“صحصحوا ويانا دي الصحة.. مش لعبة عندنا.. “تآكل تتمرن تبقى.. أجمد واحد هنا”. بهذه الكلمات تغنى الفنان “أحمد أمين” خلال الحملة الإعلامية لمبادرة “جيل بكرة يكبر بصحة”، التي انطلقت في فبراير الماضي في إطار المبادرة الرئاسية “100 مليون صحة”. وتهدف الحملة بشكل أساسي للتوعية بالنظام الغذائي السليم والمتوازن للأطفال، وتشجيعهم على ممارسة الرياضة بانتظام، وذلك لمكافحة وعلاج أمراض سوء التغذية للأطفال.
الأنماط المختلفة لسوء التغذية
لا يقُاس سوء التغذية بكمية الطعام الذي يتناوله الطفل، وإنما بالمقاييس الفيزيائية للجسم كالوزن والطول والعمر والتحليل المخبري للدم. ويأخذ سوء التغذية ثلاثة أشكال:
1- نقص التغذية: ويعني أن الطعام الذي يتناوله الطفل لا يحتوي على السعرات الحرارية اللازمة لتلبية الحد الأدنى من احتياجاته الفسيولوجية اللازمة. ويرتبط نقص التغذية بشكل أساسي بالفقر (انظر شكل رقم 1). ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة السنوي الخاص بحالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم، الصادر في يوليو الماضي، فإن ما يقدر بحوالي 820 مليون شخص لم يجدوا ما يكفيهم من الطعام في عام 2018. ويتركز الجوع المرتبط بالفقر في كلٍّ من شرق القارة الإفريقية، حيث يعاني 30.8% من السكان من سوء التغذية، وكذلك في بلدان جنوب آسيا، حيث يعاني أكثر من 500 مليون شخص من نقص التغذية. وأشار التقرير أيضًا إلى أن ما يقرب من نصف إجمالي وفيات الأطفال دون سن الخامسة عالميًّا يحدث بسبب سوء التغذية، وهو ما يعني وفاة حوالي 3 ملايين طفل سنويًّا.
2- التغذية غير السليمة: وتعني عدم حصول الطفل على القدر المناسب من المواد الغذائية الأساسية، كالبروتين، والمغذيات الدقيقة (كالفيتامينات والمعادن)، والسعرات الحرارية اللازمة، ما يؤدي إلى ضعف جسم الطفل، حيث يُصبح أكثر عرضة للعدوى، بما في ذلك تعرض الكثير من الأطفال للوفاة نتيجة الإصابة بأمراض شائعة كالحصبة أو الإسهال.
3- التغذية غير المتوازنة: وهي التغذية التي يتم فيها تناول أنواع معينة من المغذيات أكثر من الأخرى، كالنشويات أو الدهون، فتظهر معها الأمراض المزمنة كالسمنة وأمراض القلب.

.
المشكلات الناتجة عن سوء التغذية
سوء التغذية يسبب عددًا من المشكلات كقصر القامة الشديد مقارنة بعمر الشخص (التقزم)، أو زيادة الوزن (السمنة المفرطة)، أو النحافة الشديدة (الهزال)، أو نقص الفيتامينات والمعادن كنقص الحديد الذي يسبب فقر الدم (الأنيميا). وقد نشرت اليونيسيف في أبريل 2019 تقريرًا مفصلًا عن انتشار سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة عالميًّا، كما هو موضح بالشكل رقم 2.

1- التقزم Stunting
يمكن تعريف التقزم بأنه قصر قامة الطفل قياسًا إلى مرحلته العمرية. ويتم تشخيصه بمقارنة طول الطفل الفعلي بالطول المناسب لعمر ونوع الطفل على منحنى النمو. ويصاب الأطفال بالتقزم كنتيجة لعدم تناول الغذاء بكميات كافية (نقص التغذية) أو الإصابة بالعدوى خلال فترة الحمل وحتى وصول الطفل إلى عمر السنتين. ويساهم التقزم في ضعف النمو الإدراكي، وزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض والوفاة لدى الأطفال صغار السن. كما يؤثر سلبًا على القدرة على العمل والإنتاجية. فبحسب تقديرات البنك الدولي، يمكن للتقزم أن يقلل من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة قد تصل إلى 3%.
وعلى الرغم من انخفاض معدل إصابة الأطفال تحت سن خمس سنوات بالتقزم عالميًّا من طفل متقزم من بين كل ثلاثة أطفال في عام 2000 إلى طفل متقزم من بين كل أربعة أطفال في عام 2018؛ إلا أن المعدل ما زال مرتفعًا للغاية. وبلغ عدد المصابين به عالميًّا من الأطفال في عام 2018 حوالي 149 مليون طفل. ويتركز 90% من حالات التقزم في العالم في 34 دولة من بينها مصر، حيث إن حوالي 21% من أطفال مصر يعانون من التقزم (وفقًا لآخر تقرير رسمي لمنظمة اليونيسيف بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة المصرية 2014).
2- السمنة overweight
تمثّل السمنة أو فرط الوزن عند الأطفال (زيادة وزن الطفل مقارنة مع طوله) إحدى أخطر المشكلات الصحية في القرن الحادي والعشرين. وتتخذ هذه المشكلة أبعادًا عالمية، وتصيب العديد من البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل. وتُشير تقديرات منظمة اليونيسيف إلى أنّ عدد الأطفال (تحت سن خمس سنوات) الذين يعانون من فرط الوزن تجاوز في عام 2018 أربعين مليون طفل على الصعيد العالمي. ويُذكر أنّ نحو 35 مليونًا من أولئك الأطفال يعيشون في البلدان النامية.
وترتبط السمنة لدى الأطفال بشكل رئيسي بانخفاض تناول الأطعمة المغذية وزيادة استهلاك الأطعمة غير الصحية (أي الأطعمة المصنعة والمشروبات السكرية). وفي مصر تمثل الأطعمة غير الصحية جزءًا مهمًّا من النظام الغذائي للأطفال الصغار في العامين الأولين من العمر. فوفقًا لدراسة أجريت بواسطة منظمة الفاو عام 2006 تحت عنوان “العبء المزدوج لسوء التغذية: دراسة حالات لست دول نامية”، تبين أن الأطعمة غير الصحية تشكل نسبة 28% من النظام الغذائي اليومي للأطفال المصريين كما هو مبين بالشكل 3 الذي يوضح النظام الغذائي اليومي للأطفال المصريين، وذلك بسبب استخدام الأطعمة غير الصحية على نطاق واسع. وترى الأمهات أن الطعام غير الصحي سهل التقديم للأطفال، وأسهل في الهضم من الأطعمة الصحية التي قد لا يتقبلها الأطفال بسهولة.

شكل (3): النظام الغذائي اليومي للأطفال في مصر
Source: Food and Agriculture Organization of the United Nations. The double burden of malnutrition: Case study from six developing countries, 2006, Food and Agriculture Organization of the United Nations: Rome
3- الهزال Wasting
يمكن تعريف الهزال الذي يصيب الأطفال تحت سن الخمس سنوات على أنه نقصان وزن الطفل بنسبة تتعدى 20% عن المعدل الطبيعي، ويكون ناتجًا بشكل رئيسي عن سوء التغذية الحاد. ويشكل الهزال تهديدًا مباشرًا للبقاء على قيد الحياة. ووفقًا لتقرير منظمة اليونيسيف لعام 2019 يعاني حوالي 49 مليون طفل تحت سن خمس سنوات (أي حوالي 7.3%) من الهزال، فيما يعاني حوالي 17 مليون طفل من الهزال الحاد وهو ما يشكل 2.4% من إجمالي عدد الأطفال تحت سن 5 سنوات. ويعيش أكثر من نصف هؤلاء الأطفال في جنوب آسيا، وحوالي ربع العدد في جنوب الصحراء الكبرى بقارة إفريقيا. فيما تبلغ نسبة إصابة الأطفال بالهزال في مصر حوالي 8% من إجمالي الأطفال تحت سن خمس سنوات.
4- فقر الدم أو الأنيميا
يُعد فقر الدم من العلامات الدلالية للإصابة بسوء التغذية، ويعني نقصًا في الخلايا الحمراء/ الهيموجلوبين في الدم (الهيموجلوبين هو بروتين مسئول عن حمل الأكسجين إلى الرئة، ومنها إلى جميع أجزاء الجسم)، وبالتالي تقل مناعة الأطفال في مكافحة العدوى، الأمر الذي قد يتسبب في الوفاة المبكرة للأطفال. وتمثل الأنيميا تحديًا كبيرًا في مصر؛ فوفقًا لتقرير منظمة اليونيسف لعام 2014 يعاني حوالي ٢٧٫٢٪ من الأطفال دون سن الخامسة من الأنيميا، والتي تكون ناتجة بشكل رئيسي عند الرضع والأطفال بسبب إصابة الأم بالأنيميا أثناء الحمل. وتعدّ الأنيميا بمثابة خطر قومي يهدد صحة الأطفال لأنها تتسبب في ضعف القدرات الإدراكية، ومن الممكن أن تؤثر على الحركة وكذلك التراجع الدراسي والنمو بشكل عام.
سوء التغذية في مصر
لقد أدركت الدولة المصرية الدور المهم الذي تمثله التغذية الجيدة في التنمية، وتبنت على هذا الأساس العديد من الاستراتيجيات والسياسات الموجهة نحو تحسين التغذية بين الفئات الأولى بالرعاية والفقراء. ففي عام 1996 تبنت مصر برنامجًا قوميًّا لتعميم معالجة الملح باليود لحماية السكان من نقص اليود. ووفقًا لنتائج المسح السكاني لعام 2014 أصبح أكثر من 90% من المنازل المصرية تستخدم الملح المعالج باليود. وفي عام 2011 بدأت الحكومة المصرية تشغيل برنامج تدعيم دقيق القمح من خلال التحالف العالمي من أجل تحسين برامج الغذاء، ويهدف البرنامج إلى إتاحة الدقيق والخبز المدعم بالمغذيات الدقيقة على الصعيد القومي.
كذلك قامت الحكومة بتنفيذ برامج للتغذية تقوم بتوفير مكملات الغذاء والعناصر الأساسية للأمهات والأطفال من خلال وحدات الرعاية الصحية الحكومية بالمجان. على سبيل المثال، تحصل السيدات الحوامل على الفيتامينات والمعادن اللازمة بالمجان خلال شهور الحمل؛ كأقراص حمض الفوليك خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، وكبسولات الحديد خلال أشهر الحمل بدءًا من الشهر الرابع وحتى الشهر التاسع. ويتلقى الأطفال فيتامين (أ) في الشهر التاسع والثامن عشر مع التطعيمات الروتينية. وذلك بجانب مجموعة من المبادرات التي وُجهت بشكل أساسي للمرأة والطفل، ومنها “المبادرة الرئاسية للكشف المبكر وعلاج السمنة والأنيميا والتقزم لطلبة المدارس الابتدائية”، والتي انطلقت في فبراير الماضي ولمدة ثلاثة أشهر. واستهدفت المبادرة ما يقرب من 12 مليون طالب في جميع المحافظات، وانطلقت معها الحملة الإعلامية “جيل بكرة يكبر بصحة” لتوعية الأمهات والأطفال بأهمية التغذية المتوازنة للحفاظ على صحة الأطفال ونموهم بشكل سليم وصحي.
لكن لا تزال الأرقام الخاصة بالأطفال المصابين بسوء التغذية في مصر مرتفعة للغاية، وهو ما يعني أن سوء التغذية يُشكل أزمة قومية يستوجب جعلها من الأولويات الوطنية للحفاظ على رفاهية السكان وتعزيز النمو الاقتصادي في مصر. وقد خلُصت نتائج المسح السكاني لعام 2014، والتي قامت بها وزارة الصحة والسكان بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، إلى مجموعة من التوصيات التي تمثل الخطوات الأولى لمعالجة وتحسين التغذية في مرحلة الطفولة، وهي:
– تشجيع الرضاعة الطبيعية، خاصة خلال الأشهر الستة الأولى حتى تعطي الأطفال أفضل بداية ممكنة للحياة.
– مساعدة الأمهات العاملات على الاستمرار في الرضاعة الطبيعية، وذلك من خلال تمديد إجازة الولادة للأمهات الجديدات من أجل تشجيعهن على الرضاعة الطبيعية لأطفالهن.
– تقديم برامج شاملة لتوعية الأسرة ومقدمي الرعاية الصحية بالتغذية السليمة للأطفال.
– تحسين الطعام المصري عبر تزويده بالمغذيات الدقيقة، وذلك بهدف زيادة القيمة الغذائية والفائدة الصحية للأطعمة المتداولة، دون الحاجة إلى تغييرات كبيرة في العادات والنظام الغذائي للأسرة.