شهد عام 2019 ارتفاعًا ملحوظًا في نشاط التنظيمات الإرهابية في إفريقيا، فطبقًا لتقارير بحثية تعرضت القارة لحوالي 3471 عملية إرهابية، أسفرت عما يقرب من 10460 حالة وفاة. هذا النشاط المكثف من قبل التنظيمات الإرهابية يرتبط بالمسارات الجديدة لها، بعد انحسار نشاطها في منطقة الشرق الأوسط، لذلك كان الانتقال الاستراتيجي لإفريقيا. هذه الورقة تسعى إلى استعراض أبرز التنظيمات الإرهابية في إفريقيا، مع إلقاء الضوء على أهم مناطق نشاطها في محاولة لفهم التطورات التي تمر بها ساحة الإرهاب في القارة.
أبرز التنظيمات الإرهابية في إفريقيا
على الرغم من تعدد التنظيمات الإرهابية في إفريقيا يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:
1- جماعة نصرة الإسلام والمسلمين:
تعد واحدةً من أخطر التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، كونها تشتمل على أكبر تحالف يدين بالولاء لتنظيم “القاعدة”. وقد تأسست عام ٢٠١٧، وتضم 4 جماعات إرهابية، وهي: “كتيبة المرابطون”، و”إمارة منطقة الصحراء الكبرى”، و”جماعة أنصار الدين” (أغلب عناصرها من الطوارق شمالي مالي)، و”كتائب تحرير ماسينا” (أغلب عناصرها من قبيلة الفلاني وسط مالي). وتعلن الجماعة أن عدوها الأساسي هو فرنسا، وتتمركز بشكل أساسي في مالي، لكنها تشكل تهديدًا لدول الجوار (تشاد، والنيجر، وبوركينافاسو) وقدرت تقاريرُ أمنية ودولية عدد عناصر الجماعة الإرهابية بين 1500- 2200 من جنسيات مختلفة. وأشارت تقاريرُ استخباراتيةُ دوليةُ إلى الخبرة العسكرية التي تمتلكها قيادات في الجماعة الإرهابية، لا سيما أن بعض هذه القيادات انشقت عن الجيش المالي، وشاركت في عملياتٍ إرهابيةٍ عديدة.
كما يتسم الهيكل التنظيمي لها بدرجةٍ كبيرةٍ من التعددية القيادية، فربما يكون إياد غالى (أحد قادة الطوارق في مالي وزعيم أنصار الدين) هو أمير الجماعة، إلا أن القرارات في الجماعة مرتبطة بالتوافق مع القيادات الأخرى فيها، الذين يمثلون الجماعات الإرهابية الأربع. وقد اعتمدت الجماعة على شبكة متنوعة من مصادر التمويل، حيث ركزت على الأنشطة الإجرامية، واختطاف الأجانب مقابل الفدية، والسرقة، والاتجار غير المشروع.
2- تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي:
يعد من أقدم التنظيمات الإرهابية في إفريقيا كونه امتدادًا لـ”الجماعة السلفية للدعوة والقتال” الجزائرية. وقد تأسس بين عامي ٢٠٠٦ و٢٠٠٧، وذلك بعد أن أعلن زعيم التنظيم “عبد المالك درودكال” (المكنى “أبو مصعب عبد الودود”) مبايعته لتنظيم “القاعدة”. وتتمثل أهداف التنظيم في القضاء على النفوذ الغربي في شمال إفريقيا، والإطاحة بالحكومات “المرتدة”. وقد امتدد نشاطه من الجزائر إلى كلٍ من تونس، ومالي، والنيجر، وساحل العاج.
واتسم الهيكل التنظيمي للجماعة باللامركزية، وذلك عبر تفويض مجموعاته وكتائبه الفرعية باتخاذ القرارات في محيطها، لا سيما في ظل تمدد التنظيم في أكثر من نطاقٍ جغرافي. ولجأ التظيم إلى التحالف مع تنظيماتٍ مسلحة في مالي في إطار توسعه نشاطه في منطقة الساحل وشمال مالي. كما سعى إلى توسيع مصادر تمويله عبر اللجوء إلى نقل السلاح، والاتجار بالبشر، وتهريب المخدرات، بالإضافة إلى خطف السائحين، والحصول على الفدية. جدير بالذكر أن الأمم المتحدة قدرت في تقريرٍ لها صدر في عام 2014 الميزانية السنوية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بمبلغ 15 مليون دولار.
3- حركة الشباب الصومالية:
تعد التنظيم الإرهابي المسلح الأكبر والأقوى في الصومال. ويقودها في الوقت الحالي “أحمد عمر” المعروف أيضًا باسم “أبو عبيدة الصومالي”، وتدين بالولاء لتنظيم “القاعدة” منذ عام 2012. وتشكلت في عام 2004 وتبلور نشاطها في عام 2006؛ حيث تم الإعلان عنها بصفتها “الذراع العسكري” لاتحاد المحاكم الإسلامية، الذي كان يسيطر على العاصمة الصومالية “مقديشيو” آنذاك، غير أنها أعلنت انشقاقها عنه في عام 2007، بعد تحالفه مع المعارضة الصومالية. ومع بداية تشكيلها نجحت في تحقيق انتصارات على الأرض، لكنها سرعان ما تكبدت خسائر بعد التدخل العسكري لأثيوبيا في الصومال، غير أنه مع انسحاب القوات الأثيوبية في عام 2009، استعادت نشاطها ونفوذها مرة أخرى. وعلى الرغم من تراجع نشاطها في الفترة من 2011 إلى 2016، إلا أن عام 2017 شهد “صحوةً جديدةً” للحركة، إذ تصاعدت وتيرة هجماتها الإرهابية، وحدث توسع جغرافي في نطاق الاستهداف.
ووفقًا لتقديرات وزارة الدفاع الأمريكي، يتراوح أعداد عناصرها بين 3000- 7000 عنصرًا، وتتمركز في وسط وجنوب الصومال، ويمتد نشاطها إلى بعض البلدان المجاورة مثل كينيا. وتتنوع مصادر تمويلها ما بين التبرعات، والدعم المباشر من قبل المتعاطفين معه، وعمليات القرصنة التي تقوم بها الحركة على السفن العابرة لمضيق باب المندب بالساحل الإفريقي. ناهيك عن ارتباطها بالجريمة المنظمة لتوفير مصادر تمويل جديدة لها.
4- بوكو حرام:
تعد من أقدم وأكثر التنظيمات الإرهابية دموية في العالم وإفريقيا. وقد نشأت في عام 2002 في نيجيريا، على يد “محمد يوسف”، إلى أن تولى “أبو بكر شيكاو” قيادة التنظيم بعد مقتله. وفي مارس 2015 قام “شيكاو” بمبايعة “داعش”، وتغيير اسم التنظيم، ليصبح “تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا”. غير أنه في بداية أغسطس 2016 عزل “شيكاو” من قيادة التنظيم لتجاهله أوامر “داعش” واستهدافه المساجد والمدنيين المسلمين، بينما تولى “أبو مصعب البرناوي” القيادة حتى مارس 2019 عندما اعتقلته عناصر أكثر تطرفًا سيطرت على التنظيم واستبدلت به “با إدريسا” كقائد للتنظيم.
وتجدر الإشارة إلى أن تنظيم “بوكو حرام” انبثقت عنه ثلاث جماعات هي: “جماعة أنصار السنة” (بقيادة “شيكاو” والتي تشكلت بعد عزله)، وجماعة “أنصارو” (التي انشقت عن “بوكو حرام” في 2012 ودانت بالولاء لتنظيم القاعدة)، و”الدولة الإسلامية في ولاية غرب إفريقيا”. وينشط التنظيم في منطقة بحيرة تشاد التي تضم أربعة بلدان هي: نيجيريا، والنيجر، والكاميرون، وتشاد. وفي إطار سعى التنظيم إلى تنويع مصادر تمويله، انخرط في شبكات الجريمة المنظمة، إلى أن باتت إيراداته السنوية تفوق 10 ملايين دولار، وفقًا لتقاريرٍ صادرةٍ عن الخارجية الأمريكية.
5- داعش الصحراء الكبرى:
ظهر التنظيم مع إعلان “عدنان أبو الوليد الصحراوي” (القيادي في تنظيم “المرابطون”) بيعته للبغدادي في منتصف عام 2015. وقد أثارت هذه البيعة غضب “مختار بلمختار” (القيادي البارز في التنظيم ” المرابطون” الذي أكد أن بيعة “الصحراوي” لداعش جاءت كقرارٍ فرديٍ، ما أسفر عن انشقاق فصيلٍ مؤيدٍ لتنظيم “القاعدة” بقيادة “بلمختار”، وفصيل آخر مؤيد لداعش بقيادة “الصحراوي”، ثم انفصل الأخير بمجوعته معلنًا عن تنظيم “داعش افي الصحراء الكبرى”. وبعد فترة خمول لقرابة عام ونصف، أعلن تنظيم “داعش في الصحراء الكبرى” عن نفسه بقوةٍ عبر سلسلة عمليات بارزة نهاية سنة 2016.
ينشط التنظيم في المنطقة المسماة “الحدود الثلاثة” التي تجمع بين مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر. ويتألّف التنظيم من مقاتلين من قبائل الفولاني والطوارق، وغيرهما. وتتباين التقديرات حول القوة البشرية للتنظيم، غير أن أكثر التقديرات شيوعًا تشير إلى أنه في يوليو 2018 ضم نحو 425 مقاتلًا. ويتميز التنظيم بسياسةٍ أكثر انفتاحًا على عكس السياسة الرسمية للتنظيم المركزي؛ حيث لا يتردد في التعاون مع الجماعات الجهادية الأخرى بما فيها تنظيم “القاعدة”. ويعتمد التنظيم على الأنشطة الإجرامية كمصدرٍ رئيسيٍ للتمويل، وهذه الأنشطة: تشمل السرقة، والابتزاز، وتهريب المخدرات. وتستهدف عملياته القوات العسكرية وقوات الشرطة في البلدان التي ينشط فيها. وكذلك القوات الفرنسية، والأمريكية، والأممية في المنطقة.
أبرز مسارح العمليات في إفريقيا
يتركز النشاط الإرهابي إلى حد كبير في خمسة مسارح رئيسية في إفريقيا:
1- مسرح الصومال:
تعد جماعة “الشباب الصومالية” هي المسؤولة عن معظم العمليات الإرهابية في الصومال، غير أن نشاطها شهد انخفاضًا بين عامي 2018 و2019، فقد تسببت فيما يقرب من 246 هجومًا إرهابيًا خلال عام 2019، بعد أن كانت مسئولة عن حوالي 286 هجومًا إرهابيًا خلال عام 2018، وحوالي 372 خلال عام 2017. ويمثل النشاط الإرهابي الناتج عن حركة الشباب الصومالية الآن ما يقرب من 38% من جميع النشاط الإرهابي المرتبط بالتنظيمات الإرهابية في إفريقيا.
ويرجع تراجع النشاط الإرهابي في الصومال إلى دعم الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي لعمليات مكافحة الإرهاب بقيادة الجيش الوطني الصومالي. وعلى الرغم من دور تلك الجهود في الحد من النشاط الإرهابي بشكلٍ كبيرٍ في الصومال، إلا أن الجماعة تحتفظ بملاذاتٍ آمنةٍ في وسط وجنوب الصومال.
2- مسرح الساحل:
شهدت منطقة الساحل (وتحديدًا بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر) في عام 2019 زيادةً كبيرةً في نشاط التنظيمات الإرهابية؛ حيث تعرضت تلك المنطقة إلى ما يقرب من 800 هجومًا إرهابيًا، وقدّر عدد الوفيات الناجمة عن تلك العمليات الإرهابية بحوالي 2600 شخصًا، وهو ما يمثل ِضعف وفيات عام 2018. وترجع تلك الهجمات إلى ثلاثة تنظيمات رئيسية، هي: جماعة “أنصار الإسلام”، وجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، و”الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى”.
بيد أنه وفقًا لمجلس الأمن، فإن التركيز الجغرافي للهجمات الإرهابية قد تحول شرقًا من مالي إلى بوركينا فاسو، حيث عانت من ارتفاع وتيره العمليات الإرهابية بشكلٍ سريعٍ خلال السنوات الأخيرة. فقد زاد عدد القتلى من 80 في عام 2016 إلى أكثر من 1800 في عام 2019.
3- مسرح بحيرة تشاد:
تضم منطقة بحيرة تشاد أربع بلدان هي: نيجيريا، والنيجر، والكاميرون، وتشاد. وتعد جماعة “بوكو حرام” و”ولاية غرب إفريقيا” المجموعتين المسئولتين عن النشاط الإرهابي في منطقة حوض بحيرة تشاد، حيث تعرضت المنطقة لحوالي 765 حادثًا إرهابيًا في عام 2019 بزيادة 35% عن عام 2018. وعلى الرغم من مسئولية تنظيم “بوكو حرام” عن غالبية الهجمات الإرهابية في المنطقة، إلا أن عام 2019 شهد تزايدا للنشاط الإرهابي لـ”ولاية غرب إفريقيا”. وقد مثلت الوفيات الناجمة عن العمليات الإرهابية لكل من “بوكو حرام” و”ولاية غرب إفريقيا” حوالي 3225 حالة وفاه بزيادةٍ بنسبة 4% عن عام 2018. كما شهد كل من الكاميرون، والنيجر، وتشاد نموًا ملحوظًا في النشاط الإرهابي في عام 2019 بالمقارنة عام 2018.
4- مسرح شمال إفريقيا:
لم يختلف عدد الهجمات الإرهابية في منطقة شمال إفريقيا في عام 2019، عن مثيله عام 2018؛ حيث بلغ عدد الهجمات الإرهابية في عام 2019 حوالي 347 هجومًا إرهابيًا، بينما بلغ في عام 2018 حوالي 345 هجومًا إرهابيًا. ومن المرجح أن استمرار حالة عدم الاستقرار في ليبيا يوفر محفزًا لتصاعد النشاط الإرهابي في منطقة شمال إفريقيا، لا سيما في ضوء رغبة النظام التركي في إعادة تدوير تنظيم “داعش” في ليبيا، بعد عقد اتفاقيتين مشبوهتين مع حكومة الوفاق المحسوبة على تنظيم الإخوان المسلمين، إحداهما بحرية لتقسيم الحدود البحرية وأخرى أمنية، لإرسال جنودٍ ومعداتٍ عسكريةٍ للأراضي الليبية، وذلك لمحاربة الجيش الوطني الليبي، حتى لا يتمكن الأخير من دحر الميليشيات المسيطرة على طرابلس والضامنة لوجود حكومة الوفاق ومن ثَم الوجود التركي.
5- مسرح موزامبيق الشمالي:
كان هناك زيادة كبيرة في معدلات النشاط الإرهابي في شمال موزمبيق خلال عام 2019، إذ تعرضت المنطقة لحوالي 200 حادثًا إرهابيًا أسفر عن 710 حالة وفاه. وفي السياق ذاته، شهدت موزمبيق حوالي 62 هجومًا إرهابيًا في عام 2018، تسبب في حوالي 131 حالة وفاة. وتجدر الإشارة إلى عدم وجود أي نشاط إرهابي في موزمبيق حتى عام 2016، غير أن الجماعات النشطة في هذه المنطقة، استغلت الشعور بالتهميش واستثمرت في المظالم الاجتماعية، ووسعت نشاطها في ضوء فشل الحلول الأمنية في التعاطي معها.
تطورات مهمة
هناك عدد من التطورات التي تشهدها الساحة الإرهابية في إفريقيا، يتعلق بعضها بتنظيم “داعش”، ويقتصر بعضها على تنظيم “القاعدة”، وينصرف بعضها إلى كلا التنظيمين، وهو ما نوضحه في النقاط التالية:
1- إعادة تموضع داعش:
سعى “داعش” إلى البحث عن مناطق نفوذ جديدة وساحات بديلة بعد فقدانه معاقله الرئيسة في سوريا والعراق، لذلك كان الانتقال الاستراتيجي إلى إفريقيا، لما تتمتع به من عواملٍ محفزةٍ للإرهاب والتطرف، حيث تعد إفريقيا وتحديدًا منطقة الساحل والصحراء، نموذجًا مثاليًا لإعادة التموضع الداعشي، وذلك بسبب ضعف قبضة الدولة المركزية هناك، بالإضافة إلى وعورة تضاريسها، وانتشار النزاعات القبيلة، وتغلغل جرائم الاتجار بالبشر. وقد شنّ عناصر التنظيم في النيجر، ونيجيريا، وبوركينا فاسو، ومالي سلسةً من الهجمات شملت أهدافًا عسكريةً ومدنيةً، إثر إطلاق التنظيم ما أسماه “غزوة الثأر لأبي بكر البغدادي وأبي الحسن المهاجر”. ومنذ شهرين تقريبًا تعد إفريقيا هي العنوان الرئيس لصحيفة النبأ التي تصدر عن تنظيم “داعش”. وتشير تقديرات مراكز بحثية غربية إلى أن عدد الذين انضموا لـتنظيم “داعش” من إفريقيا منذ ظهوره إلى الآن يصل إلى 6 آلاف مقاتل ويمثل عودة ما تبقى منهم إلى إفريقيا مشكلة كبيرة على أمن القارة، خصوصًا أن الكثيرين منهم شباب صغير السن. وفي ظل الخسائر التي مُني بها التنظيم، صار المهرب والملجأ المناسب له هو إفريقيا، وهذا ما أكده وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو”، في تصريحاته لقناة “فوكس بيزنس” في فبراير عام 2019 التي جاء فيها “إن مقاتلي “داعش” بعد إلحاق الهزيمة بهم سوف يزحفون من سوريا إلى دول إفريقية”.
2- تحديات هيكلية:
يمر كل من تنظيمي “داعش” و”القاعدة” بتحدياتٍ هيكليةٍ كبرى، يتعلق أولها باختلاف المصالح لدى فروع تنظيم “داعش” في إفريقيا، إذ تختلف مصالح ولاية “داعش الصحراء الكبرى” (التي تريد تثبيت نفسها في الصحراء والساحل)، عن مصالح “ولاية غرب إفريقيا” (التي تريد السيطرة على محيط بحيرة تشاد الذي تقطنه جماعات عرقية مثل بودوما في جزر بحيرة تشاد، الهوسا في شمال نيجيريا وجنوب النيجر). وينصرف ثانيها إلى الانشقاقات الداخلية في تنظيمي “القاعدة” و”داعش”؛ فبالنظر إلى تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” نجد أنه يمر بتصدعٍ داخلي وانشقاقات بين أعضاءه، ففي نهاية يناير المنصرم، بعث “أبو مصعب عبد الودود” (زعيم تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”)، مذكرة إلى “أبو محمد المقدسي” (مُنظر تنظيم “القاعدة”)، ذكر فيها إن التنظيم مليء بالفرارين، وهو ما يؤكد الأنباء التي راجت حول انشقاق أعضاء “جبهة تحرير ماسينا” والانضمام إلى تنظيم “داعش”. وفي السياق ذاته، هاجرت عناصر من “ولاية غرب إفريقيا” في مارس الماضي إلى تنظيم “أنصارو”. ويتصل ثالثها باستهداف عدد من القيادات البارزة في كلا التنظيمين والجماعات المرتبطة بهما في إفريقيا، فقد تم استهداف عدد من قيادات تنظيم “داعش”، إذ أعلنت السلطات في النيجر ومالي في فبراير الماضي أن عمليات عسكرية جرت بقيادة القوات الفرنسية وبالتنسيق مع جيشي البلدين، أسفرت عن القضاء على أكثر من 230 إرهابيًا أغلبهم من مقاتلي “تنظيم داعش في الصحراء الكبرى”.
وفي السياق ذاته، استهدفت تلك العملية منطقة تنشط فيها “جبهة تحرير ماسينا” التابعة لتنظيم “القاعدة”، وأسفرت عن القضاء على 30 من مقاتلي الجبهة. كما استُهدفت قيادات بارزة في تنظيم “القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي” عبر القوات الفرنسية في مالي وبعد التكتم على خبر مقتلهم طويلً، أقر التنظيم بمقتل قياديين في التنظيم عُدّ أبرزهم “يحيى أبوالهمام” (وهو نائب إياد غالي)، إضافة إلى “أبودجانة القصيمي” (والذي كان ناطقا باسم تنظيم “المرابطون”).
3- التنافس الجهادي:
تشهد الساحة الإفريقية حالة من تصاعد التنافس الجهادي بين تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، في ضوء الخسائر التي تعرض لها التنظيمان، إذ أنهما في حالة تنافس في مناطق النفوذ المشترك رغبةً منهما في تعزيز صورتهما الجهادية، وسعًيا إلى تأكيد نفوذهما، واجتذاب المقاتلين. ففي مطلع شهر يناير المنصرم، هاجم “عبد الحكيم” (الرجل الثاني في تنظيم “داعش في الصحراء الكبرى”)، مواقع لجبهة “تحرير ماسينا” و”القاعدة في المغرب الإسلامي”، وأسفر الهجوم عن مقتل عنصرين من مقاتلي جبهة “تحرير ماسينا” وسبعة مدنيين. ومن ثمّ، تم خرق اتفاق عدم الاعتداء بين القاعدة وداعش في تلك المنطقة من إفريقيا، وهو ما يفتح الباب أمام صدام التنظيمين. كذلك حدثت اشتباكات بين “بوكو حرام” و”ولاية غرب إفريقيا” في أعقاب قيام الأخيرة بمهاجمة معسكر للأولى وخطف حوالي 13 امرأة في أواخر يناير الماضي. ناهيك عن استمر حالة الصراع بين حركة “الشباب الصومالية” وفرع “داعش” في الصومال حول بناء النفوذ والتوسع جغرافيًا.
4- انسحاب قوات بعثة الاتحاد الإفريقي:
على الرغم من نجاح تلك القوات، بالتعاون مع الجيش الصومالي، في تحرير ما يربو على 70% من الأقاليم الصومالية التي كانت خاضعة لسيطرة حركة “الشباب الصومالية”، إلا أن انسحابها بحلول عام 2021 يمثل تحديًا كبيرًا يواجه الدولة الصومالية، حيث هناك حالة من القلق إزاء الحفاظ على التقدم المحرز لضمان الاستقرار والأمن فيها، وذلك في ضوء استمرار قدرة حركة “الشباب الصومالية” على تنفيذ هجمات رغم تضاؤل المساحة التي تسيطر عليها، وكذا افتقار قوات الأمن الصومالية للقدرة على النهوض بكافة المسئوليات الأمنية في الأجلين القصير والمتوسط.
5- التوظيف السياسي للإرهاب:
يسعى النظام التركي إلى إيجاد موطئ قدمٍ له في القارة الإفريقية، وذلك بهدف تحقيق مشروعٍ إقليميٍ قائمٍ على مد نفوذ تركيا. وفي هذا الإطار، عمل النظام التركي على توظيف التنظيمات الإرهابية كأداةٍ لتحقيق أهدافه ومطامعه؛ حيث دعم نشاط التنظيمات الإرهابية في أكثر من دولة إفريقية، وذلك بتقديم التمويل المالي واللوجستي، وتسهيل انتقال عناصرهم عبر البلدان محل الصراع، سعيًا لتقويض المؤسسات الوطنية للدول، وتمكين التنظيمات الإرهابية كبديلٍ للدول الوطنية. وتبلور ذلك الدعم بإرسال تركيا لنحو 2000 إرهابي لطرابلس بهدف إطالة أمد الصراع الليبي، ناهيك عما أفادت به تقارير حول قيام الاستخبارات التركية بتحويل أموالٍ إلى “حركة الشباب الصومالية” سعيًا إلى الضغط على “مقديشيو”، وكذا ضبط عدد من شحات الأسلحة التركية الموجهة إلى تنظيم “بوكو حرام” رغبته في إنهاك الدولة النيجيرية.
ملاحظات مهمة
بناء على ما تقدم يمكن استخلاص جملة من الملاحظات المهمة التي يمكن اجمالها على النحو التالي:
الملاحظة الأولى: أن القارة الإفريقية تمثل بيئةً حاضنةً للتنظيمات الإرهابية، حيث الانتشار الواسع لظاهرة الدولة الفاشلة، وهو ما يعكس ضعف سلطة الدولة أمام تنامي دور التنظيمات المتطرفة لملء ذلك الفراغ الناتج عن تراجع سلطة الدولة هذا من جهة. ومن جهةٍ أخرى، تواجه القارة الإفريقية تحديًا كبيرًا، يتمثل في تداعيات التغير المناخي التي تلقي بظلالها على الظاهرة الإرهابية، إذ أن تغير المناخ سيؤدي إلى التصحر وزيادة أزمة الغذاء وبالتالي تصاعد حدة الفقر، الأمر الذي يزيد من عدم الاستقرار الداخلي، وهذا بدوره يغذي الإرهاب، وقد يدفع بالشباب للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية.
الملاحظة الثانية: أن هناك حالة من التشابه بين أهداف تنظيمي “داعش”، و”القاعدة” في إفريقيا، فكل منهما يسعى إلى تعزيز وجوده في الساحة الإفريقية، إلا أن هناك اختلاف في طبيعة أداوتهما. إذ يعتمد “القاعدة” على التجذر في صلب المجتمعات الإفريقية عبر الترويج لأطروحة مواجهة القوات الأمنية المحلية المدعومة إقليميًا ودوليًا، وذلك في إطار استراتيجية “الانتشار التنظيمي”، التي تقوم بشكل أساسي على التوسع جغرافيًا بأكبر قدر ممكن، لكن دون السيطرة على الأرض بشكل كامل. في حين أن تنظيم “داعش” يعتمد على الترويح لفكرة الخلافة العالمية العابرة للحدود والقارات، وذلك عبر استراتيجيةٍ قائمةٍ على شنّ أكبرٍ عددٍ من الهجمات التي لا تفرق بين مدنيين وعسكريين موظفا مبدأ “السيطرة المكانية” باعتبارها متغيرا رئيسيا في مواصلة عملياته.
الملاحظة الثالثة: أنه في ضوء التحديات الهيكلية والضغط العسكري قد تلجأ التنظيمات إلى التعايش المشترك، انطلاقًا من قدرتها على التعلم التنظيمي والاستفادة من الدروس والخبرات التي تعرضت لها؛ فقد تلجأ التنظيمات إلى تقاسم النفوذ الجغرافي، والمنافسة بلا اقتتال، وهذا هو الأخطر، لأنه سيمنحهما مساحات للتمدد دون خسائر. ويستشهد هذا الطرح بالتحالف الذي تم بين “تنظيم الدولة في الصحراء” وجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة للقاعدة والذي أعُلن عنه في يناير 2018. وفي هذا السياق، صرح مسؤولون أمريكيون لصحيفة واشنطن بوست في فبراير الماضي إن جماعات مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش تنسق جهودها معًا للسيطرة على أراض تمتد عبر منطقة شاسعة في غرب إفريقيا. وذكرت الصحيفة أن المسلحين ينسقون الهجمات ويحددون مناطق نفوذ متفق عليها بشكل متبادل في منطقة الساحل جنوب الصحراء الكبرى.
الملاحظة الرابعة: أن الساحة الإرهابية في إفريقيا تشهد جملة من المتغيرات المتعلقة بتكثيف النشاط الإرهابي من قبل كل من تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، وذلك لدعم محاولات الأول لتعزيز نفوذه خاصةً في إقليمي الساحل والصحراء وغرب إفريقيا والقرن الإفريقي، مقابل محاولات الأخير لإثبات حضوره كمنافسٍ قويٍ للقاعدة في الساحات الاستراتيجية المهمة. كما تشهد المجموعات المرتبطة بكليهما حالة من الانشقاقات والتصدعات الداخلية، ناهيك عن انتقال عددٍ من المقاتلين الأجانب من منطقة الشرق الأوسط إلى إفريقيا في ضوء الهزائم التي تعرض لها تنظيم “داعش”، كل تلك المستجدات تلقى بظلالها على تغييرات قد تشهدها خارطة التنظيمات الإرهابية في إفريقيا في المرحلة القادمة، ما يوحى بحالةٍ من التشرذم والتشظي بين التنظيمات في مناطق، في مقابل حالةٍ من التكيف والتماهي بينهم في مناطق أخري.
مجمل القول، إن واقع التنظيمات الإرهابية في إفريقيا يؤكد أنها جزء من مستقبل القارة، سواء داخل المجتمعات الإفريقية أو في إدارة التفاعلات السياسية في المنطقة. ورغم أن التنظيمات الإرهابية تنتشر في أغلب القارة الإفريقية إلا أن هناك بعض المناطق التي تشهد كثافة في الممارسات الإرهابية ويأتي على رأسهما منطقة الساحل والصحراء، الأمر الذي ينذر بوجود دور لعدد من الفواعل الإقليمية والدولية في هذه المنطقة ما بين من يراعي الإرهاب وما بين من يكافحه، ناهيك عن إن ارتباط منطقة الساحل والصحراء بالتفاعلات السياسية والمعادلات القائمة في شمال إفريقيا خاصة في ليبيا، وضلوع تلك التنظيمات كفاعل رئيسي في الصراع الليبي ينبئ بإن الإرهاب سيكون مؤثرا على مستقبل القارة كلها.