حرص السيد / الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال الفترة الأخيرة على التأكيد على قضية “الوعي” في كافة المناسبات الوطنية التي شهدتها البلاد وذلك إرتباطاً بقناعة سيادته التامة بالأهمية الكبيرة التي تمثلها هذه القضية بالنسبة للدولة المصرية في حاضرها ومستقبلها، وتأكيداً على أن قضية بناء الوعى الحقيقى تعد من أهم القضايا التى تركز عليها الدولة خلال المرحلة الحالية .
ومن ثم فإن قضية “الوعي” أصبحت لا تقل في أهميتها عن أية قضية تواجهها الدولة في أي مجال، بل يمكن القول أن هذه القضية تمثل الوعاء الذي تتكامل فيه تحديات وإهتمامات الوطن والمواطن من أجل أن ينصهر الإثنان في بوتقةٍ وطنيةٍ واحدة .
وبعيداً عن الجانب النظري أو التنظيري الذي يتعلق بتعريف المعنى العلمي لكلمة “الوعي” والتي قد يصعب أن نصل إلى مفهوم أو معنى موحد لها، أجد نفسي مطالباً بمحاولة تبسيط هذا المعنى حتى يصل إلى المواطن بكل يسرٍ وسهولة، ومن ثم ففي رأيي أن “الوعي” يعيى أن يكون المواطن المصرى وخاصة رجل الشارع على معرفة عامة – قدر المستطاع – بأهم قضايا بلاده ومجالات إهتمامها وأولوياتها والمخاطر التي تواجهها والجهود التي تبذلها الدولة داخلياً وخارجياً من أجل رفعة شأن الوطن والمواطن وحماية الأمن القومي للبلاد في وقتٍ تزايدت فيه المخاطر وتراجعت الحروب التقليدية لصالح معارك جديدة لم نألفها من قبل تسمى حروب الجيل الرابع .
وحتى أكون أكثر منطقية وموضوعية فمن المؤكد أنه من الصعب أن يصل المواطن العادي إلى مرحلةٍ متقدمة بحيث تكون لديه كافة التفصيلات المتعلقة بقضايا ومشكلات الدولة، إلا أنه في نفس الوقت لابد أن يكون لدى المواطن الحد الأدنى من المعرفة بأهم الجهود التي تبذلها قيادته السياسية على المستويين الداخلي والخارجي وخاصة بالنسبة للمخاطر المحيطة بالدولة وكذا الإنجازات الملموسة التى تتحقق على الأرض وتعود إيجابياتها لصالح تقدم الدولة ورفع مستوى المعيشة بشكلٍ عام .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا يتمثل في ماهي طبيعة المحددات المطلوبة والضرورية من أجل أن يصل المواطن المصري إلى درجة يمكن أن أطلق عليها الحد المعقول من “الوعي” ، وفي رأيي أن هناك ستة محددات أساسية في هذا الشأن وهى ما يلى :
المحدد الأول : أن يكون هناك إرتباطاً وثيقاً بين المواطن وقيادته السياسية بحيث تكون معادلة التكامل بينهما قائمة وراسخة وقوية لا تؤثر فيها أية أحداث طارئة يمكن أن تشهدها الدولة .
المحدد الثاني : أن يكون لدى المواطن الأمل فى مستقبل أفضل وأن يكون هذا الأمل متواصلاً ولا يتأثر كثيراً بأية معوقات مهما كان حجمها .
المحدد الثالث : أن يصبح المواطن جزءاً لا يتجزأ من الدولة بكل مكوناتها بحيث يصبح كلٍ من الوطن والمواطن طرفى منظومة واحدة ومتفاعلة يكمل كل منهما دور الآخر .
المحدد الرابع : أن يعى المواطن أن إستقرار الدولة ضرورة لا غنى عنها ولا يجب المساس بها فى ظل أية ظروف، كما عليه أن يقتنع تماماً أن العبث بإستقرار وأمن الوطن يعد خطاً أحمر، وأن الخروج عن هذا السياق يعني ضياع الدولة وكل منجزاتها كما حدث مع دول عديدة فى المنطقة .
المحدد الخامس: أن يكون المواطن على بينةٍ من طبيعة المفاهيم البسيطة للقيم الإنسانية المنبثقة عن المبادئ السمحة للأديان السماوية التي تنادى بالمساواة والعدل والتسامح وقبول الآخر ونبذ التعصب والتطرف .
المحدد السادس : أن يعي المواطن حقوقه وواجباته وأن يعلم أن حرياته التي كفلها له الدستور لا تعنى المساس بحرية الآخرين أو العبث بمقدرات الدولة وكيانها .
وإذا سلمنا بأن قضية “الوعي” بهذه الأهمية الفائقة – وهي من المؤكد كذلك – فلابد أن تكون هناك أدوات ووسائل قادرة على المساهة في أن يصل المواطن إلى حالة الوعي المعقولة والمقبولة، وفي هذا المجال أستطيع أن أحدد أن هناك دورين رئيسيين أحدهما يقع على كاهل الدولة والآخر مسئولية المواطن وعلى كلٍ منهما القيام به وذلك على النحو التالى:
دور الدولة
أهمية قيام وسائل الإعلام – بمختلف أنواعها – بالدور التنويرى الذى من شأنه أن يجذب المواطن إلى دائرة الفهم المبسط لكل ما يدور فى الدولة بإسلوبٍ سهل يصل إلى كل المواطنين فى كل أنحاء البلاد يعتمد على الحقائق ويبتعد عن التهوين أو التهويل ، وفى رأيى أن دور الإعلام فى هذا الشأن يعد من أهم الأدوار التى يمكن أن يقوم بها لخدمة الدولة خاصة فى المرحلة القادمة التى تتطلب أن تتضافر كل الجهود من أجل أن يصبح الوعى جزءاً من حياة وفكر وحركة وسلوك المواطن .
ضرورة قيام المؤسسات المعنية وخاصة وزارات ( التعليم – التعليم العالى – الثقافة – الشباب والرياضة – الهجرة وشئون المصريين بالخارج – ) بدورها فى بث البرامج والمبادئ والمناهج العملية والواقعية التى من شأنها ربط المواطن بالوطن وكذا توعية المواطن بقضايا وهموم وإنجازات ونجاحات بلاده بإسلوب مبسط قادر على أن يصل إلى عقلية المواطنين بصورة مباشرة .
استمرار الدولة في تقديم برامج الحماية الاجتماعية والصحية للطبقات الفقيرة والأكثر إحتياجاً وخاصة برنامج حياة كريمة وتطوير الريف المصري الغير مسبوق والذى يخدم حوالي ٦٠ مليون مواطن ، ولاشك أن هذا الأمر سوف يزيد من أواصر الثقة والإندماج بين المواطن والدولة .
دور المواطن
• أن يكون لدى المواطن الثقة الكاملة فى قيادته السياسية والقناعة بأن كل الجهود التى تقوم بها سوف تصب فى النهاية لصالحه وصالح الأجيال القادمة فى الحاضر وفى المستقبل .
• أن يؤدى كل مواطن العمل المنوط به بإعتبار أن هذه هى مسئوليته الرئيسية التى يجب عليه القيام بها على أكمل وجه .
• أن يحرص المواطن من جانبه وبقدر المستطاع على متابعة الجهود التى تقوم بها الدولة على المستويين الداخلى والخارجى .
• ألا يسمح المواطن بأن تصل الأمور فى ظل أى وضع إلى التأثير على أمن وإستقرار الدولة وخاصة ضرورة الوقوف فى وجه ما تبثه منصات التواصل الإجتماعى من شائعات ومحاولات لزرع الفتن والشكوك .
وفى ضوء ما سبق فلاشك أن قضية “الوعي” لم تعد نوعاً من الترف أو محاولة للبحث عن معالجة قضايا ثانوية بل أضحت قضية رئيسية شديدة الأهمية والحساسية نظراً لأنها تقوم على أساس محاولة إستكمال بناء منظومة الإنسان ليس فقط من النواحى المادية ولكن أيضاً من النواحي الأخرى التى تدفع المواطن إلى أن يكون أكثر قوة وتحصيناً فى مواجهة المخاطر التي أصبحت تركز بوسائل متعددة على كيفية المساس بجوهر القيم الإنسانية ، بل والأخطر من ذلك محاولة التأثير على قوة الدولة ليس بالوسائل العسكرية المعروفة ولكن من خلال إنتهاج أساليب تدريجية متنوعة هدفها النهائى هدم المواطن ومن ثم يسهل هدم الوطن، ولذا فإن الوعى في رأيي سوف يمثل حائط الصد الأول في مواجهة كافة هذه المخاطر والتهديات بكافة أنواعها .