تحت هذا العنوان قام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بإجراء دراسة مهمة ومتميزة على عينة من الأسر المصرية بهدف التعرف على أهم الآثار والمشاكل التي ترتبت على الإجراءات المتخذة لمحاربة الفيروس، وتنقسم إلى أربعة أقسام. الأول، يتناول معلومات الأسر حول فيروس كورونا، والثاني يتعلق بالأثر على الحالة العملية للمشتغلين، والثالث تناول الأثر على تغير نمط استهلاك الأسر، والرابع يتعلق بكيفية مواجهة الأسر للآثار السلبية ونقص الدخول. وهكذا، يتضح لنا أننا أمام دراسة شاملة ومهمة وواقعية لأنها بعيدة عن الدراسات المكتبية أو النظرية، وبالتالي يجب أخذ نتائجها بعين الاعتبار عند القيام بأي إجراء حكومي.
في هذا السياق، تشير الدراسة الى أن نحو 62% من الأفراد المشتغلين قد تأثرت حالتهم، منهم 26% تركوا العمل نهائيا ونحو 56% أصبحوا يعملون أيام عمل أقل أو ساعات عمل أقل من المعتاد، ونحو 18% يعملون عملا متقطعا. ونظرا لأن الدخل من العمل يمثل المصدر الرئيسي للدخل وفقا لبحث الدخل والإنفاق فإن غالبية الأفراد (74%) قد انخفضت دخولهم منذ ظهور الفيروس. والأهم من ذلك أن الغالبية العظمى من الشباب (بين 15 و24 سنة) كانوا الأكثر تأثرا، حيث انخفض دخل نحو 88% منهم. وترجع أسباب ذلك الى العمل أياما أقل أو ساعات عمل أقل (نحو 46%) أو التعطل (31%) أو الانتقال لعمل متقطع (23%). يليهم الفئة العمرية (25 -34) بنسبة 79% مع ملاحظة الاختلاف في الأسباب عن الفئة الأولى، حيث أن معظمهم (53%) يعملون عملا أقل ونحو 28% تعطلوا، و19% عملا متقطعا.
ومما زاد من تعقيد المشكلة أنها جاءت في ظل أوضاع عمالية سيئة نظرا لهشاشة سوق العمل المصرية واستحواذ القطاع غير الرسمي على معظم الوظائف الجديدة، وازدياد الطلب على العمالة المؤقتة، وارتفاع معدلات البطالة. وهكذا، تحول شعار العمل اللائق، بمعنى توافر فرصة عمل مناسبة وبدخل ملائم وتتيح الاستقرار في العمل وسط ظروف عمل آمنة وحماية اجتماعية، الذي كانت تسعي إلى تحقيقه منظمة العمل الدولية، إلى البحث عن الأمان الوظيفي. خاصة مع تراجع معدل التشغيل في المجتمع من 45% عام 2010 إلى 39% عام 2019. ويرتبط بهذه المسألة مدى الاستقرار في سوق العمل، إذ تشير الإحصاءات إلى أن نسبة من يعملون عملا دائما هبطت إلى 73% عام 2019. وفي المقابل ارتفعت نسبة العاملين في عمل متقطع إلى 20%، أما العاملون في عمل مؤقت فقد ارتفعت نسبتهم إلى 6%. فضلا عن الظروف السيئة التي يعمل فيها هؤلاء. وخير دليل على ذلك أن نسبة العاملين بعقد قانوني لم تتجاوز41% من إجمالي العاملين بأجر، ونسبة المشتركين بالتأمينات الاجتماعية تصل إلى 45%. وكذلك تبلغ نسبة المشتركين في التأمين الصحي نحو 39%. يضاف إلى ذلك ارتفاع معدل البطالة بين الشباب (15 -29 سنة) إلى نحو 17% وترتفع هذه النسبة للإناث إلى 43% وهي نسب مرتفعة للغاية، هذا فضلا عن ارتفاع نسبة المتعطلين الذين سبق لهم العمل لتصل الى 31% من إجمالي المتعطلين.
كل هذه المؤشرات وغيرها توضح لنا بما لا يدع مجالا للشك مدى خطورة وتداعيات النتائج المشار إليها على سوق العمل، خاصة أن آثارها لا تتوقف على الصعيد الاقتصادي (باعتبارها تمثل هدرا فادحا للطاقات البشرية المتاحة) فحسب، بل تمتد بآثارها لتشمل كل جوانب المجتمع سياسيا واجتماعيا وحضاريا، وتحتاج إلى تبني سياسة جديدة للتشغيل. بعد أن أصبحت مدة صلاحية المهارات المطلوبة قصيرة الأجل مما يتطلب إحداث تغيرات جوهرية في التعليم والتدريب والاستثمار في رأس المال البشري الصحة والتعليم والمعارف. كما تشير الدراسة الى انخفاض استهلاك الأسر من بعض السلع الأساسية كاللحوم والطيور والأسماك والفاكهة مقابل ارتفاع الاستهلاك من الأرز وزيت الطعام والبقوليات والأهم هو زيادة استهلاك الأسر من الأدوات الطبية والمنظفات والمطهرات فضلا عن فواتير الإنترنت. ولا يخفى ما لذلك من آثار على مستويات المعيشة والفقر خاصة إذا أخذنا بالحسبان نتائج بحث الدخل والإنفاق 2017/ 2018 اذ أشار الى أن انخفاض نصيب الفرد من الإنفاق على هذه المجموعة السلعية، خاصة لدى العشر الأدنى من المجتمع، قد أدى الى زيادة نسبة الفقراء بمقدار6.6 نقطة مئوية، فضلا عن أن العمل في القطاعات الهامشية أو خارج المنشآت أو العمل بشكل مؤقت كلها أسباب تؤدى للمزيد من الفقر. ويرتبط بما سبق النتائج المهمة للقسم الرابع الذى تناول كيفية تعامل الأسر مع نقص الدخل، حيث أشار إلى أن 93 % من الأسر قد اعتمدت على أنواع أرخص من الغذاء مع ما يعنيه ذلك من جودة وخلافه، و16% اعتمدوا على المساعدات من الأصدقاء والأقارب، و20% قاموا بتقليل كميات الطعام أو تقليل عدد الوجبات اليومية وهى أمور ذات دلالات مهمة والأخطر مما سبق أن 5% أشاروا الى أنهم يقومون بإرسال أفراد الأسرة لتناول الطعام لدى الآخرين، هذا فضلا عن أن نحو 54% قاموا بالاقتراض أو شراء الطعام بالأجل لتغطية احتياجات الأسرة. وكلها مؤشرات توضح لنا بما لا يدع مجالا للشك أو الانتظار أهمية السياسات الاجتماعية للتعامل مع تداعيات أزمة كورونا من أجل توفير دخل محترم لكل المواطنين، والقضاء على الفقر المدقع ومواجهة تحديات البطالة، وهو ما يتطلب التفكير في تطبيق نظام الدخل الأساسي الشامل (UBI) وهو شكل من أشكال الضمان الاجتماعي الذي يضمن مبلغًا معينًا من المال لكل مواطن، دون شروط مسبقة، وهى الفكرة الأبرز في وقتنا الحالي وهذا ليس مفهوما جديدا، ولكنه أصبح مطلبا لكل من اليسار واليمين في السنوات الأخيرة باعتباره المفتاح لمعالجة المشاكل سالفة الذكر، لذلك تحاول بعض الدول تطبيقها حاليا، على أن يتم البدء بدمج برامج الحماية الاجتماعية القائمة مثل تكافل وكرامة ومعاشات الضمان الاجتماعي في هذا النظام. والاستمرار في البرامج الاجتماعية ذات المردود السريع على الفقراء والإسراع بها، خاصة تطوير المناطق العشوائية والإسكان الاجتماعي وتطوير المستشفيات العامة. جنبا إلى جنب مع توفير المستلزمات الطبية وتوفير الأدوية وألبان الأطفال ومستلزمات الوحدات الصحية.