“تعتبر الأزمة الاقتصادية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا هي الأسوأ على مستوى العالم منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث تشير التوقعات إلى انكماش اقتصاد 170 دولة في جميع أنحاء العالم انكماشًا حادًا هذا العام. وسوف يتأثر الاقتصاد المصري كسائر اقتصاديات الدول الأخرى تأثرًا سلبيًّا، وبالأخص القطاعات الهشة التي تتأثر بصورة مباشرة وكبيرة بالأزمات، مثل: البورصة، وقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة”، هكذا قالت “ريم السعدي”، المدير الإقليمي لبرنامج المشروعات الصغيرة والمتوسطة في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، بشأن تأثير تفشي وباء كورونا على قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة الذي يعتبر من العوامل المحورية في تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في الاقتصادات الناشئة، حيث يلعب دورًا فاعلًا في توفير فرص العمل، واستيعاب عدد كبير من العاطلين والباحثين عن وظائف مناسبة. ويعمل بالشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر من 75% من العمالة المصرية، ولذا فهي تُعد أكبر موظِّف للعمالة في مصر.
وانطلاقًا من أهمية هذا القطاع للاقتصاد المصري، ومن تأثير هذا الفيروس المستجد على كافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية؛ يعرض هذا المقال لأهم آثار انتشار المرض على هذا القطاع، وكيف قدمت الحكومة المصرية ومنظمات المجتمع المدني يد العون لمساعدته في تجاوز هذه الأزمة، مع تقديم أهم التوقعات حول مستقبل الشركات الصغيرة والمتوسطة بعد انتهاء الأزمة.
أولًا- تداعيات انتشار فيروس كورونا على قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة
هناك مجموعة من المعايير المحددة والدقيقة حتى يمكن تصنيف مشروع ما ضمن المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث تضم المشروعات الصغيرة كل مشروع يبلغ حجم أعماله السنوية ما يتراوح بين مليون جنيه وحتى 5 ملايين جنيه، أما المشروعات المتوسطة فتتضمن كل مشروع يبلغ حجم أعماله السنوية 50 مليون جنيه ولا يتجاوز 200 مليون جنيه. انطلاقًا من هذا التعريف، يمكن الاستدلال على حجم تأثير تفشي الفيروس والإجراءات الاحترازية المتبعة للحد من انتشاره على أعمال هذا القطاع الذي يتسم بحجم صغير نسبيًا من رؤوس الأموال.
تعاني المشروعات الصغيرة والمتوسطة من الاضطرابات المفاجئة التي تعرّض لها السوق بفعل انتشار فيروس كورونا، مع انخفاض معدلات التجارة الداخلية والخارجية، وتراجع نشاط البيع والشراء. ومن المرجّح أن تتعرض تلك الشركات لنقص وعجز في السيولة النقدية خلال الفترات المقبلة بضغطٍ من هبوط حجم المبيعات الناتج عن خسارة العملاء، وهو الأمر الذي يجعلها تواجه صعوبة في الوفاء بالالتزمات المالية ودفع الرواتب بانتظام من أجل حماية حقوق العمال والموظفين واستمرار النشاط الاقتصادي، ولهذا تزيد احتمالات أن تضطر هذه الشركات إلى تسريح عدد كبير من قوتها العاملة لكي تخفض من حجم التكاليف. وفي الحالات القصوى، ومع استمرار قرار حظر التجوال لفترة أطول، من المتوقع أن تلجأ بعض الشركات إلى إعلان إفلاسها في حالة عدم قدرتها على تجاوز تداعيات الأزمة. وحذر بعض الخبراء الاقتصاديين من خطورة امتلاك الشركات الصغيرة والمتوسطة احتياطات مالية محدودة يُمكنها أن تنتهي في غضون شهرين فقط، وبعد ذلك ستُفلس الشركات بسبب اعتمادها على تلك الاحتياطات في دفع الرواتب وتغطية التكاليف الأخرى، وذلك بالتوازي مع انقطاع مصادر الدخل المتجددة، وانخفاض الإيرادات والتدفقات النقدية بما يصل إلى النصف مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي في ظل خفض عدد ساعات العمل، وبقاء عدد كبير من الموظفين في منازلهم خوفًا من الإصابة بالعدوى.
وعبّر عدد لا بأس به من أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة -خاصة تلك العاملة في مجالات مثل: التسويق الإلكتروني، وتوصيل الطعام والتجارة بالتجزئة- عن امتعاضهم بشأن تأثير الفيروس سلبًا على أعمالهم، وذلك بسبب انخفاض عدد العملاء المترددين على تلك المتاجر، وكذلك تراجع عدد الأشخاص الذين يطلبون طعامًا من خارج المنزل خشية انتقال المرض عبر الشخص القائم بأعمال التوصيل.
ثانيًا- إجراءات مساندة الشركات الصغيرة والمتوسطة
لم تقف الدولة مكتوفة الأيدي أمام وقوع الشركات الصغيرة والمتوسطة تحت وطأة ضغوط فيروس كورونا، ولهذا قدمت العديد من الإجراءات التحفيزية التي تمثلت في تأجيل مدفوعات الضرائب، والمساعدة في تغطية نسبة من أجور العاملين، مع دعم القطاعات المتضررة عن طريق توفير السيولة والائتمان، وتخفيف الأعباء عن الشركات العاملة في هذه القطاعات. ويُمكن تقسيم هذه الجهود وفقًا للجهة المسئولة على النحو الآتي.
1- البنك المركزي
يُعد البنك المركزي المصري من أكثر الجهات الداعمة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. وفي هذا الإطار، قَرر في السادس والعشرين من مارس تأجيل أقساط قروض الشركات الصغيرة والمتوسطة لمدة ستة أشهر لتخفيف حدة تداعيات فيروس كورونا. كما أصدر تعليمات للبنوك تتضمن إجراءات استثنائية كتأجيل الاستحقاقات الائتمانية للشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وتعليق غرامات تأخر السداد مع إلغاء الرسوم والعمولات على عمليات نقاط البيع والسحب من الصرافات الآلية والمحافظ الإلكترونية خلال المدة نفسها.
علاوة على ذلك، أعلن “طارق عامر”، محافظ المركزي المصري، أن البنك يخطط لتجديد مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة –التي تُلزم البنوك المحلية بتوجيه ما لا يقل عن 20٪ من محافظ قروضها إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة- لمدة أربع سنوات أخرى، أي حتى عام 2024. وقد ساهمت هذه المبادرة حتى بداية العام الجاري في ضخ 160 مليار جنيه لتمويل 86 ألف شركة صغيرة ومتوسطة. وأخيرًا، حدّد البنك المركزي معدلات إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة عند مستويات منخفضة تتراوح بين 5% إلى 12% وفقًا لحجم الشركة.
2- لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بجمعية رجال الأعمال
جمعية رجال الأعمال هي إحدى الجهات المعنية بتعزيز مكانة المشروعات الصغيرة والمتوسطة داخل المجتمع المصري، ولهذا فهي تبحث دائمًا عن أفضل السبل الممكنة لمساعدة تلك المشروعات. وفي ظل الظروف الراهنة، تدرس لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة التابعة للجمعية إمكانية دعم الجمعيات المعنية بتمويل متناهي الصغر عبر تأجيل الأقساط لبعض الشركات التي تواجه مشاكل مالية تتعلق بالسيولة النقدية. كما ساعدت الجمعية في خلق فرص استثمارية جديدة بمجالات تصنيع أقنعة الوجه والقفازات الطبية، وذلك انطلاقًا من فكرة استغلال زيادة الطلب على منتجات بعض القطاعات بعينها دون الأخرى خلال فترة الأزمات، مثل الصناعات الغذائية والمستلزمات الطبية.
3- جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر
استمرّ جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في تقديم الدعم اللازم لجميع الشركات الممولة من خلاله حتى تنتهي أزمة كورونا وتتلاشى آثارها الاقتصادية السلبية. كما قرّر الجهاز تمديد فترة سداد القروض الممنوحة لأي مشروع تضرر أو واجه عقبات أدت لإغلاقه أو تراجعت إنتاجيته لمدة ثلاثة شهور دون فرض أي فوائد أو غرامات. كما ساعد الجهاز في توفير منتجات التعقيم والمسلتزمات الطبية لسد احتياج تلك المشروعات.
وإلى جانب ما سبق، قدم الجهاز في السابع من أبريل مبادرة جديدة لدعم كافة المشروعات الصغيرة المتضررة من الفيروس، تمثّلت في توفير قرض بقيمة مليون جنيه لهذه الشركات ضمن جهود الاستجابة لمساندة تلك المشروعات.
ثالثًا- ماذا بعد انتهاء الأزمة؟
سيجبر فيروس كورونا الشركات الصغيرة والمتوسطة على اتخاذ مسارات مستقبلية بديلة بعيدة عن الطرق التقليدية المتعارف عليها، وذلك في حالة قدرتها على الاستمرار في أعمالها رغم كل التأثيرات السلبية سالفة الذكر. وتتمثل تلك البدائل الموجودة أمامها في تعزيز مساعيها للعمل على حماية أعمالها من أي أزمات أو صدمات مستقبلية، مثل: زيادة الاحتياطات النقدية المتواجدة لديها، أو تقليص حجم النفقات قدر الإمكان، مع الاعتماد على فكرة العمل عن بعد كي لا تتأثر فيما بعد إذا واجهت مثل هذه الظروف مرة أخرى، فضلًا عن تطبيق وسائل تقنية حديثة للتخفيف من الآثار السلبية للأمراض والأوبئة والاهتزازات السوقية العنيفة.
كما يتطلب استئناف نمو قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بعد انتهاء جائحة كورونا العديد من الإجراءات، ومن أهمها: التوسع في إنشاء الشركات الداعمة للقطاع مثل شركات التأجير التمويلي، مع تشييد جهاز بحثي من أجل استكشاف الفرص الاستثمارية الجديدة في السوقين المحلي والخارجي، وتطوير منصة معلوماتية لشركات الصناعات التكميلية وإعطائها الأولوية في التمويل بهدف توفير احتياجات الصناعات الوطنية من مستلزمات الإنتاج والسلع الوسيطة والتي تأثرت بتوقف سلاسل التوريد العالمية، هذا بالإضافة إلى ابتكار طرق جديدة لتسويق المنتجات بشكل غير تقليدي.