2022 بأن متوسط الإنفاق السنوي للأسر المصرية على المشروبات الكحولية والدخان والمكيفات ما قيمته 2603.3 جنيهًا سنويًا بما يمثل نحو 14% من جملة ما ينفقه المصريون على الطعام والشراب. لتقدر مؤسسة فيتش إجمالي المنفق على التبغ في مصر بنحو 9.7 مليارات دولار لعام 2023.
كما قدرت جمعية مكافحة التدخين أعداد المدخنين في مصر بنحو 18 مليون نسمة بنسبة 16.8 % من إجمالي السكان، وتبلغ نسبة المدخنين من الذكور 33.8 % في مقابل 0.3 % فقط بين الإناث.
- قطاع صناعة السجائر والدخان في مصر:
كشف بيان الموازنة العامة لعام 2023/ 2024، أن من المتوقع أن تبلغ العوائد الضريبية المتوقعة على السجائر والتبغ نحو 88.3 مليون جنيه، بزيادة بقيمة 1.7 مليون جنيه عن موازنة العام الماضي البالغة 86.4 مليون جنيه. كما توقعت الموازنة تحصيل ضريبة جمركية على السجائر قيمتها 543.7 مليون جنيه بفارق 8.7 ملايين جنيه عن موازنة العام الماضي التي بلغت 535 مليون جنيه.
وجدير بالإشارة أن مصر تستورد سنويًا 130 ألف طن من التبغ والدخان بقيمة إجمالية تصل إلى 700 مليون دولار، وهو ما تسبب في ارتفاع أسعار تكاليف الإنتاج كنتيجة لاستيراد المواد الخام، إضافة إلى تحرير الجنيه المصري أمام الدولار.
تجدر الإشارة إلى الفاعلين الرئيسيين في قطاع السجائر، ويأتي في مقدمتهم الشركة الشرقية للدخان بحصة سوقية تقدر بنحو 57%، وتعتبر من كبرى الشركات المملوكة للدولة المحققة للأرباح والعوائد، فقد قدمت الشركة 75 مليار جنيه ضرائب، كما أظهرت الميزانية الإجمالية للشركة فائضًا قدره 3.8 مليارات جنيه في 2020/2021 فقد أنتجت الشركة 94 مليار سيجارة في 2020/2021 بزيادة قدرها 10 مليارات سيجارة عام 2019/2020. حيث تنتج وتبيع السجائر الأكثر شعبية في مصر وهي كليوباترا وتقدر المبيعات السنوية لها بنحو 190 مليون سيجارة سنويًا (وتضم: كوين، بوكس، سوبر). في مقابل 92 مليون سيجارة لصالح الماركات الأجنبية.
الشكل: إجمالي مبيعات السجائر اليومية (بالملايين) في مصر
Source: Egypt – Tobacco Industry Interference Index 2021.
ثم يأتي عددٌ من الشركات الأجنبية العاملة في تصنيع وتجارة السجائر من بينها: شركة فيليب موريس مصر التي تمتلك حصة لا تقل عن 15٪ من سوق السجائر، وشركة التبغ البريطانية الأمريكية (BAT) التي تمتلك ثالث أكبر حصة في سوق السجائر بنحو (10٪)، ومجموعة إمبريال توباكو وهي شركة تبغ بريطانية متعددة الجنسيات وتمثل رابع أكبر شركة سجائر دولية في العالم، ثم شركة التبغ اليابانية (JTI).
شكل: الحصص السوقية للمنتجين الرئيسيين في سوق السجائر (%)
Source: Egypt – Tobacco Industry Interference Index 2021.
- الأزمة الحالية للسجائر وبدء الانفراجة:
بدأت الأزمة بالتزامن مع إعلان شركة فيليب موريس رفع أسعار السجائر، في يوليو 2023 وتصريحات شعبة الدخان بإلغاء تطبيق هذا القرار. ويذهب البعض للقول بأن أزمة السجائر مفتعلة نتيجة تلاعب التجار فى الأسواق، وتخزين بعض التجار كميات كبيرة من السجائر لاحتكار السلعة، مما أدى إلى ندرتها فى الأسواق ورفع سعرها وخلق سوق موازية للسجائر، نتيجة ضعف الرقابة على الأسواق. الأمر الذي تسبب في ارتفاع أسعار السجائر إلى معدلات غير مسبوقة، إلى جانب تداول سجائر غير مرخصة كل تلك الأمور دفعت الشركة الشرقية للدخان نحو اتخاذ عدد من الإجراءات لضبط الأمور في سوق السجائر، ومنها:
- طرح كميات سجائر إضافية في السوق بداية من الأسبوع المقبل، إذ سيتم طرح نحو 150 مليون سيجارة في اليوم، أي 8 ملايين علبة سجائر، بزيادة نحو 20-30% على ما يُطرح حاليًا في الأسواق.
- التواصل مع الجهات الرقابية بكل مبيعات الشركة وقوائم الأسعار والتجار والكميات التي تورَّد إليهم من أجل مراقبة الأسواق.
- مناشدة المستهلكين ضرورة تغيير عاداتهم، وعدم التكالب على الشراء والتخزين، الذي يزيد من الضغط على الأسواق ورفع الأسعار.
ختامًا، يمكن التفاؤل باقتراب حل الأزمة الحالية والتي ساهمت عدة عوامل في اندلاعها وتفاقمها بصورة كبيرة، من بينها ارتفاع تكلفة الإنتاج كنتيجة لارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، مرورًا بمحاولات التلاعب في السوق من قبل بعض التجار عن طريق إخفاء السلعة وخلق سوق موازية.