تُعرف الصناديق السيادية بأنها “صناديق استثمارية تمتلكها الدول، ولكنها غير تابعة لوزارات المالية أو البنوك المركزية، بهدف إدارة الفوائض المالية للدولة وفقًا لخطة تجارية واستثمارية ربحية ومنخفضة المخاطر ذات أمد طويل، توفر مدّخرات كافية لتغطية حاجات الأجيال القادمة. وتأتي أغلب موارد تلك الصناديق من إيرادات تصدير السلع الأساسية لا سيما النفط”.
وتستثمر هذه الصناديق الفوائض المالية في العديد من الأصول المالية كأسهم الشركات والسندات الحكومية. كما اعتمدت الدول على الصناديق السيادية لتمويل برامج التنمية المستدامة، وتطوير مشروعات البنية الأساسية كشبكات توزيع الكهرباء والمياه، وتحسين خدمات الإنترنت. كما يكمن السبب الأساسي لتشييد تلك الصناديق في تحقيق استقرار اقتصاد البلاد من خلال تنويع الاستثمارات على الصعيدين القطاعي والجغرافي، وتوليد الثروات من أجل الحد من خطورة الاعتماد على مورد واحد أو مصدر واحد للدخل، خاصة الدول النفطية التي تتعرض لهزات قوية في حالة تذبذب أسعار النفط.
يتناول هذا المقال دور الصناديق السيادية في ضوء أزمة كورونا مع استعراض أكبر عشرة صناديق حول العالم، وحالة الصندوق السيادي المصري ومستقبل استثماراته عقب انتهاء الأزمة الراهنة.
1- الصناديق السيادية حول العالم
ترجع فكرة إنشاء الصناديق السيادية تاريخيًّا إلى الخبرة الخليجية؛ إذ تُعد “الهيئة العامة للاستثمار” بالكويت أول صندوق للثروة السيادية في العالم والذي تم إنشاؤه عام 1953 لاستثمار فائض العائدات النفطية، لتتبعها العديد من الدول الخليجية الأخرى التي حاولت استغلال الفوائض المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط. ومؤخرًا، ارتفع عدد الصناديق السيادية إلى حوالي 93 صندوقًا بإجمالي حجم أصول تبلغ قيمتها 8.23 تريليونات دولار، أي ما يمثل 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ووفقًا لآخر تقرير صادر عن معهد صناديق الثروة السيادية –الذي يتخذ من مدينة “لاس فيغاس” مقرًا له- يُعد الصندوق السيادي النرويجي (صندوق التقاعد الحكومي) هو الأكبر على مستوى العالم، حيث تبلغ قيمته 1.18 تريليون دولار تليه شركة الصين للاستثمار. ويعرض الشكل رقم (1) أكبر عشرة صناديق سيادية بحسب حجم الأصول.
شكل رقم (1): أكبر 10 صناديق سيادية وفقًا لحجم الأصول – مليار دولار
وكما هو واضح من الشكل، هناك 3 صناديق سيادية عربية بين أكبر 10 صناديق على مستوى العالم، هي: جهاز أبوظبي للاستثمار (الإمارات)، والهيئة العامة للاستثمار (الكويت)، وصندوق الاستثمارات العامة (السعودية). في حين تمتلك الصين 3 صناديق سيادية (شركة الصين للاستثمار، شركة سيف للاستثمار، المجلس الوطني لصندوق الضمان الاجتماعي)، ولدى سنغافورة صندوقان سياديان (صندوق “جي آي سي”، تيماسيك القابضة).
2- دور الصناديق السيادية خلال أزمة كورونا
تلعب صناديق الثروة السيادية دورًا فاعلًا على المستويين النقدي والمالي، حيث برز دورها خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008 في ظل قيامها بضخ عشرات المليارات من الدولارات في رأس مال بعض المؤسسات المالية من أجل تخفيف حدة تداعيات الأزمة على أعمالها.
وغالبًا ما تلجأ الدول إلى صناديقها السيادية خلال فترات تذبذب أسعار السلع الأولية، خاصة النفط، بهدف دعم موازناتها وتغطية الإنفاق العام الطارئ. وفي ظل تداعيات فيروس كورونا، من المؤكد أن تسعى الدول لزيادة إنفاقها العام على الصحة والتعليم والبنية التحتية، ولهذا يُمكن اعتبار الصناديق السيادية أحد أفضل الحلول المطروحة أمام الحكومات لتغطية المستويات المرتفعة من الإنفاق. ومن المتوقع أن يكون لتلك الصناديق دور مهم خلال فترة التعافي من التداعيات الناجمة عن جائحة كورونا على الدول المالكة لها، وتعزيز قدرة القطاعات المتضررة من الوباء على تجاوز آثاره السلبية بدعم من قدرتها على توفير بدائل تمويلية للحكومات، وتنويع مصادر الدخل القومي بعيدًا عن الميزانية العامة.
ومن أبرز الدول التي اعتمدت على صناديقها السيادية خلال الأزمة، كازاخستان، التي تضررت بشدة من انهيار أسعار النفط بسبب اعتمادها الكبير على الصادرات النفطية، مما اضطرها إلى سحب حوالي 4.1 مليارات دولار إضافية هذا العام من صندوق ثروتها الوطني -الذي تبلغ قيمته 61 مليار دولار- من أجل تمويل حزمة التحفيز الاقتصادية البالغة 10 مليارات دولار بهدف تعزيز برامج الرعاية الاجتماعية، ومشاريع البنية التحتية، وتقديم إعانات للقطاعات المتضررة من الفيروس.
ومن المتوقع أن يضخ الصندوق السيادي بالنرويج حوالي 4.8% من أصوله في الموازنة العامة للدولة لتجاوز التداعيات الاقتصادية للوباء، في حين ضخ الصندوق السيادي التركي 21 مليار ليرة (3.1 مليارات دولار) في ثلاثة بنوك حكومية. كما دعم صندوق سنغافورة “تياماسيك” إصدار حقوق قيمته 1.5 مليار دولار لشركة “سيمبكورب مارين” للمنصات البحرية. فيما تدرس الحكومة البريطانية إمكانية تشييد صندوق ثروة سيادي بقيمة حوالي 25 مليار جنيه إسترليني (30 مليار دولار) لتشجيع الانتعاش الاقتصادي عقب جائحة كورونا تزامنًا مع عودة النشاط الاقتصادي تدريجيًّا في البلاد، وسيكون الصندوق حال إطلاقه الأول من نوعه في المملكة المتحدة.
ورغم فعالية دور الصناديق السيادية خلال وقت الأزمات، إلا أنها لم تسلم من تداعيات فيروس كورونا الذي أثر سلبًا على حيازات رئيسية لها في ضوء انخفاض أسعار الأسهم والنفط. وتشير أحدث بيانات صادرة عن مركز “آي إي” لحوكمة التغيير إلى أن أكبر صناديق ثروة سيادية في العالم تكبّدت خسائر خلال أول أربعة أشهر فقط من العام الجاري قيمتها حوالي 67 مليار دولار بسبب الجائحة.
3- صندوق مصر السيادي
أنشئ صندوق مصر السيادي عام 2018 بموجب القانون 177 لسنة 2018، من أجل إدارة الأصول غير المستغلة بالدولة كالأراضي والعقارات والمباني. وجاءت فكرة إطلاق الصندوق في إطار خطة الدولة لتحقيق التنمية المستدامة وتنفيذ رؤية مصر 2030 من خلال زيادة الاستثمار والاستغلال الأمثل لأصول وموارد الدولة لتعظيم قيمتها، بما يساهم في تحقيق فوائض مالية مستدامة والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة.
واستطاع صندوق مصر السيادي خلال العامين الماضيين إنشاء منصة استثمارية مع نظيره الإماراتي بقيمة 20 مليار دولار للاستثمار في مجموعة متنوعة من القطاعات والمجالات، من أهمها الصناعات التحويلية، والطاقة التقليدية والمتجددة، والتكنولوجيا، والأغذية والعقارات، والسياحة، والرعاية الصحية. كما وقّع الصندوق اتفاقيتين في نوفمبر 2019 للتعاون الاستثماري مع وزارة قطاع الأعمال العام وبنك الاستثمار القومي لتعظيم الاستفادة من بعض الأصول المملوكة لهما.
وفي يونيو 2020، أضاف معهد صناديق الثروة السيادية العالمية لأول مرة صندوق مصر الوطني في قائمته التي تصنف الصناديق العالمية، ليحتل بذلك المرتبة رقم 43 من إجمالي 93 صندوقًا. وبحسب البيانات الصادرة عن المعهد، تبلغ أصول الصندوق حوالي 11.959 مليار دولار، وهو ما يمثل 0.14% من إجمالي قيمة أصول الصناديق السيادية العالمية. وتتوقع الحكومة المصرية أن يصل رأسمال الصندوق إلى تريليون جنيه (63 مليار دولار) خلال السنوات القليلة المقبلة.
ومع انتشار فيروس كورونا في البلاد، كشف الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي “أيمن سليمان” في أحد تصريحاته أن جائحة “كوفيد 19” دفعت إدارة الصندوق إلى تعديل أولويات الاستثمار لتتجه إلى الصناعات الغذائية وقطاع الأدوية والتكنولوجيا المالية، حيث أبرزت الأزمة الحالية مدى أهمية تحسين خدمات الشمول المالي والبنية التحتية التكنولوجية. كما يخطط الصندوق لإنشاء مراكز لوجستية للأدوية والمستحضرات الطبية، وتشييد مخازن لهذه المنتجات بالتعاون والشراكة مع هيئة الشراء الموحد من أجل التكيف مع احتمال استمرار فيروس كورونا أو أي وباء قد يتعرض له العالم في المستقبل. وعلاوة على ذلك، من المقرر أن يطلق الصندوق خلال الفترة المقبلة أربعة صناديق فرعية متخصصة بقطاعات الخدمات والتكنولوجيا المالية، والتصنيع الغذائي والزراعة، وآخر بنشاط الخدمات الصحية، وأخيرًا نشاط البنية الأساسية والإنشاءات.
وأخيرًا، يُمكن القول إن فيروس كورونا فتح الآفاق أمام الصناديق السيادية لتعيد ترتيب خططها الاستثمارية، والاتجاه لضخ فوائضها المالية محليًّا من أجل تعزيز الوضع الاقتصادي وإدارة الأزمات.