يوافق الثاني من سبتمبر عام 1945 ذكرى استسلام اليابان كآخر دول المحور في مواجهة الحلفاء وانتهاء الحرب العالمية الثانية رسميًا والتي استمرت لمدة ست سنوات ويوم، حيث بدأت في الأول من سبتمبر عام 1939 في أوروبا، وانتهت بالمحيط الهادي في اليابان التي وقّعت وثيقة الاستسلام دون قيد أو شرط، حيث كان ذلك ثقيلًا على الشخصية اليابانية التي اعتادت الانتصار في حروبها، مما أسفر عن تمرد بعض القيادات في شكل ثورة على قرار الاستسلام الذي تمّ إقراره وإعلانه بواسطة إمبراطور اليابان نفسه، مما نتج عنه انتحار العديد من القادة العسكريين والسياسيين.
تكونت قوات المحور بقيادة ألمانيا النازية من إيطاليا واليابان أساسًا وبعض الدول الأخرى، بينما تكونت قوات الحلفاء في المرحلة الأولى من بريطانيا وفرنسا أساسًا وبعض الدول الأخرى. وفي المرحلة الثانية وبعد هجوم اليابان على بيرل هاربور في السابع من ديسمبر 1941، قررت الولايات المتحدة دخول الحرب لتقود الحلفاء في غرب أوروبا، وتولَّى الاتحاد السوفيتي القيادة في شرقها بعد فض اتفاقه السري مع ألمانيا لمحاربة الحلفاء واقتسام أوروبا فيما عُرف باتفاق (كلاشنكوف-روبنتروب) بين وزيري خارجية الدولتين، لتزحف قوات الحلفاء من شرق وغرب أوروبا لتلتقي داخل برلين في أبريل 1945 وتستسلم ألمانيا وينتحر زعيمها النازي أدولف هتلر، حيث سبقتها إيطاليا في الاستسلام، لتبقى اليابان وحدها تقاتل بعناد في مستعمراتها في جنوب شرق آسيا، وخاصة في الفلبين وشبه الجزيرة الكورية قبل تقسيمها، وفي منشوريا، بالإضافة إلى القتال البحري العنيف في المحيط الهادي ضد أساطيل الولايات المتحدة وبريطانيا.
وسوف نقتصر هنا على تلك المرحلة الأخيرة التي ارتبطت بهزيمة اليابان وانتهاء الحرب العالمية الثانية رسميًا.
بعد هزيمة واستسلام قُطْبَيِ المحور في أوروبا، تم تركيز الحلفاء ضد اليابان وحدها، وكانت هناك دوافع انتقام إضافية لدى كلٍّ من بريطانيا بسبب إغراق أكبر سفنها (أمير ويلز) ولرد هيبتها البحرية، وكذلك الولايات المتحدة للرد على مأساة (بيرل هاربور) التي تركت جرحًا غائرًا في الكبرياء الأمريكي السياسي والعسكري. ولذلك، لم يقتصر الهدف النهائي للحلفاء على هزيمة اليابان بحريًا وفي مستعمراتها فقط؛ بل امتد ليشمل اليابان ذاتها واحتلال أراضيها.
وكان مفتاح الجنوب اليابسي الياباني وخط دفاعها الخارجي الأخير هو جزيرة (إيوجيما) الوعرة التي دار عليها قتال ضارٍ ضد القوات الأمريكية المهاجمة بالإنزال البحري والمظلي المتزامن، حيث بلغت خسائر الجانبين 26 ألف مقاتل بين قتيل وجريح خلال بضعة أيام انتهت باحتلال الجزيرة استعدادًا للوثوب إلى داخل اليابان. ويُخلّد تلك المعركة نصب تذكاري ضخم في واشنطن العاصمة يمثل مجموعة من الجنود الأمريكيين يغرسون علم الولايات المتحدة في قمة تلك الجزيرة الصخرية.
في تلك الأثناء كان فريق علماء الذرة الأمريكيون القابعون منذ بضع سنين في مبنى سري تحت الأرض في جزيرة مانهاتن بنيويورك، قد أنهوا آخر تجارب التفجير الذري المعملي وجاهزين لتنفيذ أول تفجير حي سيراه الرئيس الأمريكي “هاري ترومان” الذي خَلَفَ الرئيس “روزفلت” الذي بدأ الحرب، ومعه مجلس الحرب الأمريكي، وهو ما تم في 16 يوليو 1945 في صحراء نيفادا، وكانت النتيجة مبهرة ومفزعة ومخيفة في الوقت ذاته رغم صغر حجم تلك القنبلة الذرية، حيث موجة الحرائق والحرارة المدمرة التي بلغت 3900 درجة مئوية! وموجة الضغط الهائلة التي أسقطت المباني وثَنَت حديد نوافذها رغم بعد المسافة وصِغَر السطح المعرّض، بالإضافة إلى الإشعاعات الذرية التي ستستمر لسنين طويلة ضد البشرية والحياة البرية والبيئة خاصة في اتجاه الريح. حيث تعمل القنبلة الذرية بنظرية الانشطار المتتالي للنواة، عكس القنبلة الهيدروجينية التي تعمل بنظرية الاندماج المتتالي للنواة وهي أشد فتكًا ولم تُستخدم ضد هدف حي حتى الآن، وندعو الله ألا تُستخدم.
هنا، أصدر الرئيس الأمريكي “ترومان” أخطر قرار عسكري في تاريخ الحروب ضد الإنسانية، حيث أُسقطت أول قنبلة ذرية حية ذات تفجير سطحي على هدف إنساني فوق مدينة هيروشيما، وذلك في الساعة 8:15 صبيحة 8 أغسطس التالي بواسطة طائرة من طراز بي 29 يقودها العقيد طيار “بول لتبتي” والتي راح ضحيتها 90 ألف فرد على أرجح التقديرات رغم أن القنبلة كانت عيارية صغيرة أُطلق عليها الاسم الرمزي (الطفل الصغير)، وانتظر الأمريكيون سماع نبأ استسلام اليابان ولكنه لم يأتِ، فأسقطوا ثاني وآخر قنبلة حية في التاريخ حتى الآن ذات تفجير فوق السطح نظرًا للطبيعة الجبلية لمدينة ناجازاكي (الميناء الصناعي العسكري) بعد ثلاثة أيام من نفس نوع الطائرة، والتي قادها النقيب طيار “كيرميت بيهان” في الساعة 1100 من صباح يوم 9 التالي، وكانت أكبر من سابقتها تحت الاسم الرمزي (الطفل السمين)، وحصدت أرواح 80 ألف قتيل، حيث قللت الطبيعة الجبلية من الخسائر البشرية مقارنة بهيروشيما.
جهزت القيادة الأمريكية القنبلة الثالثة التي لم تُنفذ نظرًا لإعلان إمبراطور اليابان “هيروهيتو”، في 14 أغسطس، قبول انتهاء الحرب مع تجنّب كلمتي “الاستسلام” أو “الهزيمة”؛ حيث تم بدء احتلال اليابان في 28 أغسطس بواسطة قوات الولايات المتحدة، بينما احتلّ الاتحاد السوفيتي -بعد إعلانه الحرب على اليابان- أرخبيل (مجموعة جزر) الكوريل الممتد بين أراضيه وبين الشمال الياباني، كما انسحبت اليابان من كل مستعمراتها السابق ذكرها، لينتهي المشهد بتوقيع اليابان وثيقةَ الاستسلام دون قيد أو شرط في 2 سبتمبر التالي على ظهر المدمرة الأمريكية (يو إس إس ميسوري) الراسية في ميناء ياباني بواسطة الجنرال الأمريكي “ريتشارد سازرلاند” ووزير الدولة للخارجية اليابانية “مامورو شيجمتسو”.
حيث أُسدل الستار على أكبر مأساة إنسانية راح ضحيتها 73 مليون قتيل وجريح عسكري ومدني كان قرابة نصفهم من الاتحاد السوفيتي، ليتم استحداث منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن -بعد فشل تجربة عصبة الأمم- كآلية دولية لوقف القتال، وبدء الحلول السياسية، لتنتهي مرحلة الحروب العالمية اللا نهائية الهادفة إلى النصر الكامل والهزيمة الكاملة للخصم، وإملاء الشروط التي غالبًا ما تكون مجحفة، ولتصبح الحروبُ -كما أسميتُها- مرحلة وسيطة بين السياسة والسياسة، ولعل مثال حرب أكتوبر المجيدة من أفضل الأمثلة على ذلك.