شهدت الآونة الأخيرة إطلاق العديد من الدول تحذيرات شديدة اللهجة وصلت إلى حد التهديد بفرض غرامات أو الحبس بشأن استخدام مواطنيها للعملات الرقمية والمشفرة نظرًا لما تنطوي عليه من مخاطر تتمثل في تذبذب قيمتها بشكل شديد مما يتسبب في عدم استقرار قيمتها، فضلًا عن عدم خضوعها لسلطات رقابية تضمن عدم استغلالها في بعض الأنشطة غير المشروعة.
وتأتي تلك التحذيرات بعدما شهدت العملات الرقمية، لا سيما “بيتكوين” ارتفاعات قياسية في مستوى أسعارها متجاوزة مستوى 60 ألف دولار للمرة الأولى في منتصف مارس الماضي بدعم زيادة إقبال المستثمرين عليها، وتشجيع كبار رجال الأعمال الأفراد على شرائها والتعامل معها مثل “إيلون ماسك”، الرئيس التنفيذي لشركة “تسلا” الأمريكية لصناعة السيارات الكهربائية.
حظر استخدام العملة المشفرة
حذر البنك المركزي المصري في الثامن والعشرين من مارس 2021 من التعامل بالعُملات المشفرة أو الاتجار فيها أو الترويج لها أو إنشاء وتشغيل منصات لتداولها أو تنفيذ الأنشطة المتعلقة بها داخل السوق المصرية وفقًا لأحكام المادة (206) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020. وطبقًا للقانون يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز عشرة ملايين جنيه كل من خالف أيًا من أحكام المادة، كما نص القانون على الحكم على من يعود لمخالفة أحكام تلك المادة بالحبس والغرامة معًا.
وتتمثل أهم أسباب هذا التحذير كما جاء في بيان البنك المركزي: “التذبذب الشديد في قيمة هذا النوع من العملات؛ نتيجة للمضاربات العالمية غير المُرَاقَبَة التي تتم عليها، مما يجعل الاستثمار بها محفوفًا بالمخاطر ويُنذِر باحتمالية الخسارة المفاجئة لقيمتها نتيجة عدم إصدارها من أي بنك مركزي أو أي سُلطة إصدار مركزية رسمية، فضلًا عن كونها عُملات ليس لها أصول مادية ملموسة، ولا تخضع لإشراف أي جهة رقابية على مستوى العالم؛ وبالتالي تفتقر إلى الضمان والدعم الحكومي الرسمي الذي تتمتع به العُملات الرسمية الصادرة عن البنوك المركزية”. وأكد البنك المركزي المصري على اقتصار التعامل داخل البلاد على العُملات الرسمية المعتمدة لديه فقط، مع مطالبة المواطنين بتوخي الحذر الشديد، وعدم الانخراط في التعامل بالعُملات غير الرسمية مرتفعة المخاطر.
ولكن بحلول الثاني والعشرين من أبريل سمح البنك المركزي للبنوك بإصدار عملات إلكترونية خاضعة لإشرافه بشرط أن تساوي كل عملة في خدمة الدفع بواسطة الهاتف المحمول جنيهًا مصريًا واحدًا، كما شدد على أهمية أن يكون لدى البنك المُصدر للوحدات الإلكترونية ودائع بالجنيه المصري لا تقل قيمتها عن الوحدات الإلكترونية.
وعلاوة على ذلك، أعلن كل من البنك المركزي المغربي ووزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة في الحادي عشر من أبريل عن تحذيرهما من مخاطر الاستثمار في العملات الرقمية مثل “بيتكوين، واعتبرا أنها عملات افتراضية لا وجود لها في الواقع وتحمل الكثير من المخاطر.
وعقب ذلك، حظر البنك المركزي التركي في السادس عشر من أبريل استخدام العملات والأصول المشفرة في شراء السلع والخدمات اعتبارًا من الثلاثين من أبريل بسبب المخاطر التي تحيط بتلك التعاملات نظرًا لعدم خضوعها لأي آليات تنظيمية أو أي سلطة مركزية، فضلًا عن مساهمة مستوى إخفاء الهوية وراء الرموز الرقمية في تزايد مخاطر الخسائر غير القابلة للاسترداد. وقد جاء هذا القرار بعدما طلبت السلطات التركية بعض المعلومات التي تتعلق بمستخدمي منصات تداول العملات الرقمية.
وبعد أيام أعدت السلطات التركية مذكرة دولية لتوقيف وتسليم مؤسس منصة “تودكس” لتبادل العملات الرقمية المشفرة “فاروق فاتح أوزار” بواسطة الإنتربول بعد أنباء عن هروبه إلى ألبانيا وبحوزته مليارا دولار من أموال المتعاملين، كما أوقفت الشرطة مدير عام شركة “فيبيتكوين” لتداول العملات الرقمية؛ إذ ألقت الشرطة القبض على مدير عام هذه المنصة وثلاثة من موظفيها في إطار تحقيق حول شبهة احتيال.
الوضع القانوني للبيتكوين حول العالم
يختلف الوضع القانوني للبيتكوين من دولة لأخرى، فعلى الرغم من حظر بعض الحكومات حول العالم لتداولها بسبب تأثير ارتفاع قيمتها السوقية على قيمة العملات القانونية في الدول، إلا أن هناك بعض الدول الأخرى التي تدعمها وتقنن تداولها، وقد نشر موقع “هاو ماتش” خريطة توضح مدى قبول مختلف الدول حول العالم للبيتكوين.
ومن بين 246 دولة هناك 99 دولة (40% من دول العالم) ليست لديها قوانين مُقيدة للبيتكوين، بينما نحو 17 دولة (7% من دول العالم) تتعامل مع البيتكوين باعتبارها عملة غير قانونية. وعلى الجانب الآخر هناك 130 دولة (53% من دول العالم) لم تعلق بعد على عملة بيتكوين أو شرعية استخدامها داخل هذه الدول.
تطور أداء “بيتكوين” خلال السنوات الأخيرة
بدأ تداول عملة البيتكوين منذ عام 2010 عند سعر أقل من دولار، لتصل إلى نحو 30 دولارًا بحلول منتصف عام 2011، ومن ثم استمرت على التذبذب بين الارتفاع والانخفاض لتسجل حوالي 11.7 ألف دولار في أغسطس 2019 ولكنها انخفضت من جديد خلال مارس 2020، ثم تجاوز سعرها 40 ألف دولار في أوائل يناير 2021، وبعد مرور أربعة أيام انخفضت إلى 34 ألف دولار في الثاني عشر من يناير 2021، وعقب ذلك، تجاوزت قيمة العملة للمرة الأولى عتبة 60 ألف دولار في منتصف مارس، لتتراجع عقب ذلك إلى 58.3 ألف دولار في الثامن من أبريل.
ومن الجدير بالذكر أنها واصلت انخفاضها بشكل مستمر وملحوظ مسجلة مستويات أقل من 50 ألف دولار لتفقد نحو 180 مليار دولار في سبعة أيام فقط بحلول الثاني والعشرين من أبريل، ولكنها عاودت الارتفاع من جديد إلى 54.75 ألف دولار في السابع والعشرين من أبريل.
ويدلل الشكل الآتي على مدى تذبذب العملة الرقمية الأشهر في العالم:
وتعتبر الكثير من الدول تذبذب أسعار العملات الرقمية يُعتبر أحد السمات الرئيسة لهذا السوق، استثمارًا محفوفًا بالمخاطر ينبغي إصدار بعض القواعد التنظيمية لاستخدامها وتداولها، فعلى الرغم من وجود احتمالية لتحقيق أرباح طائلة، إلا أن هناك احتمالية أخرى لوقوع خسائر باهظة مع عدم وجود أي مؤشرات أو دلالات يمكن الاعتماد عليها لتوقع الأسعار المستقبلية للعملات الرقمية. كما يتضح من الشكل أنه رغم تذبذب قيمة العملة إلا أنها تتبع اتجاهًا تصاعديًا على مدى الأجل الطويل.
أما عن تداول “بيتكوين” في مصر، فقد أظهرت أحدث البيانات الصادرة عن مؤسسة ” Localbitcoins” أن أحجام تداول العملات المشفرة على منصات “peer to peer “في مصر ارتفعت بالفعل في الربع الأول من عام 2021؛ إذ بلغ حجم التداول الأسبوعي للعملات المشفرة في المتوسط 205 آلاف دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري. ووفقًا لموقع “Bitcoin. Com”، كشفت البيانات أيضًا أن المتداولين الذين تقل أعمارهم عن 34 عامًا هم المحركون الرئيسيون للاندفاع الأخير في نشاط سوق التشفير.
باختصار، يُمكن القول إن مخاوف الدول تجاه العملات الرقمية والمشفرة تنبع بشكل أساسي من تذبذب قيمتها وعدم خضوعها لإشراف أي جهة تنظيمية يُمكن مسائلتها عند حدوث أي خلل فضلًا عن تزايد احتمالية استخدامها في الأعمال والأنشطة غير المشروعة.