فرض تفشّي فيروس كورونا عالميًّا تحديات كثيرة في وجه القطاع الخاص في جميع دول العالم؛ حيث تسببت سياسات الإغلاق الجزئي والكلي التي اتّبعتها الدول في ظل الجائحة في خسارات هائلة لأصحاب المنشآت والشركات، نتيجة لتداعيات توقف الإنتاج في الأنشطة الاقتصادية، الأمر الذي فاقم من حدة البطالة والركود الاقتصادي، ووصل الأمر إلى حد إعلان بعض المؤسسات إفلاسها. ويرى صندوق النقد الدولي أن الجائحة ستؤدي إلى ركود عالمي خلال عام 2020 قد يكون أسوأ مما حدث خلال عامي 2008 و2009. وفي محاولة لتخفيف هذه الآثار، لجأت الحكومات إلى تقديم مزايا وحوافز مالية لأصحاب الأعمال المتضررين في الشركات، لتمكينهم من مواجهة الآثار الناتجة عن تفشي الوباء. ونتناول في هذا المقال الإجراءات التي اتخذتها بعض دول الخليج العربي لتحفيز ومساندة القطاع الخاص.
المملكة العربية السعودية
في إطار العمل على تخفيف الآثار المالية والاقتصادية للجائحة على القطاع الخاص، اتخذت المملكة بعض الإجراءات لدعم القطاع، شملت إعلان مؤسسة النقد السعودي، في 15 مارس الماضي، عن إعداد برنامج وصلت قيمته إلى نحو 50 مليار ريال، استهدف دعم القطاع وتمكينه من القيام بدوره في تعزيز النمو الاقتصادي؛ مع التركيز على قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة. وفي 16 مارس، أصدرت الحكومة قرارًا بإلزام منشآت القطاع الخاص بتطبيق الإجازة المرضية الإجبارية ومدتها 14 يومًا، على ألا يتمّ خصمها من رصيد الإجازات لبعض الفئات (المرأة الحامل، من يعانون من الأمراض التنفسية، من يعانون من نقص المناعة، مستخدمو أدوية مثبطات المناعة، مرضى الأورام، من يعانون من الأمراض المزمنة). كما اتخذت الحكومة قرارًا بتطبيق الحجر المنزلي لمدة 14 يومًا على جميع العاملين العائدين من السفر من خارج المملكة، وعدم تمكينهم من العمل إلا بعد انقضاء مدة الحجر، وإحالة من تظهر عليه أعراض الإصابة بالفيروس فورًا إلى الرعاية الطبية.
وفي 20 مارس، اتخذت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عدة إجراءات، شملت رفع الإيقاف الخاص بحماية الأجور خلال الفترة الحالية والإيقاف بسبب عدم دفع الغرامات المتحصلة، والغرامات الخاصة باستقدام العمالة، وإتاحة إعارة العاملين عبر برنامج «أجير» لتسهيل إجراءات العمل، وتخفيف الأعباء المتعلقة بالقوى العاملة للقطاعات المتضررة، ومساعدة القطاعات ذات الطلب.
وفي 3 أبريل أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك “سلمان بن عبدالعزيز آل سعود” قرارًا باستثناء العاملين السعوديين في منشآت القطاع الخاص المتأثرة بتداعيات الوباء من بعض المواد المتعلقة بنظام التأمين ضد التعطل عن العمل. وبالتالي أصبح من حق صاحب العمل بدلًا من إنهاء عقد العامل السعودي أن يتقدم للتأمينات الاجتماعية بطلب صرف تعويض شهري للعاملين لديه بنسبة 60% من الأجر المسجل في التأمينات الاجتماعية لمدة ثلاثة أشهر، بحد أقصى تسعة آلاف ريال شهريًّا، وبقيمة إجمالية تصل إلى 9 مليارات ريال.
وفي 15 أبريل تم تقديم خصم على قيمة فاتورة الكهرباء للمستهلكين في القطاعات التجارية والصناعية والزراعية بنسبة 30% لمدة شهرين (أبريل، مايو)، مع إمكانية التمديد إذا استدعت الظروف ذلك. بالإضافة إلى السماح بشكل اختياري للمشتركين بالقطاع الصناعي والتجاري بسداد 50% من قيمة فاتورة الكهرباء الشهرية لفواتير الأشهر الثلاثة: أبريل، ومايو، ويونيو، على أن يتم تحصيل المستحقات المتبقية على دفعات مقسمة لمدة ستة أشهر ابتداءً من شهر يناير 2021 مع إمكانية تأجيل فترة السداد إن استدعت الحاجة.
مملكة البحرين
تبنّت مملكة البحرين حزمة تحفيز اقتصادي للعمل على تخفيف الآثار الاقتصادية للجائحة، شملت حزمة مالية بقيمة 4.3 مليارات دينار بحريني لمكافحة تداعيات تفشي الفيروس، كما اتخذت المملكة قرارًا بالتكفل بفواتير الكهرباء والمياه للأفراد والشركات لمدة 3 أشهر بدءًا من أبريل الماضي، وإعفاء المنشآت والمرافق السياحية من رسوم السياحة لمدة 3 أشهر بدءًا من شهر أبريل.
وفي 8 أبريل الماضي، اتخذت المملكة قرارًا بدفع رواتب المواطنين العاملين في القطاع الخاص لمدة ثلاثة أشهر اعتبارًا من أبريل الماضي، بحيث يتولى صندوق البطالة دفع الرواتب باتّباع الإجراءات الدستورية وبما يتماشى مع قانون التأمين الاجتماعي، بقيمة تصل إلى حوالي 570 مليون دولار على رواتب 100 ألف موظف في القطاع الخاص خلال الفترة من أبريل إلى يونيو الجاري. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدعم يشمل العامل البحريني فقط، وبقيمة الأجر المسجل لدى هيئة التأمينات الاجتماعية. كما أنه لا يشمل حتى الآن أصحاب العمل.
الإمارات العربية المتحدة
في 16 مارس، أطلقت إمارة أبوظبي مجموعة من الإجراءات بهدف تخفيف آثار الجائحة على القطاع الخاص في أعقاب حزمة تحفيز للدولة بقيمة 27 مليار دولار، أعلنها مصرف الإمارات المركزي. وخصصت الإمارة مليار درهم لتأسيس صندوق “صانع السوق” لتوفير السيولة وإيجاد توازن مستمر بين العرض والطلب على الأسهم، بالإضافة إلى برنامج الضمانات الائتمانية لتحفيز تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة عن طريق البنوك المحلية، وخمسة مليارات درهم لدعم فواتير المرافق.
وقد اتخذت الدولة في 26 مارس قرارًا بتفعيل نظام “العمل عن بعد” لجميع الوزارات والهيئات والمؤسسات الاتحادية والقطاع الخاص، وألا تزيد نسبة العاملين الذين يتطلب عملهم التواجد في أماكن العمل على 30% من مجموع العاملين في المنشأة، وذلك بالتوازي مع تطبيق نظام العمل عن بعد للعاملين الذين لا تتطلب مهامهم الوظيفية التواجد في مقر العمل. واستثنت الهيئة الاتحادية عددًا من القطاعات الحيوية، كالطاقة والاتصالات والصحة والتعليم والأمن والشرطة والبريد والشحن والأدوية والمياه والأغذية والطيران المدني والمطارات والجوازات والمالي والمصرفي والإعلام الحكومي.
كما اتخذت الدولة في 30 مارس قرارًا برفع جميع القيود المطبّقة على جميع المنشآت المسجلة لدى الوزارة، ما يُتيح لها الحصول على تصاريح عمل داخلية جديدة، وإمكانية تجديد تصاريح العمل للعمالة المسجلة على المنشآت المستهدفة، في إطار حزم الدعم المقدمة لأصحاب العمل ضمن البرنامج الوطني لاستقرار سوق العمل في القطاع الخاص. وتشمل حزم الدعم أيضًا السماح للمنشآت باسترجاع الضمان المصرفي فور تجديد تصريح العمل والتأمين على العامل مع الإعفاء من فترة الانتظار المرتبطة بنظام حماية الأجور، فضلًا عن الحصول على تصاريح عمل جديدة رغم وجود تصاريح عمل سابقة منتهية تحتاج إلى تسوية بدفع الغرامة المستحقة عليها. كما تشمل حزم الدعم السماح للمنشآت بتجديد تصاريح العمل دون إلزامها بتجديد التصاريح المنتهية لأكثر من 6 أشهر، وكذلك السماح للمنشأة بإصدار تصاريح عمل داخلية جديدة على مهن المستوى المهاري الثالث دون إلزامها بشرط الشهادة العلمية.
وفي 19 أبريل، قامت الدولة باستحداث منصة معلوماتية جديدة مبتكرة خاصة بمتابعة تطورات وتأثيرات الفيروس على الاقتصاد وقطاع الأعمال، بحيث تضمّ المنصة استبيانات تفاعلية مع القراء حول الاقتصاد وتأثيرات الأزمة الحالية على أعمالهم، ومقترحات مواجهتها، بالإضافة إلى توفيرها دليلًا شاملًا يتم تحديثه باستمرار حول الحزم التحفيزية المتنوعة التي أعلنتها الإمارات وإمارة دبي لمساعدة القطاع الخاص في مواجهة التداعيات السلبية لانتشار الفيروس على أعمالهم.