أصبح مبدأ المساواة بين الجنسين ذا أهمية متزايدة في العالم، وهدفًا رئيسيًّا تسعى إليه جميع الدول، وكان نتاج ذلك تغير الحوار حول المرأة الإفريقية، وإيجاد سبل لتمكينها في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حيث يُعد تمكين المرأة عنصرًا حاسمًا في قوة إفريقيا.
وبكل تأكيد فإن تعزيز المساواة بين الجنسين في الدول الإفريقية يمكن أن يؤدي بالفعل إلى تأثيرات تحويلية عبر كل القطاعات، مما يؤدي إلى تحسين الصحة والتعليم والأمن الاقتصادي، وبناء عليه تحركت العديد من الدول الإفريقية لتمثيل النساء كصانعات سياسات في الحكومات الوطنية والإقليمية كالدولة الإثيوبية التي صادق البرلمان الإثيوبي بها في أكتوبر الماضي على تعيين أول امرأة في تاريخ البلاد وهي “سهلى زودي” لتكون رئيسة للدولة الإثيوبية.
تمكين المرأة الإثيوبية:
تُعد “زودي” الرئيس الخامس للبلاد منذ الإطاحة بالإمبراطور “هايلي سيلاسي”، ويأتي تعيينها في إطار الإصلاحات الجذرية التي بدأها رئيس الوزراء “آبي أحمد” بتمكين المرأة، وإعطاء الفرص الكبرى لها في الحكم.
وفي إطار إصلاح الوزارات المعنية، وإزالة جدران البيروقراطية، وتقديم الابتكار والتكنولوجيا، نالت المرأة الإثيوبية نصف التشكيلة الحكومية الأخيرة بعدد عشر حقائب وزارية، فأصبحت إثيوبيا الدولة الإفريقية الوحيدة التي قامت بتمثيل متساوٍ للجنسين في مجلس الوزراء، فضلًا عن تولي “عائشة محمد” وزارة الدفاع، وهي أول امرأة مدنية تتولى تلك الحقيبة الوزارية في القارة الإفريقية، بالإضافة إلى تمثيل المرأة الإثيوبية بنسبة 40% من إجمالي عدد نواب البرلمان الإثيوبي.
وقد أتى تعيين “زودي” رئيسة لإثيوبيا بمثابة إشارة رمزية تتعدى حدود الدولة الإثيوبية بأن المرأة قادرة على المشاركة في الحياة العامة كصانعة ومتخذة للقرار.
التفاوت لا يزال قائما:
وعلى الرغم من التغييرات التي تحدث بأروقة السلطة في العاصمة أديس أبابا، لا يزال التفاوت بين الجنسين قائمًا في ثاني أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان، إذ تحتل إثيوبيا المرتبة الحادية والعشرين بعد المائة من أصل مائة وستين دولة في مؤشر الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين القائم على التدابير الاجتماعية والصحية والسياسية.
ولا يزال زواج الأطفال شائعًا، حيث يتزوج 58% من النساء قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة، ولا يزال الختان شائعًا رغم القوانين الصارمة المانعة لهذا الجرم، حيث يخضع 74% من الفتيات لعمليات الختان وفقًا لمنظمة اليونيسيف، فالنساء بإثيوبيا محرومات بشدة مقارنة بالرجال من العديد من المجالات، بما في ذلك محو الأمية، والصحة، وسبل العيش، وحقوق الإنسان الأساسية.
وهذا ما دفع “زودي” إلى استخدام هذه المناسبة التاريخية لإبراز الحاجة إلى بناء مجتمع يرفض اضطهاد المرأة من خلال تعزيز المساواة بين الجنسين في الوصول إلى الفرص الاقتصادية، والتعليم، ودعم صحة المرأة، وخلق فرص أكثر انصافًا لها في المجتمع، ومعالجة الأسباب الجذرية للعنف المنزلي وزواج الأطفال، وكذلك اتخاذ خطوات لإنفاذ ودعم التشريعات الرامية إلى حماية المرأة وأطفالها، وحظر العنف القائم على نوع الجنس.
ليست السابقة الأولي:
تجدر الإشارة إلى أن تعيين “زودي” رئيسة لإثيوبيا لم يكن المحاولة الأولى نحو تمكين المرأة الإفريقية، فكانت رواندا رائدة في هذا الصدد، حيث شكلت النساء ثلثي مجلس النواب في البرلمان بنسبة 64%، وهي النسبة الأعلى في العالم في سابقة عالمية، وتعيين رئيس جنوب إفريقيا “جاكوب زوما” للقاضية “مانديسا مايا” رئيسًا لمحكمة الاستئناف العليا، مما جعلها أول امرأة تشغل هذا المنصب.
وجاء تعيين المهندسة “نادية عبده” كأول سيدة تقوم بأعمال المحافظ أول قرارات عام المرأة بجمهورية مصر العربية، كما تولت “سعاد عبدالرحيم” منصب رئيسة بلدية العاصمة تونس، فأصبحت بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب، كما احتفلت نيجيريا بالكابتن “جميلة ملافة” لتصبح أول امرأة من شمال البلاد ترتقي إلى رتبة الكومودور، وهي تعادل رتبة العميد بالجيش، كما تم تخصيص مساحة واضحة للمرأة في المناصب القيادية في بوروندي وأنجولا وموزمبيق وتنزانيا وأوغندا وأريتريا.
لم يأتِ تمكين المرأة على الصعيد الحكومي فقط، بل تلعب المرأة الإفريقية دورًا فعالًا في العديد من المجالات، مثل “نجوزي” النيجيرية التي أعلنت شركة تويتر الاجتماعية تعيينها بمجلس إدارتها، و”فاطمة سمورة” السنغالية التي أصبحت أعلى مسئول نسائي وأول امرأة تحصل على منصب أمين عام الفيفا.
إن الدول الإفريقية اليوم تمر بنقطة محورية في تاريخها بعد عقد غير مسبوق من النمو الاقتصادي، وبكل تأكيد فإن التنمية في البلدان الإفريقية -كما في غيرها من الدول- تحتاج إلى مزيدٍ من الاستثمار في الموارد البشرية، والاستفادة الكاملة من المهارات والمواهب بما في ذلك النساء لتقدم اقتصاداتها ومجتمعاتها، فالنساء هن مفتاح الرعاية لأسرهنّ وأطفالهن وصوت مجتمعاتهن ودولهن، فأصبح مفهوم “التمكين” الآن واجبًا للمساهمة في النهضة الإفريقية. ففي الماضي كان دور المرأة الأفرو-عربية يقتصر على الحفاظ على العادات والتقاليد والموروث الوطني والثقافي، وكذلك تعليم أبنائهن احترام القيم التقليدية والتاريخ. إلا أن المرأة اليوم أدركت أنها لا تزال وسط هذه التقاليد، لكنها بحاجة إلى إزالة الحواجز التي تعيق تقدمها، وأنه يمكنها أن تتبوأ أعلى المناصب القيادية، فعلى الرغم من التقدم الملموس الذي عرفته وضعية المرأة الإفريقية، فلا بد الجزم بما ينتظر القارة من أشواط على هذا الدرب، مما يتطلب مزيدًا من الجهود من أجل تطوير المشاركة الفعلية الواسعة للنساء في مسارات التنمية، وفي مواقع صنع القرار، ومن أجل استثمار أمثل لإقبالهن الكبير على ريادة الأعمال في القارة الإفريقية.